دانلود الموجز آيت الله سبحاني – قسمت ششم

الفصل الثاني
الشهرة الفتوائيّة
من الظنون التي قد خرجت عن أصل حرمة العمل بالظن، الشهرة الفتوائية بين القدماء من الفقهاء و هي:
عبارة عن اشتهار الفتوي في مسألة لم ترد فيها رواية معتبرة فمثلاً إذا اتّفق القدماء من الفقهاء علي حکم في مورد، و لم نجد فيه نصاً من أئمّة أهل البيت عليهم السّلام يقع الکلام في حجّية تلک الشهرة الفتوائية.
و الظاهر (وفاقاً لبعض الأعلام) حجّية مثل هذه الشهرة، لأنّها تکشف عن وجود نص معتبر وصل إليهم و لم يصل إلينا حتي دعاهم إلي الإفتاء علي ضوئه، إذ من البعيد أن يُفتي أقطاب الفقه بشيء بلا مستند شرعي و دليل معتدّ به، و قد حکي سيد مشايخنا المحقّق البروجردي في درسه الشريف أنّ في الفقه الإمامي أربعمائة مسألة تلقّاها الأصحاب قديماً و حديثاً بالقبول و ليس لها دليل إلاّ الشهرة الفتوائية بين القدماء بحيث لو حذفنا الشهرة عن عداد الأدلّة، لأصبحت تلک المسائل فتاوي فارغة مجرّدة عن الدليل.

الفصل الثالث
حجية السنة المحکية بخبر الواحد
السنة في مصطلح فقهاء أهل السنة هي قول النبي صلي الله عليه و آله وسلّم أو فعله أو تقريره، والمعصوم من أئمة أهل البيت عليهما السلام يجري قوله و تقريره عندنا مجري قول النبي صلي الله عليه و آله وسلّم و فعله و تقريره، و لأجل ذلک تطلق السنة عند الإمامية علي قول المعصوم و فعله و تقريره دون أن تختص بالنبي صلي الله عليه و آله وسلّم
وليس أئمّة أهل البيت عليهما السلام من قبيل الرواة و إن کانوا يروون عن جدهم عليهما السلام بل هم المنصوبون من اللّه تعالي علي لسان النبي صلي الله عليه و آله وسلّم بتبليغ الأحکام الواقعية، فقد رُزقوا من جانبه سبحانه علماً لصالح الأُمّة کما رزق مصاحب النبي موسي عليهما السلام علماً کذلک من دون أن يکون نبياً، قال سبحانه: (فَوَجَدا عَبدآً مِن عِبادِنا آتَيناهُ رَحمةً مِن عِندنا و علَّمناهُ من لدنّا علماً) (الکهف /65) . فعندهم علم الشريعة وإن لم يکونوا أنبياء و لا رسلاً.
ثم ان الخبر الحاکي للسنة اما خبر متواتر، او خبر واحد. ثم ان الخبر الواحد اما منقول بطرق متعددة من دون ان يبلغ حد التواتر فهو مستفيض و الا فغير مستفيض.
و لا شک في ان الخبر المتواتر يقيد العلم و لا کلام في حجيته و انما الکلام في حجية الخير الواحد اعم من المستفيض و غيره. فقد اختلفت کلمة اصحابنا في ذلک:

أ. ذهب الشيخ المفيد و السيد المرتضي و القاضي ابن البراج و الطبرسي و ابن ادريس الي عدم جواز العمل بالخبر الواحد في الشريعة.
ب. و ذهب الشيخ الطوسي و قاطبة المتاخرين الي الحجيته.
و المقصود في المقام اثبات حجيته بالخصوص و في الجملة مقابل السلب الکلي، و اما البحث عن سعة حجيته سنشير اليها بعد الفراغ عن الادلة.
و قد استدلوا علي حجيته بالادلة الاربعة:
الاستدلال بالکتاب العزيز
استدلوا علي حجيته خبر الواحد بآيات:
1- آية النبأ
قال سبحانه: ( ان جاء کم فاسق بنبا فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين) ( الحجرات/6). و قبل تقرير الاستدلال نشرح الفاظ الآية:
1- التبيين يستعمل لازما و متعديا، فعلي الاول فهو بمعني الظهور، قال سبحانه: (حتي يتبين لکم الخيط الابيض من الخيط الاسود) ( البقره/187).
و علي الثاني فهو بمعني طلب التثبت کقوله سبحانه: (اذا ضربتم في سبيل الله
# لاحظ عدة الاصول:1/338 من الطبعة الحديثه.
# راجع ص 168 قوله: لکن الامعان فيها...
# قال الطبرسي: نزلت الآية في الوليد بن عقبة، بعثه رسول الله صلي الله عليه و آله وسلّم في جباية صدقات بني المصطلق، فخرجوا يتلقونه فرحا به- و کانت بينه و بينهم عداوة في الجاهلية- فظن انهم هموا بقتله، فرجع الي رسول الله صلي الله عليه و آله وسلّم و قال: انهم منعوا صدقاتهم- و کان الامر بخلافه- فغضب النبي صلي الله عليه و آله وسلّم و هم ان يغزوهم، فنزلت الآية. لاحظ مجمع البيان: 5/132 .

فتبينوا و لا تقولوا لمن القي اليکم السلام لست مومنا) ( النساء/94) و معناه في المقام تبينوا صدق الخبر و کذبه.
2- قوله: ( ان تصيبوا قوما بجهالة) علة للتثبت، و المقصود خشية ان تصيبوا قوما بجهالة او لئلا تصيبوا قوما بجهالة.
3- الجهالة ماخوذة من الجهل، فتارة يستدل بمفهوم الشرط، وأخري بمفهوم الوصف. و ربما يحصل الخلط بينهما، ففي تقرير الاستدلال بمفهوم الشرط ينصب البحث، علي الشرط اي مجئ المخبر بالنبأ، دون عنوان الفاسق، بخلاف الاستدلال بمفهوم الوصف حيث ينصب البحث علي عنوان الفاسق مقابل العادل ففي امکان الباحث جعل لفظ آخر مکان الفاسق عند تقرير الاستدلال بمفهوم الشرط لاجل صيانة الفکر عن الخلط، فنقول:
الاول: الاستدلال بمفهوم الشرط
ان الموضوع هو نبا الفاسق، والشرط هو المجئ، والجزاء هو التبين و التثبت، فکانه سبحانه قال: نبأ الفاسق - ان جاء به - فتبينه.
ويکون مفهومه: نبأ الفاسق - ان لم يجئ به - فلا يجب التبين عنه.
لکن للشرط (عدم مجئ الفاسق) مصداقين:
عدم مجئ الفاسق و العادل فيکون عدم التبين لاجل عدم النبأ فيکون من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع.
ب. مجئ العادل به فلا يتبن أيضا فيکون عدم التبين من قبيل السالبة بانتفاء المحمول. اي النبأ موجود و المنفي هو المحمول، اعني: التثبت.

