کفاية الاصول - قسمت دوم

ومن هنا ظهر الحال في مثل ( زيد ضارب أمس ) وإنّه داخل في محلّ الخلاف والاشكال. ولو كانت لفظة ( أمس ) أو ( غد ) قرينة على تعيين زمان النسبة والجري أيضاً كان المثالان حقيقة.
وبالجملة : لا ينبغي الإِشكال في كون المشتق حقيقة ، فيما إذا جرى على الذات ، بلحاظ حال التلبس ، ولو كان في المضي أو الاستقبال ، وإنما الخلاف في كونه حقيقة في خصوصه ، أو فيما يعم ما إذا جرى عليها في الحال بعد ما انقضى عنه التلبس ، بعد الفراغ عن كونه مجازاً فيما إذا جرى عليها فعلاً بلحاظ التلبس في الاستقبال ، ويؤيّد ذلك اتفاق أهل العربية على عدم دلالة الاسم على الزمان ، ومنه الصفات الجارية على الذوات ، ولا ينافيه اشتراط العمل في بعضها بكونه بمعنى الحال ، أو الاستقبال ؛ ضرورة أن المراد الدلالة على أحدهما بقرينة ، كيف لا؟ وقد اتفقوا على كونه مجازاً في الاستقبال.
لا يقال : يمكن أن يكون المراد بالحال في العنوان زمإنّه ، كما هو الظاهر منه عند إطلاقه ، وادعي إنّه الظاهر في المشتقات ، امّا لدعوى الانسباق من الإِطلاق ، أو بمعونة قرينة الحكمة.
لأنا نقول : هذا الانسباق ، وأنّ كان مما لا ينكر ، إلّا إنّهم في هذا العنوان بصدد تعيين ما وضع له المشتق ، لا تعيين ما يراد بالقرينة منه. 
 
سادسها : إنّه لا أصل في نفس هذه المسألة يعوّل عليه عند الشك ، وأصالة عدم ملاحظة الخصوصية ، مع معارضتها بأصالة عدم ملاحظة العموم ، لا دليل على اعتبارها في تعيين الموضوع له.
وأما ترجيح الاشتراك المعنوي على الحقيقة والمجاز. إذا دار الأمر بينهما لأجل الغلبة ، فممنوع ؛ لمنع الغلبة أولاً ، ومنع نهوض حجة على الترجيح بها ثانياً.
وأما الأصل العملي فيختلف في الموارد ، فأصالة البراءة في مثل ( أَكرم كلّ عالم ) تقتضي عدم وجوب إكرام ما انقضى (1) عنه المبدأ قبل الإِيجاب ، كما أن قضية الاستصحاب وجوبه لو كان الإِيجاب قبل الانقضاء.
فإذا عرفت ما تلونا عليك ، فاعلم أن الأقوال في المسألة وأنّ كثرت ، إلّا إنّها حدثت بين المتأخرين ، بعد ما كانت ذات قولين بين المتقدّمين ، لأجل توهّم اختلاف المشتق باختلاف مبادئه في المعنى ، أو بتفاوت ما يعتريه من الأحوال ، وقد مرت الإِشارة (2) إلى إنّه لا يوجب التفاوت فيما نحن بصدده ، ويأتي له مزيد بيان في أثناء الاستدلال على ما هو المختار ، وهو اعتبارٍ التلبس في الحال ، وفاقاً لمتأخري الأصحاب والاشاعرة ، وخلافاً لمتقدميهم والمعتزلة ، ويدل عليه تبادر خصوص المتلبس بالمبدأ في الحال ، وصحة السلب مطلقاً عما انقضى عنه ، كالمتلبس به في الاستقبال ، وذلك لوضوح أن مثل : القائم والضارب والعالم ، وما يرادفها من سائر اللغات ، لا يصدق على من لم يكن متلبساً بالمبادىء ، وأنّ كان متلبسا بها قبل الجري والانتساب ، ويصحّ سلبها عنه ، كيف؟ وما يضادها بحسب ما ارتكز من معناها في الأذهان يصدق عليه ، ضرورة صدق القاعد عليه في حال تلبسه بالقعود ، بعد انقضاء تلبسه بالقيام ، مع وضوح التضاد بين القاعد والقائم بحسب ما ارتكز لهما من المعنى ، كما لا يخفى.
__________________
1 ـ في« ب» : من انقضى.
2 ـ تقدم في الأمر الرابع ، صفحة 43. 
 
وقد يقرَّر هذا وجهاً على حدة ، ويقال (1) : لا ريب في مضادة الصفات المتقابلة المأخوذة من المبادىء المتضادة ، على ما ارتكز لها من المعاني ، فلو كان المشتق حقيقة في الأعم ، لما كان بينها مضادة بل مخالفة ، لتصادقها فيما انقضى عنه المبدأ وتلبس بالمبدأ الآخر.
ولا يرد على هذا التقرير ما أورده بعضٍ الأجلّة (2) من المعاصرين ، من عدم التضاد على القول بعدم الاشتراط ، لما عرفت من ارتكازه بينها ، كما في مبادئها.
إن قلت : لعل ارتكازها لأجل الانسباق من الإِطلاق ، لا الاشتراط.
قلت : لا يكاد يكون لذلك ، لكثرة استعمال المشتق في موارد الانقضاء ، لو لم يكن بأكثر.
إن قلت : على هذا يلزم أن يكون في الغالب أو الأغلب مجازاً ، وهذا بعيد ، ربما لا يلائمه حكمة الوضع.
لا يقال : كيف؟ وقد قيل : بأن أكثر المحاورات مجازات. فإن ذلك لو سلّم ، فإنما هو لأجل تعدَّد المعاني المجازية بالنسبة إلى المعنى الحقيقي الواحد. نعم ربما يتفق ذلك بالنسبة إلى معنى مجازي ، لكثرة الحاجة إلى التعبير عنه. لكن أين هذا مما إذا كان دائماً كذلك؟ فافهم.
__________________
1 ـ البدائع / 181 ، في المشتق.
2 ـ المراد من بعضٍ الأجلّة ، هو صاحب البدائع ، البدائع / 181.
الشيخ الميرزا حبيب الله بن الميرزا محمد علي خان القوجاني الرشتي ، ولد عام 1234 ه‍ ، حضر بحث صاحب الجواهر والشيخ الانصاري ، كان من أكابر علماء عصره ، أعرض عن الرئاسة ولم يرض أن يقلّده أحد لشدّة توّرعه في الفتوى ، ولم يتصدّ للوجوه ، له تصانيف كثيرة منها « بدائع الأصول » و « شرح الشرائع » و « كاشف الظلام في علم الكلام » وغيرها ، توفي ليلة الخميس 14 / ج 2 عام 1312 ه‍ ودفن في النجف الاشرف.
( طبقات أعلام الشيعة ، نقباء البشر 1 / 357 رقم 719 ) 
 
قلت : مضافاً إلى أن مجرد الاستبعاد غير ضائر بالمراد ، بعد مساعدة الوجوه المتقدمة عليه ، إن ذلك إنّما يلزم لو لم يكن استعماله فيما انقضى بلحاظ حال التلبس ، مع إنّه بمكان من الإِمكان ، فيراد من ( جاء الضارب أو الشارب ) ـ وقد انقضى عنه الضرب والشرب ـ جاء الذي كان ضاربا وشارباً قبل مجيئه حال التلبس بالمبدأ ، لا حينه بعد الانقضاء ، كي يكون الاستعمال بلحاظ هذا الحال ، وجعله معنوناً بهذا العنوان فعلاً بمجرد تلبسه قبل مجيئه ، ضرورة إنّه لو كان للأعم لصحّ استعماله بلحاظ كلاّ الحالين.
وبالجملة : كثرة الاستعمال في حال الانقضاء تمنع عن دعوى انسباق خصوص حال التلبس من الإِطلاق ، إذ مع عموم المعنى وقابلية كونه حقيقة في المورد ـ ولو بالانطباق ـ لا وجه لملاحظة حالة أُخرى ، كما لا يخفى ، بخلاف ما إذا لم يكن له العموم ، فإن استعماله ـ حينئذ ـ مجازاً بلحاظ حال الانقضاء وأنّ كان ممكناً ، إلّا إنّه لما كان بلحاظ حال التلبس على نحو الحقيقة بمكان من الإِمكان ، فلا وجه لاستعماله وجريه على الذات مجازاً وبالعناية وملاحظة العلاقة ، وهذا غير استعمال اللفظ فيما لا يصحّ استعماله فيه حقيقة ، كما لا يخفى ، فافهم.
ثم إنّه ربما أورد (1) على الاستدلال بصحة السلب ، بما حاصله : إنّه إن أُريد بصحة السلب صحته مطلقاً ، فغير سديد ، وأنّ أُريد مقيداً ، فغير مفيد ، لأن علامة المجاز هي صحة السلب المطلق.
وفيه : إنّه إن أُريد بالتقييد ، تقييد المسلوب الذي يكون سلبه أعم من سلب المطلق ـ كما هو واضح ـ فصحة سلبه وأنّ لم تكن علامة على كون المطلق مجازاً فيه ، إلّا أن تقييده ممنوع ؛ وأنّ أُريد تقييد السلب ، فغير ضائر بكونها علامة ، ضرورة صدق المطلق على أفراده على كلّ حال ، مع إمكان
__________________
1 ـ البدائع / 180 ، في المشتق.
 
منع تقييده أيضاً ، بأن يلحظ حال الانقضاء في طرف الذات الجاري عليها المشتق ، فيصحّ سلبه مطلقاً بلحاظ هذا الحال ، كما لا يصحّ سلبه بلحاظ حال التلبس ، فتدبرّ جيداً.
ثم لا يخفى إنّه لا يتفاوت (1) في صحة السلب عما انقضى عنه المبدأ ، بين كون المشتق لازماً وكونه متعدياً ، لصحة سلب الضارب عمن يكون فعلاً غير متلبس بالضرب ، وكان متلبسا به سابقاً ، وأما إطلاقه عليه في الحال ، فان كان بلحاظ حال التلبس ، فلا إشكال كما عرفت ، وأنّ كان بلحاظ الحال ، فهو وأنّ كان صحيحاً إلّا إنّه لا دلالة على كونه بنحو الحقيقة ، لكون الاستعمال أعم منها كما لا يخفى.
كما لا يتفاوت في صحة السلب عنه ، بين تلبسه بضد المبدأ وعدم تلبسه ، لما عرفت من وضوح صحته مع عدم التلبس ـ أيضاً ـ وأنّ كان معه أوضح.
ومما ذكرنا ظهر حال كثير من التفاصيل ، فلا نطيل بذكرها على التفصيل.
حجة القول بعدم الاشتراط وجوه :
الأول : التبادر.
وقد عرفت أن المتبادر هو خصوص حال التلبس.
الثاني : عدم صحة السلب في مضروب ومقتول ، عمن انقضى عنه المبدأ.
وفيه : إن عدم صحته في مثلهما ، إنّما هو لأجل إنّه أُريد من المبدأ
معنى يكون التلبس به باقياً في الحال ، ولو مجازاً. وقد انقدح من بعضٍ المقدّمات إنّه لا يتفاوت الحال فيما هو المهمّ في محلّ البحث والكلام ومورد النقض والأبرام ، اختلاف ما يراد من المبدأ في كونه حقيقة أو مجازاً ؛ وأما لو أُريد منه نفس ما وقع على الذات ، مما صدر
__________________
1 ـ التفصيل لصاحب الفصول ، الفصول / 60 ، فصل حول إطلاق المشتق. 
 
