تفاوت واجب عيني با کفائي

تفاوت واجب عيني با کفائي در اين است که شارع مقدس در واجب عيني صدور فعل را از تک تک مکلفين خواسته است ولي در واجب کفائي فقط انجام فعل را خواسته است و اراده کرده که آن کار در زمين نماند. فلذا اگر يکي انجام داد از ديگران ساقط مي شود.

نهی در اصول فقه

نهی گاهی با مادۀ است،  مثل:« نهیتکم عن ذلک» یعنی منع کرده ام شما را از آن، گاهی به صورت صیغه نهی است، مثل: مکن، مگو ومانند:« ولاتقربوا مال الیتیم ال بالتی هی احسن » یعنی  به مال یتیم نزدیک نشوید مگر به بهترین وجه و گاهی به صورت جملۀ منفی است، مثل: «نمی کنی، نمی گوئی و نمی روی ». نمونه های این دو را می توان در موارد زیر دید:
مثال قانونی برای نهی با صیغۀ نهی مادۀ 1231 ق.م:
«اشخاص ذیل نباید به سمت قیموت معین شوند:
1-    کسانی که تحت ولایت و قیموت هستند.
2-    کسانی که به علت ارتکاب جنایت بایکی از جنحه ها ...محکوم شده باشند».
در بعضی موارد جملۀ منفی معنای نهی می دهد مانند مادۀ 1233 ق.م: «زن نمی توان بدون رضایتشوهر خود سمت قیموت قبول کند» که در این ماده منظور نهی و منع مجریانقنون است از آنچه به صورت نفی گردیده و خاطب آن، مجریان، قانون، یعنی قضات دادگاهها و دادستان ها می باشند. و مانند ماده 1192 قانون مدنی که می گوید : «ولی مسلم نمی تواند برای امور مالی مولّی علیه خود وصی غیر مسلم معیّن کند».
ونیز تعبیراتی مانند مشروع نیست و امثال اینها همه در حکم نهی می باشند.
گاهی  نهی به صورت جملۀ خبری مثبت است مثلاً مادۀ 1045 قانون مدنی که می گوید: «نکاح با اقراب نسبی ذیل ممنوع می باشد ...».
منبع: محمدی ؛ ابوالحسن ؛ مبانی استنباط حقوق اسلامی

عدم صحت حمل

عدم صحت حمل : عدم صحت حمل از علایم مجاز است. علماي اصول براي تشخيص معناي مجازي، از نشانه هايي بهره مي گيرند كه " عدم صحت حمل " از جمله ي آنها است؛ به اين بيان كه هنگام شك در حقيقي و مجازي بودن استعمال يك لفظ در معنا، قضيه اي تشكيل داده و معنا را بر آن لفظ حمل مي كنند؛ اگر حمل معنا بر لفظ صحيح باشد، آن معنا را معناي حقيقي مي دانند، اما اگر حمل، صحيح نباشد، آن معنا را معناي مجازي آن لفظ مي دانند

واجب موقّت و غيرموقّت‌

واجب موقّت و غيرموقّت‌
واجب موقّت:آن است كه زمان خاصى براى انجام دادن آن تعيين شده و شخص موظف است عمل خواسته شده را در زمان مشخص به انجام رساند؛مانند نماز،روزه و حج

واجب‌موقّت به دو قسم موسّع و مضيّق تقسيم مى‌شود:

واجب موسّع:آن است كه زمان خاصى براى انجام دادن آن تعيين شده است،امااين زمان،بيش از مدت زمان لازم جهت انجام كار است،مانند نماز يوميه.مثلا وقت نمازظهر و عصر از اذان ظهر تا مغرب است كه اين زمان قطعا بيش از وقت لازم براى اداى اين دونماز است.

واجب مضيّق:اگر زمان تعيين شده براى انجام واجب،دقيقا به اندازه مدت لازم‌جهت انجام عمل باشد،در اين صورت واجب را واجب مضيّق مى‌نامند؛مانند روزه كه زمان‌تعيين‌شده براى آن از اذان صبح تا مغرب است و انجام تكليف هم دقيقا به‌همين اندازه به‌وقت نياز دارد.

واجب غيرموقت:آن است كه وقت و مهلت خاصى براى انجام آن تعيين نشده است.

واجب غيرموقت به دو قسم فورى و غيرفورى تقسيم مى‌شود.

واجب فورى:آن است كه وقت خاصى براى آن تعيين نشده،ولى مكلّف بايد آن رابه فوريت در اولين زمان ممكن انجام دهد و تأخير در آن جايز نيست؛مانند نجات دادن‌غريق،پاسخ دادن به سلام و تطهير مسجد.

واجب غيرفورى:آن است كه زمان خاصى براى آن تعيين‌نشده و انجام آن هم فوريتى‌ندارد؛مانند به‌جاآوردن نماز قضا،پرداخت خمس و زكات.

دلالت تنبيه يا ايماء

دلالت تنبيه يا ايماء

دلالت كلام بر چيزى‌ كه عرفا مقصود گوينده است،اما صحت كلام او متوقف بر وجود اين‌دلالت نيست،دلالت تنبيه يا ايماء ناميده مى‌شود.

مثال  ١ .گاهى انسان براى فهماندن يك مطلب به مخاطب،مستقيما منظور خود را بيان‌نمى‌كند،بلكه با ذكر معناى ملازم آن منظور خود را به‌طور غيرمستقيم مى‌فهماند.مثلاقاضى براى جلوگيرى از دروغگويى متهم يا شاهد به جاى اينكه مستقيما آنان را از اين‌كارنهى كند مى‌گويد:«دروغ گفتن در محضر دادگاه،جرم و مستوجب مجازات است». يا اداره‌راهنمايى و رانندگى در يك چهارراه يا بزرگراه اين جمله را در يك تابلو مى‌نويسد:«اين‌چهارراه (يا بزرگراه) به‌وسيله دوربين‌هاى مداربسته كنترل مى‌شود».اين عبارت به دلالت‌تنبيه به اين معناست كه:مقررات راهنمايى و رانندگى را رعايت كنيد.بديهى است كه در اين‌مثالها،صحت يا صدق كلام گوينده متوقف بر اين دلالت نيست.


مثال  ٢ .در برخى موارد،كلام با يك قرينه لفظى يا غيرلفظى همراه است كه از آن‌مى‌توان عليت يا شرطيت امرى را براى حكم موردنظر فهميد.مثلا از مجتهدى درباره حكم‌خريد و فروش مال مجهول سؤال مى‌شود و او در پاسخ مى‌گويد:«باطل است».از اقتران‌اين كلام با عبارت سؤال‌كننده مى‌توان فهميد كه جهل به‌مورد معامله،علت بطلان آن است. پس كلام به دلالت تنبيه بر شرطيت علم براى صحت معامله دلالت دارد.

اصول فقه

دانلود الموجز آيت الله سبحاني – قسمت سوم
المقام الثاني: في المعاملات
ولإيضاح الحال نذکر أُموراً:
الأوّل: المراد من المعاملات في عنوان البحث ما لا يعتبر فيه قصد القربة، کالعقود و الإيقاعات.
الثاني: انّ المراد من الصحيح في المعاملات مايترتب عليها الأثر المطلوب منها کالملکية في البيع و الزوجية في النکاح.
الثالث: إذا تعلّق النهي المولوي التحريمي أو التنزيهي بالمعاملة بما هو شفعل مباشريّ، کالعقد الصادر عن المُحْرِم في حال الإحرام بأن يکون المبغوض صدور عقد النکاح في هذه الحالة، من دون أن يکون نفس العمل بما هو هو مبغوضاً و مزجوراً عنه، فالظاهر عدم اقتضائه الفساد، لأنّ غاية النهي هي مبغوضية نفس العمل (العقد) في هذه الحالة و هي لا تلازم الفساد و ليس العقد أمراً عبادياً حتّي لا يجتمع مع النهي.
نعم إذا کان النهي إرشاداً إلي فساد المعاملة کما في قوله تعالي: (ولا تَنْکِحُوا ما نَکَحَ آباؤُکم مِنَ النِّساءِ) (النساء/22) فلا کلام في الدلالة علي الفساد.
تنبيه: انّ الفرق بين هذه المسألة و المسألة السابقة - أعني: مسألة اجتماع الأمر و النهي - واضح لوجهين:
1. انّ المسألتين مختلفتان موضوعاً و محصولاً فلا قدر مشترک بينهما حتي تُبحث في الجهة المائزة، لأنّ عنوان البحث في المسألة السابقة هو:
هل يجوز تعلّق الأمر و النهي بشيئين مختلفين في مقام التعلّق، و متحدين في مقام الإيجاد أو لا؟ کما أنّ عنوان البحث في هذا المقام هو:

هل هناک ملازمة بين النهي عن العبادة و فسادها أو لا؟
فالمسألتان مختلفتان موضوعاً و محمولاً، و مع هذا الاختلاف، فالبحث عن الجهة المائزة ساقط.
2. انّ المسألة السابقة تبتني علي وجود الأمر و النهي، ولکن هذه المسألة تبتي علي وجود النهي فقط سواء أکان هناک أمر کما في باب العبادات، أم لا کما في باب المعاملات، فوجود الأمر في المسألة السابقة يعدُّ من مقوماتها دون هذه المسألة.
تطبيقات:
لقد مضي أنّ مسألة النهي في العبادات و المعاملات من المسائل المهمة، لذا استوجب الحال بأن نستعرض تطبيقات لهذه المسألة:
1. الصلاة في خاتم الذهب:
روي عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام:
لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلّي فيه
قال شيخ مشايخنا العلاّْمة الحائري: قد دلّت طائفة من الأخبار علي اعتبار عدم کون لباس المصلّي من الذهب للرجال، و النهي في تلک الأخبار قد تعلّق بالصلاة في الذهب، و النهي المتعلّق بالعبادة يقتضي الفساد کما حرّر في محلّه
2. تفريق الزکاة بين الفقراء مع طلب الإمام:
لو طلب الإمامُ الزکاة، ولکن المالک فرّقها بين الفقراء دون أن يدفعها إلي

الإمام، فهل يجزي مع النهي الصادر من الإمام أو لا؟
3. لو تضرّر باستعمال الماء:
لو تضرّر باستعمال الماء في الوضوء ينتقل فرضه إلي التيمم، فإن استعمل الماء و حاله هذا فهل يبطل الوضوء أو لا؟
4. التيمّم بالتراب أو الحجر المغصوبين:
إذا تيمّم بالتراب أو بالحجر المغصوبين أي الممنوع من التصرف فيه شرعاً، فهل يفسد تيمّمه أو لا؟
5. الاکتفاء بالأذان المنهيّ عنه:
إذا تغنَّي بالأذان، أو أذّنت المرأة متخضعة، أو أذّن في المسجد و هو جنب، فهل يصح الأذان منهم و يکتفي به أو لا؟
6. حرمة الاستمرار في الصلاة:
إذا وجب قطع الصلاة لأجل صيانة النفس و المال المحترمين من الغرق و الحرق، و مع ذلک استمرَّ في الصلاة فهل تبطل صلاته أو لا؟
7. النهي عن التکفير في الصلاة:
قد ورد النهي عن التکفير في الصلاة - أي قبض اليد اليسري باليمني - کما


ورد النهي عن إقامة النوافل جماعة في ليالي شهر رمضان (صلاة التراويح) فهل تبطل الصلاة أو لا؟
8. صوم يوم الشک بنيّة رمضان:
إذا صام آخر يوم من شهر شعبان بنيّة رمضان، فهل يصح صومه أو لا؟
9. القِران بين الحج و العمرة:
لو قارن بين الحج و العمرة بنية واحدة، فهل يبطل عمله لأجل النهي عن القِران کما لو نوي صلاتين بنية واحدة أو لا؟
10. شرط اللزوم في المضاربة:
إذا شرط اللزوم في المضاربة، فهل تبطل المضاربة للنهي عن شرط اللزوم المنکشف عن طريق الإجماع أو لا؟
تمّ الکلام في المقصد الثاني والحمدلله

المقصد الثالث في المفاهيم
و فيه أُمور:
الأمر الأوّل: تعريف المفهوم و المنطوق.
الأمر الثاني: تقسيم المدلول المنطوقي إلي صريح و غير صريح.
الأمر الثالث: النزاع في باب المفاهيم صغروي.
الأمر الرابع: تقسيم المفهوم إلي موافق و مخالف.
الأمر الخامس: أقسام مفهوم المخالف.
الأوّل: مفهوم الشرط.
الثاني: مفهوم الوصف.
الثالث: مفهوم الغاية.
الرابع: مفهوم الحصر.
الخامس: مفهوم العدد.
السادس: مفهوم اللقب.

الأمر الأوّل: تعريف المفهوم و المنطوق:
إنّ مداليل الجمل علي قسمين:
قسم يصفه العرف بأنّ المتکلّم نطق به، و قسم يفهم من کلامه ولکن لا يوصف بأنّ المتکلّم نطق به، ولأجل اختلاف المدلولين في الظهور و الخفاء ليس للمتکلّم إنکار المدلول الأوّل بخلاف المدلول الثاني، فإذا قال المتکلّم، إذا جاءک زيد فأکرمه فإنّ هنا مدلولين.
أحد هما: وجوب الإکرام عند المجيء، و هذا ممّا نطق به المتکلّم و ليس له الفرار منه، ولا إنکاره.
و الآخر: عدم وجوب الإکرام عند عدم المجيء، و هذا يفهم من الکلام و بإمکان المتکلّم التخلّص عنه بنحو من الأنحاء.
فالأوّل مدلول منطوقي، و الثاني مدلول مفهومي، و لعل ما ذکرناه هو مراد الحاجبي من تعريفه للمنطوق و المفهوم بقوله:
المنطوق: ما دلَّ عليه اللّفظ في محل النطق.
و المفهوم: ما دلَّ عليه اللّفظ في غير محل النطق.
و الحاصل انّ ما دل عليه اللفظ في حد ذاته علي وجه يکون اللفظ حاملاً لذلک المعني و قالباً له فهو منطوق.
و ما دلّ عليه اللّفظ علي وجه لم يکن اللّفظ حاملاً و قالباً للمعني ولکن دلّ عليه باعتبار من الاعتبارات فهو مفهوم.


الأمر الثاني: تقسيم المدلول المنطوقي إلي صريح و غير صريح:
تنقسم المداليل المنطوقية إلي قسمين: صريح و غير صريح. فالصريح، هو المدلول المطابقي؛ و أمّا غير الصريح، فهو المدلول التضمني والالتزامي.
ثم إنّ الالتزامي علي ثلاثة أقسام:
أ. المدلول عليه بدلالة الاقتضاء.
ب. المدلول عليه بدلالة التنبيه.
ج. المدلول عليه بدلالة الإشارة.
أمّا الأوّل فهو ما يتوقف عليه صدق الکلام أو صحته عقلاً أو شرعاً، کقوله صلي الله عليه و آله وسلّم: «رفع عن أُمّتي تسعة: الخطأ و النسيان» فإنّ المراد رفع المؤاخذة عنها أو نحوها و إلاّ کان الکلام کاذباً.
و قوله تعالي: (واسْئَلِ القريةَ التي کُنّا فِيها) (يوسف/82) فلو لم يقدَّر الأهل لما صحَّ الکلام عقلاً.
و قول القائل: اعتق عبدک عنّي علي ألفٍ، فإنّ معناه ملِّکه لي علي ألف ثم اعتقه، إذ لا يصح العتق شرعاً إلاّ في ملک.
و أمّا الثاني، فهو ما لا يتوقف عليه صدق الکلام ولا صحته عقلاً و شرعاً، ولکن کان مقترناً بشيء لو لم يکن ذلک الشيء علة له، لبعد الاقتران و فُقِد الربطُ بين الجملتين فيفهم منه التعليل فالمدلول، هو علّية ذلک الشيء، لحکم الشارع کقوله: «بطل البيع» لمن قال له: «بعت السمک في النهر» فيعلم منه اشتراط القدرة علي التسليم في البيع.
و أمّا الثالث، فهو لازم الکلام و إن لم يکن المتکلّم قاصداً له مثل دلالة قوله

سبحانه: (وحَمْلُهُ و فصالُهُ ثلاثُونَ شهراً) (الأحقاف/15) إذا انضم إلي قوله تعالي: (والوالِداتُ يُر ضِعْن أولادَهُنَّ حولينِ کامِلَين) (البقرة/233) علي کون أقل الحمل ستة أشهر، فإنّ المقصود في الآية الأُولي بيان ما تتحمّله الأُم من آلام و مشاقّ، و في الثانية بيان أکثر مدة الرضاع، غير أنّ لازم هذين المدلولين مدلول ثالث، و هو أنّ أقل الحمل ستة أشهر.
الأمر الثالث: النزاع في باب المفاهيم صغروي:
إنّ النزاع في باب المفاهيم صغروي لا کبروي و أنّ مدار البحث هو مثلاً أنّه هل للقضايا الشرطية مفهوم أو لا؟
و أمّا علي فرض الدلالة والانفهام العرفي فلا إشکال في حجيته.
و بعبارة أُخري: النزاع في أصل ظهور الجملة في المفهوم وعدم ظهورها، فمعني النزاع في مفهوم الجملة الشرطية (إذا سلَّم أکرمه) هو أنّ الجملة الشرطية مع قطع النظر عن القرائن الخاصة هل تدل علي انتفاء الحکم عند انتفاء الشرط، و هل هي ظاهرة في ذلک أو لا؟
وأمّا بعد ثبوت دلالتها علي المفهوم أو ظهورها فيه فلا نزاع في حجيته، و من خلال هذا لابيان يظهر وجود التسامح في قولهم مفهوم الشرط حجة أو لا، فإنّ ظاهره أنّ وجود المفهوم مفروغ عنه و انّما الکلام في حجيته، مع أنّ حقيقة النزاع في وجود أصل المفهوم.
الأمر الرابع: تقسيم المفهوم إلي مخالف و موافق:
إنّ الحکم المدلول عليه عن طريق المفهوم إذا کان موافقاً کان موافقاً في السنخ للحکم الموجود في المنطوق فهو مفهوم موافق، کما في قوله سبحانه: (فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ - الإسراء/23- فحرمة التأفيف تدل بالأولوية علي حرمة الشتم و ربما يسمّي لحن الخطاب.
و أمّا لو کان الحکم في المفهوم مخالفاً في السنخ اللحکم الموجود في المنطوق فهو مفهوم مخالف.
الأمر الخامس: أقسام مفهوم المخالف
اعلم أنّ الموارد التي وقعت محل النزاع من مفهوم المخالف عبارة عما يلي:
1. مفهوم الشرط.
2. مفهوم الوصف.
3. مفهوم الغاية.
4. مفهوم الحصر.
5. مفهوم العدد.
6. مفهوم اللقب.
و إليک التفصيل:

الأوّل: مفهوم الشرط
واعلم أنّ النزاع في وجود المفهوم في القضايا الشرطية إنّما هو فيما إذا عُدَّ القيد شيئاً زائداً علي الموضوع و تکون الجملة مشتملة علي موضوع، و محمول، و شرط، فيقع النزاع حينئذٍ في دلالة القضية الشرطية علي انتفاء المحمول عن الموضوع، عند انتفاء الشرط و عدمها مثل قوله عليه السلام: «إذا کان الماء قدر کرّ لم يُنجِّسه شيء» فهناک موضوع و هو الماء، و محمول و هو العاصمية (لم ينجسه) و شيء آخر باسم الشرط، أعني: الکرية، فعند انتفاء الشرط يبقي الموضوع (الماء) بحاله بخلاف القضايا التي يعد الشرط فيها محقّقاً للموضوع من دون تفکيک بين الشرط و الموضوع بل يکون ارتفاع الشرط ملازماً لارتفاع الموضوع، فهي خارجة عن محل النزاع، کقوله: إن رزقت ولداً فاختنه، فهذه القضايا فاقدة للمفهوم. فإنّ الرزق هنا ليس شيئاً زائداً علي نفس الولد.
إنّ دلالة الجملة الشرطية علي المفهوم (أي انتفاء الجزاء لدي انتفاء الشرط) لا يتم إلاّ إذا ثبتت الأُمور الثلاثة التالية:
1. وجود الملازمة بين الجزاء و الشرط في القضية بأن لا يکون من قبيل التقارن الاتّفاقي بصورة جزئية، کخروج زيد من المجلس مقارناً مع دخول عمر و فيه، فإنّ التقارن من باب الاتفاق، و لأجل ذلک يحصل الانفکاک بينهما کثيراً.
2. أن يکون التلازم من باب الترتب أي ترتب التالي علي المقدّم، بأن يکون الشرط علة للجزاء، فخرج ما إذا لم يکن هناک هذا النحو من الترتّب کما إذا قال: إن طال الليل قصر النهار، أو إذا قصر النهار طال الليل، فليس بينهما ترتب لکونهما معلولين لعلة ثالثة.
3. أن يکون الترتب علّياً انحصارياً، و معني الانحصار عدم وجود علّة

أُخري تقوم مقام الشرط.
فالقائل بالمفهوم لامحيص له إلاّ من إثبات هذه الأُمور الثلاثة، و يکفي للقائل بالعدم منع واحد منها.
ثمّ إنّ دلالة الجملة الشرطية علي هذه الأُمور الثلاثة بأحد الوجوه التالية:
1. الوضع: ادّعاء وضع الهيئة علي ما يلازم هذه الأُمور الثلاثة: الملازمة، الترتب، الانحصار.
2. الانصراف: ادّعاء انصراف الجملة الشرطية في ذهن المخاطب إلي هذه الأُمور.
3. الإطلاق: ادّعاء أنّ المتکلّم کان في مقام بيان العلل ولم يذکر إلاّ واحداً منها، فيعلم انحصارها فتثبت الملازمة و الترتب بوجه أُولي.
أمّا إثباتها بالطريق الأوّل أي بالدلالة الوضعية، فالحق دلالة الجملة الشرطية علي الأمرين: الملازمة و الترتب، و ذلک لأنّ المتبادر من هيئة الجملة الشرطية هو أنّ فرض وجود الشرط و تقدير حصوله، يتلوه حصول الجزاء و تحقّقه و هذا مما لا يمکن إنکاره، و هو نفس القول بالملازمة و الترتب.
و أمّا إثبات الأمر الثالث، و هو انّ العلّية بنحو الانحصار بالدلالة الوضعية، فهو غير ثابت، لأنّ تقسيم العلّة إلي المنحصرة و غير المنحصرة من المفاهيم الفلسفية البعيدة عن الأذهان العامة فمن البعيد، أن ينتقل الواضع إلي التقسيم، ثم يضع الهيئة الشرطية علي قسم خاص منها و هي المنحصرة.