يلاحظ علي الاستدلال: ان المفهوم عبارة عن سلب الحکم عن الموضوع الوارد في القضية، لا سلبه عن موضوع آخر، لم يرد فيها، فالموضوع في المنطوق هو "نبأ الفاسق" فيجب ان يتوارد التثبت منطوقا و عدم التثبت مفهوما علي ذلک.
الموضوع لا علي موضوع آخر کنبأ العادل، وعندئذ ينحصر مفهومه في المصداق الاول و يکون من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع.
وان شئت قلت: ان موضوع هو نبأ الفاسق فعند وجود الشرط، اعني:المجئ بالنبأ، يثبت عنده، و عند عدم المجئ به لايثبت لعدم الموضوع، فخبر العادل لم يکن مذکورا في المنطوق حتي يحکم عليه بشيء في المفهوم.
الثاني: الاستدلال بمفهوم الوصف
و طريقة الاستدلال به واضحة لانه سبحانه علق وجوب التبين علي کون المخبر فاسقا، و هو يدل علي عدم وجوب التبين في خبر العادل، مثل:"في الغنم السائمة زکاة" الدال علي عدمها في المعلوفة.
و إذا لم يجب التثبت عند اخبار العادل، فاما ان يجب القبول و هو المطلوب او الرد فيلزم ان يکون خبر العادل اسوا حالا من خبر الفاسق، لان خبر الفاسق يتبين عنه فيعمل به عند ظهور الصحة، واما خبر العادل فيترک، ولايعمل به مطلقا.
يلاحظ عليه: بما مر من عدم دلالة الجملة الوصفية علي المفهوم.

2. آية النفر
قال سبحانه : (وماکان المومنون لينفروا کافة فلولا نفر من کل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم إذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون (التوبة/122.
تشير الاية الي السيرة المستمرة بين العقلاء من تقسيم العمل بين الافراد، اذا لولا ذلک لا ختل النظام، و لا تشذ عن ذلک مسألة الانذار و التعليم و التعلم، فلا يمکن ان ينفر المومنون کافة لتحصيل احکام الشريعة، ولکن لماذا لا ينفر من کل فرقة منهم طائفة لتعلم الشريعة حتي ينذروا قومهم عند الرجوع اليهم؟
وجه الاستدلال: انه سبحانه اوجب الحذر علي القوم عند رجوع الطائفة التي تعلمت الشريعة و المراد من الحذر هو الحذر العملي، اي ترتيب الاثر علي قول المنذر. ثم ان انذاره کما يتحقق بصورة التواتر يتحقق ايضأ بصورةانذار بعضهم البعض، فلو کان التواتر او حصول العلم شرطا في تحقق الانذار و بالتالي في وجوب الحذر لاشارت اليه الاية، و اطلاقها يقتضي حجية قول المنذر سواء انذر إنذارا جماعيا او فرديا، و سواء افادا العلم او لا.
يلاحظ علي الاستدلال:ان الاية بصدد بيان انه لا يمکن نفر القوم برمتهم، بل يجب نفر طائفة منهم، و اما کيفية الانذار و انه هل يجب جماعيا او فرديا فليست الاية بصدد بيانها حتي يتمسک باطلاقها، و قد مر في مبحث المطلق و المقيد انه يشترط في صحة التمسک باطلاق کون المتکلم في مقام البيان.
و يشهد علي ذلک ان الاية لم تذکر الشرط اللازم، اعني: الوثاقة و والعدالة، فکيف توصف بانها في مقام البيان
؟!

3. آية الکتمان
قال سبحانه: (ان الذين يکتمون ما انزلنا من البينات و الهدي من بعد ما بيناه للناس في الکتاب اولئک يلعنهم الله و يلعنهم اللاعنون (البقرة/159
وکيفية الاستدلال بها هو ان وجوب الاظهار و تحريم الکتمان يستلزم وجوب القبول و الالغي وجوب الاظهار، نظير قوله سبحانه: ( و لا يحل لهن ان يکتمن ما خلق الله في ارحامهن) (البقره/228) فان حرمة کتمانهن لما في ارحامهن يقتضي وجوب قبول قولهن و الا لغي التحريم.
يلاحظ علي الاستدلال: ان الآية في مقام ايجاب البيان علي علماء اهل الکتاب لماانزل الله سبحانه من البينات و الهدي، و من المعلوم ان ايجاب البيان بلا قبول اصلا يستلزم کونه لغوا.اما اذا کان القبول مشروطا بالمتعدد او بحصول الاطمئنان او العلم القطعي فلا تلزم اللغويه، و ليست الاية في مقام البيان من هذه الناحية کاية النفر حتي يتمسک باطلاقها.

4. آية السوال
قال سبحانه: (و ما ارسلنا من قبلک الا رجالا نوحي اليهم فاسالوا أهل الذکر إن کنتم لا تعلمون) (النحل/43).
وجه الاستدلال علي نحوما مضي في آية الکتمان حيث ان ايجاب السوال يلازم القبول و الا تلزم اللغوية.
يلاحظ عليه: انما تلزم اللغوية اذا لم يقبل قولهم مطلقا، واما علي القول بقبول قولهم عند حصول العلم به فلا تلزم، و ليست الاية في مقام البيان من هذه الناحية حتي يتمسک باطلاقها، بل الاية ناظرة الي قاعدة عقلائية مطردة و هي رجوع الجاهل الي العالم.

الاستدلال بالروايات المتواترة
استدل القائلون بحجيةخبر الواحد بروايات ادعي في الوسائل تواترها يستفاد منها اعتبار منها خبر الواحد أجمالا، و هي علي طوائف نذکر اهمها:
هي الاخبارالارجاعية الي آحاد الرواة الثقات من اصحابهم بحيث يظهر من تلک الطائفة ان الکبري (العمل بقول الثقة) کانت امرا مفروغا منه، و کان الحوار فيها بين الامام و الراوي حول تشخيص الصغري و ان الراوي هل هو ثقةاو لا ؟ و اليک بعض ما يدل علي ذلک:
1. روي الصدوق عن ابان بن عثمان ان ابا عبدالله عليه السلام قال له: "ان أبان بن تغلب قد روي عني روايات کثيرة، فما رواه لک فاروه عني".
2. عن ابي بصير قال: ان ابا عبدالله عليه السلام قال له في حديث: " لو لا زرارة و نظراوه، لظننت ان احاديث ابي ستذهب".
3. عن يونس بن عمار ان اباعبدالله عليه السلام قال له في حديث:" اما ما رواه زرارة عن ابي جعفر عليه السلام، فلا يجوز لک ان ترده".
#ذکرها الشيخ الانصاري في فرائده، و هي خمس طوائف نشير اليها علي سبيل الاجمال:
الطائفة الاولي: ما ورد في الخبرين المتعارضين من الاخذ بالمرجحات کالاعدل و الاصدق و المشهور ثم التخيير.
الطائفة الثانية: ما ورد في ارجاع آحاد الرواة الي آحاد أصحاب الائمة علي وجه يظهر فيه عدم الفرق في ارجاع بين الفتوي و الرواية.
الطائفة الثالثة: ما دل علي الرجوع الي الرواة الثقات، و هذا ما اشرنا اليه في المتن.
الطائفة الرابعة: ما دل علي الترغيب في الرواية و الحث عليها و کتابتها و ابلاغها.
الطائفة الخامسة: ما دل علي ذم الکذب عليهم و التحذير من الکذابين.
ولولا ان خبر الواحد حجة لما کان لهذه الاخبار موضوع.
# الوسائل: 18، الباب 11 من ابواب صفات القاضي، الحديث 8،16،17.