عن الفاعل ، فإنما لا يصحّ السلب فيما لو كان بلحاظ حال التلبس والوقوع ـ كما عرفت ـ لا بلحاظ الحال أيضاً ، لوضوح صحة أن يقال : إنّه ليس بمضروب الآن ، بل كان.
الثالث : استدلال الامام _ 7 _ تأسيا بالنبي ـ صلوات الله عليه وآله ـ كما عن غير واحد من الإخبار (1) بقوله تعالي : ( لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (2) على عدم لياقة من عبد صنماً أو وثنا لمنصب الإمامة والخلافة ، تعريضاً بمن تصدى لها ممن عبد الصنم مدة مديدة ، ومن الواضح توقف ذلك على كون المشتق موضوعاً للأعم ، وإلاّ لما صحّ التعريض ، لانقضاء تلبسهم بالظلم وعبادتهم للصنم حين التصدي للخلافة.
والجواب منع التوقف على ذلك ، بل يتم الاستدلال ولو كان موضوعاً لخصوص المتلبس.
وتوضيح ذلك يتوقف على تمهيد مقدّمة ، وهي : إن الأوصاف العنوانية التي تؤخذ في موضوعاًت الأحكام ، تكون على أقسام :
أحدها : أن يكون أخذ العنوان لمجرد الإِشارة إلى ما هو في الحقيقة موضوعاً للحكم ، لمعهوديته بهذا العنوان ، من دون دخل لاتصافه به في الحكم أصلاً.
ثانيها : أن يكون لأجل الإِشارة إلى علية المبدأ للحكم ، مع كفاية مجرد صحة جري المشتق عليه ، ولو فيما مضى.
ثالثها : أن يكون لذلك مع عدم الكفاية ، بل كان الحكم دائراً مدار صحة الجري عليه ، واتّصافه به حدوثاً وبقاء.
إذا عرفت هذا فنقول : إن الاستدلال بهذا الوجه إنّما يتم ، لو كان أخذ العنوان في الآية الشريفة على النحو الأخير ، ضرورة إنّه لو لم يكن المشتق
__________________
1 ـ الكافي 1/175 ، باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمة ، الحديث 1.
2 ـ البقرة / 124. 
 
للأعم ، لما تم بعد عدم التلبس بالمبدأ ظاهراً حين التصدي ، فلا بدّ أن يكون للأعم ، ليكون حين التصدي حقيقة من الظالمين ، ولو انقضى عنهم التلبس بالظلم. وأما إذا كان على النحو الثّاني ، فلا ، كما لا يخفى.
ولا قرينة على إنّه على النحو الأوّل ، لو لم نقل بنهوضها على النحو الثّاني ، فإن الآية الشريفة في مقام بيان جلالة قدر الامامة والخلافة وعظم خطرها ، ورفعة محلها ، وأنّ لها خصوصية من بين المناصب الإلهية ، ومن المعلوم أن المناسب لذلك ، هو أن لا يكون المتقمص بها متلبساً بالظلم أصلاً ، كما لا يخفى.
إن قلت : نعم ، ولكن الظاهر أن الإمام 7 إنّما استدل بما هو قضية ظاهر العنوان وضعاً ، لا بقرينة المقام مجازاً ، فلا بدّ أن يكون للأعم ، وإلاّ لما تم.
قلت : لو سلّم ، لم يكن يستلزم جري المشتق على النحو الثّاني كونه مجازاً ، بل يكون حقيقة لو كان بلحاظ حال التلبس كما عرفت. فيكون معنى الآية ، والله العالم : من كان ظالماً ولو آناً في زمان سابق (1) لا ينال عهدي أبداً ، ومن الواضح أن إرادة هذا المعنى لا تستلزم الاستعمال ، لا بلحاظ حال التلبس.
ومنه قد انقدح ما في الاستدلال على التفصيل بين المحكوم عليه والمحكوم به ، باختيار عدم الاشتراط في الأوّل ، بآية حد السارق والسارقة ، والزاني والزانية ، وذلك حيث ظهر إنّه لا ينافي إرادة خصوص حال التلبس دلالتها على ثبوت القطع والجلد مطلقاً ، ولو بعد انقضاء المبدأ ، مضافاً إلى
__________________
1 ـ في « ب » : السابق. 
 
وضوح بطلان تعدَّد الوضع ، حسب وقوعه محكوماً عليه أو به ، كما لا يخفى.
ومن مطاوي ما ذكرنا ـ ها هنا وفي المقدّمات ـ ظهر حال سائر الأقوال ، وما ذكر لها من الاستدلال ، ولا يسع المجال لتفصيلها ، ومن أراد الاطلاع عليها فعليه بالمطولات.
بقي اُمور :
الأول : إن مفهوم المشتق ـ على ما حققه المحقق الشريف (1) في بعضٍ حواشيه (2) ـ : بسيط منتزع عن الذات ـ باعتبار تلبسها بالمبدأ واتصافها به ـ غير مركب. وقد أفاد في وجه ذلك : أن مفهوم الشيء لا يعتبر في مفهوم الناطق مثلاً ، وإلاّ لكان العرض العام داخلا في الفصل ، ولو اعتبر فيه ما صدق عليه الشيء ، انقلبت مادة الإِمكان الخاص ضرورة ، فإن الشيء الذي له الضحك هو الإانسان ، وثبوت الشيء لنفسه ضروري. هذا ملخص ما أفاده الشريف ، على ما لخصه بعضٍ الأعاظم (3).
وقد أورد عليه في الفصول (4) ، بإنّه يمكن أن يختار الشق الأوّل ، ويدفع الإِشكال بأن كون الناطق ـ مثلاً ـ فصلاً ، مبني على عرفّ المنطقيين ،
__________________
1 ـ المير سيد علي بن محمّد بن علي الحسيني الاسترابادي ، ولد المحقق الشريف سنة 740 ه‍ بجرجان وكان متكلماً بارعاً ، باهراً في الحكمة والعربية ، روى عن جماعة منهم العلامة قطب الدين الرازي ، واخذ منه العلامة المذكور ، له شرح المطالع وشرح على مواقف القاضي عضد الايجي في علم أصول الكلام ،عده القاضي نور الله من حكماء الشيعة وعلمائها. وتوفي في شيراز سنة 816 ه‍. ( الكنى والالقاب 2 / 358 ).
2 ـ في حاشيته على شرح المطالع عند قول الشارح : إلّا أن معناه شيء له المشتق منه ... الخ ، شرح المطالع / 11.
3 ـ الفصول / 61 ، التنبيهات.
4 ـ الفصول / 61 ، التنبيهات. 
 
حيث اعتبروه مجردا عن مفهوم الذات ، وذلك لا يوجب وضعه لغةً كذلك.
وفيه : إنّه من المقطوع أن مثل الناطق قد اعتبر فصلاً بلا تصرف في معناه أصلاً ، بل بماله من المعنى ، كما لا يخفى.
والتحقيق أن يقال إن مثل الناطق ليس بفصل حقيقي ، بل لازم ما هو الفصل وأظهر خواصه ، وإنما يكون فصلاً مشهورياً منطقياً يوضع مكإنّه إذا لم يعلم نفسه ، بل لا يكاد يعلم ، كما حقق في محله ، ولذا ربما يجعل لازمان مكإنّه إذا كانا متساويين النسبة إليه ، كالحساس والمتحرك بالإِرادة في الحيوان ، وعليه فلا بأس بأخذ مفهوم الشيء في مثل الناطق ، فإنّه وأنّ كان عرضاً عاماً ، لا فصلاً مقوماً للإنسان ، إلّا إنّه بعد تقييده بالنطق واتّصافه به كان من أظهر خواصه.
وبالجملة لا يلزم من أخذ مفهوم الشيء في معنى المشتق ، إلّا دخول العرض في الخاصة التي هي من العرضي ، لا في الفصل الحقيقي الذي هو من الذاتي ، فتدبرّ جيداً.
ثم قال : إنّه يمكن أن يختار الوجه الثّاني أيضاً ، ويجاب بأن المحمول ليس مصداق الشيء والذات مطلقاً ، بل مقيداً بالوصف ، وليس ثبوته للموضوع حينئذٍ بالضرورة ، لجواز أن لا يكون ثبوت القيد ضرورياً. انتهى.
ويمكن أن يقال : إن عدم كون ثبوت القيد ضرورياً لا يضر بدعوى الانقلاب ، فإن المحمول إن كان ذات المقيد وكان القيد خارجاً ، وأنّ كان التقييّد داخلاً بما هو معنى حرفي ، فالقضية لا محالة تكون ضرورية ، ضرورة ضرورية ثبوت الإانسان الذي يكون مقيداً بالنطق للإنسان وأنّ كان المقيد به بما هو مقيد على أن يكون القيد داخلاً ، فقضية ( الإانسان ناطق ) تنحل في الحقيقة إلى قضيتين إحداهما قضية ( الإانسان إنسان ) وهي
 
ضرورية ، والأخرى قضية ( الإانسان له النطق ) وهي ممكنة ، وذلك لأن الاوصاف قبل العلم بها أخبار كما أن الإخبار بعد العلم تكون أوصافاً ، فعقد الحمل ينحل إلى القضية ، كما أن عقد الوضع ينحل إلى قضية مطلقة عامة عند الشيخ ، وقضية ممكنة عند الفارابي (1) ، فتأمل.
لكنه 1 تنظر فيما أفاده بقوله : وفيه نظر لأن الذات المأخوذة مقيدة بالوصف قوة أو فعلاً ، إن كانت مقيدة به واقعاً صدق الإِيجاب بالضرورة وإلاّ صدق السلب بالضرورة ، مثلاً : لا يصدق زيد كاتب بالضرورة لكن يصدق ( زيد الكاتب (2) بالقوة أو بالفعل [ كاتب ] بالضرورة ). انتهى.
ولا يذهب عليك أن صدق الإِيجاب بالضرورة ، بشرط كونه مقيداً به واقعاً لا يصحح دعوى الانقلاب إلى الضرورية ، ضرورة صدق الإِيجاب بالضرورة بشرط المحمول في كلّ قضية ولو كانت ممكنة ، كما لا يكاد يضر بها صدق السلب كذلك ، بشرط عدم كونه مقيداً به واقعاً ، لضرورة السلب بهذا الشرط ، وذلك لوضوح أن المناط في الجهات ومواد القضايا ، إنّما هو بملاحظة أن نسبة هذا المحمول إلى ذلك الموضوع موجهة بأي جهة منها ، ومع أية منها في نفسها صادقة ، لا بملاحظة ثبوتها له واقعاً أو عدم ثبوتها له كذلك ، وإلاّ كانت الجهة منحصرة بالضرورة ، ضرورة صيرورة الإِيجاب أو السلب ـ بلحاظ الثبوت وعدمه ـ واقعاً ضرورياً ، ويكون من باب الضرورة
__________________
1 ـ أبو نصر محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلغ الحكيم المشهور ، صاحب التصانيف في الفلسفة والمنطق والموسيقى وغيرها من العلوم ، أقام ببغداد برهة ثم ارتحل إلى مدينة حرَّان ثم رجع إلى بغداد ثم سافر إلى دمشق ثم إلى مصر ، ثم عاد إلى دمشق وأقام بها وسلطإنّها يومئذٍٍ سيف الدولة بن حمدان ، ويحكى أن الآلة المسماة « القانون » من وضعه ، وكان منفرداً بنفسه لا يجالس الناس ، أكثر تصانيفه فصول وتعاليق ، توفي عام 339 بدمشق وقد ناهز ثمانين سنة وصلّى عليه سيف الدولة ودفن بظاهر دمشق. ( وفيات الأعيان 5 / 153 رقم 701 ).
2 ـ أثبتناها من ( ب ) 
 
بشرط المحمول.
وبالجملة : الدعوى هو انقلاب مادة الإِمكان بالضرورة ، فيما ليست مادته واقعاً في نفسه وبلا شرط غير الأمكان.
وقد انقدح بذلك عدم نهوض ما أفاده ; بإبطال الوجه الأوّل ، كما زعمه 1 ، فإن لحوق مفهوم الشيء والذات لمصاديقهما ، إنّما يكون ضرورياً مع إطلاقهما ، لا مطلقاً ، ولو مع التقيد إلّا بشرط تقيد المصاديق به أيضاً ، وقد عرفت حال الشرط ، فافهم.
ثم إنّه لو جعل التالي في الشرطيّة الثانية لزوم أخذ النوع في الفصل ؛ ضرورة أن مصداق الشيء الذي له النطق هو الإانسان ، كان أليق بالشرطية الأولى ، بل كان أولى (1) لفساده مطلقاً ، ولو لم يكن مثل الناطق بفصل حقيقي ، ضرورة بطلان أخذ الشيء في لازمه وخاصته ، فتأمل جيداً.
ثم إنّه يمكن أن يستدل على البساطة ، بضرورة عدم تكرار الموصوف في مثل ( زيد الكاتب ) ، ولزومه من التركب ، وأخذ الشيء مصداقاً أو مفهوماً في مفهومه.
إرشاد :
لا يخفى أن معنى البساطة ـ بحسب المفهوم ـ وحدته إدراكاً وتصوراً ، بحيث لا يتصور عند تصوره إلّا شيء واحد لا شيئاًن ، وأنّ انحل بتعمّل من العقل إلى شيئين ، كانحلال مفهوم الشجر والحجر إلى شيء له الحجرية أو الشجرية ، مع وضوح بساطة مفهومهما.
وبالجملة : لا ينثلم بالانحلال إلى الاثنينية ـ بالتعمّل العقلي ـ وحدة المعنى
__________________
1 ـ في « ب » : الأولى. 
 