و أمّا إثبات الانحصار بالانصراف فهو أيضاً بعيد، لأنّ الانصراف رهن أحد أمرين:
1. کثرة الاستعمال في العلة المنحصرة.
2. کون العلة منحصرة أکمل من کونها غير منحصرة.
و کلا الأمرين منتقيان لکثرة الاستعمال في غير المنحصرة، و کون العلّة المنحصرة ليست بأکمل في العليّة من غيرها.
و أمّا إثبات الانحصار بالإطلاق و هو کون المتکلّم في مقام البيان فهذا يتصوّر علي وجهين:
تارة يکون في مقام بيان خصوصيات نفس السبب الوارد في الجملة الشرطية و ما له من جزء وشرط و مانع من دون نظر إلي وجود سبب آخر، و أُخري يکون في مقام بيان ما هو المؤثر في الجزاء، فعلي الأوّل يکون مقتضي الإطلاق انّ ما جاء بعد حرف الشرط هو تمام الموضوع و ليس له جزء أو شرط آخر ولا يتفرع عليه المفهوم، بل أقصاه أنّ ما وقع بعد حرف الشرط تمام الموضوع للجزاء و أمّا أنّه لا يخلفه شيء آخر فلا يمکن دفعه لأنّه ليس في مقام البيان.
وعلي الثاني أي إذا کان بصدد بيان ما هو المؤثر في الجزاء علي وجه الإطلاق، فإذا ذکر سبباً واحداً و سکت عن غيره، فالسکوت يکون دالاً علي عدم وجود سبب آخر قائم مقامه.
و الحاصل: أنّه لو أحرز کون المتکلّم في مقام تحديد الأسباب و مع ذلک اقتصر علي ذکر سبب واحد يستکشف أنّه ليس للجزاء سبب إلاّ ما جاء في کلامه فيحکم علي السبب بأنّه علة منحصرة، و هذا بخلاف ما إذا لم يکن في مقام بيان الأسباب کلّها فإنّ مقتضي الإطلاق أنّ ما وقع تحت الشرط تمام الموضوع و ليس له


جزء آخر غير مذکور، و أمّا أنّه ليس للجزاء سبب آخر يقوم مقام السبب الأوّل فلا يدلّ عليه.
تطبيقات
إنّ للقول بدلالة الجملة الشرطية علي المفهوم ثمرات فقهية لا تحصي، و ربما يستظهر من خلال الروايات أنّ القول بالدلالة کان أمراً مسلماً بين الإمام و الراوي، و إليک تلک الروايات:
1. روي أبو بصير قال: سألت أباعبدالله عليه السلام عن الشاة تُذْبَح فلا تتحرک، و يُهراق منها دم کثير عبيط، فقال: «لا تأکل، إنّ علياً کان يقول: إذا رکضت الرِجْل أو طَرِفت العين فکل
تري أنّ الإمام عليه السلام يستدلّ علي الحکم الذي أفتي به بقوله: «لاتأکل» بکلام علي عليه السلام، و لا يکون دليلاً عليه إلاّ إذا کان له مفهوم، و هو إذا لم ترکض الرجل ولم تطرف العين (کما هو مفروض الرواية) فلا تأکل.
2. روي الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «کان أميرالميؤمنين يضمّن القصار و الصائغ احتياطاً للناس، و کان أبي يتطوّل عليه إذا کان مأمورناً
فالرواية علي القول بالمفهوم دالة علي تضمينه إذا لم يکن مأموناً.
3. روي علي بن جعفر في کتاب مسائله و قرب الإسناد: أنّه سأل أخاه عن حمل المسلمين إلي المشرکين التجارة، فقال: «إذا لم يحملوا سلاحاً فلا بأس


دلّت الرواية علي القول بالمفهوم علي حرمة التجارة مع المشرک إذا حملوا سلاحاً من دون فرق بين زمان الحرب و الهدنة.
4. روي معاوية بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام: «إذا کان الماء قدر کرّ لم ينجسه شيء».
دلّت الرواية لاشتمالها علي المفهوم علي انفعال القليل بالملاقاة، و إلاّ کان تعليق عدم الانفعال بالکرّية أمراً لغواً.
5. روي عبد الله بن جعفر عن أبي محمد عليه السلام قوله: و يجوز للرجل أن يصلّي و معه فارة مسک، فکتب: «لا بأس به إذا کان ذکياً».
فلو قلنا بالمفهوم لدلّ علي المنع عن حمل الميتة و إن کان جزءاً صغيراً
6. روي محمد بن مسلم عن أبي عبدالله عليه السلام، قلت له: الأمة تغطي رأسها، فقال: «لا، ولا علي أُم الولد أن تغطي رأسها إذا لم يکن لها ولد».
دلّ بمفهومه علي وجوب تغطية الرأس مع الولد
7. روي الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: «لا بأس أن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الکتاب في الرکعتين الأُولتين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوّف شيئاً».
دلّ بمفهومه علي وجوب السورة بعد الحمد في غير مورد الشرط
8. روي ابن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام: «لا بأس أن يتکلّم إذا فرغ الإمام من الخطبة يوم الجمعة ما بينه و بين أن تقام الصلاة».
استدلّ بها صاحب الجواهر علي حرمة الکلام في أثناء الخطبة
9. روي علي بن فضل الواسطي، عن الرضا عليه السلام قال: کتبت إليه إذا انکسفت الشمس أو القمر و أنا راکب لا أقدر علي النزول، فکتب إليّ: «صل علي


مرکبک الذي أنت عليه». أي صلّ علي مرکبک إذا لم تقدر علي النزول. استدلّ بها علي عدم جواز إقامة صلاة الآيات علي ظهر الدابة إلاّ مع الضرورة.
10. روي معاوية بن وهب بعد أن سأله عن السرية يبعثها الإمام عليه السلام فيصيبون غنائم کيف تقسم؟ قال: «إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليه السلام، أخرج منها الخمس لله تعالي و للرسول، و قسّم بينهم ثلاثة أخماس».
استدلّ بأنّه إذا کان هناک حرب بغير إذنه، فلا يعدّ ما أصابوه من الغنائم بل من الأنفال.

و ينبغي التنبيه علي أمرين:
الأوّل: إذا تعدّد الشرط و اتّحد الجزاء
إذا کان الشرط متعدّداً و الجزاء واحداً کما لو قال: إذا خفي الأذان فقصّر، و إذا خفي الجدران فقصّر، فعلي القول بظهور الجملة الشرطية في المفهوم، تقع المعارضة بين منطوق أحدهما و مفهوم الآخر، فلو افترضنا أنّ المسافر بلغ إلي حدّ لايَسمع أذان البلد ولکن يري جدرانه فيقصِّر حسب منطوق الجملة الأُولي و يُتمّ حسب مفهوم الجملة الثانية، کما أنّه إذا بلغ إلي حد يسمع الأذان و لا يري الجدران فيتم حسب مفهوم الجملة الأُولي و يُقصّر حسب منطوق الجملة الثانية، فالتعارض بين منطوق إحداهما و مفهوم الأُخري.
و بما انّک عرفت أنّ استفادة المفهوم مبني علي کون الشرط علّة تامة أوّلاً، و منحصرة ثانياً يرتفع التعارض بالتصرف في أحد ذينک الأمرين، فتفقد الجملة الشرطية مفهومها، و عندئذ لا يبقي للمعارضة إلاّ طرف واحد و هو منطوق الآخر، و إليک بيان کلا التصرفين:

أمّا الأوّل: أي التصرف في السببيّة التامة فبأن تکون الجملة الثانية قرينة علي أنّ خفاء الأذان ليست سبباً تاماً للقصر، و انّما السبب التام هو خفاء کلا الأمرين من الأذان و الجدران، فتکون النتيجة بعد التصرف هو إذا خفي الجدران والأذان معاً فقصر.
و أمّا الثاني: و هو التصرّف في انحصارية الشرط فبأن يکون کل منهما سبباً مستقلاً لا سبباً منحصراً، فتکون النتيجة هي استقلال کل واحد في أيجاب القصر، فکأنّه قال: إذا خفي الأذان أو الجدران فقصّر.
و الفرق بين التصرفين واضح، فإنّ مرجع التصرف في الأوّل إلي نفي السببية المستقلّة عن کل ممنهما و جعلهما سبباً واحداً، کما أنّ مرجعه في الثاني إلي سلب الانحصار بعد تسليم سببيّة کل منهما مستقلاً.
فعلي الأوّل لا يقصر إلاّ إذا خفي کلاهما و علي الثاني يقصر مع خفاء کل منهما.
و علي کلا التقديرين يرتفع التعارض لزوال المفهوم بکل من التصرفين، لأنّ المفهوم فرع کون الشرط سبباً تاماً و منحصراً، و المفروض أنّه إمّا غير تام، أو غير منحصر.
إلاّ أنّه وقع الکلام في تقديم أحد التصرفين علي الآخر، و الظاهر هو التصرف في ظهور کلٍّ من الشرطين في الانحصار فيکون کل منهما مستقلاً في التأثير، فإذا انفرد أحدهما کان له التأثير في ثبوت الحکم، و إذا حصلا معاً فإن کان حصولهما بالتعاقب کان التأثير للسابق و إن تقارنا کان الأثر لهما معاً و يکونان کالسبب الواحد.
و انّما قلنا برجحان التصرف في الانحصار علي التصرف في السببية التامة، لأجل أنّ التصرف في الانحصار مما لا بدّ منه سواء تعلّق التصرف برفع الانحصار

أو تعلّق التصرف برفع السببية التامة، فالانحصار قطعيّ الزوال و متيقن الارتفاع، و أمّا السببية التامة فمشکوک الارتفاع فلا ترفع اليد عنه إلاّ بدليل.
الثاني: في تداخل الأسباب و المسببات و عدمه
إذا تعدّد السبب واتحد الجزاء کما إذا قال: إذا بُلْت فتوضّأ و إذا نُمتَ فتوضّأ، فيقع الکلام في تداخل الأسباب أوّلاً، و تداخل المسببات ثانياً.
و المراد من تداخل الأسباب و عدمه هو أنّ السببين هل يقتضيان وجوباً واحداً فيتدا خلان في التأثير، أو يقتضيان وجوبين فلا يتداخلان.
والمراد من تداخل المسبّبات و عدمه هو أنّ الإتيان بالطبيعة مرّة هل يکفي في امتثال کلا الوجوبين أو لا بدّ من الإتيان بها مرّتين.
ولا يخفي انّ البحث في خصوص تداخل المسببات و عدمه مبني علي ثبوت عدم التداخل في الأسباب کما أنّ البحث في التداخل مطلقاً يجري إذا أمکن تکرار الجزاء کالوضوء و إلاّ فيسقط البحث کقتل زيد لکونه محارباً و مرتداً فطرياً فإنّ القتل غير قابل للتکرر، فلا معني للبحث عن التداخل سبباً أو مسبباً.
إذا عرفت ذلک يقع الکلام في موضعين:
الأوّل: حکم الأسباب من حيث التداخل و عدمه، و المتبادر عرفاً من التضيتين: إذا بُلت فتوضّأ و إذا نمت فتوضّأ هو عدم التداخل بمعني انّ کلّ شرط علّة لحدوث الجزاء، أعني: الوجوب مطلقاً، سواء وجد الآخر معه أم قبله أم بعده أم لم يوجد، وليس لعدم تداخل الأسباب معني إلاّ تعدد الوجوب.
الثاني: حکم المسببات من حيث التداخل وعدمه أي کفاية وضوء واحد

و عدمه فالظاهر عدم ظهور القضية في أحد الطرفين، فتصل النوبة إلي الأصل العمليّ و هو الأصل عدم سقوط الواجبات المتعددة بفعل واحد ولو کان ذلک بقصد امتثال الجميع في غير ما دلّ الدليل علي سقوطها به، و بعبارة أُخري: الاشتغال اليقيني البراءة اليقينية و هي رهن تعدّد الامتثال.
نعم دلّ الدليل علي سقوط أغسال متعددة بغسل الجنابة أو بغسل واحد نوي به سقوط الجميع.
فخرجنا بهذه النتيجة: انّ مقتضي الأصل العملي هو عدم سقوط الواجبات المتعدّدة ما لم يدلّ دليل بالخصوص علي سقوطها.
تطبيقات
1. إذا وجبت عليه الزکاة، فهل يجوز دفعها إلي واجب النفقة إذا کان فقيراً من جهة الإنفاق؟ قال في الجواهر: لا يجوز، لکونه ليس إيتاءً للزکاة لأصالة عدم تداخل الأسباب.
2. إذا اجتمع للمستحق سببان يستحق بهما الزکاة، کالفقر و الجهاد في سبيل الله جاز أن يُعطي لکل سبب نصيباً، لاندارجه حينئذ في الصنفين مثلاً، فيستحق بکل منهما.
3. إذا وقعت نجاسات مختلفة في البئر لکلٍ نصيب خاص من النزح، فهل يجب نزح کل ما قدّر أو لا؟
4. إذا تغيّرت أوصاف ماء البئر، و مع ذلک وقعت فيه نجاسات لها نصيب من النزح، فهل يکفي نزح الجميع أو يجب معه نزح ما هو المقدّر؟


الثاني: مفهوم الوصف
ولإيضاح الحال نذکر أُموراً:
الأوّل: المراد من الوصف في عنوان المسألة ليس خصوص الوصف النحوي بل الأُصولي، فيعم الحال و التمييز ممّا يصلح أن يقع قيداً لمتعلق التکليف أو لنفسه.
الثاني: يشترط في الوصف أن يکون أخصّ من الموصوف مطلقاً حتي يصح فرض بقاء الموضوع مع انتفاء الوصف کالإنسان العادل، فخرج منه ما إذا کانا متساويين، کالإنسان المتعجب و ما إذا کان أعم منه مطلقاً، کالإنسان الماشي.
و أمّا إذا کان أعم منه من وجه کما في الغنم السائمة زکاة فانّ بين الغنم و السائمة عموم و خصوص من وجه، فيفترق الوصف عن الموضوع في الغنم المعلوفة، و الموضوع عن الوصف في الإبل السائمة و يجتمعان في الغنم السائمة، فهل هو داخل في النزاع أو لا؟
الظاهر دخوله في النزاع إذا کان الافتراق من جانب الوصف بأن يکون الموضوع باقياً و الوصف غير باق کالغنم المعلوفة، و أمّا إذا ارتفع الموضوع، سواء کان الوصف باقياً، کالإبل السائمة، أو کان هو أيضاً مرتفعاً کالإبل المعلوفة فلا يدلّ علي شيء في حقهما.
الثالث: انّ النزاع في ثبوت مفهوم الوصف و عدمه لا ينافي اتفاقهم علي أنّ الأصل في القيود[50] أن تکون احترازية و ذلک:

لأنّ معني کون القيد احترازياً ليس إلاّ ثبوت الحکم في مورد القيد، فإذا قال: أکرم الرجال طوال القامة، معناه ثبوت الحکم مع وجود الأمرين: الرجال و الطوال.
و أمّا نفي الحکم عن الرجال القصار فلا يدل عليه کون القيد احترازياً، بل يُتوقف في الحکم بالثبوت أو العدم، بخلاف القول بالمفهوم، فإنّ لازمه نفي الحکم في غير مورد الوصف و الفرق بين الأمرين واضح، فکون القيد احترازياً يلازم السکوت في غير مورد الوصف، و القول بالمفهوم يلازم نقض السکوت و الحکم بعدم الحکم في غير مورد الوصف.
إذا عرفت ذلک، فاعلم أنّ الحقّ عدم دلالة الوصف علي المفهوم، لأنّ أقصي ما يدلّ عليه القيد هو کونه قيداً احترازياً بالمعني الذي مرّ عليک، و أمّا الزائد عليه أي الانتفاء لدي الانتفاء فلا دليل عليه.

نعم ربما تدلّ القرائن علي ثبوت المفهوم للقضية الوصفية - وراء کونه احترازياً - مثل ما حُکي أنّ أبا عبيدة قد فهم من قول رسول الله صلي الله عليه و آله وسلّم: «ليّ الواجد يُحِلُّ عرضه و عقوبته». أنّ ليَّ غير الواجد لا يُحلّ.
نعم خرجت عن تلک الضابطة العقود و الإيقاعات المتداولة بين الناس حتي الأقارير و الوصايا، فإنّها لو اشتملت علي قيد و وصف لأفاد المفهوم، فمثلاً لو قال: «داري هذه وقف للسادة الفقراء» فمعناه خروج السادة الأغنياء عن الخطاب. الثالث: مفهوم الغاية
إذا ورد التقييد بالغاية مثل قوله: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَ أَيْدِيَکُمْ إِلَي المَرافِقِ) (المائدة/6) فقد اختلف الأُصوليّون فيه من جهتين:
الجهة الأُولي: في دخول الغاية «المرفق» في المنطوق أي في حکم المغيّي (وجوب الغسل) و عدمه.
الجهة الثانية: في مفهوم الغاية، و هو موضوع البحث في المقام فقد اختلفوا في أنّ التقييد بالغاية هل يدلّ علي انتفاء سنخ الحکم عمّا وراء الغاية (العضد) و من الغاية نفسها (المرفق) إذا قلنا في النزاع الأوّل بعدم دخولها في المغيّي أو لا؟
أمّا الجهة الأُولي ففيها أقول:
أ. خروجها مطلقاً، و هو خيرة المحقّق الخراساني و السيد الإمام الخميني قدّس الله سرّهما.


ب. دخولها مطلقاً.
ج. التفصيل بين ما إذا کان ما قبل الغاية و ما بعدها متحدين في الجنس، فتدخل کما في قوله سبحانه: (فَاغسِلُوا وُجُوهکُمْ وَ أَيديَکُمْ إِلَي المَرافِقِ) (المائدة/6) فيجب غسل المرفق، و بين ما لم يکن کذلک فلا يدخل کما في قوله تعالي: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصَّيامَ إِلَي اللَّيْلِ) (البقرة/187) فإنّ الليل (الغاية) يغاير المغيّي. فانّ جنس النهار عرفاً هو النور، و جنس الآخر هو الظلمة فهما مختلفان جنساً، و اشتراکهما في الزمان صحيح لکنّه أمر عقليّ.
د. عدم الدلالة علي شيء و إنّما يُتبع في الحکم، القرائنُ الدالّة علي واحد منهما.

و قبل بيان المختار نشير إلي أمرين:
الأوّل: انّ البحث في دخول الغاية في حکم المغيّي إنّما يتصوّر فيما إذا کان هناک قدر مشترک أمکن تصويره تارة داخلاً في حکمه و أُخري داخلاً في حکم ما بعد الغاية، کالمرفق فانّه يصلح أن يکون محکوماً بحکم المغيّي (الأيدي) و محکوماً بحکم ما بعد الغاية (العضد) و أمّا إذا لم يکن کذلک فلا ، کما إذا قال: اضربه إلي خمس ضربات، فالضربة فالضربة السادسة هي بعد الغاية و ليس هنا حدّ مشترک صالح لأن يکون محکوماً بحکم المغيّي أو محکوماً بحکم ما بعد الغاية، و بذلک يظهر أنّه لو کانت الغاية، غاية للحکم لا يتصوّر فيه ذلک النزاع، کما إذا قال: «کلّ شيء حلال حتي تعلم أنّه حرام» فانّه لا يمکن أن يکون العلم بالحرام داخلاً في حکم المغيّي، إذ ليس بعد العلم بالحظر رخصة.
الثاني: إذا کانت أداة الغاية هي لفظ «حتي» فالنزاع في دخول الغاية في حکم المغيّي و عدمه إنّما يتصوّر إذا کانت خافضة کما في قوله: «أکلت السمکة


حتي رأسِها، و مثل قوله سبحانه: (کُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّي يَتَبيَّنَ لَکُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْود) (البقرة/187)
و أمّا العاطفة فهي خارجة عن البحث، لأنّ الغاية فيها داخلة تحت حکم المغيّي قطعاً، کما إذا قال: مات الناسُ حتي الأنبياء، فإنّ معناه أنّ الأنبياء ماتوا أيضاًً، و الغرض من ذکر الغاية هو بيان أنّه إذا کان الفرد الفائق علي سائر أفراد المغيّي، محکوماً بالموت فکيف حال الآخرين، و نظيره القول المعروف: مات کلُّ أب حتي آدم.
إذاعرفت ذلک فالحقّ هو القول الأوّل، أي عدم دخول الغاية في حکم المغيّي أخذاً بالتبادر في مثل المقام، قال سبحانه: (تَنَزَّلُ المَلائِکَةُ وَ الرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ کُلِّ أَمْر* سَلامٌ هِيَ حَتّي مَطْلَعِ الْفَجْر) (القدر/4 و5) فإنّ المتبادر منه أنّ النزول أو السلام إلي مطلع الفجر لا فيه نفسه ولا بعده، و کقول القائل: قرأت القرآن إلي سورة الإسراء، فإنّ المتبادر خروج الإسراء عن إخباره بالقراءة، فإن تمّ ما ذکرنا من التبادر فهو، و إلاّ فالقول الرابع هو الأقوي من أنّه له ظهور لنفس التقييد بالغاية في دخولها في المغيّي و لا في عدمه.