4. عن المفضل بن عمر، ان اباعبدالله عليه السلام قال للفيض بن المختار في حديث: " فاذا اردت حديثنا، فعليک بهذا الجالس" و اوما الي رجل من أصحابه، فسالت أصحابنا عنه، فقالوا: زرارة بن أعين.
5. روي القاسم بن علي التوقيع التشريف الصادر عن صاحب الزمانعليه السلام انه لا عذر لاحد من موالينا في التشکيک فيما يرويه عنا ثقاتنا.الي غير ذلک من الاحاديث التي تورث اليقين بان حجية قول الثقة کان امرا مفروغا منه بينهم و لو کان هناک کلام، فانما کان في راوي.
انت اذا استقرات الروايات التي جمعها الشيخ الحر العاملي في الباب الثامن من ابواب صفات القاضي و الذي بعده، تقف علي اتفاق اصحاب الائمة علي حجية الخبر الواحد الذي يرويه الثقة، و هو ملموس من خلال روايات البابين.
ثم ان ظواهر ما نقلناه من الروايات تدل علي حجية "قول الثقة" فلو کان المخبر ثقة، فخبره حجة و الا فلا و ان دلت القرائن علي صدوره من المعصوم.
لکن الامعان فيها و في السيرة العقلائية- التي يأتي ذکرها- يعرب عن ان العناية بوثاقة الراوي في الموضوع لکونها طريقا الي الاطمئنان بصدوره من المعصوم، و لذلک لو کان الراوي ثقة و لکن دلت القرائن المفيدة علي خطئه و اشتباهه، لما اعتبره العقلاء حجة، و هذه تشکل قرينة علي ان العبرة في الواقع بالوثوق بالصدور لا علي و ثاقه الراوي، و الاعتماد عليها لاجل استلزامها الوثوق بالصدور غالبا.
#الوسائل:18، الباب11من ابواب صفات القاضي، الحديث19.
#الوسائل:18، الباب11من ابواب صفات القاضي، الحديث19.
# الوسائل:18، الباب8 و 9 من ابواب صفات القاضي،ص 52-89.

فتکون النتيجة حجية الخبر الموثوق بصدوره سواء کان المخبر ثقة او لا، نعم الامارة العامة علي الوثوق بالصدور، هو کون الراوي ثقة، و بذلک تتسع دائرة الحجية، فلاحظ.
3. الاستدلال بالاجماع
نقل غير واحد من علمائنا کالشيخ الطوسي(385-460هجري) و من تاخر عنه الي يومنا هذا اجماع علماء الامامية علي حجية خبر الواحد اذا کان ثقة مامونا في نقله و ان لم يفد خبره العلم، و في مقابل ذلک حکي جماعة اخري منهم- استاذ الشيخ- السيد المرتضي رحمةالله اجماع الامامية علي عدم الحجية.
سوال: اذا کان العمل بخبر الواحد امرا مجمعا عليه کما ادعاه الشيخ فلما ذا ابدي السيد رحمةالله خلافه؟ و کيف يمکن الجمع بين هذين الاجماعين المنقولين؟
الجواب: ان الشيخ التفت الي هذا السوال و اجاب عنه بما حاصله: ان مورد اجماع السيد خبر الواحد الذي يرويه مخالفوهم في الاعتقاد و يختصمون بطريقه و مورد الاجماع الذي ادعاه هو ما يکون راويه من الامامية و طريق الخبر اصحابهم فارتفع التعارض.

4. الاستدلال بالسيرة العقلائية
اذا تصفحت حال العقلاء في سلوکهم ، تقف علي انهم مطبقون علي العمل بخبر الثقة في جميع الازمان و الادوار، و يتضح ذلک بملاحظة أمرين:
الاول: ان تحصيل العلم القطعي عن طريق الخبر المتواتر او المخفوف بالقرائن في اکثر الموضوعات أمر صعب. الثاني: حصول الاطمئنان بخبر الثقة عند الثقة عند العرف علي وجه يفيد سکونا

للنفس، خصوصا اذا کان عدلا، ولو کانت السيرة امرا غير مرضي للشارع کان عليه الردع.
ولم يکن عمل المسلمين بخبر الثقة الا استلهاما من تلک السيرة العقلائية التي ارتکزت في نفوسهم.
والحاصل: انه کان العمل باخبارالاحاد الثقات امرا مرفوضا، لکان علي الشارع ان ينهي عنه و ينبه الغافل و يفهم الجاهل . فاذا لم يردع کشف ذلک عن رضاه بتلک السيرة و موافقته لها.
فالاستدلال بسيرة العقلاء علي حجية خبر الواحد من افضل الادلة التي لاسبيل للنقاش فيها، فان ثبوت تلک السيرة و کشفها عن رضا الشارع مما لاشک فيه.
سوال: ربما يقال ان الآيات الآيات الناهية عن اتباع الظن کافية في ردع تلک السيرة کقوله سبحانه: (ان يتبعون الا الظن و ان هم الا يخرصون) (الانعام/116) و قوله سبحانه: (ان الذين لايومنون بالآخرة ليسمون الملائکة تسمية الانثي* و ما لهم به من علم ان يتبعون الا الظن و ان الظن لايغني من الحق شيئا) (النجم/27-28)
والجواب: ان امراد من الظن في الآيات الناهية ترجيح احد الطرفين استنادا الي الخرص و التخمين کما قال سبحانه: (ان هم الا يخرصون) و يشهد بذلک مورد الآية من تسمية الملائکة انثي، فکانوا يرجحون احد الطرفين بامارات ظنية و تخمينات باطلة، فلا يستندون في قضائهم لا الي الحس و لا الي العقل بل الي الهوي و الخيال، و اين هذا من قول الثقة او الخبر الموثوق بصدوره الذي يرجع الي الحس و تدور عليه رحي الحياة و يجلب الاطمئنان و الثبات؟!