وبساطة المفهوم ، كما لا يخفى ، وإلى ذلك يرجع الإِجمال والتفصيل الفارقان (1) بين المحدود والحد ، مع ما هما عليه من الاتحاد ذاتاً ، فالعقل بالتعمّل يحلل النوع ، ويفصله إلى جنس وفصل ، بعد ما كان أمراً واحداً إدراكاً ، وشيئاً فارداً تصوراً ، فالتحليل يوجب فتق ما هو عليه من الجمع والرتق.
الثاني : الفرق بين المشتق ومبدئه مفهوماً ، إنّه بمفهومه لا يأبى عن الحمل على ما تلبس بالمبدأ ، ولا يعصي عن الجري عليه ، لما هما عليه من نحو من الاتحاد ، بخلاف المبدأ ، فإنّه بمعناه يأبى عن ذلك ، بل إذا قيس ونسب إليه كان غيره ، لا هو هو ، وملاك الحمل والجري إنّما هو نحو من الاتحاد والهوهوية ، وإلى هذا يرجع ما ذكره أهل المعقول في الفرق بينهما ، من أن المشتق يكون لا بشرط والمبدأ يكون بشرط لا ، أيّ يكون مفهوم المشتق غير آب عن الحمل ، ومفهوم المبدأ يكون آبيا عنه ، وصاحب الفصول (2) ; ـ حيث توهّم أن مرادهم إنّما هو بيان التفرقة بهذين الاعتبارين ، بلحاظ الطوارىء والعوارض الخارجية مع حفظ مفهوم واحد ـ أورد عليهم بعدم استقامة الفرق بذلك ، لأجل امتناع حمل العلم والحركة على الذات ، وأنّ اعتبرا لا بشرط ، وغفل عن أن المراد ما ذكرنا ، كما يظهر منهم من بيان الفرق بين الجنس والفصل ، وبين المادة والصورة ، فراجع.
الثالث : ملاك الحمل ـ كما أشرنا إليه ـ هو الهوهوية والاتحاد من وجه ،
__________________
1 ـ في « أ و ب » : الفارقين.
2 ـ الفصول / 62 ، التنبيه الثّاني من تنبيهات المشتق.
هو الشيخ محمد حسين بن محمد رحيم الطهراني الحائري ، ولد في « إيوان كيف » ، أخذ مقدمات العلوم في طهران ، ثم اكتسب من شقيقه الحجة الشيخ محمد تقي الاصفهاني صاحب « هداية المسترشدين » في اصفهان ، ثم هاجر إلى العراق فسكن كربلاء ، كان مرجعاً عاماً في التدريس والتقليد ، وقد تخرّج من معهده جمع من كبار العلماء ، أجاب داعي ربه سنة 1254 ه‍ وله آثار أشهرها « الفصول الغروية » في الأصول ( طبقات اعلام الشيعة الكرام البررة 1 / 390 رقم 795 ). 
 
والمغايرة من وجه آخر ، كما يكون بين المشتقات والذوات ، ولا يعتبر معه (1) ملاحظة التركيب بين المتغايرين ، واعتبار كون مجموعهما ـ بما هو كذلك ـ واحداً ، بل يكون لحاظ ذلك مخلا ، لاستلزامه المغايرة بالجزئية والكلية.
ومن الواضح أن ملاك الحمل لحاظ نحو اتحاد بين الموضوع والمحمول ، مع وضوح عدم لحاظ ذلك في التحديدات وسائر القضايا في طرف الموضوعاًت ، بل لا يلحظ في طرفها إلّا نفس معانيها ، كما هو الحال في طرف المحمولات ، ولا يكون حملها عليها إلّا بملاحظة ما هما عليه من نحو من الاتحاد ، مع ما هما عليه من المغايرة ولو بنحو من الاعتبار.
فانقدح بذلك فساد ما جعله في الفصول تحقيقاً للمقام. وفي كلامه موارد للنظر ، تظهر بالتأمل وإمعان النظر.
الرابع : لا ريب في كفاية مغايرة المبدأ مع ما يجري المشتق عليه مفهوماً ، وأنّ اتحدا عيناً و خارجاً ، فصدق الصفات ـ مثل : العالم ، والقادر ، والرحيم ، والكريم ، إلى غير ذلك من صفات الكمال والجلال ـ عليه تعالى ، على ما ذهب إليه أهل الحق من عينية صفاته ، يكون على الحقيقة ، فإن المبدأ فيها وأنّ كان عين ذاته تعالى خارجاً ، إلّا إنّه غير ذاته تعالى مفهوماً.
ومنه قد انقدح ما في الفصول ، من الالتزام بالنقل (2) أو التجوز في ألفاظ الصفات الجارية عليه تعالى ، بناءً على الحق من العينية ، لعدم المغايرة المعتبرة بالاتفاق ، وذلك لما عرفت من كفاية المغايرة مفهوماً ، ولا اتفاق على اعتبارٍ غيرها ، إن لم نقل بحصول الاتفاق على عدم اعتباره ، كمالا يخفى ، وقد عرفت ثبوت المغايرة كذلك بين الذات ومبادىء الصفات.
__________________
1 ـ اشارة إلى ما افاده صاحب الفصول ، الفصول ، 62 التنبيه الثاني.
2 ـ الفصول / 62 ، التنبيه الثالث من تنبيهات المشتق. 
 
الخامس : إنّه وقع الخلاف بعد الاتفاق على اعتبارٍ المغايرة ـ كما عرفت ـ بين المبدأ وما يجري عليه المشتق ، في اعتبارٍ قيام المبدأ به ، في صدقه على نحو الحقيقة.
وقد استدل من قال (1) بعدم الاعتبار ، بصدق الضارب والمؤلم ، مع قيام الضرب والألم بالمضروب والمؤلمَ ـ بالفتح ـ.
والتحقيق : إنّه لا ينبغي أن يرتاب من كان من أولى الالباب ، في إنّه يعتبر في صدق المشتق على الذات وجريه عليها ، من التلبس بالمبدأ بنحو خاص ، على اختلاف أنحائه الناشئة من اختلاف المواد تارةً ، واختلاف الهيئات أُخرى ، من القيام صدوراً أو حلولا أو وقوعا عليه أو فيه ، أو انتزاعه عنه مفهوماً مع اتحاده معه خارجاً ، كما في صفاته تعالى ، على ما أشرنا إليه آنفا ، أو مع عدم تحقق إلّا للمنتزع عنه ، كما في الاضافات والاعتبارات التي لا تحقق لها ، ولا يكون بحذائها في الخارج شيء ، وتكون من الخارج المحمول ، لا المحمول بالضميمة ، ففي صفاته الجارية عليه تعالى يكون المبدأ مغايراً له تعالى مفهوماً ،وقائماً به عيناً ، لكنه بنحو من القيام ، لا بأن يكون هناك اثنينية ، وكان ما بحذائه غير الذات ، بل بنحو الاتحاد والعينية ، وكان ما بحذائه عين الذات ، وعدم اطلاع العرف على مثل هذا التلبس من الأمور الخفية لا يضر بصدقها عليه تعالى على نحو الحقيقة ، إذا كان لها مفهوم صادق عليه تعالى حقيقة ، ولو بتأمل وتعمّل من العقل. والعرف إنّما يكون مرجعاً في تعيين المفاهيم ، لا في تطبيقها على مصاديقها.
وبالجملة : يكون مثل ( العالم ) ، ( والعادل ) ، وغيرهما من الصفات الجارية عليه تعالى وعلى غيره جارية عليهما بمفهوم واحد ومعنى فارد ، وأنّ اختلفا فيما يعتبر في الجري من الاتحاد ، وكيفية التلبس بالمبدأ ، حيث إنّه بنحو العينية فيه تعالى ، وبنحو الحلول أو الصدور في غيره ، فلا وجه لما التزم به في
__________________
1 ـ الفصول / 62 ، التنبيه الثالث من تنبيهات المشتق.  

 
الفصول (1) ، من نقل الصفات الجارية عليه تعالى عما هي عليها من المعنى ، كما لا يخفى ، كيف؟ ولو كانت بغير معانيها العامة جارية عليه تعالى كانت صرف لقلقة اللسان وألفاظ بلا معنى ، فإن غير تلك المفاهيم العامة الجارية على غيره تعالى غير مفهوم ولا معلوم إلّا بما يقابلها ، ففي مثل ما إذا قلنا : ( إنّه تعالى عالم ) ، امّا أن نعني إنّه من ينكشف لديه الشيء فهو ذاك المعنى العام ، أو إنّه مصداق لما يقابل ذاك المعنى ، فتعالى عن ذلك علواً كبيراً، وإما أن لا نعني شيئاً ، فتكون كما قلناه من كونها صرف اللقلقة ، وكونها بلا معنى ، كما لا يخفى.
والعجب إنّه جعل ذلك علّة لعدم صدقها في حق غيره ، وهو كما ترى ، وبالتأمل فيما ذكرنا ، ظهر الخلل فيما استدل من الجانبين والمحاكمة بين الطرفين ، فتأمل.
السادس : الظاهر إنّه لا يعتبر في صدق المشتق وجريه على الذات حقيقة ، التلبس بالمبدأ حقيقة وبلا واسطة في العروض ، كما في الماء الجاري ، بل يكفي التلبس به ولو مجازاً ، ومع هذه الواسطة ، كما في الميزاب الجاري ، فاسناد الجريان إلى الميزاب ، وأنّ كان إسناداً إلى غير ما هو له وبالمجاز ، إلّا إنّه في الإِسناد ، لا في الكلمة ، فالمشتق في مثل المثال ، بما هو مشتق قد استعمل في معناه الحقيقي ، وأنّ كان مبدؤه مسنداً إلى الميزاب بالإِسناد المجازي ، ولا منافاة بينهما أصلاً ، كما لا يخفى.
ولكن ظاهر الفصول (2) بل صريحه ، اعتبارٍ الإِسناد الحقيقي في صدق المشتق حقيقة ، وكأنه من باب الخلط بين المجاز في الإِسناد والمجاز في الكلمة ، وهذا ـ هاهنا ـ محلّ الكلام بين الأعلام ، والحمد لله ، وهو خير ختام.
__________________
1 ـ الفصول / 62 ، التنبيه الثالث من تنبيهات المشتق.
2 ـ الفصول / 62 ، التنبيه الثالث من تنبيهات المشتق.
 