الجهة الثانية: في مفهوم الغاية و الظاهر دلالة الجملة علي ارتفاع الحکم عمّا بعد الغاية و حتي عن الغاية أيضاً إذا قلنا بعدم دخولها في حکم المغيّي، لإنّ المتفاهم العرفي في أمثال المقام هو تحديد الواجب و تبيين ما هو الوظيفة في مقام التوضّؤ، و يؤيد ما ذکرنا تبادر المفهوم في أکثر الآيات الواردة فيها حتي الخافضة کقوله سبحانه: (کُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتي يَتَبَيَّنَ لَکُمُ الخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْود) (البقرة/187) و قال: (وَقاتِلُوهُم حَتّي لا تَکُونَ فِتْنَة) (البقرة/193) فانّ المتبادر منها هو حصر الحکم إلي حدّ الغاية و سريان خلافه إلي ما بعدها.

ادامه نوشته

آموزش اصول فقه ویژه دانشجویان حقوق


دانلود الموجز آيت الله سبحاني – قسمت اول

الأمر الأوّل: تعريف علم الأُصول

و موضوعه و غايته

إنّ لفظة أُصول الفقه تشتمل علي کلمتين تدلاّن علي أنّ هنا أُصولاً وقواعد يتّکل الفقه عليها، فلابدّ من تعريف الفقه أوّلاً، ثمّ تعريف أُصوله ثانياً.

الفقه - علي ما هو المعروف في تعريفه - : هو العلم بالأحکام الشرعية الفرعية عن أدلّتها التفصيلية.

فخرج بقيد «الشرعية» العقلية، و بـ «الفرعية» الاعتقادية و المسائل الأُصولية و بـ «التفصيلية» علم المقلِّد بالأحکام، فإنّه و إن کان عالماً بالأحکام، لکنّه لا عن دليل تفصيلي، بل بتبع دليل إجمالي و هو حجّية رأي المجتهد في حقّه في عامة الأحکام، و أمّا المجتهد فهو عالم بکلّ حکم عن دليله الخاص.

الأُصول و إليک بيان أُمور ثلاثة فيه:

تعريفه: هو علم يبحث فيه عن القواعد التي يتوصّل بها إلي استنباط الأحکام الشرعية عن الأدلّة.

و علي ذلک فعلم أُصول الفقه من مبادئ الفقه، و يتکفّل بيان کيفيّة إقامة الدليل علي الحکم الشرعي.

موضوعه: کلّ شيء يصلح لأن يکون حجّة في الفقه و من شأنه أن يقع في طريق الاستنباط.

فإنّه ليس کلّ قاعدة علمية تصلح لأن تکون حجّة في الفقه فليس لمسائل العلوم الطبيعية و لا الرياضية، هذه الصلاحية، و إنّما هي لعديد من المسائل ،

 

کظواهر الکتاب و خبر الواحد، و الشهرة الفتوائية، إلي غير ذلک.

غايته: القدرة علي استنباط الأحکام الشرعية عن أدلّتها و العثور علي أُمور يحتج بها في الفقه علي الأحکام الشرعية.

و مما ذکرنا يعلم وجه الحاجة إلي أُصول الفقه، فإنّ الحاجة إليه کالحاجة إلي علم المنطق، فکما أنّ المنطق يرسم النهج الصحيح في کيفية إقامة البرهان، فهکذا الحال في علم الأُصول؛ فإنّه يُبيّن إقامة الدليل علي الحکم الشرعي.

الأمر الثاني: تقسيم مباحثه

تنقسم المباحث الأُصولية إلي أربعة أنواع:

الأوّل: المباحث اللفظية و يقع البحث فيها عن مداليل الألفاظ و ظواهرها التي تقع في طريق الاستنباط نظير ظهور صيغة الأمر في الوجوب.

الثاني: المباحث العقلية و يقع البحث فيها عن الأحکام العقلية الکلية التي تقع في طريق الاستنباط نظير البحث عن وجود الملازمة بين وجوب الشيء و وجوب مقدمته.

الثالث: مباحث الحجج و الأمارات کالبحث عن حجّية خبر الواحد.

الرابع: مباحث الأُصول العملية، و هي تبحث عن مرجع المجتهد عند فقد الدليل علي الحکم الشرعي.

و يمکن تقسيمها بملاک آخر و هو تقسيمها إلي مباحث لفظيّة، و عقليّة و هذا هو الرائج بين المتأخّرين ورتّبنا کتابنا علي ترتيب مباحث الکفاية.

الأمر الثالث: الوضع

إنّ دلالة الألفاظ علي معانيها دلالة لفظية وضعية و الوضع قد عُرِّف بوجوه

 

أوضحها:

جعل اللفظ في مقابل المعني و تعيينه للدلالة عليه.

و ربما يُعرَّف: انّه نحو اختصاص للّفظ بالمعني و ارتباط خاص بينهما ناشئ من تخصيصه به تارة، و يسمّي بالوضع التعييني، و کثرة استعماله فيه أُخري و يسمّي بالوضع التعيّني.

و الفرق بين التعريفين واضح، فإنّ الأوّل لا يشمل إلاّ التعييني بخلاف الثاني فانّه أعمّ منه و من التعيّني.

أقسام الوضع

ثمّ إنّ للوضع في مقام التصوّر أقساماً أربعة:

1 . الوضع الخاص و الموضوع له الخاص.

2. الوضع العام و الموضوع له العام.

3. الوضع العام و الموضوع له الخاص.

4. الوضع الخاص و الموضوع له العام.

ثمّ إنّ الميزان في کون الوضع خاصّاً أو عامّاً هو کون المعني الملحوظ حين الوضع جزئياً أو کلّياً.

فإن کان الملحوظ خاصّاً ووضع اللفظ بازائه، فهو من القسم الأوّل، کوضع الأعلام الشخصية.

و إن کان الملحوظ عامّاً و وضع اللفظ بازائه، فهو من القسم الثاني، کأسماء الأجناس.

و إن کان الملحوظ عامّاً و لم يوضع اللفظ بازائه بل وضع لمصاديق ذلک

 

 

العام، فهو من القسم الثالث، کالأدوات و الحروف علي ما هو المشهور، فالواضع علي هذا القول تصوَّر مفهومي الابتداء و الانتهاء الکليّين ثمّ وضع لفظة «من» و «إلي» لمصاديقهما الجزئية التي يعبّر عنها بالمعاني الحرفية.

و إن کان الملحوظ خاصّاً، و وضع اللفظ للجامع بين هذا الخاص و الفرد الآخر، فهو من القسم الرابع.

المعروف إمکان الأوّلين و وقوعهما في عالم الوضع، و إمکان الثالث، و إنّما البحث في وقوعه. و قد عرفت أنّ الوضع في الحروف من هذا القبيل.

إنّما الکلام في إمکان الرابع فضلاً عن وقوعه، فالمشهور استحالة الرابع فيقع الکلام فيما هو الفرق بين الثالث حيث قيل بإمکانه، و الرابع حيث قيل بامتناعه.

وجهه: انّ الملحوظ العام في القسم الثالث له قابلية الحکاية عن مصاديقه و جزئياته، فللواضع أن يتصوّر مفهوم الابتداء والانتهاء و يضع اللّفظ لمصاديقهما التي تحکي عنها مفاهيمهما.

و هذا بخلاف الرابع فإنّ الملحوظ لأجل تشخّصه بخصوصيات يکون خاصّاً، ليست له قابلية الحکاية عن الجامع بين الأفراد، حتي يوضع اللّفظ بازائه.

و بالجملة العام يصلح لأن يکون مرآة لمصاديقه الواقعة تحته، و لکن الخاص لأجل تضيّقه و تقيّده لا يصلح أن يکون مرآة للجامع بينه و بين فرد آخر.

 

تقسيم الوضع بحسب اللفظ الموضوع

ثمّ إنّ ما مرّ کان تقسيماً للوضع حسب المعني، و ثمة تقسيم آخر له حسب اللفظ الموضوع إلي شخصي و نوعي.

فإذا کان اللفظ الموضوع متصوّراً بشخصه، فيکون الوضع شخصيّاً کتصوّر ذذ

لفظ زيد بشخصه؛ و أمّا إذا کان متصوّراً بوجهه و عنوانه، فيکون الوضع نوعيّاً، کهيئة الفعل الماضي التي هي موضوعة لانتساب الفعل إلي الفاعل في الزمان الماضي، و لکن الموضوع ليس الهيئةَ الشخصية في ضرب أو نصر مثلاً، بل مطلق هيئة «فعل»، في أيّ مادة من المواد تحقّقت.

و بذلک يعلم أنّ وضع الهيئة في الفاعل و المفعول و المفعال هو نوعي لا شخصي.

 

الأمر الرابع: تقسيم الدلالة إلي تصوّرية و تصديقيّة

تنقسم دلالة اللّفظ إلي تصوّرية و تصديقيّة.

فالدلالة التصوّرية: هي عبارة عن انتقال الذهن إلي معني اللّفظ بمجرّد سماعه و إن لم يقصده اللاّفظ، کما إذا سمعه من الساهي أو النائم.

و أمّا الدلالة التصديقيّة: فهي دلالة اللّفظ علي أنّ المعني مراد للمتکلّم و مقصود له.

فالدلالة الأُولي تحصل بالعلم باللغة، و أمّا الثانية فتتوقف علي أُمور:

أ. أن يکون المتکلم عالماً باللغة.

ب. أن يکون في مقام البيان و الإفادة.

ج. أن يکون جادّاً لا هازلاً.

د. أن لا ينصب قرينة علي خلاف المعني الحقيقي.

 

الأمر الخامس: الحقيقة و المجاز

الاستعمال الحقيقي: هو إطلاق اللّفظ و إرادة ما وضع له، کإطلاق الأسد و إرادة الحيوان المفترس.

و أمّا المجاز: فهو استعمال اللّفظ في غير ما وضع له، مع وجود علقة بين الموضوع له و المستعمل فيه بأحد العلائق المسوِّغة، کإطلاق الأسد و إرادة الرجل الشجاع.

ثمّ إذا کانت العلقة هي المشابهة بين المعنيين فيطلق عليه الاستعارة، و إلاّ فيطلق عليه المجاز المرسل کإطلاق الجزء و إرادة الکلّ کإطلاق العين و الرقبة و إرادة الإنسان.

هذا هو التعريف المشهور للمجاز، و هناک نظر آخر موافق للتحقيق، و حاصله:

إنّ اللّفظ - سواء کان استعماله حقيقيّاً أو مجازيّاً - يستعمل فيما وضع له، غير أنّ اللّفظ في الأوّل مستعمل في الموضوع له من دون أي ادّعاء و مناسبة، و في الثاني مستعمل في الموضوع له لغاية ادّعاء انّ المورد من مصاديق الموضوع له، کما في قول الشاعر: لَدي أسدٍ شاکي السلاحِ مُقَذَّفٍ لــه لِبَــد أظفــارهُ لــم تُقَــلَّم

فاستعمل لفظ الأسد - حسب الوجدان - في نفس المعني الحقيقي لکن بادّعاء انّ المورد - أي الرجل الشجاع - من مصاديقه و أفراده حتّي أثبت له آثار الأسد من اللُبد و الأظفار، و هذا هو خيرة أُستاذنا السيد الإمام الخميني قدس سرُّ

و الحاصل: أنّه لو کان تفهيم المعني الموضوع له هو الغاية من وراء الکلام، فالاستعمال حقيقي، و إن کان مقدّمة و مرآة لتفهيم فرد ادّعائي و لو بالقرينة فالاستعمال مجازي.

 

الأمر السادس: علامات الحقيقة و المجاز

إذا استعمل المتکلم لفظاً في معني معيّن، فلو عُلِم أنّه موضوع له، سمِّي هذا الاستعمال حقيقيّاً، و أمّا إذا شُکّ في المستعمل فيه و أنّه هل هو الموضوع له أو لا؟ فهناک علامات تميّز بها الحقيقة عن المجاز.

التبادر:

هو انسباق المعني إلي الفهم من نفس اللّفظ مجرّداً عن کلّ قرينة، و هذا يدلّ علي أنّ المستعمل فيه معني حقيقيّ، إذ ليس لحضور المعني في الذهن سبب سوي أحد أمرين، إمّا القرينة، أو الوضع، و الأوّل منتفٍ قطعاً کما هو المفروض، فيثبت الثاني.

 

2. صحّة الحمل و السلب:

إنّ صحّة الحمل دليل علي أنّ الموضوع الوارد في الکلام قد وضع للمحمول کما أنّ صحّة السلب دليل علي عدم وضعه له.

توضيحه: أنّ الحمل علي قسمين:

الأوّل: الحمل الأوّلي الذاتي، و هو ما إذا کان المحمول نفسَ الموضوع مفهوماً بأن يکون ما يفهم من أحد هما نفسَ ما يفهم من الآخر، مع اختلاف بينهما

في الإجمال و التفصيل کما إذا قلنا: الأسد حيوان مفترس، و الإنسان حيوان ناطق.

الثاني: الحمل الشائع الصناعي، و هو ما إذا کان الموضوع مغايراً للمحمول في المفهوم و متحداً معه في الخارج، کما إذا قلنا: زيد إنسان، فما يفهم من أحدهما غير ما يفهم من الآخر غير أنّهما متحقّقان بوجود واحد في الخارج.

 

إذا اتّضح ما تلوناه عليک، فاعلم أنّ المقصود من أنّ صحّة الحمل أو صحّة السلب علامة للحقيقة و المجاز هو القسم الأوّل، فصحّة الحمل و الهوهوية تکشف عن وحدة المفهوم و المعني و هو عبارة أُخري عن وضع أحدهما للآخر، کما أنّ صحّة السلب تکشف عن خلاف ذلک، مثلاً إذا صحّ حمل الحيوان المفترس علي الأسد بالحمل الأوّلي يکشف عن أنّ المحمول نفس الموضوع مفهوماً، و هو عبارة أُخري عن وضع أحدهما للآخر، کما أنّه إذا صحّ سلب الحيوان الناطق عن الأسد بالحمل الأوّلي کما إذا قيل: الأسد ليس حيواناً ناطقاً يکشف عن التغاير المفهومي بينهما، و هو يلازم عدم وضع أحدهما للآخر.

الإطّراد:

هي العلامة الثالثة لتمييز الحقيقة عن المجاز و توضيح ذلک:

إذا اطّرد استعمال لفظ في أفراد کليٍّ بحيثية خاصّة، کاستعمال «رجل» باعتبار الرجولية، في زيد و عمرو و بکر، مع القطع بعدم کونه موضوعاً لکلّ واحد علي حدة، يستکشف منه وجود جامع بين الأفراد قد وضع اللّفظ بازائه.

فالجاهل باللغة إذا أراد الوقوف علي معاني اللغات الأجنبية من أهل اللغة، فليس له سبيل إلاّ الاستماع إلي محاوراتهم، فإذا رأي أنّ لفظاً خاصّاً يستعمل مع محمولات عديدة في معني معيّن، کما إذا قال الفقيه: الماء طاهر و مطهّر، و قال الکيميائي: الماء رطب سيال، و قال الفيزيائي: الماء لا لون له، يقف علي أنّ اللّفظ

 

موضوع لما استعمل فيه، لأنّ المصحّح له إمّا الوضع أو العلاقة، و الثاني لا اطّراد فيه، فيتعيّن الأوّل.

و لنذکر مثالاً آخر:

إنّ آية الخمس، أعني قوله سبحانه: (واعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَــهُ وَ لِلــرَّسُولِ وَ لِــذِي القُربـي وَ اليَتــامــي وَ المَســـاکِيــنِ وَابْنِ السَّبيـــل ) (الأنفال / 41) توجب إخراج الخمس عن الغنيمة.

فهل الکلمة (الغنيمة) موضوعة للغنائم المأخوذة في الحرب، أو تعمّ کلّ فائدة يحوزها الإنسان من طرق شتي؟

يُستکشف الثاني عن طريق الاطّراد في الاستعمال، فإذا تتبعنا الکتاب و السنّة نجد إطّراد استعمالها في کلّ ما يحوزه الإنسان من أيّ طريق کان.

قال سبحانه: (تَـبْـتَـغُــونَ عَــرَضَ الحَيــاة الــدُّنْيــا فَعِنْــدَ اللهِ مَغــانِمَ کَثِيــرَة) (النساء / 94) ، و المراد مطلق النِّعم و الرزق.

و قال رسول الله صلي الله عليه و آله وسلّم في مورد الزکاة: «اللّهمّ اجْعَلْها مغنماً و في مسند أحمد: «غنيمة مجالس الذکر الجنة»، و في وصف شهر رمضان: غنم المؤمن.

فهذه الاستعمالات الکثيرة المطّردة، تکشف عن وضعه للمعني الأعم.

و هذا هو الطريق المألوف في اقتناص مفاهيم اللغات و معانيها و في تفسير لغات القرآن، و مشکلات السنّة، و عليه قاطبة المحقّقين، و يطلق علي هذا النوع من تفسير القرآن، التفسير البياني.

 

تنصيص أهل اللغة

المراد من تنصيص أهل اللغة هو تنصيص مدوّني معاجم اللغة العربية، فإنّ مدوّني اللغة الأوائل کالخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 170 هـ) مؤلّف کتاب «العين»، و الجواهري (ت 398 هـ) مؤلّف الصحاح قد دوّنوا کثيراً من معاني الألفاظ من ألسن القبائل العربية و سُکّان البادية، فتنصيص مثل هؤلاء يکون مفيداً للاطمئنان بالموضوع له.

هذا و سيأتي  تفصيل الکلام في حجّية قول اللغوي فانتظر.

الأمر السابع: الأُصول اللفظية

إنّ الشکّ في الکلام يتصوّر علي نحوين:

أ. الشکّ في المعني الموضوع له، کالشکّ في أنّ الصعيد هل وضع للتراب أو لمطلق وجه الأرض؟

ب. الشکّ في مراد المتکلّم بعد العلم بالمعني الموضوع له.

أمّا النحو الأوّل من الشکّ فقد مرّ الکلام فيه في الأمر السادس، و علمتَ أنّ هناک علامات يميز بها المعني الحقيقي عن المجازي.

و أمّا النحو الثاني من الشکّ فقد عُقد له هذا الأمر، فنقول:

إنّ الشکّ في المراد علي أقسام، و في کلّ قسم أصل يجب علي الفقيه تطبيق العمل عليه، و إليک الإشارة إلي أقسام الشکّ و الأُصول التي يعمل بها:

 

أصالة الحقيقة

إذا شکّ في إرادة المعني الحقيقي أو المجازي من اللفظ، بأن لم يعلم وجود القرينة علي إرادة المعني المجازيّ مع احتمال وجودها، کما إذا شک في أنّ المتکلم هل أراد من الأسد في قوله: رأيت أسداً، الحيوان المفترس أو الجندي الشجاع؟ فعندئذٍ يعالج الشکّ عند العقلاء بضابطة خاصة، و هي الأخذ بالمعني الحقيقي مالم يدلّ دليل علي المعني المجازي، و هذا ما يعبّر عنه بأصالة الحقيقة.

أصالة العموم

إذا ورد عام في الکلام کما إذا قال المولي: أکرم العلماء و شکّ في ورود التخصيص عليه و إخراج بعض أفراده کالفاسق، فالأصل هو الأخذ بالعموم و ترک احتمال التخصيص، و هذا ما يعبّر عنه بأصالة العموم.

أصالة الإطلاق

إذا ورد مطلق و شک في کونه تمام الموضوع أو بعضه، کما قال سبحانه: (أحلّ اللهُ البيــع) (البقرة / 275) و احتمل انّ المراد هو البيع بالصيغة دون مطلقه، فالمرجع عندئذٍ هو الأخذ بالإطلاق و إلغاء احتمال التقييد، و هذا ما يُعبَّر عنه بأصالة الإطلاق.

أصالة عدم التقدير

إذا ورد کلام و احتمل فيه تقدير لفظٍ خاصٍّ، فالمرجع عند العقلاء هو عدم التقدير إلاّ أن تدلّ عليه قرينة، کما في قوله سبحانه: (وَ اسْئَـلِ القـريــة الّتـي کُـنّــا فِـيــهـا) (يوسف / 82) و التقديـر أهل القرية، و هذا مـا يُعبَّر عنه بأصالة عدم التقدير.

أصالة الظهور

إذا کان اللفظ ظاهراً في معني خاص دون أن يکون نصّاً فيه بحيث لا يحتمل معه الخلاف، فالأصل الثابت عند العقلاء هو الأخذ بظهور الکلام و إلغاء احتمال الخلاف، و هذا ما يعبّر عنه بأصالة الظهور.