الفصل الرابع
الکلام في الاجماع
الاجماع في اللغة هوالاتفاق، قال سبحانه: (فلما ذهبوا به و اجمعوا ان يجعلوه في غيابت الجب) (يوسف/15). و اما في الاصطلاح اتفاق علماء عصر واحد علي حکم شرعي. فاذا احرزه المجتهد يسمي اجماعا محصلا و اذا احرزه مجتهد و نقله الي الاخرين يکون اجماعا منقولا بالنسبةاليهم فيقع الکلام في مقامين:
المقام الاول: الاجماع المحصل عند السنة و الشيعة
اتفق الاصوليون علي حجية الاجماع علي وجه الاجمال، و لکنه عند أهل السنة يعد من مصادر التشريع.
و اما الشيعة، فتقول بانحصار الدليل في الکتاب و السنة و العقل، و اما الاتفاق فلا يضفي عندهم علي الحکم صبغة الشرعية و لا يوثر في ذلک ابدا غاية الامر ان المستند لو کان معلوما فالاجماع مدرکي و ليس بکاشف لا عن قول المعصوم و لا عن دليل معتبر لم يصل الينا، لا يزيد اتفاقهم شيا. و اما اذا کان المستند غير معلوم، فربما يکشف اجماعهم عن قول المعصوم و اتفاقه معهم، کما اذا اتفق الاجماع في عصر حضور المعصوم، و ربما يکشف عن وجود دليل معتبروصل الي المجمعين و لم يصل الينا، کما اذا اتفق في الغيبة الصغري و اوائل الکبري اذ من البعيد ان يتفق المجتهدون علي حکم بلا مستند شرعي. و علي کلا التقديرين

. فالاجماع بما هو هو ليس بحجة، و انما هو کاشف عن الحجة، و سيوافيک تفصيله
حجية الاجماع المحصل عند الامامية
قد عرفت ان الامة مع قطع النظر عن الامام المعصوم غير معصومة من الخطأ في الاحکام، و اقصي ما يمکن ان يقال ان الاجماع يکشف عن قول المعصوم او الحجة الشرعية التي اعتمدت عليها الامة، و الثاني امر معقول و مقبول في عصر الغيبة غير ان کشف اتفاقهم عن الدليل يتصور علي وجوه ذکرها الاصوليون في کتبهم.اوجهها: ان اتفاق الامة مع کثرة اختلافهم في اکثرالمسائل يعرب عن ان الاتفاق کان مستندا الي دليل قطعي لا عن اختراع للراي من تلقاء انفسهم نظير اتفاق سائر ذوي الآراء و المذاهب.
و بعبارة اخري: ان فتوي کل فقيه و ان کانت تفيد الظن و لو بادني مرتبة الا انها تتقوي بفتوي فقيه ثان، فثالث الي ان يحصل اليقين بان فتوي الجميع کانت مستندة الي الحجة، اذ من البعيد ان يتطرق الخطأ الي فتوي هولاء.
و بالجملة ملاحظة اطباقهم في الافتاء علي عدم العمل الا بالنصوص دون المقاييس يورث القطع بوجود حجة في البين وصلت اليهم و لم تصل الينا.
لاحظ " القناع عن وجه حجيةالاجماع" للعلامة التستري، فقد ذکر فيه اثني عشر طريقا الي کشف الاجماع عن دليل، و نقلها المحقق الاشتياني في تعليقته علي الفرائد لا حظ ص 122- 125.
و علي ذلک يکون الاجماع المحصل من الادلة المفيدة للقطع بوجود الحجة،الخارج عن تحت الظنون موضوعا و تخصصا، و قد تناولناه بالبحث للاشارة الي الادلة الاربعة، و المناسب للبحث في المقام هو الاجماع المنقول بالخبر الواحد.

المقام الثاني: الاجماع المنقول بخبر الواحد
و المراد هو الاتفاق الذي لم يحصله الفقيه بنفسه و انما ينقله غيره من الفقهاء و اختلفوا في حجيته علي اقوال:
القول الاول: انه حجة مطلقا، لان المفروض ان الناقل ثقة و ينقل الحجة اي الاتفاق الملازم لوجود دليل معتبر فيشمله ادلة حجية خبر الواحد.
القول الثاني: انه ليس بحجة مطلقا، و ذلک لان خبر الواحد حجة فيما اذا کان المخبر به امرا حسيا او کانت مقدماته القريبة امورا حسية، کالاخبار بالعدالة النفسانية اذا شاهد منه التورع عن المحرمات، او الاخبار بالشجاعة اذا شاهد قتاله مع الابطال، و اما اذا کان المخبر به امرا حدسيا محضا لا حسيا و لم تکن له مقدمات قريبة من الحس، فخبر الواحد ليس بحجة.
فالنا قل للاجماع ينقل اقوال العلماء و هي في انفسها ليست حکما شرعيا و لا موضوعا ذا اثر شرعي، و اما الحجة، اعني: راي المعصوم، فانما ينقله عن حدس لا عن حس بزعم ان اتفاق هولاء يلازم راي المعصوم، و خبر الواحد حجة في مورد الحسيات لا الحدسيات الا ما خرج بالدليلي کقول المقوم في أرش المعيب
يلاحظ عليه: انه اذا کانت هناک ملازمة بين اقوال العلماء و الحجة الشرعية، فلماذا لا يکون نقل السبب الحسي دليلا علي وجود المسبب و قد تقدم ان نقل الامور الحدسية اذا استند الناقل في نقلها الي اسباب حسية، هو حجة کما في وصف الرجل بالعدالة و الشجاعة.
و اما عدم حجية خبر الواحد في الامور الحدسية، فانما يراد منه الحدسي المحض کتنبوات المنجمين لا في مثل المقام الذي يرجع واقعه الي الاستدلال بالسبب الحسي علي وجود المسبب.

القول الثالث: انه ليس بحجة الااذا کان ناقل الاجماع معروفا بالتتبع علي وجه علم انه قد وقف علي آراءالعلماء المتقدمين و المتاخرين علي نحو يکون ما استحصله من الآراء ملازما عادة للدليل المعتبر او لقول المعصوم.
غير ان الذي يوهن الاجماعات المنقولة في الکتب الفقهية، وجود التساهل في نقل الاجماع، فربما يدعون الاجماع بعد الوقوف علي آراء محدودة غير ملازمة لوجود دليل معتبر، بل ربما يدعون الاجماع لوجود الخبر.
نعم لو کان الناقل واسع الباع محيطا بالکتب والاراء، باذلا جهوده في تحصيل الاقوال في المسألة و کانت نفس المسألة من الوسائل المعنونة في العصور المتقدمة، فربما يکشف تتبعه عن وجود دليل معتبر.

الفصل الخامس حجية قول اللغوي
إن اثبات الظهور طرقا ذکرناها في محلهابقي الکلام في حجية قول اللغوي في اثباته و تعيين الموضوع له، و قد استدل جمع من العلماء علي حجية قول اللغوي بان الرجوع الي قول اللغوي من باب الرجوع الي اهل الخبرة، و لا اشکال في حجية قول اهل الخبرة فيما هم خبرة فيه.
أشکل عليه: بان الکبري - و هي حجية قول اهل الخبرة- مسلمة، انما الکلام في الصغري و هي کون اللغوي خبيرا في تعيين الموضوع له عن غيره، و بالتالي في تعيين المعني الحقيقي عن المجازي، مع ان ديدن اللغويين في کتبهم ذکرالمعاني التي شاع استعمال اللفظ فيها، سواء کان معني حقيقيا او مجازيا.
ولکن يمکن ان يقال: ان اکثرا المعاجم اللغوية و ان کانت علي ما وصفت، و لکن بعضها الف لغاية تمييز المعني الاصلي عن المعني الذي استعمل فيه بمناسبة و بينه و بين المعني الاصلي، و هذا کالمقاييس لمحمد بن فارس بن زکريا (المتوفي395ه ) فقد قام ببراعة خاصة بعرض اصول المعاني و تمييزها عن فروعها و مشتقاتها، و مثله کتاب اساس البلاغة للزمخشري(المتوفي 538هجري).
ومن سبر في الادب العربي يجد ان سيرة المسلمين قد انعقدت علي الرجوع الي
#راجع مقدمة الکتاب، بحث علائم الحقيقة و المجاز.