 
 
 
 
 

المقصد الأوّل : في الاوامر
وفيه فصول :
الأول : فيما يتعلق بمادة الأمر من الجهات ، وهي عديدة :
الأولى : إنّه قد ذكر للفظ الأمر معانٍ متعددة ، منها الطلب ، كما يقال ، أمره بكذا.
ومنها الشأن ، كما يقال : شغله أمر كذا.
ومنها الفعل ، كما في قوله تعالى : ( وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ) (1).
ومنها الفعل العجيب ، كما في قوله تعالى : ( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا ) (2).
ومنها الشيء ، كما تقول : رأيت اليوم أمراً عجيبا.
ومنها الحادثة
ومنها الغرض ، كما تقول : جاء زيد الأمر كذا.
ولا يخفى أن عد بعضها من معانيه من اشتباه المصداق بالمفهوم ؛ ضرورة أن الأمر في ( جاء زيد الأمر ) ما إستعمل في معنى الغرض ، بل اللام قد دلّ على الغرض ، نعم يكون مدخوله مصداقه ، فافهم ، وهكذا الحال في قوله
__________________
1 ـ هود : 97.
2 ـ هود : 66 ، 82.
 
 
تعالى ( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا ) (1) يكون مصداقاً للتعجب ، لا مستعملاً في مفهومه ، وكذا في الحادثة والشأن.
وبذلك ظهر ما في دعوى الفصول (2) ، من كون لفظ الأمر حقيقة في المعنيين الأولين.
ولا يبعد دعوى كونه حقيقة في الطلب في الجملة والشيء ، هذا بحسب العرف واللغة.
وأما بحسب الاصطلاح ، فقد نقل (3) الاتفاق على إنّه حقيقة في القول المخصوص ، ومجاز في غيره ، ولا يخفى إنّه عليه لا يمكن منه الاشتقاق ، فإن معناه ـ حينئذ ـ لا يكون معنى حدثياً ، مع أن الاشتقاقات منه ـ ظاهراً ـ تكون بذلك المعنى المصطلح عليه بينهم ، لا بالمعنى الآخر ، فتدبر.
ويمكن أن يكون مرادهم به هو الطلب بالقول لا نفسه ، تعبيراً عنه بما يدلّ عليه ، نعم القول المخصوص ـ أيّ صيغة الأمر ـ إذا أراد العالي بها الطلب يكون من مصاديق الأمر ، لكنه بما هو طلب مطلق أو مخصوص.
وكيف كان ، فالأمر سهل لو ثبت النقل ، ولا مشاحة في الاصطلاح ، وإنما المهمّ بيان ما هو معناه عرفاً ولغة ، ليحمل عليه فيما إذا ورد بلا قرينة ، وقد استعمل في غير واحد من المعاني في الكتاب والسنة ، ولا حجة على إنّه على نحو الاشتراك اللفظي أو المعنوي أو الحقيقة والمجاز.
وما ذكر في الترجيح ، عند تعارض هذه الأحوال ، لو سلّم ، ولم يعارض بمثله ، فلا دليل على الترجيح به ، فلا بدّ مع التعارض من الرجوع إلى الأصل في مقام العمل ، نعم لو علم ظهوره في أحد معانيه ، ولو إحتمل إنّه كان للانسباق من الإِطلاق ، فليحمل عليه ، وأنّ لم يعلم إنّه حقيقة فيه
__________________
1 ـ هود : 66 ، 82.
2 ـ الفصول / 62 ، القول في الأمر.
3 ـ الفصول / 62 ـ 63 ، القول في الأمر. 
 
بالخصوص ، أو فيما يعمه ، كما لا يبعد أن يكون كذلك في المعنى الأول.
الجهة الثانية : الظاهر اعتبارٍ العلو في معنى الأمر ، فلا يكون الطلب من السافل أو المساوي أمراً ، ولو أطلق عليه كان بنحو من العناية ، كما أن الظاهر عدم اعتبارٍ الاستعلاء ، فيكون الطلب من العالي أمراً ولو كان مستخفضاً لجناحه.
وأما إحتمال اعتبارٍ أحدهما فضعيف. وتقبيح الطالب السافل من العالي المستعلي عليه ، وتوبيخه بمثل : ( إنك لم تأمره ) ، إنّما هو على استعلائه ، لا على أمره حقيقة بعد استعلائه ، وإنما يكون إطلاق الأمر على طلبه بحسب ما هو قضية استعلائه ، وكيف كان ، ففي صحة سلب الأمر عن طلب السافل ، ولو كان مستعلياً كفاية.
الجهة الثالثة : لا يبعد كون لفظ الأمر حقيقة في الوجوب ، لأنسباقه عنه عند إطلاقه ، ويؤيّد قوله تعال ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ) (1) وقوله 9 (2) : ( لولا أن أشقِّ على أمتي لامرتهم بالسواك ) (2) وقوله 9 : لبريرة بعد قولها : أتأمرني يا رسول الله؟ ـ : ( لا ، بل إنّما أنا شافع ) (3) إلى غير ذلك ، وصحة الاحتجاج على العبد ومؤاخذته بمجرد مخالفة أمره ، وتوبيخه على مجرد مخالفته ، كما في قوله تعالى ( مَا مَنَعَكَ إلّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ) (4).
وتقسيمه إلى الإِيجاب والاستحباب ، إنّما يكون قرينة على إرادة المعنى الأعم منه في مقام تقسيمه. وصحة الاستعمال في معنى أعم من كونه على نحو
__________________
1 ـ النور : 63.
2 ـ غوالي اللآلي : 2 / 21 الحديث 43.
3 ـ الكافي : 5 / 485 ، التهذيب : 7 / 341 ، الخصال : 1 / 190.
4 ـ الأعراف : 12.  

 
الحقيقة ، كما لا يخفى.
وأما ما اُفيد (1) من أن الاستعمال فيهما ثابت ، فلو لم يكن موضوعاً للقدر المشترك بينهما لزم الاشتراك أو المجاز ، فهو غير مفيد ، لما مرت الإِشارة إليه في الجهة الأولى ، وفي تعارض الأحوال (2) ، فراجع.
والاستدلال بأن فعل المندوب طاعة ، وكل طاعة فهو فعل المأمور به ، فيه ما لا يخفى من منع الكبرى ، لو أُريد من المأمور به معناه الحقيقي ، وإلاّ لا يفيد المدعى.
الجهة الرابعة : الظاهر أن الطلب الذي يكون هو معنى الأمر ، ليس هو الطلب الحقيقي الذي يكون طلباً بالحمل الشائع الصناعي ، بل الطلب الإنشائي الذي لا يكون بهذا الحمل طلباً مطلقاً ، بل طلباً إنشائياً ، سواء اُنشىء بصيغة إفعل ، أو بمادة الطلب ، أو بمادة الأمر ، أو بغيرها.
ولو أبيت إلّا عن كونه موضوعاً للطلب فلا أقل من كونه منصرفاً إلى الإنشائي منه عند إطلاقه كما هو الحال في لفظ الطلب أيضاً ، وذلك لكثرة الاستعمال في الطلب الإنشائي ، كما أن الأمر في لفظ الإرادة على عكس لفظ الطلب ، والمنصرف عنها عند إطلاقها هو الإرادة الحقيقية (3) واختلافهما في ذلك ألجأ بعضٍ أصحابنا إلى الميل إلى ما ذهب إليه الأشاعرة ، من المغايرة بين الطلب والإرادة ، خلافاً لقاطبة أهل الحق والمعتزلة ، من اتحادهما.
فلا بأس بصرف عنان الكلام إلى بيان ما هو الحق في المقام ، وأنّ حققناه في بعضٍ فوائدنا إلّا أن الحوالة لما تكن عن المحذور خالية ، والإِعادة بلا فائدة ولا إفادة ، كان المناسب هو التعرض ها هنا أيضاً.
فاعلم ، أن الحق كما عليه أهله ـ وفاقاً للمعتزلة وخلافاً للاشاعرة ـ هو اتحاد الطلب والإرادة ، بمعنى أن لفظيهما موضوعاًن بإزاء مفهوم واحد وما بإزاء
__________________
1 ـ أفاده العلامة (ره) نهاية الاُصول / 64 مخطوطة.
2 ـ في الأمر الثامن من المقدمة ص 20.
3 ـ في « ب » : الحقيقة. 
 
أحدهما في الخارج يكون بإزاء الآخر ، والطلب المنشأ بلفظه أو بغيره عين الإرادة الإنشائية ، وبالجملة هما متحدان مفهوماً وإنشاء و خارجاً ، لا أن الطلب الإنشائي الذي هو المنصرف إليه إطلاقه ـ كما عرفت ـ متحد مع الإرادة الحقيقية (1) التي ينصرف إليها إطلاقها أيضاً ، ضرورة أن المغايرة بينهما أظهر من الشمس وأبين من الأمس. فإذا عرفت المراد من حديث العينية والاتحاد ، ففي مراجعة الوجدان عند طلب شيء والأمر به حقيقة كفاية ، فلا يحتاج إلى مزيد بيان وإقامة برهان ، فإن الإانسان لا يجد غير الإرادة القائمة بالنفس صفة أُخرى قائمة بها ، يكون هو الطلب غيرها ، سوى ما هو مقدّمة تحققها ، عند خطور الشيء والميل وهيجان الرغبة إليه ، والتصديق لفائدته ، وهو الجزم بدفع ما يوجب توقفه عن طلبه لاجلها.
وبالجملة : لا يكاد يكون غير الصفات المعروفة والإرادة هناك صفة أُخرى قائمة بها يكون هو الطلب ، فلا محيص (2) عن إتحاد الإرادة والطلب ، وأنّ يكون ذلك الشوق المؤكد المستتبع لتحريك العضلات في إرادة فعله بالمباشرة ، أو المستتبع الأمر عبيده به فيما لو أراده لا كذلك ، مسمى بالطلب والإرادة كما يعب به تارةً وبها أُخرى ، كما لا يخفى. وكذا الحال في سائر الصيغ الإنشائية ، والجمل الخبرية ، فإنّه لا يكون غير الصفات المعروفة القائمة بالنفس ، من الترجي والتمني والعلم إلى غير ذلك ، صفة أُخرى كانت قائمة بالنفس ، وقد دلّ اللفظ عليها ، كما قيل :
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما
         جعل اللسان على الفؤاد دليلا
 
وقد انقدح بما حققناه ، ما في استدلال الأشاعرة على المغايرة بالأمر مع عدم الإرادة ، كما في صورتي الاختبار والاعتذار من الخلل ، فإنّه كما لا إرادة
__________________
1 ـ في « ب » : الحقيقة.
2 ـ في النسختين فلا محيص إلّا ، والظاهر « إلّا » هنا مقحمة في السياق. 
 