ثمّ إنّ الأُصول السابقة مصاديق لأصالة الظهور.

و هذه الأُصول ممّا يعتمد عليها العقلاء في محاوراتهم و لم يردع عنها الشارع فهي حجّة.

الأمر الثامن: الاشتراک و الترادف

الاشتراک عبارة عن کون اللفظ الواحد موضوعاً لمعنيين أو أکثر بالوضع التعييني أو التعيّني.

و يقابله الترادف، و هو وضع اللفظين أو الأکثر لمعني واحد کذلک.

واختلفوا في إمکان الاشتراک أوّلاً و وقوعه بعد تسليم إمکانه ثانياً فذهب الأکثر إلي الإمکان، لأنّ أدلّ دليل عليه هو وقوعه، فلفظة العين تستعمل في الباکية و الجارية، و في الذهب و الفضة.

و مردّ الاشتراک إلي اختلاف القبائل العربية القاطنة في أطراف الجزيرة في التعبير عن معني الألفاظ، فقد کانت تُلْزِمُ الحاجة طائفة إلي التعبير عن معني بلفظ، و تُلْزم أُخري التعبيرَ بذلک اللّفظ عن معني آخر، و لمّا قام علماء اللغة بجمع لغات العرب ظهر الاشتراک اللفظي.

و ربّما يکون مردّه إلي استعمال اللّفظ في معناه المجازي بکثرة إلي أن يصبح الثاني معني حقيقياً، کلفظ الغائط، فهو موضوع للمکان الذي يضع فيه الإنسان،

ثمّ کُنِّي به عن فضلة الإنسان، إلي أن صار حقيقة فيها مع عدم هجر المعني الأوّل.

نعم ربّما يذکر أهل اللغة للفظ واحد معاني عديدة، و لکنّها ربما يکون من قبيل المصاديق المختلفة لمعني واحد، و هذا کثير الوقوع في المعاجم.

و قد اشتمل القرآن علي اللّفظ المشترک، کالنجم المشترک بين الکوکب و النبات الذي لا ساق له، قال سبحانه: (وَ النَّجْمِ إِذا هَوي (النجم / 1

و قال سبحانه: (وَ النَّجْمُ وَ الشَّجَرُ يَسْجُدان (الرحمن / 6

هذا کلّه في المشترک اللفظي.

و أمّا المشترک المعنوي، فهو عبارة عن وضع اللّفظ لمعني جامع يکون له مصاديق مختلفة، کالشجر الذي له أنواع کثيرة.

تنبيه

إنّ فهم المعني المجازيّ بحاجة إلي قرينة، کقولک «يرمي» أو «في الحمام» في «رأيت أسداً يرمي أو في الحمّام» کما أنّ تعيين المعني المراد من بين المعاني المتعددة للّفظ المشترک يحتاج إلي قرينة کقولنا: «باکية» أو «جارية» في عين باکية، أو عين جارية، لکن قرينة المجاز قرينة صارفة و معيّنة، و قرينة اللفظ المشترک قرينة معيّنة فقط، و الأُولي آية المجازية دون الثانية.

الأمر التاسع: استعمال المشترک في أکثر من معني

إذا ثبت وجود اللّفظ المشترک، يقع الکلام حينئذٍ في جواز استعماله في أکثر من معني واحد في استعمال واحد، بمعني أن يکون کل من المعنيين مراداً باستقلاله، کما إذا قال: اشتريت العين، و استعمل العين في الذهب و الفضة. فخرج ما إذا استعمله في معني جامع صادق علي کلا المعنيين، کما إذا استعمل العين في «المسمّي بالعين» فإنّ الذهب و الفضة داخلان تحت هذا العنوان، فهذا النوع من الاستعمال ليس من قبيل استعمال المشترک في أکثر من معني.

إذا علمت ذلک، فاعلم أنّه اختُلِفَ في جواز استعمال اللّفظ في أکثر من معني واحد علي أقوال أربعة:

أ. الجواز مطلقاً.

ب. المنع مطلقاً.

ج. التفصيل بين المفرد و غيره و التجويز في الثاني.

د. التفصيل بين الإثبات و النفي والتجويز في الثاني.

و الحق جوازه مطلقاً، و أدلّ دليل علي إمکانه وقوعه، و يجد المتتبع في کلمات الأُدباء نماذج من هذا النوع في الاستعمال: يقول الشاعر في مدح النبي صلي الله عليه و آله وسلّم : المُرتمي في الدجي، و المُبتلي بِعَمي و المُشتکي ظمأً و المبتغي دَيْنــاً يــأتــون ســدَّتَــه مــن کــلِّ نـــاحيـة و يستفيــــدون مــن نعمائه عينـاً

فاستخدم الشاعر لفظ «العين» في الشمس، و البصر، والماء الجاري و الذهب؛ حيث إنّ المرتمي في الدجي، يطلب الضياء؛ و المبتلي بالعمي، يطلب العين الباصرة؛ و الإنسان الظهآن يريد الماء؛ و المستدين يطلب الذهب.

الأمر العاشر: الحقيقة الشرعية

ذهب أکثر الأُصوليين إلي أنّ ألفاظ العبادات کالصلاة والصوم و الزکاة والحج کانـت عند العـرب قبل الإسلام مستعملـة في معانيهـا اللغويـة علي وجه الحقيقة، أعني: الدعاء، و الإمساک، و النمو، و القصد، و هذا ما يعبّر عنه بالحقيقة اللغوية.

و إلي أنّ تلک الألفاظ في عصر الصادقين عليهما السلام و قبلهما بقليل، کانت ظاهرة في المعاني الشرعية الخاصة بحيث کلّما أطلقت الصلاة والصوم و الزکاة تتبادر منها معانيها الشرعية.

إنّما الاختلاف في أنّه کيف صارت هذه الألفاظ حقيقة في المعاني الشرعية في عصر الصادقين عليهما السلام و قبلهما بقليل؟ فهنا قولان:

أ. ثبوت الحقيقة الشرعية في عصر النبوّة.

ب. ثبوت الحقيقة المتشرّعية بعد عصر النبوة.

أمّا الأوّل: فحاصله: أنّ تلک الألفاظ نقلت في عصر النبي صلي الله عليه وآله وسلّم من معانيها اللغوية إلي معانيها الشرعية بالوضع التعييني أو التعيّني حتي صارت حقائق شرعية في تلک المعاني في عصره، لأنّ تلک الألفاظ کانت کثيرة التداول بين المسلمين لا سيّما الصلاة التي يؤدّونها کلّ يوم خمس مرّات و يسمعونها کراراً من فوق المآذن.

و من البعيــد أن لا تصبح حقــائق في معـانيهـا المستحدثـة في وقــت ليس بقليل.

و أما الثاني فحاصله: أنّ صيرورة تلک الألفاظ حقائق شرعية علي لسان

النبي صلي الله عليه و آله وسلّم يتوقف علي الوضع و هو إمّا تعييني أو تعيّني، و الأوّل بعيد جداً، و إلاّ نقل إلينا، والثاني يتوقف علي کثرة الاستعمال التي هي بحاجة إلي وقت طويل، و أين هذا من قصر مدّة عصر النبوّة؟!

يلاحظ عليه: أنّ عصر النبوّة استغرق 23 عاماً، و هي فترة ليست قصيرة لحصول الوضع التعيّني علي لسانه، و إنکاره مکابرة.

ثمرة البحث

و أمّا ثمرة البحث بين القولين، فتظهر في الألفاظ الواردة علي لسان النبي صلي الله عليه و آله وسلّم بلا قرينة، فتحمل علي الحقيقة الشرعية بناءً علي ثبوتها و علي الحقيقة اللغوية بناءً علي إنکارها.

و الظاهر انتفاء الثمرة مطلقاً، لعدم الشکّ في معاني الألفاظ الواردة في الکتاب و السنّة لکي يتوقف فهـم معــانيها علي ثبوت الحقيقة الشرعية أو نفيها إلاّ نادراً.

 

الأمر الحادي عشر: الصحيح و الأعم

هل أسماء العبادات والمعاملات موضوعة للصحيح منهما، أو للأعم منه؟

تطلق الصحّة في اللغة تارة علي ما يقابل المرض، فيقال: صحيح و سقيم. و أُخري علي ما يقابل العيب، فيقال: صحيح و معيب.

و أمّا الصحة اصطلاحاً في العبادات فقد عرِّفت تارة بمطابقة المأتي به للمأمور به، و أُخري بما يوجب سقوط الإعادة و القضاء، ويقابلها الفساد. و أمّا في المعاملات فقد عُرِّفت بما يترتّب عليه الأثر المطلوب منها، کالملکية في البيع، و الزوجية في النکاح و هکذا.

و المراد من وضع العبادات للصحيح هي أنّ ألفاظ العبادات وضعت لما تمّت أجزاؤها و کملت شروطها، أو للأعم منه و من الناقص.

المعروف هو القول الأوّل، و استدلّ له بوجوه مسطورة في الکتب الأُصولية أوضحها:

إنّ الصلاة ماهية اعتبارية جعلها الشارع لآثار خاصّة وردت في الکتاب و السنّة، منها: کونها ناهية عن الفحشاء و المنکر، أو معراج المؤمن، و غير هما، و هذه الآثار إنّما تترتب علي الصحيح لا علي الأعمّ منه، و هذا (أي ترتّب الأثر علي الصحيح) ممّا يبعث الواضع إلي أن يضــع الألفاظ لما يُحصّل أغراضه و يؤمِّن أهدافـه، و ليس هو إلاّ الصـحيح. لأنّ الوضــع للأعمّ الذي لا يترتّـب عليــه الأثـر، أمر لغو.

استدلّ القائل بالأعم بوجوه أوضحها صحّة تقسيم الصلاة إلي الصحيحة و الفاسدة.

و أُجيب عنه بأنّ غاية ما يفيده هذا التقسيم هو استعمال الصلاة في کلّ من الصحيح و الفاسد، و الاستعمال أعمّ من الحقيقة.

 

و أمّا المعاملات فهنا تصويران:

الأوّل: انّ ألفاظ العقود، کالبيع و النکاح؛ و الإيقاعات، کالطلاق و العتق، موضوعة للأسباب التي تُسبِّب الملکية و الزوجية و الفراق و الحريــة، و نعني بالسبب إنشاء العقد و الإيقاع، کالإيجاب و القبـول في العقـود، و الإيجــاب فقط کـما في الإيقاع.

وعليه يأتي النزاع في أنّ ألفاظها هل هي موضوعة للصحيحة التامّة الأجزاء

و الشرائط المؤثرة في المسبب، أو للأعم من التام و الناقص غير المؤثر في المسبب؟

الثاني: أن تکون الألفاظ موضوعة للمسببات، أي ما يحصل بالأسباب کالملکية و الزوجية و الفراق و الحرية، و بما أنّ المسببات من الأُمور البسيطة، التي يدور أمرها بين الوجود و العدم، فلا يتأتي علي هذا الفرض، النزاع السابق لأنّ الملکية إمّا موجودة و إمّا معدومة کما أنّ الزوجية إمّا متحقّقة أو غير متحقّقة، ولا يتصوّر فيهما ملکية أو زوجية فاسدة.

الأمر الثاني عشر: هل المشتق حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدأ بالفعل أو الأعم منه و ممّا انقضي عنه المبدأ

إنّه اتّفقت کلمتهم علي أنّ المشتق حقيقة في المتلبّس بالمبدأ بالفعل و مجاز فيما يتلبّس به في المستقبل، واختلفوا فيما انقضي عنه التلبّس، مثلاً إذا ورد النهي عن التوضّؤ با لماء المسخّن بالشمس، فتارة يکون الماء موصوفاً بالمبدأ بالفعل، و أُخري يکون موصوفاً به في المستقبل، و ثالثة کان موصوفاً به لکنّه زال و برد الماء، فإطلاق المشتق علي الأوّل حقيقة، و دليل الکراهة شامل له، کما أنّ إطلاقه علي الثاني مجاز لا يشمله دليلها، و أمّا الثالث فکونه حقيقة أو مجازاً و بالتالي شمول دليلها له و عدمه مبنيّ علي تحديد مفهوم المشتق، فلو قلنا بأنّه موضوع للمتلبّس بالمبدأ بالفعل يکون الإطلاق مجازياً والدليل غير شامل له، و لو قلنا بأنّه موضوع لما تلبّس به ولو آناً ما فيکون الإطلاق حقيقيّاً والدليل شاملاً له.

والمشهور انّه موضوع للمتلبس بالفعل.

 

و قبل الخوض في المقصود نقدم أُموراً:

1 . الفرق بين المشتق النحويّ و الأُصولي

المشتق عند النحاة يقابل الجامد، فيشمل الماضي و المضارع و الأمر و النهي و اسم الفاعل و مصادر أبواب المزيد.

و أمّا المشتق عند الأُصوليّين، فهو عبارة عمّا يُحمل علي الذات باعتبار اتصافها بالمبدأ و اتحادها معه بنحو من الاتحاد، ولا تزول الذات بزواله فخرجت الأفعال قاطبة و المصادر لعدم صحّة حملهما علي الذوات علي نحو الهوهوية، والأوصاف التي تزول الذات بزوالها کالناطق فلم يندرج فيه إلاّ اسم الفاعل و المفعول و أسماء الزمان و المکان و الآلات و الصفات المشبهة و صيغ المبالغة و أفعل التفضيل و يشمل حتي الزوجة و الرق و الحر لوجود الملاک المذکور في جميعها، فإذن النسبة بين المشتق النحوي و المشتق الأُصولي عموم و خصوص من وجه.

 

2. اختلاف أنحاء التلبّسات حسب اختلاف المبادئ

ربّما يفصل بين المشتقات فيتوهم انّ بعضها حقيقة في المتلبس و بعضها في الأعمّ، نظير الکاتب و المجتهد و المثمر، فما يکون المبدأ فيه حرفة أو ملکة أو قوّة يصدق فيه هذه الثلاثة و إن زال التلبّس، فهي موضوعة للأعم بشهادة صدقها مع عدم تلبّسها بالکتابة و الاجتهاد و الإثمار بخلاف غيرها ممّا کان المبدأ فيه أمراً فعلياً، کالأبيض و الأسود.

يلاحظ عليه: أنّ المبدأ يؤخذ تارة علي نحو الفعلية کقائم، و أُخري علي نحو الحرفة کتاجر، و ثالثة علي نحو الصناعة کنجّار، و رابعة علي نحو القوّة کقولنا: شجرة مثمرة، و خامسة علي نحو الملکة کمجتهد.

فإذا اختلفت المبادئ جوهراً و مفهوماً لاختلف أنحاء التلبّسات بتبعها أيضاً، وعندئذٍ يختلف بقاء المبدأ حسب اختلاف المبادئ، ففي القسم الأوّل يشترط في صدق التلبّس تلبّس الذات بالمبدأ فعلاً، و في القسم الثاني و الثالث يکفي عدم إعراضه عن حرفته وصناعته و إن لم يکن ممارساً بالفعل، و في الرابع يکفي کونه متلبّساً بقوة الإثمار و إن لم يثمر فعلاً، و في الخامس يکفي حصول الملکة و إن لم يمارس فعلاً، فالکلّ داخل تحت المتلبّس بالمبدأ بالفعل، و بذلک علم أنّ اختلاف المبادئ يوجب اختلاف طول زمان التلبّس و قصره ولا يوجب تفصيلاً في المسألة.

فما تخيّله القائل مصداقاً لمن انقضي عنه المبدأ، فإنّما هو من مصاديق المتلبّس و منشأ التخيّل هو أخذ المبدأ في الجميع علي نسق واحد، و قد عرفت أنّ المبادئ علي أنحاء.

إذا عرفت ما ذکرنا فاعلم أنّ مرجع النزاع إلي سعة المفاهيم وضيقها و أنّ الموضوع له هل هو خصوص الذات المتلبّسة بالمبدأ أو الأعمّ من تلک الذات المنقضي عنها المبدأ فعلي القول بالأخصّ، يکون مصداقه منحصراً في الذات المتلبّسة، و علي القول بالأعمّ يکون مصداقه أعمّ من هذه و ممّا انقضي عنها المبدأ.

 

استدل المشهور علی أن المشتق موضوع للمتلبس با لمبدأ با الفعل بأمرین :

1. التبادر ، إن المتبار من المشتق هو المتلبس با امبدأ بالفعلک ، فلو قیل :

صلّ خلف العادل، أو أدّب الفاسق، أو قيل: لا يصلين أحدکم خلف المجذوم و الأبرص و المجنون، أو لا يؤم الأعرابي المهاجرين؛ لا يفهم منه إلاّ المتلبّس بالمبدأ في حال الاقتداء.

2. صحّة السلب عمّن انقضي عنه المبدأ، فلا يقال لمن هو قاعد بالفعل انّه قائم إذا زال عنه القيام، و لا لمن هو جاهل بالفعل، انّه عالم إذا نسي علمه.

 

و أمّا القائلون بالأعم فاستدلّوا بوجهين:

الأوّل: صدق أسماء الحِرَف کالنجار علي من انقضي عنه المبدأ، مثل أسماء الملکات کالمجتهد.

و قد عرفت الجواب عنه و أنّ الجميع من قبيل التلبّس بالمبدأ لا الزائل عنه المبدأ.

الثاني: لو تلبس بالمبدأ في الزمان الماضي يصح أن يقال انّه ضارب باعتبار تلبّسه به في ذلک الزمان.

يلاحظ عليه: أنّ اجراء المشتق علي الموضوع في المثال المذکور يتصوّر علي وجهين.

أ. أن يکون زمان التلبّس بالمبدأ في الخارج متحداً مع زمان النسبة الکلامية، کأن يقول زيد ضارب أمس، حاکياً عن تلبّسه بالمبدأ في ذلک الزمان، فهو حقيقة و معدود من قبيل المتلبّس لأنّ المراد کونه ضارباً في ذلک الظرف.

ب. أن يکون زمان التلبّس بالمبدأ في الخارج مختلفاً مع زمان النسبة الکلامية، کأن يقول: زيد - باعتبار تلبّسه بالمبدأ أمس - ضارب الآن، فالجري مجاز و من قبيل ما انقضي عنه المبدأ.

تطبيق

1 . قال رجل لعليّ بن الحسين عليهما السلام : أين يتوضأ الغرباء؟ قال: «تتّقي شطوط الأنهار، و الطرق النافذة، و تحت الأشجار المثمرة

فعلي القول بالوضع للمتلبس بالمبدء يختص الحکم بما إذا کانت مثمرة ولو بالقوة، کما هي الحال في فصل الشتاء بخلاف القول بالأعم من المتلبس و غيره فيشمل الشجرة غير المثمرة ولو بالقوة کما إذا فقدت قوّة الإثمار لأجل طول عمرها.

2. عن أبي عبدالله عليه السلام : في المرأة ماتت و ليس معها امرأة تغسلها، قال: «يدخل زوجها يده تحت قميصها فيغسلها إلي المرافق

فلو قلنا بأنِّ المشتق حقيقة في المنقضي أيضاً، فيجوز للزوج المطلِّق تغسيلها عند فقد المماثل و إلاّ فلا.

 

إذا وقفت علي تلک الأُمور، فاعلم أنّ کتابنا هذا مرتّب علي مقاصد، وکلّ مقصد يتضمن فصولاً:

المقصد الأوّل في الأوامر وفيه فصول:

الفصل الأوّل: في مادة الأمر.

الفصل الثاني: في هيئة الأمر.

الفصل الثالث: في إجزاء امتثال الأمر الواقعي و الظاهري.

الفصل الرابع: مقدمة الواجب و تقسيماتها.

الفصل الخامس: في تقسيمات الواجب.

الفصل السادس: اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه.

الفصل السابع: إذا نسخ الوجوب فهل يبقي الجواز.

الفصل الثامن: الأمر بالأمر بفعل، أمر بذلک الفعل.

الفصل التاسع: الأمر بالشيء بعد الأمر به تأکيد أو تأسيس.

الفصل الأوّل في مادّة الأمر

و فيه مباحث:

المبحث الأوّل: لفظ الأمر مشترک لفظي

إنّ لفظ الأمر مشترک لفظي بين معنيين هما:

الطلب و الفعل، و إليهما يرجع سائر المعاني التي ذکرها أهل اللغة.

لا خلاف بين الجميع في صحّة استعماله في الطلب کقوله سبحانه: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فَتْنَةٌ أَوْ يُصيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (النور/63

و إنّما الخلاف في المعني الثاني، و الظاهر صحّة استعماله في الفعل لوروده في القرآن. کقوله سبحانه: (قُلْ إِنَّ الأمْرَ کُلَّهُ للهِ يُخْفُونَ في أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَکَ) (البقرة/210) و وَشاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ- آل عمران/159

ثمّ الأمر إن کان بمعني الطلب - أي طلب الفعل من الغير - فيجمع علي أوامر، کما أنّه إذا کان بمعني الفعل فيجمع علي أُمور والاختلاف في صيغة الجمع دليل علي أنّه موضوع لمعنيين مختلفين.

المبحث الثاني: اعتبار العلوّ و الاستعلاء في صدق مادّة الأمر بمعني الطلب

اختلف الأُصوليون في اعتبار العلو و الاستعلاء في صدق الأمر بمعني الطلب علي أقوال:

1 يعتبر في صدق مادة الأمر وجود العلوّ في الآمر دون الاستعلاء لکفاية صدور الطلب من العالي و إن کان مستخفضاً لجناحه عند العقلاء، و هو خيرة المحقّق الخراساني قدس سرُّه.