الخبرة من اهل اللغة في معاني الالفاظ الذين يعرفون اصول المعاني عن فروعها و حقائقها عن مجازاتها. و قد کان ابن عباس مرجعا کبيرا في تفسير لغات القران.
علي ان الانسان اذا الف بالمعجم الموجودة، استطاع ان يميز المعاني الاصلية عن المعاني الفرعية المشتقة منها، و لا يتم ذلک الا مع قريحة ادبية و انس باللغة و الادب. نعم تکون الحجة عند ذلک هو قطعه و يقينه لا قول اللغوي.
الي هنا انتهينا من دراسة الحجج الشرعية الاربعة: -الکتاب و السنة و الاجماع و العقل - و هي ادلة اجتهادية تتکفل لبيان الاحکام الشرعية الواقعية.

المقصد السابع الأصول العلمية
و فيه فصول:
الفصل الاول: في أصالة البراءة.
الفصل الثاني: في اصالة التخيير.
الفصل الثالث: في اصالة الاحتياط.
الفصل الرابع: في اصالة الاستصحاب

الاصول العلمية
قد عرفت ان المکلف الملتفت الي الحکم الشرعي تحصل له اما القطع او الظن او الشک، و قد فرغنا عن حکم القطع و الظن و الان نبحث عن حکم الشک.
ولا يخفي ان المستنبط انما ينتهي الي "الاصول العلمية" اذا لم يکن هناک دليل قطعي، کالخبر المتواتر؛ او دليل علمي، کالضنون المعتبرة التي دل علي حجيتها الدليل القطعي، و تسمي بالامارات و الادلة الاجتهادية، کما تسمي الاصول العلمية بالادلة الفقهاهية.
و بذلک تقف علي ترتيب الادلة في مقام الاستنباط، فالمفيد لليقين هو الدليل المقدم علي کل دليل، يعقبه الدليل الاجتهادي، ثم الاصول العملي.
ان الاصول العملية المعتبرة و ان کانت کثيرة، لکن اکثرها مختص بباب دون باب، کاصل الطهارة المختص بباب الطهارة، او اصل الحلية المختص بباب الشک في خصوص الحلال و الحرام، او اصالة الصحة المختصة بعمل صدر عن الشخص و شک في صحته و فساده، و اما الاصول العلمية العامة التي يتمسک بها المستنبط في جميع ابواب الفقه فهي اربعة تعرف ببيان مجاريها.
لان الشک اما ان تلاحظ فيه الحالة السابقة او لا، و علي الثاني اما ان يکون الشک في اصل التکليف او لا، و علي الثاني اما ان يمکن الاحتياط او لا،

فالاول مجري الاستصحاب، و الثاني مجري البراءة، و الثالث مجري الاحتياط، و الرابع مجري التخيير.
توضيحه
1- اذا شک المکلف في حکم او موضوع کان علي يقين منه في السابق، کما اذا کان علي طهارة ثم شک في ارتفاعها، فبما ان الحالة السابقة ملحوظة غير ملغاة تکون مجري الاستصحاب علي الشروط المقررة في محلها.
2- اذا لم تکن الحالة السابقة ملحوظة، و تعلق الشک باصل التکليف کما اذا شک في حرمة التدخين؛ فهي مجري البراءة.
3- اذا لم تکن الحالة السابقة ملحوظة، و علم باصل التکليف و لکن شک في متعلقه، و کان الاحتياط ممکنا، کما اذا علم بوجوب الصلاة يوم الجمعة و ترددت بين الظهر و الجمعة، او علم بوجود النجاسة و تردد بين الاناءين؛ فهي مجري الاحتياط.
4- اذا لم تکن الحالة السابقة ملحوظة، و علم باصل التکليف، و کان الاحتياط غير ممکن، کما اذا علم ان احد الفعلين واجب و الآخر محرم و اشتبه احدهما بالاخر فهو مجري التخيير فيجب إتيان احدهما و ترک الاخر مخيرا.
و لنقدم البحث عن البراءة اولاة ثم التخيير، ثم الاحتياط، ثم الاستصحاب، حفظا للنهج الدارج في الکتب الاصولية.
#حيث ان نوع التکليف معلوم و المتعلق مجهول، فخرج ما اذا کان نوع التکليف مجهولا فهو من قبيل الشک في التکليف و مع ذلک فهو مجري التخيير کما اذا دار امر فعل بين الوجوب و الحرمة.لاحظ الفرائد: 298طبعة رحمةالله.

الفصل الاول

اصالة البراءة قد تقدم ان مجري اصالة البراءة هو الشک في اصل التکليف و هو علي اقسام:
لان الشک تارة يتعلق بالحکم، اي يکون اصل الحکم مشکوکا، کالشک في حکم التدخين هل هو حرام او لا ؟ و يسمي بالشبهة الحکمية.
و اخري يتعلق بالموضوع بمعني ان الحکم معلوم، و لکن تعلق الشک بمصاديق الموضوع، کالمائع المردد بين کونه خمرا او خلأ. و يسمي بالشبهة الموضوعية.
ثم ان منشأ الشک في الشبهة الحکمية اما فقدان النص او اجمالة او تعارض النصين.
و منشأ الشک في الشبهة الموضوعية خلط الامور الخارجية.
والشبهة بقسميها تنقسم الي: تحريمية و وجوبية:
اما التحريمية، فالمراد منها هي ما اذا احتملت حرمة الشيء مع العلم بانه غير الواجب، فيدور أمره بين الحرمة، ئ الاباحة، او الکراهة، اوالاستحباب؛ کالتدخين الداير أمره بين الحرمة و الاباحة.
و اما الوجوبية، فالمراد منها هي ما اذا احتمل وجوبه مع العلم بانه غير


محرم، فيدور امره بين الوجوب، و الاستحباب؛ او الاباحة، او الکراهة، کالدعاء عند روية الهلال الدائرامره بين الوجوب و الاستحباب.
و علي ذلک يقع الکلام في مقامين:
المقام الاول: الشبهة التحريمية و فيها مسائل أربع:
أ. الشبهة الحکمية التحريمية لاجل فقدالنص.
ب. الشبهة الحکمية التحريمية لاجل أجمال النص.
ج. الشبهة الحکمية التحريمية لاجل تعارض النصين.
د.الشبهة الموضوعية التحريمية لاجل خلط الامور الخارجية.
و اليک الکلام في هذه المسائل، الواحدة تلو الاخري.
المسألة الاولي: في الشبهة الحکمية التحريمية لاجل فقدان النص
اذا شک في حرمة شيء لاجل عدم النص عليها في الشريعة فقد ذهب الاصوليون الي البراءة و الاخباريون الي الاحتياط. و استدل الاصوليون بالکتاب و السنة و العقل نذکر المهم منها:
1. التعذيب فرع البيان
قال سبحانه: (من اهتدي فانما يهتدي لنفسه و من ضل فانما يضل عليها و لا تزر وازرة وزر اخري و کنا معذبين حتي نبعث رسولا) (الاسراء/15).
و بعث الرسول کناية عن البيان الواصل الي المکلف، لانه لو بعث الرسول و لم يکن هناک بيان، او کان هناک بيان و لم يصل الي المکلف ، لما صح التعذيب و لقبح عقابه، فالدافع لقبح العقاب هو البيان الواصل بمعني وجوده في مظانه