حقيقة في الصورتين ، لا طلب كذلك فيهما ، والذي يكون فيهما إنّما هو الطلب الإنشائي الإِيقاعي ، الذي هو مدلول الصيغة أو المادة ، ولم يكن بينّاً ولا مبينّاً في الاستدلال مغايرته مع الإرادة الإنشائية.
وبالجملة : الذي يتكفله الدليل ، ليس إلّا الانفكاك بين الإرادة الحقيقية ، والطلب المنشأ بالصيغة الكاشف عن مغايرتهما. وهو مما لا محيص عن الالتزام به ، كما عرفت ، ولكنه لا يضر بدعوى الاتحاد أصلاً ، لمكان هذه المغايرة والانفكاك بين الطلب الحقيقي والإنشائي ، كما لا يخفي.
ثم إنّه يمكن ـ مما حققناه ـ أن يقع الصلح بين الطرفين ، ولم يكن نزاع في البين ، بأن يكون المراد بحديث الاتحاد ما عرفت من العينية مفهوماً ووجوداً حقيقياً وإنشائياً ، ويكون المراد بالمغايرة والاثنينية هو اثنينية الإنشائي من الطلب ، كما هو كثيراً ما يراد من إطلاق لفظه ، والحقيقي من الإرادة ، كما هو المراد غالباً منها حين إطلاقها ، فيرجع النزاع لفظياً ، فافهم.
دفع ووهم (1) : لا يخفى إنّه ليس غرض الأصحاب والمعتزلة ، من نفي غير الصفات المشهورة ، وإنّه ليس صفة أُخرى قائمة بالنفس كانت كلاماً نفسياً مدلولأ للكلام اللفظي ، كما يقول به الأشاعرة ، إن هذه الصفات المشهورة مدلولات للكلام.
إن قلت : فماذا يكون مدلولأ عليه عند الأصحاب والمعتزلة؟
قلت : امّا الجمل الخبرية ، فهي دالّة على ثبوت النسبة بين طرفيها ، أو نفيها في نفس الأمر من ذهن أو خارج ، كالإنسان نوع أو كاتب.
وأما الصيغ الإنشائية ، فهي ـ على ما حققناه في بعضٍ فوائدنا (2) ـ موجدة
__________________
1 ـ المتوهم هو القوشجي ، راجع شرح تجريد العقائد للقوشجي / 246 ، عند البحث عن المسموعات.
2 ـ كتاب النوائد / الفائدة الاُولى ص 17.
 
لمعانيها في نفس الأمر ، أيّ قصد ثبوت معانيها وتحققها بها ، وهذا نحو من الوجود ، وربما يكون هذا منشأ لانتزاع اعتبارٍ مترتب عليه شرعاً وعرفاً آثار ، كما هو الحال في صيغ العقود والايقاعات.
نعم لا مضايقة في دلالة مثل صيغة الطلب والاستفهام والترجي والتمني ـ بالدلالة الالتزامية ـ على ثبوت هذه الصفات حقيقة ، امّا لأجل وضعها لإِيقاعها ، فيما إذا كان الداعي إليه ثبوت هذه الصفات ، أو انصراف إطلاقها إلى هذه الصورة ، فلو لم تكن هناك قرينة ، كان إنشاءً الطلب أو الاستفهام أو غيرهما بصيغتها ، لأجل كون الطلب والاستفهام وغيرهما قائمة بالنفس ، وضعاً أو إطلاقاً.
إشكال ودفع : امّا الإِشكال ، فهو إنّه يلزم بناءً على اتحاد الطلب والإرادة ، في تكليف الكفار بالإِيمان ، بل مطلق أهل العصيان في العمل بالاركان ، امّا أن لا يكون هناك تكليف جدّي ، إن لم يكن هناك إرادة ، حيث إنّه لا يكون حينئذ طلب حقيقي ، وإعتباره في الطلب الجدي ربما يكون من البديهي ، وأنّ كان هناك إرادة ، فكيف تتخلف عن المراد؟ ولا تكاد تتخلف ، إذا أراد الله شيئاً يقول له : كن فيكون.
وأما الدفع ، فهو إن إستحاله التخلف إنّما تكون في الإرادة التكوينية وهي العلم بالنظام على النحو الكامل التام ، دون الإرادة التشريعية ، وهي العلم بالمصلحة في فعل المكلف. وما لا محيص عنه في التكليف إنّما هو هذه الإرادة التشريعية لا التكوينية ، فإذا توافقتا فلابد من الإطاعة والإِيمان ، وإذا تخالفتا ، فلا محيص عن أن يختار الكفر والعصيان.
إن قلت : إذا كان الكفر والعصيان والإطاعة والإِيمان ، بإرادته تعالى التي لا تكاد تتخلف عن المراد ، فلا يصحّ أن يتعلق بها التكليف ، لكونها خارجة عن الاختيار المعتبر فيه عقلاً. 
 
 
قلت : إنّما يخرج بذلك عن الاختيار ، لو لم يكن تعلق الإرادة بها مسبوقة بمقدماتها الاختيارية ، وإلاّ فلا بدّ من صدورها بالاختيار ، وإلاّ لزم تخلف إرادته عن مراده ، تعالى عن ذلك علواً كبيراً.
إن قلت : إن الكفر والعصيان من الكافر والعاصي ولو كانا مسبوقين بإرادتهما ، إلّا إنّهما منتهيان إلى ما لا بالاختيار ، كيف؟ وقد سبقهما الإرادة الازلية والمشية الإلهية ، ومعه كيف تصحّ المؤاخذة على ما يكون بالاخرة بلا اختيار؟
قلت : العقاب إنّما بتبعة الكفر والعصيان التابعين للاختيار الناشىء عن مقدماته ، الناشئة عن شقاوتهما الذاتية اللازمة لخصوص ذاتهما ، فإن ( السعيد سعيد في بطن أمه ، والشقي شقي في بطن أمه ) (1) و ( الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ) (2) ، كما في الخبر ، والذاتي لا يعلل ، فانقطع سؤال : إنّه لم جعل السعيد سعيدا والشقي شقيا؟ فإن السعيد سعيد بنفسه والشقي شقي كذلك ، وإنما أوجدهما الله تعالى ( قلم اينجا رسيد سر بشكست ) (3) ، قد إنتهى الكلام في المقام إلى ما ربما لا يسعه كثير من الافهام ، ومن الله الرشد والهداية وبه الاعتصام.
وهم ودفع : لعلك تقول : إذا كانت الإرادة التشريعية منه تعالى عين علمه بصلاح الفعل ، لزم ـ بناءً على أن تكون عين الطلب ـ كون المنشأ بالصيغة في الخطابات الإلهية هو العلم ، وهو بمكان من البطلان.
__________________
1 ـ ورد بهذا المضمون في توحيد الصدوق / 356 الباب 58 الحديث 3.
2 ـ الروضة من الكافي 8 / 177 ، الحديث 197.
مسند أحمد بن حنبل 2 / 539 وفيه تقديم الفضّة على الذهب. وقريب منه في هذا المصدر صفحة 257 ، 260 ، 391 ، 438 ، 485 ، 498 ، 525 والبخاري 4 / 216.
3 ـ يريد المؤلف (ره) : وهنا يقف القلم ، لأن الكلام انتهى إلى ما ربما لا يسعه كثير من الأفهام ، وما بين القوسين ، تعبير فارسي ترجمته : لما وصل القلم إلى هنا انكسر رأسه. 
 
لكنك غفلت عن أن اتحاد الإرادة مع العلم بالصلاح ، إنّما يكون خارجاً لا مفهوماً ، وقد عرفت (1) أن المنشأ ليس إلّا المفهوم ، لا الطلب الخارجي ، ولا غرو أصلاً في اتحاد الإرادة والعلم عيناً و خارجاً ، بل لا محيص عنه في جميع صفاته تعالى ؛ لرجوع الصفات إلى ذاته المقدسة ، قال أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه : ( وكمال توحيده الإخلاص له ، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ). (2)
الفصل الثاني
فيما يتعلق بصيغة الأمر وفيه مباحث :
الأول : إنّه ربما يذكر للصيغة معانٍ قد استعملت فيها ، وقد عد منها : الترجي ، والتمني ، والتهديد ، والإنذار ، والإِهانة ، والاحتقار ، والتعجيز ، والتسخير ، إلى غير ذلك ، وهذا كما ترى ، ضرورة أن الصيغة ما استعملت في واحد منها ، بل لم يستعمل إلّا في إنشاءً الطلب ، إلّا أن الداعي إلى ذلك ، كما يكون تارةً هو البعث والتحريك نحو المطلوب الواقعي ، يكون أُخرى أحد هذه الأمور ، كما لا يخفى.
قصارى ما يمكن أن يَّدعى ، أن تكون الصيغة موضوعة لإِنشاء الطلب ، فيما إذا كان بداعي البعث والتحريك ، لا بداعٍ آخر منها ، فيكون إنشاءً الطلب بها بعثاً حقيقة ، وإنشاؤه بها تهديداً مجازاً ، وهذا غير كونها مستعملة في التهديد وغيره ، فلا تغفل.
إيقاظ : لا يخفى أن ما ذكروه في صيغة الأمر ، جار في سائر الصيغ الإنشائية ، فكما يكون الداعي إلى إنشاءً التمني أو الترجي أو الاستفهام
__________________
1 ـ مر في صفحة 66 من هذا الكتاب عند قوله : وأما الصيغ الإنشائية .. الخ.
2 ـ نهج البلاغة / 39 الخطبة الأولى. 
 
بصيغها ، تارةً هو ثبوت هذه الصفات حقيقة ، يكون الداعي غيرها أُخرى ، فلا وجه للالتزام بانسلاخ صيغها عنها ، واستعمالها في غيرها ، إذا وقعت في كلامه تعالى ، لاستحالة مثل هذه المعاني في حقه تبارك وتعالى ، مما لازمه العجز أو الجهل ، وإنّه لا وجه له ، فإن المستحيل إنّما هو الحقيقي منها لا الإنشائي الإِيقاعي ، الذي يكون بمجرد قصد حصوله بالصيغة ، كما عرفت ، ففي كلامه تعالى قد استعملت في معانيها الإِيقاعية الإنشائية أيضاً ، لا لإِظهار ثبوتها حقيقة ، بل الأمر آخر حسب ما يقتضيه الحال من إظهار المحبة أو الإِنكار أو التقرير إلى غير ذلك ، ومنه ظهر أن ما ذكر من المعاني الكثيرة لصيغة الاستفهام ليس كما ينبغي أيضاً.
المبحث الثّاني : في أن الصيغة حقيقة في الوجوب ، أو في الندب ، أو فيهما ، أو في المشترك بينهما ، وجوه بل أقوال.
لا يبعد تبادر الوجوب عند استعمالها بلا قرينة ، ويؤيده عدم صحة الاعتذار عن المخالفة باحتمال إرادة الندب ، مع الاعتراف بعدم دلالته عليه بحال أو مقال ، وكثرة الاستعمال فيه في الكتاب والسنة وغيرهما لا يوجب نقله إليه أو حمله عليه (1) ، لكثرة استعماله في الوجوب أيضاً ، مع أن الاستعمال وأنّ كثر فيه ، إلّا إنّه كان مع القرينة المصحوبة ، وكثرة الاستعمال كذلك في المعنى المجازي لا توجب صيرورته مشهوراً فيه ، ليرجح أو يتوقف ، على الخلاف في المجاز المشهور ، كيف؟ وقد كثر إستعمال العام في الخاص ، حتى قيل : ( ما من عام إلّا وقد خص ) ولم ينثلم به ظهوره في العموم ، بل يحمل عليه ما لم تقم قرينة بالخصوص على إرادة الخصوص.
المبحث الثالث : هل الجمل الخبرية التي تستعمل في مقام الطلب والبعث ـ مثل : يغتسل ، ويتوضأ ، ويعيد ـ ظاهرة في الوجوب أو لا؟ لتعدد
__________________
1 ـ هذا تعريض بصاحب المعالم 1 ، معالم الدين / 48 ، فصل في الأوامر : فائدة.
 