2يعتبر في صدق مادة الأمر کلا الأمرين، فلا يعدّ کلام المولي مع عبده أمراً إذا کان علي طريق الاستدعاء، و هو خيرة السيد الإمام الخميني قدس سرُّه.

3يعتبر في صدق مادة الأمر أحد الأمرين: العلو أو الاستعلاء، أمّا کفاية العلوفلما تقدّم في دليل القول الأوّل، و أمّا کفاية الاستعلاء، فلأنّه يصحّ تقبيح الطالب السافل المستعلي، ممّن هو أعلي منه و توبيخه بمثل «انّک لم تأمرني».

 

4لا يعتبر في صدق مادة الأمر واحد منهما، و هو خيرة المحقّق البروجردي قدّس سرُّه.

الظاهر هو القول الثاني، فإنّ لفظ الأمر في اللغة العربية معادل للفظ «فرمان» في اللغة الفارسية، و هو يتضمن علوّ صاحبه، ولذلک يذم إذا أمر ولم يکن عالياً.

و أمّا اعتبار الاستعلاء فلعدم صدقه إذا کان بصورة الاستدعاء، و يشهد له قول بريرة لرسول الله صلي الله عليه و آله وسلّم «تأمرني يا رسول الله؟ قال: إنّما أنا شافع» فلو کان

مجرد العلو کافياً لما انفک طلبه من کون أمراً.

المبحث الثالث: في دلالة مادة الأمر علي الوجوب

إذا طلب المولي من عبده شيئاً بلفظ الأمر کأن يقول: آمرک بکذا، فهل يدل کلامه علي الوجوب أو لا؟

الظاهر هو الأوّل، لأنّ السامع ينتقل من سماع لفظ الأمر إلي لزوم الامتثال الذي يعبّر عنه بالوجوب، و يُؤيَّد هذا الانسباق و التبادر بالآيات التالية:

قوله سبحانه: (فَلْيَحْذَرِ الّذينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصيبَهُمْ عَذابٌ أَليم) (النور/63) حيث هدّد سبحانه علي مخالفة الأمر، و التهديد دليل الوجوب.

قوله سبحانه: (ما مَنَعَکَ أَلاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُکَ) (الأعراف/12) حيث ذمّ سبحانه إبليس لمخالفة الأمر، و الذم آية الوجوب.

قوله تعالي: (عَلَيْها مَلائِکَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ) (التحريم/6) حيث سمّي سبحانه مخالفة الأمر عصياناً، و الوصف بالعصيان دليل الوجوب.

مضافاً إلي ورد في قوله صلي الله عليه و آله وسلّم : «لولا أن أشُقّ علي أُمّتي لأمرتهم بالسوال». و لزوم المشقّة آية کونه مفيداً للوجوب إذ لا مشقّة في الاشتحباب

الفصل الثاني في هيئة الأمر

و فيه مباحث:

المبحث الأوّل: في بيان مفاد الهيئة

اختلف کلمة الأُصوليين في معني هيئة افعل علي أقوال منها:

انّها موضوعة للوجوب.

انّها موضوعة للندب.

انّها موضوعة للجامع بين الوجوب و الندب، أي الطلب إلي غير ذلک.

والحقّ انّها موضوعة لإنشاء البعث إلي إيجاد متعلّقه و يدلّ عليه التبادر والانسباق، فقول المولي لعبده: اذهب إلي السوق و اشتر اللحم عبارة أُخري عن بعثه إلي الذهاب و شراء اللحم.

ثمّ إنّ بعث العبد إلي الفعل قد يکون بالإشارة باليد، کما إذا أشار المولي بيده إلي خروج العبد و ترکه المجلس، و أُخري بلفظ الأمر کقوله: اخرج، فهيئة افعل في الصورة الثانية ثائمة مقام الإشارة باليد، فکما أنّ الإشارشة باليد تفيد البعث إلي المطلوب، فهکذا القائم مقامها من صيغة افعل، و إنّما الاختلاف في کيفية الدلالة،

فدلالة الهيئة علي إنشاء البعث لفظية بخلاف دلالة الأُولي.

سؤال: انّ هيئة افعل و إن کانت تستعمل في البعث کقوله سبحانه: (وَأَقِيمُوا الصَّلاة وَ آتُوا الزَّکاة) (البقرة/43) أو قوله: (أَوفُوا بِالعُقود) (المائدة/1 ) و لکن ربما تستعمل في غير البعث أيضاً:

کالتعجيز مثل قوله سبحانه: (وَ إِنْ کُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّا نَزَّلنا عَلي عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ (البقرة/23.

والتمنّي کقول الشاعر: ألا أيّها الليل الطـويـل ألا انجلي بصبح و مـا الإصبـاح منک بأمثل

إلي غير ذلک من المعاني المختلفة المغايرة للبعث. فيلزم أن تکون الهيئة مشترکة بين المعاني المختلفة من البعث و التعجيز و التمنّي.

الجواب: انّ هيئة افعل قد استعملت في جميع الموارد في البعث إلي المتعلّق والاختلاف إنّما هو في الدواعي، فتارة يکون الداعي من وراء البعث هو إيجاد المتعلّق في الخارج، و أُخري يکون الداعي هو التعجيز، و ثالثة التمني، و رابعة هو الإنذار کقوله: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَي الله عَمَلَکُمْ وَ رسُولُهُ وَ المُؤْمِنُونَ) (التوبة/105) إلي غير ذلک من الدواعي، ففي جميع الموارد يکون المستعمل فيه واحداً و إنّما الاختلاف في الدواعي من وراء إنشائه.


ادامه نوشته

اصول فقه

کفاية الاصول - قسمت پنجم

بحرام بلا كلام ، إلّا إنّه إذا لم يكن الاضطرار إليه بسوء الاختيار ، بأن يختار ما يؤدي إليه لا محالة ، فإن الخطاب بالزجر عنه حينئذ ، وأنّ كان ساقطاً ، إلّا إنّه حيث يصدر عنه مبغوضاً عليه وعصياناً لذاك الخطاب ومستحقاً عليه العقاب ، لا يصلح لأن يتعلق بها الإِيجاب ، وهذا في الجملة مما لا شبهة فيه ولا ارتياب.
وإنما الإِشكال فيما إذا كان ما اضطر إليه بسوء اختياره ، مما ينحصر به التخلص عن محذور الحرام ، كالخروج عن الدار المغصوبة فيما إذا توسطها بالاختيار في كونه منهياً عنه ، أو مأموراً به ، مع جريان حكم المعصية عليه ، أو بدونه ، فيه أقوال ، هذا على الامتناع.
وأما على القول بالجواز ، فعن أبي هاشم (1) إنّه مأمور به ومنهي عنه ، واختاره الفاضل القمي (2) ، ناسبا له إلى أكثر المتأخرين وظاهر الفقهاء.
والحق إنّه منهي عنه بالنهي السابق الساقط بحدوث الاضطرار إليه ، وعصيان له بسوء الاختيار ، ولا يكاد يكون مأموراً به ، كما إذا لم يكن هناك توقف (3) عليه ، أو بلا انحصار به ، وذلك ضرورة إنّه حيث كان قادراً على ترك
__________________
1 ـ راجع شرح مختصر الأصول / 94.
هو أبو هاشم عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبّائي ، ولد عام 247 ه‍ من أبناء ابان مولى عثمان ، عالم بالكلام ، من كبار المعتزلة ، له آراء انفرد بها وتبعته فرقة سميّت « البهشمية » نسبة إلى كنيته أبي هاشم وله مصنفات منها : « الشامل » في الفقه و « تذكرة العالم » و « العدة » في الأصول مات سنة 321 ه‍. « الأعلام للزركلي 4 / 7 ».
2 ـ قوانين الأصول 1 / 153 ، في التنبيه الثّاني ، من قانون دلالة النهي على الفساد.
3 ـ لا يخفى إنّه لا توقف ها هنا حقيقة ، بداهة أن الخروج إنّما هو مقدّمة للكون في خارج الدار ، لا مقدّمة لترك الكون فيها الواجب ، لكونه ترك الحرام ، نعم بينهما ملازمة لأجل التضاد بين الكونين ، ووضوح الملازمة بين وجود الشيء وعدم ضدّه ، فيجب الكون في خارج الدار عرضاً ، لوجوب ملازمه حقيقة ، فيجب مقدمته كذلك ، وهذا هو الوجه في المماشاة والجري على أن مثل الخروج يكون مقدّمة لما هو الواجب من ترك الحرام ، فافهم. ( منه 1 ). 
 
الحرام رأساً ، لا يكون عقلاً معذوراً في مخالفته فيما اضطر إلى ارتكابه بسوء اختياره ، ويكون معاقبا عليه ، كما إذا كان ذلك بلا توقف عليه ، أو مع عدم الانحصار به ، ولا يكاد يجدي توقف انحصار التخلص عن الحرام به ، لكونه بسوء الاختيار.
إن قلت : كيف لا يجديه ، ومقدمة الواجب واجبة؟
قلت : إنّما تجب المقدمة لو لم تكن محرمة ، ولذا لا يترشح الوجوب من الواجب إلّا على ما هو المباح من المقدّمات دون المحرمة مع اشتراكهما في المقدمية.
وإطلاق الوجوب بحيث ربما يترشح منه الوجوب عليها مع انحصار المقدمة بها ، إنّما هو فيما إذا كان الواجب أهم من ترك المقدمة المحرمة ، والمفروض هاهنا وأنّ كان ذلك إلّا إنّه كان بسوء الاختيار ، ومعه لا يتغير عما هو علهى من الحرمة والمبغوضية ، وإلاّ لكانت الحرمة معلقة على إرادة المكلف واختياره لغيره ، وعدم حرمته مع اختياره له ، وهو كما ترى ، مع إنّه خلاف الفرض ، وأنّ الاضطرار يكون بسوء الاختيار.
إن قلت (1) : إن التصرف في أرض الغير بدون إذنه بالدخول والبقاء حرام ، بلا إشكال ولا كلام ، وأما التصرف بالخروج الذي يترتب عليه رفع الظلم ، ويتوقف عليه التخلص عن التصرف الحرام ، فهو ليس بحرام في حال من الحالات ، بل حاله حال مثل شرب الخمر ، المتوقف عليه النجاة من الهلاك في الاتصاف بالوجوب في جميع الأوقات.
__________________
1 ـ إشارة إلى مختار الشيخ ( قده ) مطارح الأنظار / 155 ، الهداية 6 من القول في جواز اجتماع الأمر والنهي. 
 
ومنه ظهر المنع عن كون جميع انحاء التصرف في أرض الغير مثلاً حراماً قبل الدخول ، وإنّه يتمكن من ترك الجميع حتى الخروج ، وذلك لإنّه لو لم يدخل لما كان متمكناً من الخروج وتركه ، وترك الخروج بترك الدخول رأساً ليس في الحقيقة إلّا ترك الدخول ، فمن لم يشرب الخمر ، لعدم وقوعه في المهلكة التي يعالجها به مثلاً ، لم يصدق عليه إلّا إنّه لم يقع في المهلكة ، لا إنّه ما شرب الخمر فيها ، إلّا على نحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع ، كما لا يخفى.
وبالجملة لا يكون الخروج ـ بملاحظة كونه مصداقاً للتخلص عن الحرام أو سبباً له ـ إلّا مطلوباً ، ويستحيل أن يتصف بغير المحبوبية ، ويحكم عليه بغير المطلوبية.
قلت : هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال على كون ما انحصر به التخلص مأموراً به ، وهو موافق لما أفاده شيخنا العلامة أعلى الله مقامه ، على ما في تقريرات بعضٍ الاجلة (1) ، لكنه لا يخفى أن ما به التخلص عن فعل الحرام أو ترك الواجب ، إنّما يكون حسناً عقلاً ومطلوباً شرعاً بالفعل ، وأنّ كان قبيحاً ذاتاً إذا لم يتمكن المكلف من التخلص بدونه ، ولم يقع بسوء اختياره ، امّا في الاقتحام في ترك الواجب أو فعل الحرام ، وإما في الاقدام على ما هو قبيح وحرام ، لولا [ أن ] (2) به التخلص بلا كلام كما هو المفروض في المقام ، ضرورة تمكنه منه قبل اقتحامه فيه بسوء اختياره.
وبالجملة كان قبل ذلك متمكناً من التصرف خروجاً ، كما يتمكن منه دخولاً ، غاية الأمر يتمكن منه بلا واسطة ، ومنه بالواسطة ، ومجرد عدم التمكن منه إلّا بواسطة لا يخرجه عن كونه مقدوراً ، كما هو الحال في البقاء ، فكما يكون تركه مطلوباً في جميع الأوقات ، فكذلك الخروج ، مع إنّه مثله في
__________________
1 ـ مطارح الأنظار / 155. الهداية 6 ، من القول في جواز اجتماع الأمر والنهي.
2 ـ اثبتناها من بعضٍ النسخ المطبوعة. 
 
الفرعية على الدخول ، فكما لا تكون الفرعية مانعة عن مطلوبيّته قبله وبعده ، كذلك لم تكن مانعة عن مطلوبيّته ؛ وأنّ كان العقل يحكم بلزومه إرشاداً إلى اختيار أقل المحذورين وأخف القبيحين.
ومن هنا ظهر حال شرب الخمر علاجاُ وتخلصاً عن المهلكة ، وإنّه إنّما يكون مطلوباً على كلّ حال لو لم يكن الاضطرار إليه بسوء الاختيار ، وإلاّ فهو على ما هو عليه من الحرمة ، وأنّ كان العقل يلزمه إرشاداً إلى ما هو أهم وأولى بالرعاية من تركه ، لكون الغرض فيه أعظم ، [ فـَ ] (1) من ترك الاقتحام فيما يؤدي إلى هلاك النفس ، أو شرب الخمر ، لئلا يقع في أشد المحذورين منهما ، فيصدق إنّه تركهما ، ولو بتركه ما لو فعله لادي لا محالة إلى أحدهما ، كسائر الأفعال التوليدية ، حيث يكون العمد إليها بالعمد إلى اسبابها ، واختيار تركها بعدم العمد إلى الأسباب. وهذا يكفي في استحقاق العقاب على الشرب للعلاج ، وأنّ كان لازماً عقلاً للفرار عما هو أكثر عقوبة.
ولو سلّم عدم الصدق إلّا بنحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع ، فهو غير ضائر بعد تمكنه من الترك ، ولو على نحو هذه السالبة ، ومن الفعل بواسطة تمكنه مما هو من قبيل الموضوع في هذه السالبة ، فيوقع نفسه بالاختيار في المهلكة ، أو يدخل الدار فيعالج بشرب الخمر ويتخلص بالخروج ، أو يختار ترك الدخول والوقوع فيهما (2) ، لئلا يحتاج إلى التخلص والعلاج.
إن قلت : كيف يقع مثل الخروج والشرب ممنوعا عنه شرعاً ومعاقباً عليه عقلاً ، مع بقاء ما يتوقف عليه على وجوبه ، و [ وضوح ] (3) سقوط الوجوب مع امتناع المقدمة المنحصرة ، ولو كان بسوء الاختيار ، والعقل قد استقل بان
__________________
1 ـ أثبتناه من بعضٍ النسخ المطبوعة.
2 ـ في « ب » : فيها.
3 ـ أثبتناها من هامش « ب » المصححة. 
 
الممنوع شرعاً كالممتنع عادةً أو عقلاً.
قلت : أولاً : إنّما كان الممنوع كالممتنع ، إذا لم يحكم العقل بلزومه إرشاداً إلى ما هو أقل المحذورين ، وقد عرفت لزومه بحكمه ، فإنّه مع لزوم الإِتيان بالمقدمة عقلاً ، لا بأس في بقاء ذي المقدمة على وجوبه ، فإنّه حينئذ ليس من التكليف بالممتنع ، كما إذا كانت المقدمة ممتنعة.
وثانياً : لو سلّم ، فالساقط إنّما هو الخطاب فعلاً بالبعث والإِيجاب لا لزوم إتيإنّه عقلاً ، خروجاً عن عهدة ما تنجز عليه سابقاً ، ضرورة إنّه لو لم يأت به لوقع في المحذور الاشد ونقض الغرض الأهم ، حيث إنّه الآن كما كان عليه من الملاك والمحبوبية ، بلا حدوث قصور أو طروء فتور فيه أصلاً ، وإنما كان سقوط الخطاب لأجل المانع ، وإلزام العقل به لذلك إرشاداً كافٍ ، لا حاجة معه إلى بقاء الخطاب بالبعث إليه والإِيجاب له فعلاً ، فتدبرّ جيداً.
وقد ظهر مما حققناه فساد القول بكونه مأموراً به ، مع إجراء حكم المعصية عليه نظراً إلى النهي السابق ، مع ما فيه من لزوم اتصاف فعل واحد بعنوان واحد بالوجوب والحرمة ، ولا يرتفع غائلته باختلاف زمان التحريم والإِيجاب ، قبل الدخول وبعده ، كما في الفصول (1) ، مع اتحاد زمان الفعل المتعلق لهما ، وإنما المفيد اختلاف زمإنّه ولو مع اتحاد زمانهما ، وهذا أوضح من أن يخفى ، كيف؟ ولازمه وقوع الخروج بعد الدخول ، عصياناً للنهي السابق ، وإطاعة للأمر اللاحق فعلاً ، ومبغوضاً ومحبوباً كذلك بعنوان واحد ، وهذا مما لا يرضى به القائل بالجواز ، فضلاً عن القائل بالامتناع.
كما لا يجدي في رفع هذه الغائلة ، كون النهي مطلقاً وعلى كلّ حال ، وكون الأمر مشروطاً بالدخول ، ضرورة منافاة حرمة شيء كذلك ، مع وجوبه
__________________
1 ـ الفصول / 138 ، الفصل الرابع من فصول النهي. 
 
في بعضٍ الأحوال.
وأما القول (1) بكونه مأموراً به ومنهيا عنه ، ففيه ـ مضافاً إلى ما عرفت من امتناع الاجتماع فيما إذا كان بعنوانين ، فضلاً عما إذا كان بعنوان واحد كما في المقام ، حيث كان الخروج بعنوإنّه سبباً للتخلص ، وكان بغير إذن المالك ، وليس التخلص إلّا منتزعا عن ترك الحرام المسبب (2) عن الخروج ، لا عنواناً له ـ أن الاجتماع ها هنا لو سلّم إنّه لا يكون بمحال ، لتعدد العنوان ، وكونه مجدياً في رفع غائلة التضاد ، كان محالاً لأجل كونه طلب المحال ، حيث لا مندوحة هنا ، وذلك لضرورة عدم صحة تعلق الطلب والبعث حقيقة بما هو واجب أو ممتنع ، ولو كان الوجوب أو الامتناع بسوء الاختيار ، وما قيل أنَّ الامتناع أو الإِيجاب بالاختيار لا ينافي الاختيار ، إنّما هو في قبال استدلال الأشاعرة للقول بأن الأفعال غير اختيارية ، بقضية أنَّ الشيء ما لم يجب لم يوجد.
فانقدح بذلك فساد الاستدلال لهذا القول ، بأن الأمر بالتخلص والنهي عن الغصب دليلان يجب إعمالهما ، ولا موجب للتقييد عقلاً ، لعدم استحالة كون الخروج واجباً وحراماً باعتبارين مختلفين ، إذ منشأ الاستحالة : امّا لزوم اجتماع الضدين وهو غير لازم ، مع تعدَّد الجهة ، وإما لزوم التكليف بما لا يطاق وهو ليس بمحال إذا كان مسبباً عن سوء الاختيار ، وذلك لما عرفت من
__________________
1 ـ راجع قوانين الأصول 1 / 140 ، قانون اجتماع الأمر والنهي.
2 ـ قد عرفت ـ مما علقت على الهامش ـ أن ترك الحرام غير مسبب عن الخروج حقيقة ، وإنما المسبب عنه إنّما هو الملازم له ، وهو الكون في خارج الدار ، نعم يكون مسبباً عنه مسامحة وعرضاً ، وقد انقدح بذلك إنّه لا دليل في البين إلّا على حرمة الغصب المقتضي لاستقلال العقل بلزوم الخروج ، من باب إنّه أقل المحذورين وإنّه لا دليل على وجوبه بعنوان آخر ، فحينئذ يجب إعماله أيضاً ، بناءً على القول بجواز الاجتماع كاحتمال [ كإعمال ] النهي عن الغصب ، ليكون الخروج مأموراً به ومنهيا عنه ، فافهم ( منه 1 ). 
 