علي وجه لو تفحص عنه المکلف لعثر عليه.
والمفروض ان المجتهد تفحص في مظان الحکم و لم يعثر علي شيء يدل علي الحرمة، فينطبق عليه مفاد الآية، و هو ان التعذيب فرع البيان الواصل و المفروض عدم البيان فيکون التعذيب مثله.
2. حديث الرفع
روي الصدوق بسند صحيح عن ابي عبدالله عليه السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله وسلّم«رفع عن امتي تسعة: الخطأ، والنسيان، و ما اکرهوا عليه، و مالا يعلمون، و مالا يطيقون، وما اضطروا اليه، و الحسد، والطيرة، والتفکر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة».تقرير الاستدلال بسند يتوقف علي ذکر امرين:
الاول: ان لفظة «ما» في قوله: «ما لا يعلمون» موصولة تعم الحکم و الموضوع المجهولين ، لوضوح انه اذا جهل المکلف بحکم التدخين، او جهل بکون المايع الفلاني خلا او خمرا صدق علي کل منهما انه من "مالايعلمون" فيکون الحديث عاما حجة في الشبهة الحکمية و الموضوعية معا.
الثاني: ان الرفع ينقسم الي تکويني- و هو واضح - وتشريعي، والمراد منه نسبة الرفع الي الشيء بالعناية و المجاز، باعتبار رفع آثاره کقولهعليه السلام : « لا شک لکثير الشک» و من المعلوم ان المرفوع ليس هو نفس «الشک» لوجوده، و انما المرفوع هو آثاره و هذا صار سببا لنسبة الرفع الي ذاته، و نظيره حديث الرفع، فان نسبة الرفع الي الامور التسعة نسبةادعائية بشهادة وجود الخطأ و النسيان و ما عطف عليه في الحديث، بکثرة بين الامة، و لکن لما کانت الموضوعات المذکورة

مسلوبة الآثار صحت نسبة الرفع الي ذاتها باعتبار عدم آثارها:
فحينئذ يقع الکلام في تعيين ما هو الاثر المسلوب الذي صار مصححا لنسبة الرفع اليها، اهو جميع الاثار کما هو الظاهر او خصوص المواخذة او الاثر المناسب لکل واحد من تلک الفقرات، کالمضرة في الطيرة، و الکفر في الوسوسة و المواخذة في اکثرها؟ و علي جميع الوجوه و الاقوال فالمواخذة مرتفعة و هو معني البراءة.
نعم ان مقتضي الحديث هو رفع کل اثر مترتب علي المجهول الا اذا دل الدليل علي عدم رفعه، کنجاسة الملاقي فيما اذا شرب المائع المشکوک فبان انه خمر، فلا ترتفع نجاسة کل ما لاقي الخمر بضرورة الفقه علي عدم ارتفاع مثل هذه الآثار الوضعية.
اختصاص الحديث بما يکون الرفع منة علي الامة
ان حديث الرفع، حديث منة و امتنان کما يعرب عنه قوله: " رفع عن امتي" اي دون سائر الامم، وعلي ذلک يختص الرفع بالاثرالذي يکون في رفعه منة علي الامة (لا الفرد الخاص)، فلا يعم ما لا يکون رفعه منة لهم، کمافي الموارد التالية :
1. اذا اتلف مال الغيرعن جهل ونسيان، فهو ضامن، لان الحکم بعدم الغرامة علي خلاف المنة.
2. اذا اکره الحاکم اامحتکر في عام المجاعة علي البيع، فالبيع المکره يقع صحيحا و لا يعمه قوله:"و ما اکرهوا عليه" لان شموله للمقام و الحکم برفع الصحة و ببطلان البيع علي خلاف المنة.
3. اذا اکره الحاکم المديون علي قضاء دينه و کان متمکنا، فلا يعمه

. قوله: "و ما اکرهوا " لان شموله علي خلاف الامتنان
3. مرسلة الصدوق
روي الصدوق مرسلا في "الفقيه" و قال: قال الصادقعليه السلام :"کل شيء مطلق حتي يرد فيه نهي". فقد دل الحديث علي ان الاصل في کل شيء هو الاطلاق حتي يرد فيه النهي بعوانه، کأن يقول: الخمرحرام، او الرشوة حرام، فما لم يرد النهي عن الشيء بعنوانه يکون محکوما بالاطلاق و الارسال، و بما ان التدخين مثلا لم يرد فيه النهي فهو مطلق.
4. الاستدلال بالعقل
ان صحة احتجاج الامر علي المأمور من آثار التکليف الواصل و لا يصح الاحتجاج بالتکليف غير الواصل ابدا بل يعد العذاب معه ظلما و قبيحا من المولي الحکيم ، و هذا مما يستقل به العقل، و يعد العقاب بلا بيان واصل امرا قبيحا لا يصدر عن الحکيم.
وقياس الاستدلال بالشکل التالي:
العقاب علي محتمل التکليف عقاب بلا بيان- بعد الفحص التام و عدم العثور عليه.
والعقاب بلا بيان يمتنع صدوره عن المولي الحکيم.
فينتج: العقاب علي محتمل التکليف يمتنع صدوره من المولي الحکيم.
التعارض بين القاعدتين
سوال: ثمة قاعدة عقلية اخري هي علي طرف النقيض من هذه القاعدة

العقلية، و هي:
ان العقل يفرق بين الضرر الدنيوي المحتمل فلا يحکم بوجوب دفعه الا اذا کان خطيرا لا يتحمل. واما الضرر الاخروي الذي هو کناية عن العقاب الاخروي فيوکد العقل علي وجوب دفعه و يستقل به، فلا يرخص استعمال شيء فيه احتمال العقوبة الاخروية، ولو احتمالا ضعيفا، و علي ذلک فيمکن للقائل بلاحتياط ان يعارض القاعدة الاولي بقاعدة اخري، و هي قاعدة "وجوب دفع الضرر المحتمل" بالبيان التالي:
احتمال الحرمة - في مورد الشبهة البدوية- يلازم احتمال الضرر الاخروي، و هو بدوره واجب الدفع و ان کان احتماله ضعيفا، و عندئذ يحکم العقل بلزوم الاحتياط بترک ارتکاب محتمل الضرر لذلک المحذور.
و ان اردت صبه في قالب القياس المنطقي المولف من الصغري و الکبري فتقول:
الشبهة البدوية التحريمية فيها ضرر اخروي محتمل، و کل ما فيه ضرر اخروي محتمل يلزم ترکه.
فينتج: الشبهة البدوية التحريمية يلزم ترکها، فينتج لزوم الاحتياط، وعند ئذ يقع التعارض بين القاعدتين العقليتين ، فمن جانب يحکم العقل بقبح العقاب بلا بيان فير خص بالا رتکاب، ومن جانب آخر يحکم العقل بلزوم دفع الضرر الاخروي المحتمل فيمنع من الارتکاب.
الجواب
ان الصغري في القاعدة الثانية غير محرزة، اذا المراد من الصغري هو احتمال الضرر(العقاب) في ارتکاب الشبهة البدوية، فيجب أن يکون لاحتماله