المجازات فيها ، وليس الوجوب بأقواها ، بعد تعذر حملها على معناها من الإخبار ، بثبوت النسبة والحكاية عن وقوعها.
الظاهر الأوّل ، بل تكون أظهر من الصيغة ، ولكنه لا يخفى إنّه ليست الجمل الخبرية الواقعة في ذلك المقام ـ أيّ الطلب ـ مستعملة في غير معناها ، بل تكون مستعملة فيه ، إلّا إنّه ليس بداعي الأعلام ، بل بداعي البعث بنحو آكد ، حيث إنّه أخبر بوقوع مطلوبه في مقام طلبه ، إظهارا بإنّه لا يرضى إلّا بوقوعه ، فيكون آكد في البعث من الصيغة ، كما هو الحال في الصيغ الإنشائية ، على ما عرفت من إنّها أبدا تستعمل في معانيها الإِيقاعية لكن بدواعٍ أخر ، كما مر (1).
لا يقال : كيف؟ ويلزم الكذب كثيراً ، لكثرة عدم وقوع المطلوب كذلك في الخارج ، تعالى الله وأولياؤه عن ذلك علواً كبيراً.
فإنّه يقال : إنّما يلزم الكذب ، إذا أتي بها بداعي الإخبار والإِعلام ، لا لداعي البعث ، كيف؟ وإلاّ يلزم الكذب في غالب الكنايات ، فمثل ( زيد كثير الرماد ) أو ( مهزول الفصيل ) لا يكون كذباً ، إذا قيل كناية عن جوده ، ولو لم يكن له رماد أو فصيل أصلاً ، وإنما يكون كذباً إذا لم يكن بجواد ، فيكون الطلب بالخبر في مقام التأكيد أبلغ ، فإنّه مقال بمقتضى الحال. هذا مع إنّه إذا أتى بها في مقام البيان ، فمقدمات الحكمة مقتضية لحملها على الوجوب ، فإن تلك النكتة إن لم تكن موجبة لظهورها فيه ، فلا أقل من كونها موجبة لتعينه من بين محتملات ما هو بصدده ، فإن شدة مناسبة الإخبار بالوقوع مع الوجوب ، موجبة لتعين إرادته إذا كان بصدد البيان ، مع عدم نصب قرينة خاصة على غيره ، فافهم.
__________________
1 ـ في المبحث الأوّل من هذا الفصل ، عند قوله 1 : إيقاظ / 69. 
 
 
المبحث الرابع : إنّه إذا سلّم أن الصيغة لا تكون حقيقة في الوجوب ، هل لا تكون ظاهرة فيه أيضاً أو تكون؟ قيل بظهورها فيه ، امّا لغلبة الاستعمال فيه ، أو لغلبة وجوده أو أكمليته.
والكل كما ترى ، ضرورة أن الاستعمال في الندب وكذا وجوده ، ليس بأقل لو لم يكن بأكثر. وأما الأكملية فغير موجبة للظهور ، إذ الظهور لا يكاد يكون إلّا لشدة أنس اللفظ بالمعنى ، بحيث يصير وجهاً له ، ومجرد الأكملية لا يوجبه ، كما لا يخفى. نعم فيما كان الآمر بصدد البيان ، فقضية مقدمات الحكمة هو الحمل على الوجوب ، فإن الندب كإنّه يحتاج إلى مؤونة بيان التحديد والتقييد بعدم المنع من الترك ، بخلاف الوجوب ، فإنّه لا تحديد فيه للطلب ولا تقييد ، فإطلاق اللفظ وعدم تقييده مع كون المطلق في مقام البيان ، كافٍ في بيإنّه ، فافهم.
المبحث الخامس : إن إطلاق الصيغة هل يقتضي كون الوجوب توصلياً ، فيجزئ إتيإنّه مطلقاً ، ولو بدون قصد القربة ، أو لا؟ فلا بدّ من الرجوع فيما شك في تعبديته وتوصليته إلى الأصل.
لابد في تحقيق ذلك من تمهيد مقدمات :
أحدها : الوجوب التوصلي ، هو ما كان الغرض منه يحصل بمجرد حصول الواجب ، ويسقط بمجرد وجوده ، بخلاف التعبدي ، فإن الغرض منه لا يكاد يحصل بذلك ، بل لابد ـ في سقوطه وحصول غرضه ـ من الإِتيان به متقرباً به منه تعالى.
ثانيها : إن التقرب المعتبر في التعبدي ، إن كان بمعنى قصد الامتثال والإِتيان بالواجب بداعي أمره ، كان مما يعتبر في الطاعة عقلاً ، لا مما أخذ في نفس العبادة شرعاً ، وذلك لاستحالة أخذ ما لا يكاد يتأتى إلّا من قبل الأمر بشيء في متعلق ذاك الأمر مطلقاً شرطاً أو شطراً ، فما لم تكن نفس الصلاة متعلقة للأمر ، لا يكاد يمكن إتيإنّها بقصد امتثال أمرها. 
 
وتوهمّ إمكان تعلق الأمر بفعل الصلاة بداعي الأمر ، وإمكان الإِتيان بها بهذا الداعي ، ضرورة إمكان تصور الأمر بها مقيدة ، والتمكن من إتيإنّها كذلك ، بعد تعلق الأمر بها ، والمعتبر من القدرة المعتبرة عقلاً في صحة الأمر إنّما هو في حال الامتثال لا حال الأمر ، واضح الفساد ، ضرورة إنّه وأنّ كان تصورها كذلك بمكان من الإِمكان ، إلّا إنّه لا يكاد يمكن الإِتيان بها بداعي أمرها ، لعدم الأمر بها ، فإن الأمر حسب الفرض تعلق بها مقيدة بداعي الأمر ، ولا يكاد يدعو الأمر إلّا إلى ما تعلق به ، لا إلى غيره.
إن قلت : نعم ، ولكن نفس الصلاة أيضاً صارت مأمورة بها بالأمر بها مقيدة.
قلت : كلاّ ، لأن ذات المقيد لا يكون مأموراً بها ، فإن الجزء التحليلي العقلي لا يتصف بالوجوب أصلاً ، فإنّه ليس إلّا وجود واحد واجب بالوجوب النفسي ، كما ربما يأتي في باب المقدمة.
إن قلت : نعم ، لكنه إذا أخذ قصد الامتثال شرطاً ، وأما إذا أخذ شطراً ، فلا محالة نفس الفعل الذي تعلق الوجوب به مع هذا القصد ، يكون متعلقاً للوجوب ، إذ المركب ليس إلّا نفس الإِجزاء بالأسر ، ويكون تعلقه بكل بعين تعلقه بالكل ، ويصحّ أن يؤتى به بداعي ذاك الوجوب ؛ ضرورة صحة الإِتيان بأجزاء الواجب بداعي وجوبه.
قلت : مع امتناع اعتباره كذلك ، فإنّه يوجب تعلق الوجوب بأمر غير اختياري ، فإن الفعل وأنّ كان بالإِرادة اختياريا ، إلّا أن إرادته ـ حيث لا تكون بإرادة أُخرى ، وإلاّ لتسلسلت ـ ليست باختيارية ، كما لا يخفى. إنّما يصحّ الإِتيان بجزء الواجب بداعي وجوبه في ضمن إتيإنّه بهذا الداعي ، ولا يكاد يمكن الإِتيان بالمركب عن قصد الامتثال ، بداعي امتثال أمره.
 
إن قلت : نعم (1) ، لكن هذا كله إذا كان إعتباره في المأمور به بأمر واحد ، وأما إذا كان بأمرين : تعلق أحدهما بذات الفعل ، وثانيهما بإتيإنّه بداعي أمره ، فلا محذور أصلاً ، كما لا يخفى. فللآمر أن يتوسل بذلك في الوصلة إلى تمام غرضه ومقصده ، بلا منعة.
قلت : ـ مضافاً إلى القطع بإنّه ليس في العبادات إلّا أمر واحد ، كغيرها من الواجبات والمستحبات ، غاية الأمر يدور مدار الامتثال وجوداً و عدماً فيها المثوبات والعقوبات ، بخلاف ما عداها ، فيدور فيه خصوص المثوبات ، وأما العقوبة فمترتبة على ترك الطاعة ومطلق الموافقة ـ أن الأمر الأوّل إن كان يسقط بمجرد موافقته ، ولو لم يقصد به الامتثال ، كما هو قضية الأمر الثّاني ، فلا يبقى مجال لموافقة الثّاني مع موافقة الأوّل بدون قصد امتثاله ، فلا يتوسل الأمر إلى غرضه بهذه الحيلة والوسيلة ، وأنّ لم يكد يسقط بذلك ، فلا يكاد يكون له وجه ، إلّا عدم حصول غرضه بذلك من أمره ، لاستحالة سقوطه مع عدم حصوله ، وإلاّ لما كان موجباً لحدوثه ، وعليه فلا حاجة في الوصول إلى غرضه إلى وسيلة تعدَّد الأمر ، لاستقلال العقل ، مع عدم حصول غرض الأمر بمجرد موافقة الأمر بوجوب الموافقة على نحو يحصل به غرضه ، فيسقط أمره.
هذا كله إذا كان التقرب المعتبر في العبادة بمعنى قصد الامتثال.
وأما إذا كان بمعنى الإِتيان بالفعل بداعي حسنه ، أو كونه ذا مصلحة [ أو له تعالى ] (2) ، فاعتباره في متعلق الأمر وأنّ كان بمكان من الإِمكان ، إلّا إنّه غير معتبر فيه قطعاً ، لكفاية الاقتصار على قصد الامتثال ، الذي عرفت
__________________
1 ـ إشارة إلى ما أفاده صاحب التقريرات في مطارح الأنظار / 60 ، السطر الأخير ، في التعبدي والتوصلي.
2 ـ سقطت من « أ ». 
 
عدم إمكان أخذه فيه بديهة.
تأمل فيما ذكرناه في المقام ، تعرف حقيقة المرام ، كي لا تقع فيما وقع فيه من الاشتباه بعضٍ الأعلام.
ثالثتها : إنّه إذا عرفت بما لا مزيد عليه ، عدم إمكان أخذ قصد الامتثال في المأمور به أصلاً ، فلا مجال للاستدلال بإطلاقه ـ ولو كان مسوقاً في مقام البيان ـ على عدم اعتباره ، كما هو أوضح من أن يخفى ، فلا يكاد يصحّ التمسك به إلّا فيما يمكن اعتباره فيه.
فانقدح بذلك إنّه لا وجه لاستظهار التوصلية من إطلاق الصيغة بمادتها ، ولا لاستظهار عدم اعتبارٍ مثل الوجه مما هو ناشىء من قبل الأمر ، من إطلاق المادة في العبادة لو شك في اعتباره فيها ، نعم إذا كان الأمر في مقام بصدد بيان تمام ماله دخل في حصول غرضه ، وأنّ لم يكن له دخل في متعلق أمره ، ومعه سكت في المقام ، ولم ينصب دلالة على دخل قصد الامتثال في حصوله ، كان هذا قرينة على عدم دخله في غرضه ، وإلاّ لكان سكوته نقضاً له وخلاف الحكمة ، فلا بدّ عند الشك وعدم إحراز هذا المقام ، من الرجوع إلى ما يقتضيه الأصل ويستقل به العقل.
فاعلم : إنّه لا مجال ـ ها هنا ـ إلّا لاصالة الإِشتغال ، ولو قيل بأصالة البراءة فيما إذا دار الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين ، وذلك لأن الشك ها هنا في الخروج عن عهدة التكليف المعلوم ، مع استقلال العقل بلزوم الخروج عنها ، فلا يكون العقاب ـ مع الشك وعدم إحراز الخروج ـ عقاباً بلا بيان ، والمؤاخذة عليه بلا برهان ، ضرورة إنّه بالعلم بالتكليف تصحّ المؤاخذة على المخالفة ، وعدم الخروج عن العهدة ، لو اتفق عدم الخروج عنها بمجرد الموافقة بلا قصد القربة ، وهكذا الحال في كلّ ما شك دخله في الطاعة ، والخروج به عن العهدة ، مما لا يمكن اعتباره في المأمور به كالوجه والتمييز.
نعم : يمكن أن يقال : إن كلّ ما ربما يحتمل بدواً دخله في الامتثال ،  