ثبوت الموجب للتقييد عقلاً ولو كانا بعنوانين ، وأن اجتماع الضدين لازم ولو مع تعدَّد الجهة ، مع عدم تعددها هاهنا ، والتكليف بما لا يطاق محال على كلّ حال ، نعم لو كان بسوء الاختيار لا يسقط العقاب بسقوط التكليف بالتحريم أو الإِيجاب.
ثم لا يخفى إنّه لا إشكال في صحة الصلاة مطلقاً في الدار المغصوبة على القول بالاجتماع ، وأما على القول بالامتناع ، فكذلك ، مع الاضطرار إلى الغصب ، لا بسوء الاختيار أو معه ولكنها وقعت في حال الخروج ، على القول بكونه مأموراً به بدون إجراء حكم المعصية (1) عليه ، أو مع غلبة ملاك الأمر على النهي مع ضيق الوقت ، امّا مع السعة فالصحة وعدمها مبنيان على عدم اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن الضد واقتضائه ، فإن الصلاة في الدار المغصوبة ، وأنّ كانت مصلحتها غالبة على ما فيها من المفسدة ، إلّا إنّه لا شبهة في أن الصلاة في غيرها تضادّها ، بناءً على إنّه لا يبقي مجال مع إحداهما للاخرى ، مع كونها أهمّ منها ، لخلوها من المنقصة الناشئة من قبل اتحادها مع الغصب ، لكنه عرفت عدم الاقتضاء بما لا مزيد عليه ، فالصلاة في الغصب اختياراً في سعة الوقت صحيحة ، وأنّ لم تكن مأموراً بها.
الأمر الثّاني : قد مرّ (2) ـ في بعضٍ المقدّمات ـ إنّه لا تعارض بين مثل خطاب ( صلّ ) وخطاب ( لا تغصب ) على الامتناع ، تعارض الدليلين بما هما دليلان حاكيان ، كي يقدم الأقوى منهما دلالة أو سنداً ، بل إنّما هو من باب
__________________
1 ـ اختاره الشيخ ( قده ) ، مطارح الأنظار / 153 ، وابن الحاجب ، راجع شرح مختصر الأصول 94.
2 ـ في الأمر التاسع من المقصد الثّاني في النواهي / 155. 
 
تزاحم المؤثرين والمقتضيين ، فيقدّم الغالب منهما ، وأنّ كان الدليل على مقتضى الآخر أقوى من دليل مقتضاه ، هذا فيما إذا أحرز الغالب منهما ، وإلاّ كان بين الخطابين تعارض ، فيقدّم الأقوى منهما دلالة أو سنداً ، وبطريق الإنّ يحرز به أن مدلوله أقوى مقتضياً ، هذا لو كان كلّ من الخطابين متكفلاً لحكم فعلّي ، وإلاّ فلا بدّ من الأخذ بالمتكفل لذلك منهما لو كان ، وإلاّ فلا محيص عن الانتهاء إلى ما تقتضيه الأصول العملية.
ثم لا يخفى (1) أن ترجيح أحد الدليلين وتخصيص الآخر به في المسألة لا يوجب خروج مورد الاجتماع عن تحت الآخر رأساً ، كما هو قضية التقييد والتخصيص في غيرها مما لا يحرز فيه المقتضي لكلا الحكمين ، بل قضيته ليس إلّا خروجه فيما كان الحكم الذي هو مفاد الآخر فعلّياً ، وذلك لثبوت المقتضي في كلّ واحد من الحكمين فيها ، فإذا لم يكن المقتضي لحرمة الغصب مؤثراً لها ، لاضطرار أو جهل أو نسيان ، كان المقتضي لصحة الصلاة مؤثراً لها فعلاً ، كما إذا لم يكن دليل الحرمة أقوى ، أو لم يكن واحد من الدليلين د إلّا على الفعلية أصلاً.
فانقدح بذلك فساد الإِشكال في صحة الصلاة في صورة الجهل أو النسيان ونحوهما ، فيما إذا قدم خطاب ( لا تغصب ) كما هو الحال فيما إذا كان الخطابان من أول الأمر متعارضين ، ولم يكونا من باب الاجتماع أصلاً ؛ وذلك لثبوت المقتضي في هذا الباب كما إذا لم يقع بينهما تعارض ، ولم يكونا متكلفين للحكم الفعلّي ، فيكون وزان التخصيص في مورد الاجتماع وزان التخصيص العقلي الناشىء من جهة تقديم أحد المقتضيين وتأثيره فعلاً المختص بما إذا لم يمنع عن
__________________
1 ـ هذا ردّ على الشيخ (1) ، مطارح الأنظار / 152. 
 
تأثيره مانع ، المقتضي لصحة مورد الاجتماع مع الأمر ، أو بدونه فيما كان هناك مانع عن تأثير المقتضي للنهي له ، أو عن فعليته ، كما مرّ تفصيله.
وكيف كان ، فلا بدّ في ترجيح أحد الحكمين من مرجح ، وقد ذكروا لترجيح النهي وجوها :
منها : إنّه أقوى دلالة ، لاستلزامه انتفاء جميع الأفراد ، بخلاف الأمر.
وقد أُورد عليه بأن ذلك فيه من جهة إطلاق متعلقه بقرينة الحكمة ، كدلالة الأمر على الاجتزاء بأي فرد كان.
وقد أورد عليه بإنّه لو كان العموم المستفاد من النهي بالإِطلاق بمقدمات الحكمة ، وغير مستند إلى دلالته عليه بالالتزام ، لكان استعمال مثل ( لا تغصب ) في بعضٍ أفراد الغصب حقيقة ، وهذا واضح الفساد ، فتكون دلالته على العموم من جهة أن وقوع الطبيعة في حيز النفي أو النهي ، يقتضي عقلاً سريان الحكم إلى جميع الأفراد ، ضرورة عدم الانتهاء عنها أو انتفائها ، إلّا بالانتهاء عن الجميع أو انتفائه.
قلت : دلالتها على العموم والاستيعاب ظاهراً مما لا ينكر ، لكنه من الواضح أن العموم المستفاد منهما كذلك ، إنّما هو بحسب ما يراد من متعلقهما ، فيختلف سعة وضيقاً ، فلا يكاد يدلّ على استيعاب جميع الأفراد ، إلّا إذا أُريد منه الطبيعة مطلقة وبلا قيد ، ولا يكاد يستظهر ذلك مع عدم دلالته (1) عليه بالخصوص ، إلّا بالإِطلاق وقرينة الحكمة ، بحيث لو لم يكن هناك قرينتها بأن يكون الإِطلاق في غير مقام البيان ، لم يكد يستفاد استيعاب أفراد الطبيعة ، وذلك لا ينافي دلالتهما على استيعاب أفراد ما يراد من المتعلق ، إذ الفرض عدم الدلالة على إنّه المقيد أو المطلق.
__________________
1 ـ الظاهر أن أصل العبارة : عدم دلالة ، ( حقائق الأصول 1 / 412 ). 
 
اللهم إلّا أن يقال : إن في دلالتهما على الاستيعاب كفاية ودلالة على أن المراد من المتعلق هو المطلق ، كما ربما يَّدعى ذلك في مثل ( كلّ رجل ) ، وأنّ مثل لفظة ( كلّ ) تدلّ على استيعاب جميع أفراد الرجل من غير حاجة إلى ملاحظة إطلاق مدخوله وقرينة الحكمة ، بل يكفي إرادة ما هو معناه من الطبيعة المهملة ولا بشرط في دلالته على الاستيعاب وأنّ كان لا يلزم مجاز أصلاً ، لو أُريد منه خاص بالقرينة ، لا فيه لدلالته على استيعاب أفراد ما يراد من المدخول ، ولا فيه إذا كان بنحو تعدَّد الدالّ والمدلول ، لعدم استعماله إلّا فيما وضع له ، والخصوصية مستفادة من دالً آخر ، فتدبر.
ومنها : إنَّ دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة.
وقد أورد عليه في القوانين (1) ، بإنّه مطلقاً ممنوع ، لأن في ترك الواجب أيضاً مفسدة إذا تعيّن.
ولا يخفى ما فيه ، فإن الواجب ولو كان معيناً ، ليس إلّا لأجل أنَّ في فعله مصلحة يلزم استيفاؤها من دون أن يكون في تركه مفسدة ، كما أنَّ الحرام ليس إلّا لأجل المفسدة في فعله بلا مصلحة في تركه.
ولكن يرد عليه أنَّ الأولوية مطلقاً ممنوعة ، بل ربما يكون العكس أولى ، كما يشهد به مقايسة فعل بعضٍ المحرمات مع ترك بعضٍ الواجبات ، خصوصا مثل الصلاة وما يتلو تلوها.
ولو سلّم فهو أجنبي عن المقام (2) ، فإنّه فيما إذا دار بين الواجب والحرام.
__________________
1 ـ قوانين الأصول 1 / 153 ، في قانون اجتماع الأمر والنهي.
2 ـ فإن الترجيح به إنّما يناسب ترجيح المكلف واختياره للفعل أو الترك ، بما هو أوفق بغرضه ، لا المقام وهو مقام جعل الأحكام ، فإن المرجح هناك ليس إلّا حسنها أو قبحها العقليان ، لا موافقة الاغراض ومخالفتها ، كما لا يخفى ، تأمل تعرف ( منه 1 ). 
 
ولو سلّم فإنما يجدي فيما لو حصل به القطع.
ولو سلّم إنّه يجدي ولو لم يحصل ، فإنما يجري فيما لا يكون هناك مجال لأصالة البراءة أو الإِشتغال ، كما في دوران الأمر بين الوجوب والحرمة التعيينيين ، لا فيما تجري ، كما في محلّ الاجتماع ، لأصالة البراءة عن حرمته فيحكم بصحته ، ولو قيل بقاعدة الإِشتغال في الشك في الإِجزاء والشرائط فإنّه لا مانع عقلاً إلّا فعلية الحرمة المرفوعة بأصالة البراءة عنها عقلاً ونقلاً.
نعم لو قيل (1) بأن المفسدة الواقعية الغالبة مؤثرة في المبغوضية ولو لم يكن الغلبة بمحرزة ، فأصالة البراءة غير جارية ، بل كانت أصالة الإِشتغال بالواجب لو كان عبادة محكمة ، ولو قيل بأصالة البراءة في الإِجزاء والشرائط ، لعدم تأتي قصد القربة مع الشك في المبغوضية ، فتأمل.
ومنها : الاستقراء ، فإنّه يقتضي ترجيح جانب الحرمة على جانب الوجوب ، كحرمة الصلاة في أيام الاستظهار ، وعدم جواز الوضوء من الإِناءين المشتبهين.
__________________
1 ـ كما هو غير بعيد كله بتقريب أن إحراز المفسدة والعلم بالحرمة الذاتية كافٍ في تأثيرها بما لها من المرتبة ، ولا يتوقف تأثيرها كذلك على إحرازها بمرتبتها ، ولذا كان العلم بمجرد حرمة شيء موجباً لتنجز حرمته ، على ما هي عليه من المرتبة ولو كانت في أقوى مراتبها ، ولاستحقاق العقوبة الشديدة على مخالفتها حسب شدتها ، كما لا يخفى. هذا ، لكنه إنّما يكون إذا لم يحرز أيضاً ما يحتمل أن يزاحمها ويمنع عن تأثيرها المبغوضية ، وأما معه فيكون الفعل كما إذا لم يحرز إنّه ذو مصلحة أو مفسدة مما لا يستقل العقل بحسنه أو قبحه ، وحينئذ يمكن أن يقال بصحته عبادة لو أتى به بداعي الأمر المتعلق بما يصدق عليه من الطبيعة ، بناءً على عدم اعتبارٍ أزيد من إتيان العمل قربيّاً في العبادة ، وامتثالاً للأمر بالطبيعة ، وعدم اعتبارٍ كونه ذاتاً راجحاً ، كيف ويمكن أن لا يكون جل العبادات ذاتاً راجحاً ، بل إنّما يكون كذلك فيما إذا أتى بها على نحو قربي ، نعم المعتبر في صحته عبادة ، إنّما هو أن لا يقع منه مبغوضاً عليه ، كما لا يخفى ، وقولنا : ( فتأمل ) إشارة إلى ذلك منه (1). 
 
وفيه : إنّه لا دليل على اعتبارٍ الاستقراء ، ما لم يفد القطع.
ولو سلّم فهو لا يكاد يثبت بهذا المقدار.
ولو سلّم فليس حرمة الصلاة في تلك الأيام ، ولا عدم جواز الوضوء منهما مربوطاً بالمقام ، لأن حرمة الصلاة فيها إنّما تكون لقاعدة الإِمكان والاستصحاب المثبتين لكون الدم حيضاً ، فيحكم بجميع أحكامه ، ومنها حرمة الصلاة عليها لا لأجل تغليب جانب الحرمة كما هو الُمدَّعى ، هذا لو قيل بحرمتها الذاتية في أيام الحيض ، وإلاّ فهو خارج عن محلّ الكلام.
ومن هنا انقدح إنّه ليس منه ترك الوضوء من الإِناءين ، فإن حرمة الوضوء من الماء النجس ليس إلّا تشريعيا ، ولا تشريع فيما لو توضّأ منهما احتياطاً ، فلا حرمة في البين غلب جانبها ، فعدم جواز الوضوء منهما ولو كذلك ، بل إراقتهما كما في النص (1) ، ليس إلّا من باب التعبد ، أو من جهة الابتلاء بنجاسة البدن ظاهراً بحكم الاستصحاب ، للقطع بحصول النجاسة حال ملاقاة المتوضئ من الاناء الثانية ، امّا بملاقاتها ، أو بملاقاة الأولى ، وعدم استعمال مطهر بعده ، ولو طهر بالثانية مواضع الملاقاة بالأولى.
نعم لو طهرت على تقدير نجاستها بمجرد ملاقاتها ، بلا حاجة إلى التعدد وانفصال الغسالة لا يعلم تفصيلا بنجاستها ، وأنّ علم بنجاستها حين ملاقاة الأولى أو الثانية إجمالاً ، فلا مجال لاستصحابها بل كانت قاعدة الطهارة محكمة.
الأمر الثالث : الظاهر لحوق تعدَّد الإِضافات ، بتعدد العنوانات والجهات ، في إنّه لو كان تعدَّد الجهة والعنوان كافياً مع وحدة المعنون وجوداً ، في جواز الاجتماع ، كان تعدَّد الإِضافات مجدياً ، ضرورة إنّه يوجب أيضاً
__________________
1 ـ التهذيب 1 / الباب 11 ، باب تطهير المياه من النجاسات ، الحديث 43 ـ 44 ..  

 
اختلاف المضاف بها بحسب المصلحة والمفسدة والحسن والقبح عقلاً ، وبحسب الوجوب والحرمة شرعاً ، فيكون مثل ( أَكرم العلماء ) و ( لا تكرم الفساق ) من باب الاجتماع ك ( صلّ ) و ( لا تغصب ) لا من باب التعارض ، إلّا إذا لم يكن للحكم في أحد الخطابين في مورد الاجتماع مقتض ، كما هو الحال أيضاً في تعدَّد العنوانين ، فما يتراءى منهم من المعاملة مع مثل ( أَكرم العلماء ) و ( لا تكرم الفساق ) معاملة تعارض العموم من وجه ، إنّما يكون بناءً على الامتناع ، أو عدم المقتضي لاحد الحكمين في مورد الاجتماع.
فصل
في أن النهي عن الشيء ، هل يقتضي فساده أم لا؟
وليقدم أمور :
الأول : إنّه قد عرفت في المسألة السابقة الفرق بينها وبين هذه المسألة ، وإنّه لا دخل للجهة المبحوث عنها في إحداهما ، بما هو جهة البحث في الأخرى ، وأنّ البحث في هذه المسألة في دلالة النهي بوجه يأتي تفصيله على الفساد بخلاف تلك المسألة ، فإن البحث فيها في أن تعدَّد الجهة يجدي في رفع غائلة اجتماع الأمر والنهي في مورد الاجتماع أم لا؟
الثاني : إنّه لا يخفى أن عد هذه المسألة من مباحث الألفاظ ، إنّما هو لأجل إنّه في الأقوال قول بدلالته على الفاسد في المعاملات ، مع إنكار الملازمة بينه وبين الحرمة التي هي مفاده فيها ، ولا ينافي ذلك أن الملازمة على تقدير ثبوتها في العبادة إنّما تكون بينه وبين الحرمة ولو لم تكن مدلولة بالصيغة ، وعلى تقدير عدمها تكون منتفية بينهما ، لإمكان أن يكون البحث معه في دلالة الصيغة ، بما تعم دلالتها بالالتزام ، فلا تقاس بتلك المسألة التي لا يكاد يكون لدلالة اللفظ بها مساس ، فتأمل جيداً. 
 
الثالث : ظاهر لفظ النهي وأنّ كان هو النهي التحريمي ، إلّا أن ملاك البحث يعم التنزيهي ، ومعه لا وجه لتخصيص العنوان (1) ، واختصاص عموم ملاكه بالعبادات لا يوجب التخصيص به ، كما لا يخفى.
كما لا وجه لتخصيصه بالنفسي ، فيعم الغيري إذا كان أصليا ، وأما إذا كان تبعيا ، فهو وأنّ كان خارجاً عن محلّ البحث ، لما عرفت إنّه في دلالة النهي والتبعي منه من مقولة المعنى ، إلّا إنّه داخل فيما هو ملاكه ، فإن دلالته على الفساد على القول به فيما لم يكن للإِرشاد إليه ، إنّما يكون لدلالته على الحرمة ، من غير دخل لاستحقاق العقوبة على مخالفته في ذلك ، كما توهمه القمي (2) 1 ويؤيّد ذلك إنّه جعل ثمرة النزاع في أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه ، فساده إذا كان عبادة ، فتدبرّ جيداً.
الرابع : ما يتعلق به النهي ، امّا أن يكون عبادة أو غيرها ، والمراد بالعبادة ـ هاهنا ـ ما يكون بنفسه وبعنوإنّه عبادة له تعالى ، موجباً بذاته للتقرب من حضرته لولا حرمته ، كالسجود والخضوع والخشوع له وتسبيحه وتقديسه ، أو ما لو تعلق الأمر به كان أمره أمراً عبادياً ، لا يكاد يسقط إلّا إذا أُتى به بنحو قربى ، كسائر أمثاله ، نحو صوم العيدين والصلاة في أيام العادة ، لا ما أمر به
__________________
1 ـ ذهب إليه الشيخ ( قده ) ، مطارح الأنظار / 157.
2 ـ قوانين الأصول 1 / 102. في المقدمة السادسة.
هو ابو القاسم ابن المولى محمد حسن الجيلاني المعروف بالميرزا القمي. تولد سنة 1151 في جابلق ، فرغ من تشييد مقدمات الكمال في قم ، ثم انتقل إلى خونسار فاشتغل على المحقق الامير سيد حسين ثم توجه إلى العتبات العاليات ، تتلمذ عند العلامة المروج فاجاز له في الرواية والاجتهاد ، له مؤلفات كثيرة منها « القوانين » و « الغنائم » و « المناهج ». توفي سنة 1231 ( روضات الجنات 5 / 369 رقم 547 ). 
 
لاجل التعبد به (1) ، ولا ما يتوقف صحته على النية (2) ، ولا ما لا يعلم انحصار المصلحة فيها في شيء (3) ، كما عرفّ بكل منها العبادة ، ضرورة إنّها بواحد منها ، لا يكاد يمكن أن يتعلق بها النهي ، مع ما أورد عليها بالانتقاض طرداً أو عكساً ، أو بغيره ، كما يظهر من مراجعة المطّولات (4) ، وأنّ كان الإِشكال بذلك فيها في غير محله ، لأجل كون مثلها من التعريفات ، ليس بحد ولا برسم ، بل من قبيل شرح الاسم ، كما نبهنا عليه غير مرة ، فلا وجه لإِطالة الكلام بالنقض والإِبرام في تعريف العبادة ، ولا في تعريف غيرها كما هو العادة.
الخامس : إنّه لا يدخل في عنوان النزاع إلّا ما كان قابلاً للاتصاف بالصحة والفساد ، بأن يكون تارةً تاماً يترتب عليه ما يترقب عنه من الأثر ، وأخرى لا كذلك ، لاختلال بعضٍ ما يعتبر في ترتبه ، امّا ما لا أثر له شرعاً ، أو كان أثره مما لا يكاد ينفك عنه ، كبعض أسباب الضمان ، فلا يدخل في عنوان النزاع ، لعدم طروء الفساد عليه كي ينازع في أن النهي عنه يقتضيه أو لا ، فالمراد بالشيء في العنوان هو العبادة بالمعنى الذي تقدم ، والمعاملة بالمعنى الأعم ، مما يتصف بالصحة والفساد ، عقداً كان أو إيقاعاً أو غيرهما ، فافهم.
السادس : إن الصحة والفساد وصفان إضافيان يختلفان بحسب الآثار والانظار ، فربما يكون شيء واحد صحيحاً بحسب أثر أو نظر ، وفاسداً بحسب آخر ، ومن هنا صحّ أن يقال : إن الصحة في العبادة والمعاملة لا تختلف ، بل فيهما بمعنى واحد وهو التمامية ، وإنما الاختلاف فيما هو المرغوب منهما من الآثار
__________________
1 ـ اختاره الشيخ ( قده ) مطارح الأنظار / 158 ، في الأمر الثالث.
2 ـ مال إليه المحقق القمي ، قوانين الأصول 1 / 154 ، في المقدمة الأولى.
3 ـ يزين الرب تلمحقق القمي أيضاً ، المصدر السابق.
4 ـ راجع مطارح الأنظار 158 ، والفصول / 139. 
 