مناشئ عقلائية ، والمفروض انتفاوها جميعا، لان العقاب ناشئ من الامور التالية:
1. صدور البيان عن المولي و وصوله الي العبد.
2. التمسک بالبراءة قبل الفحص الکافي.
3. کون العقاب بلا بيان امرا غير قبيح.
4. کون المولي شخصا غير حکيم او غير العادل.
و کلها منتفية في المقام، فاحتمال العقاب الذي هو الصغري في القاعدة الثانية غير موجود ، و مع انتفائه کيف يمکن الاحتجاج بالکبري وحدها؟ مع ان الاحتجاج لا يتم الا مع احراز الصغري.
أدلة الأخباريين علي وجوب الاحتياط في الشبهة الحکمية التحريمية
استدل الأخباريون بادلة ثلاثة: الکتاب و السنة و العقل فلندرس کل واحد تلو الآخر:
الف: الاستدلال بالکتاب
الآيات الآمرة بالتقوي بقدر الوسع و الطاقة، قال سبحانه:(يا ايها الذين آمنوا اتقواالله حق تقاته و لا تموتن الا و انتم مسلمون) (آل عمران /102) وجه الاستدلال: أن اجتناب محتمل الحرمة يعد من التقوي، و کل ما يعد منها فهو واجب بحکم ان الامر في (اتقوا الله) دال علي الوجوب، فينتج ان اجتناب محتمل الحرمةواجب.
#و لاحظ أيضا الآية السادسةعشر من سورة التغابن.

يلاحظ عليه: ان کلية الکبري ممنوعة، أي ليس کل ما يعد من التقوي فهو واجب، و ذلک لان التقوي تستعمل تارة في مقابل الفجور و لا شک في وجوب مثلها بعامة مراتبها ، مثل قوله: (ام نجعل المتقين کالفجار)(ص /28) و قوله: (فألهمها فجورها و تقواها)(الشمس/8)و قد تطلق و يراد منها ما يعم القيام بکل مرغوب فيه من الواجب و المستحب ، و التحرز عن کل مرغوب عنه من حرام و مکروه مثل قوله سبحانه: (و تزودوا فان خير الزاد التقوي) (البقرة/197) ففي مثل ذلک تکون التقوي واجبة، لکن ببعض مراتبها لا بکل مراتبها، و يحتمل الامر في (تزودوا) علي الاستحباب کالآية التي استدل بها في المقام.
ب. الاستدلال بالسنة
استدل الأخباريون بطوائف من الروايات:
الاولي: حرمة الإفتاء بلا علم
دلت طائفة من الروايات علي حرمة القول و الإفتاء بغير علم، أو الإفتاء بما لم يدل دليل علي حجيته کالقياس و الاستحسان، کصحيحة هشام بن سالم، قال: قلت لابي عبداللهعليه السلام : ما حق الله علي خلقه؟ قال: "أن يقولوا ما يعلمون، ويکفوا عما لا يعلمون ، فإذا فعلوا ذلک فقد أدوا الي الله حقه".و بهذا المضمون روايات کثيرة في نفس الباب.
يلاحظ عليه: ان المستفاد من الروايات هو ان الافتاء بعدم الحرمة الواقعية
#الوسائل: الجزء18، الباب من صفات القاضي، الحديث4، وبهذا المضمون الحديث 19و54 و مثله ما دل علي لزوم الکف عما لا يعلم، کالحديث 4و32.

في مورد الشبهة يعد قولا بلا علم، و هذا مما يحترز عنه الاصوليون.
و اما القول بعدم المنع ظاهرا، حتي يعلم الواقع مستندا الي الادلة الشرعية و العقلية، فليس قولا بلا علم و هو نفس ما يقصده الاصولي.
الثانية: ما ورد من الامر بالاحتياط قبل الفحص
روي عبد الرحمان بن الحجاج، قال: سألت أباالحسن عليه السلام عن رجلين أصابا صيدا و هما محرمان، الجزاء بينهما، او علي کل واحد منهما جزاء؟ قال: "لا، بل عليهما ان يجزي کل واحد منهما الصيد"، قلت: ان بعض اصحابنا سالني عن ذلک فلم ادر ما عليه؟ فقال: "اذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا فعليکم بالاحتياط حتي تسآلوا عنه فتعلموا.
يلاحظ عليه: ان هذه الرواية ناظرة الي الاحتياط قبل الفحص، و هي خارجة عن مورد الکلام ، و انما الکلام فيما اذا فحص عن دليل الحرمة في مظانه و لم يعثر علي شيء.

الثالثة: لزوم الوقوف عند الشبهة
هناک روايات تدل علي لزوم الوقوف عند الشبهة، و انه خير من الاقتحام في الهلکة، و اليک بعض ما يدل علي ذلک:
1. روي داود بن فرقد، عن ابي شيبة، عن احدهماعليهما السلام قال: " الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلکة".
2. روي مسعدة بن زياد، عن جعفرعليه السلام، عن آبائه، عن النبي صلي الله عليه و آله وسلّم انه قالة " لا تجامعوا في النکاح علي الشبهة، وقفوا عند الشبهة، فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في االهلکة".
3. روي في "الذکري"، قال: النبي صلي الله عليه و آله وسلّم : "دع ما يريبک الي ما لايريبک"..
يلاحظ علي الاستدلال بهذه الطائفة من الاحاديث انها اما راجعة الي الشبهة المحصورة التي يعلم بوجود الحرمة.فيها و ذلک بقرينة "الهلکة، کما في الحديث الاول.
أو راجعة الي الشبهة الموضوعية، التي لم يقل أحد بالاحتياط فيها کما في الحديث الثاني ، او محمولة علي الاستحباب کما في الحديث الاخير.
الرابعة: حديث التثليث
ان آقوي حجة للاخباريين هو حديث التثلث الوارد في الکلام النبيصلي الله عليه و آله وسلّم والوصيعليه السلام ، رواه عمر بن حنظله عن ابي عبدالله عليه السلام، في حديث قال: " انما الامور ثلاثة: امر بين رشده فيتبع، وامر بين غيه فيجتنب، وامر مشکل يرد علمه الي الله و رسوله".
قال رسول الله صلي الله عليه و آله وسلّم : «حلال بين، و حرام بين، و شبهات بين ذلک، فمن ترک الشبهات نجا من المحرمات، و من اخذ بالشبهات ارتکب المحرمات و هلک من حيث لا يعلم».
ثم قال في الآخر الحديث: «فان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في