 
أمراً كان مما يغفل عنه غالباً العامة (1) ، كان على الأمر بيإنّه ، ونصب قرينة على دخله واقعاً ، وإلاّ لاخل بما هو همّه وغرضه ، امّا إذا لم ينصب دلالة على دخله ، كشف عن عدم دخله ، وبذلك يمكن القطع بعدم دخل الوجه والتمييز في الطاعة بالعبادة ، حيث ليس منهما عين ولا أثر في الإخبار والآثار ، وكانا مما يغفل عنه العامة ، وأنّ احتمل اعتباره بعضٍ الخاصة ، فتدبرّ جيداً.
ثم إنّه لا أظنك أن تتوهم وتقول : إن أدلة البراءة الشرعية مقتضية لعدم الاعتبار ، وأنّ كان قضية الإِشتغال عقلاً هو الاعتبار ، لوضوح إنّه لا بدّ في عمومها من شيء قابل للرفع والوضع شرعاً ، وليس ها هنا ، فإن دخل قصد القربة ونحوها في الغرض ليس بشرعي ، بل واقعي. ودخل الجزء والشرط فيه وأنّ كان كذلك ، إلّا إنّهما قابلان للوضع والرفع شرعاً ، فبدليل الرفع ـ ولو كان أصلاً ـ يكشف إنّه ليس هناك أمر فعلّي بما يعتبر فيه المشكوك ، يجب الخروج عن عهدته عقلاً ، بخلاف المقام ، فإنّه علم بثبوت الأمر الفعلّي ، كما عرفت ، فافهم.
المبحث السادس : قضية إطلاق الصيغة ، كون الوجوب نفسياً تعيينياً عينياً ، لكون كلّ واحد مما يقابلها يكون فيه تقييد الوجوب وتضيق دائرته ، فإذا كان في مقام البيان ، ولم ينصب قرينة عليه ، فالحكمة تقتضي كونه مطلقاً ، وجب هناك شيء آخر أو لا ، أتى بشيء آخر أو لا ، أتى به آخر أو لا ، كما هو واضح لا يخفى.
المبحث السابع : إنّه اختلف القائلون بظهور صيغة الأمر في الوجوب وضعاً أو إطلاقاً فيما إذا وقع عقيب الحظر أو في مقام توهمه على أقوال :
__________________
1 ـ هذا ما أثبتناه من « أ و ب » ، وفي بعضٍ النسخ المطبوعة هكذا ( إن كلّ ما يحتمل بدواً دخله في الامتثال وكان يغفل عنه غالباً العامة ). 
 
نسب (1) إلى المشهور ظهورها في الإِباحة. وإلى بعضٍ العامة (2) ظهورها في الوجوب ، وإلى بعضٍ (3) تبعيته لما قبل النهي ، إن علق الأمر بزوال علّة النهي ، إلى غير ذلك.
والتحقيق : إنّه لا مجال للتشبث بموارد الاستعمال ، فإنّه قلّ مورد منها يكون خالياً عن قرينة على الوجوب ، أو الإِباحة ، أو التبعية ، ومع فرض التجريد عنها ، لم يظهر بعدُ كون عقيب الحظر موجباً لظهورها في غير ما تكون ظاهرة فيه. غاية الأمر يكون موجباً لاجمالها ، غير ظاهرة في واحد منها إلّا بقرينة أُخرى ، كما أشرنا.
المبحث الثامن : الحق أن صيغة الأمر مطلقاً ، لا دلالة لها على المرة ولا التكرار ، فإن المنصرف عنها ، ليس إلّا طلب إيجاد الطبيعة المأمور بها ، فلا دلالة لها على أحدهما ، لا بهيئتها ولا بمادتها ، والاكتفاء بالمرة ، فإنما هو لحصول الامتثال بها في الأمر بالطبيعة ، كما لا يخفى.
ثم لا يذهب عليك : أن الاتفاق على أن المصدر المجرد عن اللام والتنوين ، لا يدلّ إلّا على الماهية ـ على ما حكاه السكاكي (4) ـ لا يوجب كون النزاع ها هنا في الهيئة ـ كما في الفصول (5) ـ فإنّه غفلة وذهول عن كون المصدر كذلك ، لا يوجب الاتفاق على أن مادة الصيغة لا تدلّ إلّا على
__________________
1 ـ راجع الفصول / 70 ، وبدائع الأفكار في النسخة الثانية من نسختي الأوامر / 294.
2 ـ البصري في المعتمد / 75 ، باب في صيغة الأمر الواردة بعد حظر ، والبيضاوي وغيره راجع الإِبهاج في شرح المنهاج للسبكي : 2 / 43.
3 ـ كالعضدي ، شرح مختصر الأصول / 205 ، في مسألة وقوع صيغة الأمر بعد الحظر.
4 ـ مفتاح العلوم / 93.
5 ـ الفصول / 71 ، فصل : الحق أن هيئة ... الخ. 
 
الماهية ، ضرورة أن المصدر ليست مادة لسائر المشتقات ، بل هو صيغة مثلها ، كيف؟ وقد عرفت في باب المشتق مباينة المصدر وسائر المشتقات بحسب المعنى ، فكيف بمعناه يكون مادة لها؟ فعليه يمكن دعوى اعتبارٍ المرة أو التكرار في مادتها ، كما لا يخفى.
إن قلت : فما معنى ما اشتهر من كون المصدر أصلاً في الكلام.
قلت : مع إنّه محلّ الخلاف ، معناه أن الذي وضع أولاً بالوضع الشخصي ، ثم بملاحظته وضع نوعيا أو شخصياً سائر الصيغ التي تناسبه ، مما جمعه معه مادة لفظ متصورة في كلّ منها ومنه ، بصورة ومعنى كذلك ، هو المصدر أو الفعل ، فافهم.
ثم المراد بالمرة والتكرار ، هل هو الدفعة والدفعات؟ أو الفرد والأفراد؟
والتحقيق : أن يقعا بكلا المعنيين محلّ النزاع ، وأنّ كان لفظهما ظاهراً في المعنى الأوّل ، وتوهمّ (1) إنّه لو أُريد بالمرة الفرد ، لكان الانسب ، بل اللازم أن يجعل هذا المبحث تتمة للبحث الآتي ، من أن الأمر هل يتعلق بالطبيعة أو بالفرد؟ فيقال عند ذلك وعلى تقدير تعلقه بالفرد ، هل يقتضي التعلق بالفرد الواحد أو المتعدد ، أو لا يقتضي شيئاً منهما؟ ولم يحتج إلى إفراد كلّ منهما بالبحث كما فعلوه ، وأما لو أُريد بها الدفعة ، فلا علقة بين المسألتين ، كما لا يخفى ، فاسد ، لعدم العلقة بينهما لو أُريد بها الفرد أيضاً ، فإن الطلب على القول بالطبيعة إنّما يتعلق بها باعتبار وجودها في الخارج ، ضرورة أن الطبيعة من حيث هي ليست إلّا هي ، لا مطلوبة ولا غير مطلوبة ، وبهذا الاعتبار كانت مرددة بين المرة والتكرار بكلا المعنيين ، فيصحّ النزاع في دلالة الصيغة على المرة والتكرار بالمعنيين وعدمها.
__________________
1 ـ المتوهم هو صاحب الفصول ، الفصول / 71. 
 
أمّا بالمعنى الأوّل فواضح ، وأما بالمعنى الثّاني فلوضوح أن المراد من الفرد أو الأفراد وجود واحد أو وجودات ، وإنما عبر بالفرد لأن وجود الطبيعة في الخارج هو الفرد ، غاية الأمر خصوصيته وتشخصه على القول بتعلق الأمر بالطبائع يلازم المطلوب وخارج عنه ، بخلاف القول بتعلقه بالأفراد ، فإنّه مما يقومه.
تنبيه : لا إشكال بناءً على القول بالمرة في الامتثال ، وإنّه لا مجال للاتيان بالمأمور به ثانياً ، على أن يكون أيضاً به الامتثال ، فإنّه من الامتثال بعد الامتثال. وأما على المختار من دلالته على طلب الطبيعة من دون دلالة على المرة ولا على التكرار ، فلا يخلو الحال : امّا أن لا يكون هناك إطلاق الصيغة في مقام البيان ، بل في مقام الإِهمال أو الإِجمال ، فالمرجع هو الأصل. وإما أن يكون إطلاقها في ذلك المقام ، فلا إشكال في الاكتفاء بالمرة في الامتثال ، وإنما الإِشكال في جواز أن لا يقتصر عليها ، فإن لازم إطلاق الطبيعة المأمور بها ، هو الإِتيان بها مرة أو مراراً لا ، لزوم الاقتصار على المرة ، كما لا يخفى.
والتحقيق : إن قضية الإِطلاق إنّما هو جواز الإِتيان بها مرة في ضمن فرد أو أفراد ، فيكون إيجادها في ضمنها نحواً من الامتثال ، كإيجادها في ضمن الواحد ، لا جواز الإِتيان بها مرة ومرات ، فإنّه مع الإِتيان بها مرة لا محالة يحصل الامتثال ويسقط به الأمر ، فيما إذا كان امتثال الأمر علّة تامة لحصول الغرض الأقصى ، بحيث يحصل بمجرده ، فلا يبقى معه مجال لاتيإنّه ثانياً بداعي امتثال آخر ، أو بداعي أن يكون الاتيانان امتثالاً واحداً ؛ لما عرفت من حصول الموافقة بإتيإنّها ، وسقوط الغرض معها ، وسقوط الأمر بسقوطه ، فلا يبقى مجال لامتثاله أصلاً ، وأما إذا لم يكن الامتثال علّة تامة لحصول الغرض ، كما إذا أمر بالماء ليشرب أو يتوضأ فأتي به ، ولم يشرب أو لم يتوضأ فعلاً ، فلا يبعد صحة تبديل الامتثال بإتيان فرد آخر أحسن منه ، بل  

 
مطلقاً ، كما كان له ذلك قبله ، على ما يأتي بيإنّه في الإِجزاء.
المبحث التاسع : الحق إنّه لا دلالة للصيغة ، لا على الفور ولا على التراخي ، نعم قضية إطلاقها جواز التراخي ، والدليل عليه تبادر طلب إيجاد الطبيعة منها ، بلا دلالة على تقييدها بأحدها ، فلا بدّ في التقييد من دلالة أُخرى ، كما ادعي دلالة غير واحد من الآيات على الفورية.
وفيه منع ، ضرورة أن سياق آية ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ) (1) وكذا آية ( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ) (2) إنّما هو البعث نحو المسارعة إلى المغفرة والاستباق إلى الخير ، من دون استتباع تركهما للغضب والشر ، ضرورة أن تركهما لو كان مستتبعا للغضب والشر ، كان البعث بالتحذير عنهما أنسب ، كما لا يخفى ، فافهم.
مع لزوم كثرة تخصيصه في المستحبات ، وكثير من الواجبات بل أكثرها ، فلا بدّ من حمل الصيغة فيهما على خصوص الندب أو مطلق الطلب.
ولا يبعد دعوى استقلال العقل بحسن المسارعة والاستباق ، وكان ما ورد من الآيات والروايات في مقام البعث نحوه إرشاداً إلى ذلك ، كالآيات والروايات الواردة في الحثَّ على أصل الإطاعة ، فيكون الأمر فيها لما يترتب على المادة بنفسها ، ولو لم يكن هناك أمر بها ، كما هو الشأن في الأوامر الارشادية ، فافهم.
تتمة : بناءً على القول بالفور ، فهل قضية الأمر الإِتيان فوراً ففوراً بحيث لو عصى لوجب عليه الإِتيان به فوراً أيضاً ، في الزمان الثّاني ، أو لا؟ وجهان : مبنيان على أن مفاد الصيغة على هذا القول ، هو وحدة المطلوب أو تعدده؟ ولا يخفى إنّه لو قيل بدلالتها على الفورية ، لما كان لها دلالة على نحو
__________________
1 ـ آل عمران : 133.
2 ـ البقرة : 148 ، المائدة : 48. 
 