التي بالقياس عليها تتصف بالتمامية وعدمها ، وهكذا الاختلاف بين الفقيه والمتكلم في صحة العبادة ، إنّما يكون لأجل الاختلاف فيما هو المهمّ لكلّ منهما من الأثر ، بعد الاتفاق ظاهراً على إنّها بمعنى التمامية ، كما هي معناها لغةً وعرفاً. فلما كان غرض الفقيه ، هو وجوب القضاء ، أو الإِعادة ، أو عدم الوجوب ، فسّر صحة العبادة بسقوطهما ، وكان غرض المتكلم هو حصول الامتثال الموجب عقلاً لاستحقاق المثوبة ، فسرها بما يوافق الأمر تارةً ، وبما يوافق الشريعة أُخرى.
وحيث إِنّ الأمر في الشريعة يكون على أقسام : من الواقعي الأولى ، والثانوي ؛ والظاهري ، والانظار تختلف في أن الأخيرين يفيدان الإِجزاء أو لا يفيدان ، كان الإِتيان بعبادة موافقة الأمر ومخالفة لآخر ، أو مسقطاً للقضاء والإِعادة بنظر ، وغير مسقط لهما بنظر آخر ، فالعبادة الموافقة للأمر الظاهري ، تكون صحيحة عند المتكلم والفقيه ، بناءً على أن الأمر في تفسير الصحة بموافقة الأمر أعم من الظاهري ، مع اقتضائه للإِجزاء ، وعدم اتصافها بها عند الفقيه بموافقته ، بناءً على عدم الإِجزاء ، وكونه مراعى بموافقة الأمر الواقعي [ و ] (1) عند المتكلم ، بناءً على كون الأمر في تفسيرها خصوص الواقعي.
تنبيه : وهو إنّه لا شبهة في أن الصحة والفساد عند المتكلم ، وصفان اعتباريان ينتزعان من مطابقة المأتيّ به مع المأمور به وعدمها ، وأما الصحة بمعنى سقوط القضاء والإِعادة عند الفقيه ، فهي من لوازم الإِتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي الأولي عقلاً ، حيث لا يكاد يعقل ثبوت الإِعادة أو القضاء معه جزماً ، فالصحة بهذا المعنى فيه ، وأنّ كان ليس بحكم وضعي مجعول بنفسه أو بتبع تكليف ، إلّا إنّه ليس بأمر اعتباري ينتزع كما توهّم (2) ، بل مما يستقل به
__________________
1 ـ اثبتنا الزيادة من طبعة المشكيني.
2 ـ انظر مطارح الأنظار / 160 ، في تذنيب الهداية الأولى من القول في اقتضاء النهي للفساد. 
 
العقل ، كما يستقل باستحقاق المثوبة به وفي غيره ، فالسقوط ربما يكون مجعولاً ، وكان الحكم به تخفيفاً ومنةً على العباد ، مع ثبوت المقتضي لثبوتهما ، كما عرفت في مسألة الإِجزاء ، كما ربما يحكم بثبوتهما ، فيكون الصحة والفساد فيه حكمين مجعولين لا وصفين انتزاعيين.
نعم ، الصحة والفساد في الموارد الخاصة ، لا يكاد يكونان مجعولين ، بل إنّما هي تتصف بهما بمجرد الانطباق على ما هو المأمور به ، هذا في العبادات.
وأما الصحة في المعاملات ، فهي تكون مجعولة ، حيث كان ترتب الأثر على معاملة إنّما هو بجعل الشارع وترتيبه عليها ولو إمضاءً ، ضرورة إنّه لولا جعله ، لما كان يترتب عليه ، لأصالة الفساد.
نعم صحة كلّ معاملة شخصية وفسادها ، ليس إلّا لأجل انطباقها مع ما هو المجعول سبباً وعدمه ، كما هو الحال في التكليفية من الأحكام ، ضرورة أن اتصاف المأتيّ به بالوجوب أو الحرمة أو غيرهما ، ليس إلّا لانطباقه مع ما هو الواجب أو الحرام.
السابع : لا يخفى إنّه لا أصل في المسألة يعوّل عليه ، لو شك في دلالة النهي على الفساد. نعم ، كان الأصل في المسألة الفرعية الفساد ، لو لم يكن هناك إطلاق أو عموم يقتضي الصحة في المعاملة.
وأما العبادة فكذلك ، لعدم الأمر بها مع النهي عنها ، كما لا يخفى.
الثامن : إن متعلق النهي امّا أن يكون نفس العبادة ، أو جزأها ، أو شرطها الخارج عنها ، أو وصفها الملازم لها كالجهر والإِخفات (1) للقراءة ، أو وصفها الغير الملازم كالغصبية لاكوان الصلاة المنفكة عنها.
__________________
1 ـ فإن كلّ واحد منهما لا يكاد ينفك عن القراءة ، وأنّ كانت هي تنفكّ عن أحدهما ، فالنهي عن أيهما يكون مساوقاً للنهي عنها ، كما لا يخفى. ( منه 1 ). 
 
لا ريب في دخول القسم الأوّل في محلّ النزاع ، وكذا القسم الثّاني بلحاظ أن جزء العبادة عبادة ، إلّا أن بطلان الجزء لا يوجب بطلإنّها ، إلّا مع الاقتصار عليه ، لا مع الإِتيان بغيره مما لا نهي عنه ، إلّا أن يستلزم محذوراً آخر.
وأما القسم الثالث ، فلا يكون حرمة الشرط والنهي عنه موجباً لفساد العبادة ، إلّا فيما كان عبادة ، كي تكون حرمته موجبة لفساده المستلزم لفساد المشروط به.
وبالجملة لا يكاد يكون النهي عن الشرط موجباً لفساد العبادة المشروطة به ، لو لم يكن موجباً لفساده ، كما إذا كانت عبادة.
وأما القسم الرابع ، فالنهي عن الوصف اللازم مساوق للنهي عن موصوفه ، فيكون النهي عن الجهر في القراءة مثلاً مساوقاً للنهي عنها ، لاستحالة كون القراءة التي يجهر بها مأموراً بها ، مع كون الجهر بها منهياً عنه (1) فعلاً ، كما لا يخفى.
وهذا بخلاف ما إذا كان مفارقاً ، كما في القسم الخامس ، فإن النهي عنه لا يسري إلى الموصوف ، إلّا فيما إذا اتحد معه وجوداً ، بناءً على امتناع الاجتماع ، وأما بناءً على الجواز فلا يسري إليه ، كما عرفت في المسألة السابقة. هذا حال النهي المتعلق بالجزء أو الشرط أو الوصف.
وأما النهي عن العبادة لأجل أحد هذه الأُمور ، فحاله حال النهي عن أحدها إن كان من قبيل الوصف بحال المتعلق. وبعبارة أُخرى : كان النهي عنها بالعرض ، وأنّ كان النهي عنها على نحو الحقيقة ، والوصف بحاله ، وأنّ كان بواسطة أحدها ، إلّا إنّه من قبيل الواسطة في الثبوت لا العروض ، كان حاله حال النهي في القسم الأوّل ، فلا تغفل.
__________________
1 ـ في « ب » : عنها. 
 
 
ومما ذكرنا في بيان أقسام النهي في العبادة ، يظهر حال الأقسام في المعاملة ، فلا يكون بيإنّها على حدة بمهم ، كما أن تفصيل الأقوال في الدلالة على الفساد وعدمها ، التي ربما تزيد على العشرة ـ على ما قيل (1) ـ كذلك ، إنّما المهمّ بيان ما هو الحق في المسألة ، ولا بدّ في تحقيقه على نحو يظهر الحال في الأقوال ، من بسط المقال في مقامين :
الأول في العبادات : فنقول وعلى الله الاتكال : إن النهي المتعلق بالعبادة بنفسها ، ولو كانت جزء عبادة بما هو عبادة ـ كما عرفت ـ مقتض (2) لفسادها ، لدلالته على حرمتها ذاتاً ، ولا يكاد يمكن اجتماع الصحة بمعنى موافقة الأمر أو الشريعة مع الحرمة ، وكذا بمعنى سقوط الإِعادة ، فإنّه مترتب على إتيإنّها بقصد القربة ، وكانت مما يصلح لأن يتقرب به (3) ، ومع الحرمة لا تكاد تصلح لذلك ، ويتأتى قصدها من الملتفت إلى حرمتها ، كما لا يخفى.
لا يقال : هذا لو كان النهي عنها د إلّا على الحرمة الذاتية ، ولا يكاد يتصف بها العبادة ، لعدم الحرمة بدون قصد القربة ، وعدم القدرة عليها مع قصد القربة بها إلّا تشريعاً ، ومعه تكون محرمة بالحرمة التشريعية لا محالة ، ومعه لا تتصف بحرمة أُخرى ، لامتناع اجتماع المثلين كالضدين.
فإنّه يقال : لا ضير في اتصاف ما يقع عبادة ـ لو كان مأموراً به ـ بالحرمة الذاتية ، مثلاً صوم العيدين كان عبادة منهياً عنها ، بمعنى إنّه لو أمر به كان عبادة ، لا يسقط الأمر به إلّا إذا أتى به بقصد القربة ، كصوم سائر الأيام ، هذا فيما إذا لم يكن ذاتاً عبادة ، كالسجود لله تعالى ونحوه ، وإلاّ كان محرماً مع
__________________
1 ـ مطارح الأنظار / 162 ، في الهداية الثانية من القول في اقتضاء النهي للفساد.
2 ـ في « أ و ب » : مقتضى.
3 ـ هكذا في « أ و ب » : وفي بعضٍ النسخ المطبوعة « بها ». 
 
كونه فعلاً عبادة ، مثلاً إذا نهي الجنب والحائض عن السجود له تبارك وتعالى ، كان عبادة محرمة ذاتاً حينئذ ، لما فيه من المفسدة والمبغوضية في هذا الحال ، مع إنّه لا ضير في اتصافه بهذه الحرمة مع الحرمة التشريعية ، بناءً على أن الفعل فيها لا يكون في الحقيقة متصفاً بالحرمة ، بل إنّما يكون المتصف بها ما هو من أفعال القلب ، كما هو الحال في التجري والانقياد ، فافهم.
هذا مع إنّه لو لم يكن النهي فيها د إلّا على الحرمة ، لكان د إلّا على الفساد ، لدلالته على الحرمة التشريعية ، فإنّه لا أقل من دلالته على إنّها ليست بمأمور بها ، وأنّ عمها إطلاق دليل الأمر بها أو عمومه ، نعم لو لم يكن النهي عنها إلّا عرضاً ، كما إذا نهى عنها فيما كانت ضد الواجب مثلاً ، لا يكون مقتضياً للفساد ، بناءً على عدم اقتضاء الأمر (1) بالشيء للنهي عن الضد إلّا كذلك أيّ عرضاً ، فيخصص به أو يقيد.
المقام الثّاني في المعاملات : ونخبة القول ، أن النهي الدالّ على حرمتها لا يقتضي الفساد ، لعدم الملازمة فيها ـ لغةً ولا عرفاً ـ بين حرمتها وفسادها أصلاً ، كانت الحرمة متعلقة بنفس المعاملة بما هو فعل بالمباشرة ، أو بمضمونها بما هو فعل بالتسبب بها إليه ، وأنّ لم يكن السبب ولا المسبب بما هو فعل من الأفعال بحرام ، وإنما يقتضي الفساد فيما إذا كان د إلّا على حرمة ما لا يكاد يحرم مع صحتها ، مثل النهي عن أكل الثمن أو المثمن في بيع أو بيع شئ.
نعم لا يبعد دعوى ظهور النهي عن المعاملة في الإِرشاد إلى فسادها ، كما أن الأمر بها يكون ظاهراً في الإِرشاد إلى صحتها من دون دلالته على إيجابها أو استحبابها ، كما لا يخفى ، لكنه في المعاملات بمعنى العقود والإِيقاعات ، لا المعاملات بالمعنى الأعم المقابل للعبادات ، فالمعول هو ملاحظة القرائن في
__________________
1 ـ في « ب » عدم الاقتضاء للأمر بالشيء .. الخ. 
 
خصوص المقامات ، ومع عدمها لا محيص عن الأخذ بما هو قضية صيغة النهي من الحرمة ، وقد عرفت إنّها غير مستتبعة للفساد ، لا لغةً ولا عرفاً.
نعم ربما يتوهم استتباعها له شرعاً ، من جهة دلالة غير واحد من الأخبار عليه ، منها ما رواه في الكافي والفقيه ، عن زرارة ، عن الباقر 7 (1) : ( سأله عن مملوك تزوج بغير إذن سيده ، فقال : ذلك إلى سيده ، إن شاء أجازه وأنّ شاء فرق بينهما ، قلت : أصلحك الله تعالى ، إن الحكم بن عتيبة (2) وإبراهيم النخعي وأصحابهما ، يقولون : إن أصل النكاح فاسد ، ولا يحل إجازة السيد له ، فقال أبو جعفر 7 : إنّه لم يعص الله ، إنّما عصى سيده ، فإذا أجاز فهو له جائز ) حيث دلّ بظاهره ان النكاح لو كان مما حرمه الله تعالى عليه كان فاسداً. ولا يخفى أنّ الظاهر أن يكون المراد بالمعصية المنفية هاهنا ، أن النكاح ليس مما لم يمضه الله ولم يشرعه كي يقع فاسداً ، ومن المعلوم استتباع المعصية بهذا المعنى للفساد كما لا يخفى ، ولا بأس بإطلاق المعصية على عمل لم يمضه الله ولم يأذن به ، كما أطلق عليه (3) بمجرد عدم إذن السيد فيه إنّه معصية.
وبالجملة : لو لم يكن ظاهراً في ذلك ، لما كان ظاهراً فيما توهّم ، وهكذا
__________________
1 ـ الكافي / 478 ، الحديث 3 ، باب المملوك يتزوّج بغير إذن مولاه ، الفقيه 3 / 350 الحديث 4 باب طلاق العبد ـ التهذيب 7 / 351 الحديث 63 في العقود على الإماء.
2 ـ في « أ و ب » : حكم بن عتبة.
3 ـ وجه ذلك أن العبودية تقتضي عدم صدور العبد إلّا عن أمر سيده وإذنه ، حيث إنّه كلّ عليه لا يقدّر على شيء ، فإذا استقل بأمر كان عاصياً حيث أتى بما ينافيه مقام عبوديته ، لا سيما مثل التزوج الذي كان خطيراً ، وأما وجه إنّه لم يعص الله فيه ، فلاجل كون التزوج بالنسبة إليه أيضاً كان مشروعاً ماضياً ، غايته إنّه يعتبر في تحققه إذن سيده ورضاه ، وليس كالنكاح في العدة غير مشروع من أصله ، فإذا أجاز ما صدر عنه بدون إذنه فقد وجد شرط نفوذه وارتفع محذور عصيإنّه ، فعصيإنّه لسيده. ( منه 1 ).  

 
حال سائر الأخبار الواردة في هذا الباب (1) ، فراجع وتأمل.
تذنيب : حكي عن أبي حنيفة (2) والشيباني (3) دلالة النهي على الصحة ، وعن الفخر (4) إنّه وافقهما في ذلك ، والتحقيق (5) إنّه في المعاملات كذلك إذا كان عن المسبب أو التسبيب ، لاعتبار القدرة في متعلق النهي كالأمر ، ولا يكاد يقدّر عليهما إلّا فيما كانت المعاملة مؤثرة صحيحة ، وأما إذا كان عن السبب ، فلا ، لكونه مقدوراً وأنّ لم يكن صحيحاً ، نعم قد عرفت أن النهي عنه لا ينافيها.
وأما العبادات فما كان منها عبادة ذاتية كالسجود والركوع والخشوع والخضوع له تبارك وتعالى ، فمع النهي عنه يكون مقدوراً ، كما إذا كان مأموراً به ، وما كان منها عبادة لاعتبار قصد القربة فيه لو كان مأموراً به ، فلا يكاد يقدّر عليه إلّا إذا قيل باجتماع الأمر والنهي في شيء ولو بعنوان واحد ، وهو محال ، وقد عرفت أن النهي في هذا القسم إنّما يكون نهياً عن العبادة ، بمعنى إنّه لو كان مأموراً به ، كان الأمر به أمر عبادة لا يسقط إلّا بقصد القربة ، فافهم.
__________________
1 ـ راجع وسائل الشيعة 14 ، الباب 23 إلى 25 من أبواب نكاح العبيد والإِماء.
2 و 3 ـ شرح تنقيح الفصول ، 173.
4 ـ أيّ فخر المحققين (ره) نجل العلامة الحلّي (ره). مطارح الانظارءِ 16.
5 ـ ملخصه أن الكبرى وهي : ان النهي ـ حقيقة ـ إذا تعلق بشيء ذي أثر كان د إلّا على صحته وترتب أثره عليه ، لاعتبار القدرة فيما تعلق به النهي كذلك وأنّ كانت مسلمة ، إلّا أن النهي كذلك لا يكاد يتعلق بالعبادات ، ضرورة امتناع تعلق النهي كذلك بما تعلق به الأمر كذلك ، وتعلقه بالعبادات بالمعنى الأوّل وأنّ كان ممكناً ، إلّا أن أثر المرغوب منها عقلاً أو شرعاً غير مترتب عليها مطلقاً ، بل على خصوص ما ليس بحرام منها وهكذا الحال في المعاملات ، فإن كان الأثر في معاملة مترتباً عليها ولازماً لوجودها كان النهي عنها د إلّا على ترتبه عليها ، لما عرفت. ( منه 1 ).
 
 
 
 

 
 
 
المقصد الثالث : في المفاهيم
مقدمة
وهي : إن المفهوم ـ كما يظهر من موارد إطلاقه ـ هو عبارة عن حكم إنشائي أو إخباري تستتبعه خصوصية المعنى الذي أُريد من اللفظ ، بتلك الخصوصية ولو بقرينة الحكمة ، وكان يلزمه لذلك ، وافقه في الإِيجاب والسلب أو خالفه ، فمفهوم ( إن جاءك زيد فأكرمه ) مثلاً ـ لو قيل به ـ قضية شرطية سالبة بشرطها وجزائها ، لازمة للقضية الشرطيّة التي تكون معنى القضية اللفظية ، وتكون لها خصوصية ، بتلك الخصوصية كانت مستلزمة لها ، فصحّ أن يقال : إن المفهوم إنّما هو حكم غير مذكور ، لا إنّه حكم لغير مذكور ، كما فسّر (1) به ، وقد وقع فيه النقض والإِبرام بين الأعلام (2) ، مع إنّه لا موقع له كما أشرنا إليه في غير مقام ، لإنّه من قبيل شرح الاسم ، كما في التفسير اللغوي.
ومنه قد انقدح حال غير هذا التفسير مما ذكر في المقام ، فلا يهمنا التصدي لذلك ، كما لا يهمنا بيان إنّه من صفات المدلول أو الدلالة وأنّ كان بصفات
__________________
1 ـ كما عن العضدي ، راجع شرح العضدي على مختصر المنتهى لابن الحاجب / 306 ، في المنطوق والمفهوم.
2 ـ راجع تقريرات الشيخ مطارح الأنظار / 167 والفصول / 145 والقوانين 1 / 167.  
 
المدلول أشبه ، وتوصيف الدلالة [ به ] (1) أحياناً كان من باب التوصيف بحال المتعلق.
وقد انقدح من ذلك أن النزاع في ثبوت المفهوم وعدمه في الحقيقة ، إنّما يكون في أن القضية الشرطيّة أو الوصفية أو غيرهما هل تدلّ بالوضع أو بالقرينة العامة على تلك الخصوصية المستتبعة لتلك القضية الأخرى ، أم لا؟
فصل
الجملة الشرطيّة هل تدلّ على الانتفاء عند الانتفاء ، كما تدلّ على الثبوت عند الثبوت بلا كلام ، أم لا؟ فيه خلاف بين الأعلام.
لا شبهة في استعمالها وإرادة الانتفاء عند الانتفاء في غير مقام ، إنّما الإِشكال والخلاف في إنّه بالوضع أو بقرينة عامة ، بحيث لا بد من الحمل عليه لو لم يقم على خلافه قرينة من حال أو مقال. فلا بدّ للقائل بالدلالة من إقامة الدليل على الدلالة ، بأحد الوجهين على تلك الخصوصية المستتبعة لترتب الجزاء على الشرط ، نحو ترتب المعلول على علته المنحصرة.
وأما القائل بعدم الدلالة ففي فسحة ، فإن له منع دلالتها على اللزوم ، بل على مجرد الثبوت عند الثبوت ولو من باب الاتفاق ، أو منع دلالتها على الترتب ، أو على نحو الترتب على العلة ، أو العلة المنحصرة بعد تسليم اللزوم أو العلية.
لكن منع دلالتها على اللزوم ، ودعوى كونها اتفاقية ، في غاية السقوط ، لانسباق اللزوم منها قطعاً ، وأما المنع عن إنّه بنحو الترتب على العلة فضلاً عن كونها منحصرة ، فله مجال واسع.
ودعوى تبادر اللزوم والترتب بنحو الترتب على العلة المنحصرة ـ مع كثرة
__________________
1 ـ أثبتناه من « أ ». 
 
استعمالها في الترتب على نحو الترتب على الغير المنحصرة منها بل في مطلق اللزوم ـ بعيدة ، عهدتها على مدعيها ، كيف؟ ولايرى في استعمالها فيهما (1) عناية ، ورعاية علاقة ، بل إنّما تكون إرادته كإرادة الترتب على العلة المنحصرة بلا عناية ، كما يظهر على من أمعن النظر وأجال البصر (2) في موارد الاستعمالات ، وفي عدم الإِلزام والأخذ بالمفهوم في مقام المخاصمات والاحتجاجات ، وصحة الجواب بإنّه لم يكن لكلامه مفهوم ، وعدم صحته لو كان له ظهور فيه معلوم.
وأما دعوى الدلالة ، بادعاء انصراف إطلاق العلاقة اللزومية إلى ما هو أكمل افرادها ، وهو اللزوم بين العلة المنحصرة ومعلولها ، ففاسدة جداً ، لعدم كون الأكملية موجبة للانصراف إلى الاكمل ، لاسيما مع كثرة الاستعمال في غيره ، كما لا يكاد يخفى.
هذا مضافاً إلى منع كون اللزوم بينهما أكمل مما إذا لم تكن العلة بمنحصرة ، فإن الانحصار لا يوجب أن يكون ذاك الربط الخاص الذي لا بدّ منه في تأثير العلة في معلولها آكد وأقوى.
إن قلت : نعم ، ولكنه قضية الإِطلاق بمقدمات الحكمة ، كما أن قضية إطلاق صيغة الأمر هو الوجوب النفسي.
قلت : أولاً : هذا فيما تمت هناك مقدمات الحكمة ، ولا تكاد تتم فيما هو مفاد الحرف كما هاهنا ، وإلاّ لما كان معنى حرفياً ، كما يظهر وجهه بالتأمل.
وثانياً : تعينه من بين أنحائه بالإِطلاق المسوق في مقام البيان بلا معيّن ، ومقايسته مع تعيّن الوجوب النفسي بإطلاق صيغة الأمر مع الفارق ، فإن النفسي هو الواجب على كلّ حال بخلاف الغيري ، فإنّه واجب على تقدير دون
__________________
1 ـ في « ب » : فيها.
2 ـ في « ب » : البصيرة. 
 