الهلکات».
ان مورد التثليث الوارد في کلام الوصي هو الشبهات الحکمية، و حاصل التثليث ان ما يبتلي به المکلف اما بين رشده فيتبع، و اما بين غيه فيجتنب، و اما الامر المشکل فلا يفتي بما لا يعلم حتي يرجع حکمه الي الله.
و الجواب ان التثليث في الکلام الوصي ينسجم مع الطائفة الاولي من حرمة الافتاء بغير علم.
و اما التثليث في کلام الرسول، فموردها الشبهات الموضوعية التي يقطع بوجود الحرام فيها، و هي تنطبق علي الشبهة المحصورة، حيث ان ظاهر الحديث ان هناک حلالا بينا، و حراما بينا، و شبهات بين ذلک، علي وجه لو ترک الشبهات نجا من المحرمات، و لو اخذ بها ارتکب المحرمات، و هلک من الحيث لا يعلم و ما هذا شانه فهو خارج عن الشبهة البدوية التي هي محل النزاع، و منطبق علي الشبهة المحصورة.
وان شئت قلت: ان الرواية ظاهرة فيما اذا کانت الهلکة محرزة مع قطع النظر عن حديث التثليث، و کان اجتناب الشبهة او اقترافها ملازما لاجتناب المحرمات و اقترافها، حتي يصح ان يقال:" فمن ترک الشبهات نجا من المحرمات، ومن اخذ بالشبهات ارتکب المحرمات" و ما هذا شانه لا ينطبق الا علي الشبهة المحصورة لا الشبهة البدوية التي لا علم فيها اصلا بالمحرمات.
و انت اذا استقصيت روايات الباب تقف علي ان اکثرها لا مساس لها بمورد البراءة، و ما لها مساس محمول اما علي الاستحباب، او التورع الکثير.

ج : الاستدلال بالعقل
نعلم إجمالا - قبل مراجعة الادلة- بوجود محرمات کثيرة في الشريعة التي


يجب الخروج عن عهدتها بمقتضي قوله سبحانه: (و ما نهاکم عنه فانتهوا) (الحشر/7).
وبعد مراجعة الأدلة نقف علي وجود محرمات فقي الشريعة بينها الکتاب و السنة، و لکن نحتمل وجود المحرمات اخري بينها الشارع و لم تصل الينا، فمقتضي منجزية العلم الأجمالي، هو الاجتناب عن کل ما نحتمل حرمته إذا لم يکن هناک دليل علي حلية، حتي نعلم بالخروج عن عهدة التکليف القطعي، شأن کل شبهة محصورة.
يلاحظ عليه: أن العلم الاجمالي انما ينجز اذا بقي علي حاله، و اما اذا انحل الي علم تفصيلي و شک بدوي، فلا يکون منجزا و يکون المشکوک موردا للبراءة مثلا اذا علم بغصبية أحد المالين مع احتمال غصبيتها معا، فاذا قامت البينة علي غصبية احدهما المعين، انحل العلم الاجمالي الي علم تفصيلي بالحرمة و هو ما قامت البينة علي غصبيته، و شک بدوي و هو المال الآخر الذي يحتمل أيضاغصبيته.
و مثله المقام اذ فيه علمان:
أحدهما: العلم الاجمالي بوجود محرمات في الشريعة و التي أشير اليها في الآية المتقدمة.
ثانيهما: العلم التفصيلي بمحرمات واردة في الطرق و الأمارات و الاصول المثبتة للتکليف کاستصحاب الحرمة، علي وجه لو عزلنا موارد العلم التفصيلي عن موارد العلم الاجمالي، لما کان فيها علم بالمحرمات بل تکون الحرمة أمرا محتملا تقع مجري للبراءة.
و علي ضوء ما ذکرنا، فالعلم الاجمالي بالمحرمات المتيقنة ينحل الي علم تفصيلي بمحرمات ثبتت بالطرق و الإمارات، و الي شک بدوي محتمل الحرمة، وفي

مثل ذلک ينتفي العلم الاجمالي فلا يکون موثرا، و تکون البراءة هي الحاکمة في مورد الشبهات.
المسألة الثانية: الشبهة الحکمية التحريمية لاجمال النص
إذا تردد الغناء المحرم بين کونه مطلق الترجيع أو الترجيع المطرب، فيکون الترجيع المطرب قطعي الحرمة، و الترجيع بلا طرب مشکوک الحکم فيکون مجري للبراءة.
و مثله النهي المجرد عن القرينة اذا قلنا باشتراکه بين الحرمة و الکراهة.
والحکم في هذه المسألة حکم ما ذکرفي المسألة الاولي، من البراءة عن الحرمة و الادلة المذکورة من الطرفين جارية في المقام إشکالا و جوابا.
المسالة الثالثة: الشبهة الحکمية التحريمية لتعارض النصين
إذا دل دليل علي الحرمة و دليل آخر علي الاباحة، و لم يکن لاحدهما مرجح، فلا يجب الاحتياط بالاخذ بجانب الحرمة لعدم الدليل عليه، نعم ورد الاحتياط في رواية وردت في "عوالي اللآلي" نقلها عن العلامة، رفعها الي زرارة عن مولانا أبي جعفر عليه السلام : انه قال في الخبرين المتعارضين: "فخذ بما فيه الحائطة لدينک واترک الآخر" و الرواية ضعيفة السند لا يحتج بها.
المسألة الرابعة: الشبهة الموضوعية التحريمية
اذا دار الامر بين کون شيء حراما او مباحا لاجل الاشتباه في بعض الامور الخارجية، کما اذا شک في حرمة شرب مائع أو إباحته للتردد في انه خل أو خمر، فالظاهر عدم الخلاف في أن مقتضي الأصل الاباحة، للاخبار الکثيرة في ذلک،

مثل قولهعليه السلام : کل شيء لک حلال حتي تعلم انه حرام بعينه فتدعه.ويمکن الاستدلال علي البراءة بالدليل العقلي، و هو ان الاحتجاج لا يتم بالعلم بالکبري وحده و هو ان الخمر حرام ما لم ينضم اليه العلم بالصغري ، ففي المقام، الکبري محرزة، دون الصغري، فلا يحتج بالکبري المجردة علي عبد.
المقام الثاني: الشک في الشبهة الوجوبية
اذا شک في وجوب شيء و عدمه، ففيها ايضا مسائل أربع
أ - . الشبة الحکمية الوجوبية لأجل فقدان النص، کالدعاء عند روية الهلال، او الاستهلال في شهر رمضان.
ب - . الشبهة الحکمية الوجوبية لاجل أجمال النص، کاشتراک لفظ الامر بين الوجوب و الاستحباب.
ت - . الشبهة الحکمية الوجوبية لاجل تعارض النصين، کما في الخبرين المتعارضين، أحدهما يامر، و الآخر يبيح، و لم يکن لاحدهما مرجح.ث - . الشبهة الموضوعية لاجل الاشتباه في بعض الامور الخارجية، کما اذا ترددت الفائتة بين صلاة أو صلاتين.
و الحکم في الجميع البراءة و عدم وجوب الاحتياط، أجماعا.