المطلوب من وحدته أو تعدده ، فتدبرّ جيداً.
الفصل الثالث
الاتيان بالمأمور به على وجهه يقتضي الإِجزاء في الجملة بلا شبهة ، وقبل الخوض في تفصيل المقام وبيان النقض والأبرام ، ينبغي تقديم أمور :
أحدها : الظاهر أن المراد من ( وجهه ) ـ في العنوان ـ هو النهج الذي ينبغي أن يؤتى به على ذاك النهج شرعاً وعقلاً ، مثل أن يؤتى به بقصد التقرب في العبادة ، لا خصوص الكيفية المعتبرة في المأمور به شرعاً ، فإنّه عليه يكون ( على وجهه ) قيداً توضيحيا ، وهو بعيد ، مع إنّه يلزم خروج التعبديات عن حريم النزاع ، بناءً على المختار ، كما تقدم من أن قصد القربة من كيفيات الإطاعة عقلاً ، لا من قيود المأمور به شرعاً ، ولا الوجه المعتبر عند بعضٍ الأصحاب (1) ، فإنّه ـ مع عدم اعتباره عند المعظم ، وعدم اعتباره عند من اعتبره ، إلّا في خصوص العبادات لا مطلق الواجبات ـ لا وجه لاختصاصه بالذكر على تقدير الاعتبار ، فلا بدّ من إرادة ما يندرج فيه من المعنى ، وهو ما ذكرناه ، كما لا يخفى.
ثانيها : الظاهر أن المراد من الاقتضاء ـ ها هنا ـ الاقتضاء بنحو العلّية والتأثير ، لا بنحو الكشف والدلالة ، ولذا نسب إلى الإِتيان لا إلى الصيغة.
إن قلت : هذا إنّما يكون كذلك بالنسبة إلى أمره ، وأما بالنسبة إلى أمر آخر ، كالإِتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري أو الظاهري بالنسبة إلى الأمر الواقعي ، فالنزاع في الحقيقة في دلالة دليلهما على اعتباره ، بنحو يفيد الإِجزاء ، أو بنحو آخر لا يفيده.
__________________
1 ـ من المتكلمين ، وأشار إليه في مطارح الأنظار / 19. 
 
قلت : نعم ، لكنه لا ينافي كون النزاع فيهما ، كان في الاقتضاء بالمعنى المتقدم ، غايته أن العمدة في سبب الاختلاف فيهما ، إنّما هو الخلاف في دلالة دليلهما ، هل إنّه على نحو يستقل العقل بأن الإِتيان به موجب للإِجزاء ويؤثر فيه ، وعدم دلالته؟ ويكون النزاع فيه صغروياً أيضاً ، بخلافه في الإِجزاء بالإضافة إلى أمره ، فإنّه لا يكون إلّا كبرويا ، لو كان هناك نزاع ، كما نقل عن بعضٍ (1). فافهم.
ثالثها : الظاهر أن الإِجزاء ـ ها هنا ـ بمعناه لغةً ، وهو الكفاية (2) ، وأنّ كان يختلف ما يكفي عنه ، فإن الإِتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي يكفي ، فيسقط به التعبد به ثانياً ، وبالأمر الاضطراري أو الظاهري الجعلي ، فيسقط به القضاء ، لا إنّه يكون ـ ها هنا ـ اصطلاحاً ، بمعنى إسقاط التعبد أو القضاء ، فإنّه بعيد جداً.
رابعها : الفرق (3) بين هذه المسألة ، ومسألة المرة والتكرار ، لا يكاد يخفى ، فإن البحث ـ ها هنا ـ في أن الإِتيان بما هو المأمور به يجزئ عقلاً ، بخلافه في تلك المسألة ، فإنّه في تعيين ما هو المأمور به شرعاً بحسب دلالة الصيغة بنفسها ، أو بدلالة أُخرى.
نعم كان التكرار عملاً موافقاً لعدم الإِجزاء لكنه لا بملاكه.
وهكذا الفرق بينها وبين مسألة تبعية القضاء للاداء ، فإن البحث في تلك المسألة في دلالة الصيغة على التبعية وعدمها ، بخلاف هذه المسألة ؛ فإنّه ـ كما عرفت ـ في
__________________
1 ـ وهو القاضي عبد الجبار ، راجع المعتمد 1 / 90.
2 ـ اجزأ الشيءُ إياي : كفاني. القاموس المحيط 1 / 10 مادة الجزء.
أجزأني الشيء : كفاني. مجمع البحرين 1 / 85 مادة جزأ.
3 ـ راجع مطارح الأنظار / 19. 
 
أن الإِتيان بالمأمور به بجزي عقلاً عن إتيإنّه ثانياً أداءً أو قضاءً ، أو لا يجزئ ، فلا علقة بين المسألة والمسألتين أصلاً.
إذا عرفت هذه الأمور ، فتحقيق المقام يستدعي البحث والكلام في موضعين :
الأول : إن الإِتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي ـ بل (1) بالأمر الاضطراري أو الظاهري أيضاً ـ يجزئ عن التعبد به ثانياً ؛ لاستقلال العقل بإنّه لا مجال مع موافقة الأمر بإتيان المأمور به على وجهه ، لاقتضائه التعبد به ثانياً.
نعم لا يبعد أن يقال : بإنّه يكون للعبد تبديل الامتثال والتعبد به ثانياً ، بدلاً عن التعبد به أولاً ، لا منضما إليه ، كما أشرنا إليه في المسألة السابقة (2) ، وذلك فيما علم أن مجرد امتثاله لا يكون علّة تامة لحصول الغرض ، وأنّ كان وافياً به لو اكتفى به ، كما إذا أتى بماء أمر به مولاه ليشربه ، فلم يشربه بعد ، فإن الأمر بحقيقته وملاكه لم يسقط بعد ، ولذا لو أهريق (3) الماء واطلع عليه العبد ، وجب عليه إتيإنّه ثانياً ، كما إذا لم يأت به أولاً ، ضرورة بقاء طلبه ما لم يحصل غرضه الداعي إليه ، وإلاّ لما أوجب حدوثه ، فحينئذ يكون له الإِتيان بماء آخر موافق للأمر ، كما كان له قبل إتيإنّه الأوّل بدلاً عنه.
نعم فيما كان الإِتيان علّة تامة لحصول الغرض ، فلا يبقى موضع للتبديل ، كما إذا أمر بإهراق الماء في فمه لرفع عطشه فأهرقه ، بل لو لم يعلم إنّه من أيّ القبيل ، فله التبديل باحتمال أن لا يكون علّة ، فله إليه سبيل ، ويؤيّد ذلك ـ بل يدلّ عليه ـ ما ورد من الروايات في باب إعادة من صلّى فرادى
__________________
1 ـ في نسختي « أ و ب » بل أو ..
2 ـ راجع تنبيه المبحث الثامن من هذا الكتاب / 79.
3 ـ في « ب » : أهرق. 
 
جماعة (1) ، وأنّ الله تعالى يختار أحبهما إليه.
الموضع الثّاني : وفيه مقامان :
المقام الأوّل : في أن الإِتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري ، هل يجزئ عن الإِتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي ثانياً ، بعد رفع الاضطرار في الوقت إعادة ، وفي خارجه قضاءً ، أو لا يجزئ؟
تحقيق الكلام فيه يستدعي التكلم فيه تارةً في بيان ما يمكن أن يقع عليه الأمر الاضطراري من الأنحاء ، وبيان ما هو قضية كلّ منها من الإِجزاء وعدمه ، وأخرى في تعيين ما وقع عليه.
فاعلم إنّه يمكن أن يكون التكليف الاضطراري في حال الاضطرار ، كالتكليف الاختياري في حال الاختيار ، وافياً بتمام المصلحة ، وكافياً فيما هو المهمّ والغرض ، ويمكن أن لا يكون وافياً به كذلك ، بل يبقى منه شيء أمكن استيقاؤه أو لا يمكن. وما أمكن كان بمقدار يجب تداركه ، أو يكون بمقدار يستحب ، ولا يخفى إنّه إن كان وافياً به فيجزئ ، فلا يبقى مجال أصلاً للتدارك ، لا قضاءً ولا إعادة ، وكذا لو لم يكن وافياً ، ولكن لا يمكن تداركه ، ولا يكاد يسوغ له البدار في هذه الصورة إلّا لمصلحة كانت فيه ، لما فيه من نقض الغرض ، وتفويت مقدارٍ من المصلحة ، لو لا مراعاة ما هو فيه من الأهم ، فافهم.
لا يقال : عليه ، فلا مجال لتشريعه ولو بشرط الانتظار ، لا مكان استيفاء الغرض بالقضاء.
__________________
1 ـ الكافي : 3 / 379 ، باب الرجل يصلي وحده من كتاب الصلاة.
التهذيب : 3 / 269 الحديث 94 ، وصفحة 270 الحديث 95 إلى 98 الباب 25. الفقيه : 1 / 251. الحديث 41 إلى 43 من باب الجماعة وفضلها.
2 ـ في « ب » يجزئ. 
 
فإنّه يقال : هذا كذلك ، لولا المزاحمة بمصلحة الوقت.
وأما تسويغ البدار أو إيجاب الانتظار في الصورة الأولى ، فيدور مدار كون العمل ـ بمجرد الاضطرار مطلقاً ، أو بشرط الانتظار ، أو مع اليأس عن طروِّ الاختيار ـ ذا مصلحة ووافيا بالغرض.
وإن لم يكن وافياً ، وقد أمكن تدارك الباقي (1) في الوقت ، أو مطلقاً ولو بالقضاء خارج الوقت ، فإن كان الباقي مما يجب تداركه فلا يجزئ ، بل لابد (2) من إيجاب الإِعادة أو القضاء ، وإلاّ فيجزئ ، ولا مانع عن البدار في الصورتين ، غاية الأمر يتخير في الصورة الأولى بين البدار والإِتيان بعملين : العمل الاضطراري في هذا الحال ، والعمل الاختياري بعد رفع الاضطرار أو الانتظار ، والاقتصار بإتيان ما هو تكليف المختار ، وفي الصورة الثانية يجزئ البدار ويستحب الإِعادة بعد طروِّ الاختيار.
هذا كله فيما يمكن أن يقع عليه الاضطراري من الأنحاء ، وأما ما وقعٍ عليه فظاهر إطلاق دليله ، مثل قوله تعالى ( فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ) (3) وقوله 7 : ( التراب أحد الطهورين ) (4) و : ( يكفيك عشر سنين ) (5) هو الإِجزاء ، وعدم وجوب الإِعادة أو القضاء ، ولا بدّ في إيجاب الإِتيان به ثانياً من دلالة دليل بالخصوص.
وبالجملة : فالمتبع هو الإِطلاق لو كان ، وإلاّ فالأصل ، وهو يقتضي البراءة من إيجاب الإِعادة ، لكونه شكّاً في أصل التكليف ، وكذا عن إيجاب
__________________
1 ـ في « ب » : ما بقي منه.
2 ـ في « أ » : ولا بد.
3 ـ النساء : 43 ، المائدة : 6.
4 ـ التهذيب : 1 / 196 ـ 197 ، 200 باب التيمم وأحكامه.
الكافي : 3 / 64. باب الوقت الذي يوجب التيمم ، مع اختلاف في الالفاظ.
5 ـ التهذيب : 1 / 194 ، الحديث 35 ، التيمم وأحكامه ، وصفحة 199 ، الحديث 52.