تقدير ، فيحتاج بيإنّه إلى مؤونة التقييد بما إذا وجب الغير ، فيكون الإِطلاق في الصيغة مع مقدمات الحكمة محمولاً عليه ، وهذا بخلاف اللزوم والترتب بنحو الترتب على العلة المنحصرة ، ضرورة أن كلّ واحد من أنحاء اللزوم والترتب ، محتاج في تعينه إلى القرينة مثل الآخر ، بلا تفاوت أصلاً ، كما لا يخفى.
ثم إنّه ربما يتمسك للدلالة على المفهوم بإطلاق الشرط ، بتقريب إنّه لو لم يكن بمنحصر يلزم تقييده ، ضرورة إنّه لو قارنه أو سبقه الآخر لما أثر وحده ، وقضية إطلاقه إنّه يؤثر كذلك مطلقاً.
وفيه إنّه لا تكاد تنكر الدلالة على المفهوم مع إطلاقه كذلك ، إلّا إنّه من المعلوم ندرة تحققه ، لو لم نقل بعدم اتفاقه.
فتلخص بما ذكرناه ، إنّه لم ينهض دليل على وضع مثل ( إن ) على تلك الخصوصية المستتبعة للانتفاء عند الانتفاء ، ولم تقم عليها قرينة عامة ، امّا قيامها أحياناً كانت مقدمات الحكمة أو غيرها ، مما لا يكاد ينكر ، فلا يجدي القائل بالمفهوم ، إنّه قضية (1) الإِطلاق في مقام من باب الاتفاق.
وأما توهّم إنّه قضية (2) إطلاق الشرط ، بتقريب أن مقتضاه تعينه ، كما أن مقتضى إطلاق الأمر تعيّن الوجوب.
ففيه : أن التعين ليس في الشرط نحواً يغاير نحوه فيما إذا كان متعدداً ، كما كان في الوجوب كذلك ، وكان الوجوب في كلّ منهما متعلقاً بالواجب بنحو آخر ، لابد في التخييري منهما من العدل ، وهذا بخلاف الشرط فإنّه واحداً كان أو متعدداً ، كان نحوه واحداً ودخله في المشروط بنحو واحد ، لا تتفاوت الحال فيه ثبوتاً كي تتفاوت عند الإِطلاق إثباتاً ، وكان الإِطلاق مثبتا لنحو لا يكون له عدل لاحتياج ما له العدل إلى زيادة مؤونة ، وهو ذكره بمثل ( أو كذا )
__________________
1 و 2 ـ في « ب » : قضيته. 
 
واحتياج ما إذا كان الشرط متعدداً إلى ذلك إنّما يكون لبيان التعدد ، لا لبيان نحو الشرطيّة ، فنسبة إطلاق الشرط إليه لا تختلف ، كان هناك شرط آخر أم لا ، حيث كان مسوقاً لبيان شرطيته بلا إهمال ولا إجمال.
بخلاف إطلاق الأمر ، فإنّه لو لم يكن لبيان خصوص الوجوب التعييني ، فلا محالة يكون في مقام الإِهمال أو الإِجمال ، تأمل تعرف. هذا مع إنّه لو سلّم لا يجدي القائل بالمفهوم ، لما عرفت إنّه لا يكاد ينكر فيما إذا كان مفاد الإِطلاق من باب الاتفاق.
ثم إنّه ربما استدل المنكرون للمفهوم بوجوه :
أحدها : ما عُزي إلى السيد (1) من أن تأثير الشرط ، إنّما هو تعليق الحكم به ، وليس بممتنع أن يخلفه وينوب منابه شرط آخر يجري مجراه ، ولا يخرج عن كونه شرطاً ، فإن قوله تعالى : ( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ) (2) يمنع من قبول الشاهد الواحد ، حتى ينضم إليه شاهد آخر ، فانضمام الثّاني إلى الأوّل شرط في القبول ، ثم علمنا أن ضم أمراًتين إلى الشاهد الأوّل شرط في القبول ، ثم علمنا أن ضم اليمين يقوم مقامه أيضاً ، فنيابة بعضٍ الشروط عن بعضٍ أكثر من أن تحصى ، مثل الحرارة ، فإن انتفاء الشمس لا يلزم انتفاء الحرارة ، لاحتمال قيام النار مقامها ، والأمثلة لذلك كثيرة شرعاً وعقلا.
والجواب : إنّه 1 إن كان بصدد إثبات إمكان نيابة بعضٍ الشروط عن بعضٍ في مقام الثبوت وفي الواقع ، فهو مما لا يكاد ينكر ، ضرورة أن الخصم يدعي عدم وقوعه في مقام الإِثبات ، ودلالة القضية الشرطيّة عليه ، وأنّ كان بصدد إبداء احتمال وقوعه ، فمجرد الاحتمال لا يضره ، ما لم يكن
__________________
1 ـ الذريعة : 1 / 406 ، في جوابه عن ثالث وجوه أدلة القول بثبوت المفهوم.
2 ـ البقرة / 282. 
 
بحسب القواعد اللفظية راجحاً أو مساوياً ، وليس فيما أفاده ما يثبت ذلك أصلاً ، كما لا يخفى.
ثانيها : إنّه لو دلّ لكان بإحدى الدلالات ، والملازمة _ كبطلان التالي _ ظاهرة. وقد أُجيب عنه بمنع بطلان التالي ، وأنّ الالتزام ثابت ، وقد عرفت بما لا مزيد عليه ما قيل أو يمكن أن يقال في إثباته أو منعه ، فلا تغفل.
ثالثها : قوله تبارك وتعالى (1) : ( وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا ).
وفيه ما لا يخفى ، ضرورة أن استعمال الجملة الشرطيّة فيما لا مفهوم له أحياناً وبالقرينة ، لا يكاد ينكر ، كما في الآية وغيرها ، وإنما القائل به إنّما يدعي ظهورها فيما له المفهوم وضعاً أو بقرينة عامة ، كما عرفت.
بقى هاهنا أمور :
الأمر الأوّل : إن المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم المعلّق على الشرط عند انتفائه ، لا انتفاء شخصه ، ضرورة انتفائه عقلاً بانتفاء موضوعه ولو ببعض قيوده ، فلا (2) يتمشى الكلام ـ في أن للقضية الشرطيّة مفهوماً أو ليس لها مفهوم ـ إلّا في مقام كان هناك ثبوت سنخ الحكم في الجزاء ، وانتفاؤه عند انتفاء الشرط ممكناً ، وإنما وقع النزاع في أن النزاع في أن لها دلالة على الانتفاء عند الانتفاء ، أو لا يكون لها دلالة.
ومن هنا انقدح إنّه ليس من المفهوم دلالة القضية على الانتفاء عند الانتفاء في الوصايا والاوقاف والنذور والإِيمان ، كما توهّم (3) ، بل عن الشهيد
__________________
1 ـ النور / 33.
2 ـ في « ب » : ولا.
3 ـ مطارح الأنظار / 173 ، الهداية الثالثة من القول في المفهوم والمنطوق. 
 
في تمهيد القواعد (1) ، إنّه لا إشكال في دلالتها على المفهوم ، وذلك لأن انتفاءها عن غير ما هو المتعلق لها ، من الأشخاص التي تكون بألقابها أو بوصف شيء أو بشرطه ، مأخوذة في العقد أو مثل العهد ليس بدلالة الشرط أو الوصف أو اللقب عليه ، بل لأجل إنّه إذا صار شيء وقفا على أحد أو أوصى به أو نذر له ، إلى غير ذلك ، لا يقبل أن يصير وقفا على غيره أو وصية أو نذرا له ، وانتفاء شخص الوقف أو النذر أو الوصية عن غير مورد المتعلق ، قد عرفت إنّه عقلي مطلقاً ولو قيل بعدم المفهوم في مورد صالح له.
إشكال ودفع : لعلك تقول : كيف يكون المناط في المفهوم هو سنخ الحكم ، لا نفس شخص الحكم في القضية؟ وكان الشرط في الشرطيّة إنّما وقع شرطاً بالنسبة إلى الحكم الحاصل بإنشائه دون غيره ، فغاية قضيتها انتفاء ذاك الحكم بانتفاء شرطه ، لا انتفاء سنخه ، وهكذا الحال في سائر القضايا التي تكون مفيدة للمفهوم.
ولكنك غفلت عن أن المعلّق على الشرط ، إنّما هو نفس الوجوب الذي هو مفاد الصيغة ومعناها ، وأما الشخص والخصوصية الناشئة من قبل استعمالها فيه ، لا تكاد تكون من خصوصيات معناها المستعملة فيه ، كما لا يخفى ، كما لا تكون الخصوصية الحاصلة من قبل الإخبار به ، ، من خصوصيات ما أخبر به
__________________
1 ـ تمهيد القواعد / 14 ، القاعدة 25 ، عند قوله : ذهب جماعة من الأصوليين إلى أنّ مفهوم الصفة والشرط حجة ... الخ.
الشهيد الثّاني هو الشيخ الاجل زين الدين بن نور الدين العاملي الجبعي ولد عام 911 ه‍ ، قرأ على والده جملة من الكتب العربية والفقه ، ختم القرآن وعمره تسع سنين. ارتحل إلى بلاد عديدة وقرأ على كثير من العلماء منهم الشيخ علي بن عبد العالي الميسي ، ثم انتقل إلى بلده واشتغل بالتدريس والتصنيف ومصنفاته كثيرة مشهورة أولها « الروض » وآخرها « الروضة » ومن تلامذته ابنه صاحب المعالم وصاحب المدارك ووالد البهائي وغيرهم ، استشهد سنة 966 ه‍ () الكنى والالقاب 2 / 344 ).
 
واستعمل فيه إخباراً لا إنشاءً.
وبالجملة : كما لا يكون المخبر به المعلّق على الشرط خاصاً بالخصوصيات الناشئة من قبل الإخبار به ، كذلك المنشأ بالصيغة المعلّق عليه ، وقد عرفت بما حققناه في معنى الحرف وشبهه ، أن ما استعمل فيه الحرف عام كالموضوع له ، وأنّ خصوصية لحاظه بنحو الآلية والحالية لغيره من خصوصية الاستعمال ، كما أن خصوصية لحاظ المعنى بنحو الاستقلال في الاسم كذلك ، فيكون اللحاظ الآلي كالاستقلالي ، من خصوصيات الاستعمال لا المستعمل فيه.
وبذلك قد انقدح فساد ما يظهر من التقريرات (1) في مقام التفصي عن هذا الإِشكال ، من التفرقة بين الوجوب الإِخباري والإِنشائي ، بإنّه كلي في الأوّل ، وخاص في الثّاني ، حيث دفع الإِشكال بإنّه لا يتوجه في الأوّل ، لكون الوجوب كلياً ، وعلى الثّاني بأن ارتفاع مطلق الوجوب فيه من فوائد العلّية المستفادة من الجملة الشرطيّة ، حيث كان ارتفاع شخص الوجوب ليس مستنداً إلى ارتفاع العلة المأخوذة فيها ، فإنّه يرتفع ولو لم يوجد في حيال أداة الشرط كما في اللقب والوصف.
وأورد (2) على ما تفُصّي به عن الإِشكال بما ربما يرجع إلى ما ذكرناه ، بما حاصله : إن التفصي لا يبتني على كلية الوجوب ، لما أفاده ، وكون الموضوع له في الإِنشاء عاماً لم يقم عليه دليل ، لو لم نقل بقيام الدليل على خلافه ، حيث إن الخصوصيات بأنفسها مستفادة من الالفاظ.
وذلك لما عرفت من أن الخصوصيات في الإٍنشاءات والإِخبارات ، إنّما تكون ناشىء ة من الاستعمالات بلا تفاوت أصلاً بينهما. ولعمري ، لا يكاد ينقضي تعجبي ، كيف تجعل خصوصيات الانشاء من خصوصيات المستعمل
__________________
1 ـ مطارح الأنظار / 173 ، في الهداية الثالثة من القول في المنطوق والمفهوم.
2 ـ المصدر المتقدم / 173 في الهداية الثالثة من القول في المفهوم والمنطوق. 
 
فيه. مع إنّها كخصوصيات الإِخبار ، تكون ناشىء ة من الاستعمال ، ولا يكاد يمكن أن يدخل في المستعمل فيه ما ينشأ من قبل الاستعمال ، كما هو واضح لمن تأمل.
الأمر الثّاني : إنّه إذا تعدَّد الشرط ، مثل ( إذا خفي الأذان فقصر ، وإذا خفي الجدران فقصر ) ، فبناء على ظهور الجملة الشرطيّة في المفهوم ، لابد من التصرف ورفع اليد عن الظهور.
إما بتخصيص مفهوم كلّ منهما بمنطوق الآخر ، فيقال بانتفاء وجوب القصر عند انتفاء الشرطين.
وإما برفع اليد عن المفهوم فيهما ، فلا دلالة لهما على عدم مدخلية شيء آخر في الجزاء ، بخلاف الوجه الأوّل ، فإن فيهما الدلالة على ذلك.
وإما بتقييد إطلاق الشرط في كلّ منهما بالآخر ، فيكون الشرط هو خفاء الأذان والجدران معاً ، فإذا خفيا وجب القصر ، ولا يجب عند انتفاء خفائهما ولو خفي أحدهما.
وإما بجعل الشرط هو القدر المشترك بينهما ، بأن يكون تعدَّد الشرط قرينة على أن الشرط في كلّ منهما ليس بعنوإنّه الخاص ، بل بما هو مصداق لما يعمهما من العنوان.
ولعل العرف يساعد على الوجه الثّاني ، كما أن العقل ربما يعين هذا الوجه ، بملاحظة أن الأمور المتعدِّدة بما هي مختلفة ، لا يمكن أن يكون كلّ منها مؤثراً في واحد ، فإنّه لا بدّ من الربط الخاص بين العلة والمعلول ، ولا يكاد يكون الواحد بما هو واحد مرتبطاً بالاثنين بما هما اثنان ، ولذلك أيضاً لا يصدر من الواحد إلّا الواحد ، فلا بدّ من المصير إلى أن الشرط في الحقيقة واحد ، وهو المشترك بين الشرطين بعد البناء على رفع اليد عن المفهوم ، وبقاء إطلاق الشرط في كلّ منهما على حاله ، وأنّ كان بناءً العرف والاذهان العامية 
 
على تعدَّد الشرط وتأثير كلّ شرط بعنوإنّه الخاص ، فافهم.
الأمر الثالث : إذا تعدَّد الشرط واتحد الجزاء ، فلا إشكال على الوجه الثالث ، وأما على سائر الوجوه ، فهل اللازم لزوم الإِتيان بالجزاء متعدداً ، حسب تعدَّد الشروط؟ أو يتداخل ، ويكتفى بإتيإنّه دفعة واحدة؟.
فيه أقوال : والمشهور عدم التداخل ، وعن جماعة ـ منهم المحقق الخوانساري (1) ـ التداخل ، وعن الحلّي (2) التفصيل بين اتحاد جنس الشروط وتعدده.
والتحقيق : إنّه لما كان ظاهر الجملة الشرطيّة ، حدوث الجزاء عند حدوث الشرط بسببه ، أو بكشفه عن سببه ، وكان قضيته تعدَّد الجزاء عند تعدَّد الشرط ، كان الأخذ بظاهرها إذا تعدَّد الشرط حقيقة أو وجوداً محالاً ، ضرورة أن لازمه أن يكون الحقيقة الواحدة ـ مثل الوضوء ـ بما هي واحدة ، في مثل ( إذا بلت فتوضأ ، وإذا نمت فتوضأ ) ، أو فيما إذا بال مكرراً ، أو (3) نام كذلك ، محكوماً بحكمين متماثلين ، وهو واضح الاستحالة كالمتضادين.
فلابد على القول بالتداخل من التصرف فيه : امّا بالالتزام بعدم دلالتها في هذا الحال على الحدوث عند الحدوث ، بل على مجرد الثبوت ، أو الالتزام بكون متعلق الجزاء وأنّ كان واحداً صورة ، إلّا إنّه حقائق متعددة حسب تعدَّد الشرط ، متصادقة على واحد ، فالذمة وأنّ اشتغلت بتكاليف متعددة ، حسب
__________________
1 ـ مشارق الشموس 61 ، كتاب الطهارة في تداخل الاغسال الواجبة ، قال : لأن تداخل الأسباب لا يوجب تعدَّد المسببات.
2 ـ السرائر / 55 ، في باب أحكام السهو والشك في الصلاة.
هو محمد بن احمد بن ادريس الحلّي ، فاضل فقيه ومحقق نبيه ، فخر الاجلة وشيخ فقهاء الحلة صاحب كتاب « السرائر » و « مختصر تبيان الشيخ » توفي سنة 598 وهو ابن خمس وخمسين ( الكنى والالقاب 1 / 201 )
3 ـ في « ب » : و.
 
تعدد الشروط ، إلّا أن الاجتزاء بواحد لكونه مجمعاً لها ، كما في ( أَكرم هاشمياً وأضف عالماً ) ، فأكرم العالم الهاشمي بالضيافة ، ضرورة إنّه بضيافته بداعي الأمرين ، يصدق إنّه امتثلهما ، ولا محالة يسقط الأمر بامتثاله وموافقته ، وأنّ كان له امتثال كلّ منهما على حدة ، كما إذا أَكرم الهاشمي بغير الضيافة ، وأضاف العالم الغير الهاشمي.
إن قلت : كيف يمكن ذلك ـ أيّ الامتثال بما تصادق (1) عليه العنوانان ـ مع استلزامه محذور اجتماع الحكمين المتماثلين فيه؟
قلت : انطباق عنوانين واجبين على واحد لا يستلزم اتصافه بوجوبين ، بل غايته أن انطباقهما عليه يكون منشأ لاتصافه بالوجوب وانتزاع صفته له ، مع إنّه ـ على القول بجواز الاجتماع ـ لا محذور في اتصافه بهما ، بخلاف ما إذا كان بعنوان واحد ، فافهم.
أو الالتزام بحدوث الأثر عند وجود كلّ شرط ، إلّا إنّه وجوب الوضوء في المثال عند الشرط الأوّل ، وتأكد وجوبه عند الآخر.
ولا يخفى إنّه لا وجه لأن يصار إلى واحد منها ، فإنّه رفع اليد عن الظاهر بلا وجه ، مع ما في الأخيرين من الاحتياج إلى إثبات أن متعلق الجزاء متعدد متصادق على واحد ، وأنّ كان صورة واحداً سمي (2) باسم واحد ، كالغسل ، وإلى إثبات أن الحادث بغير الشرط الأوّل تؤكدّ ما حدث بالأول ، ومجرد الاحتمال لا يجدي ، ما لم يكن في البين ما يثبته.
إن قلت : وجه ذلك هو لزوم التصرف في ظهور الجملة الشرطيّة ، لعدم امكان الأخذ بظهورها ، حيث إنَّ قضيته اجتماع الحكمين في الوضوء في
__________________
1 ـ في « أ و ب » : تصادقا.
2 ـ في « أ » مسمى. 
 
المثال ، كما مرت الإِشارة إليه.
قلت : نعم ، إذا لم يكن المراد بالجملة ـ فيما إذا تعدَّد الشرط كما في المثال ـ هو وجوب وضوء مثلاً بكل شرط غير ما وجب بالآخر ، ولا ضير في كون فرد محكوماً بحكم فرد آخر أصلاً ، كما لا يخفى.
إن قلت : نعم ، لو لم يكن تقدير تعدَّد الفرد على خلاف الإِطلاق.
قلت : نعم ، لو لم يكن ظهور الجملة [ الشرطيّة ] (1) في كون الشرط سبباً أو كاشفاً عن السبب ، مقتضياً لذلك أيّ لتعدد الفرد ، و (2) بياناً لما هو المراد من الإِطلاق.
وبالجملة : لا دوران بين ظهور الجملة في حدوث الجزاء وظهور الإِطلاق ضرورة أن ظهور الإِطلاق يكون معلّقاً على عدم البيان ، وظهورها في ذلك صالح لأن يكون بياناً ، فلا ظهور له مع ظهورها ، فلا يلزم على القول بعدم التداخل تصرف أصلاً ، بخلاف القول بالتداخل كما لا يخفى (3).
فتلخص بذلك ، أن قضية ظاهر الجملة الشرطيّة ، هو القول بعدم التداخل عند تعدَّد الشرط.
وقد انقدح مما ذكرناه ، أن المجدي للقول بالتداخل هو أحد الوجوه
__________________
1 ـ أثبتناها من « ب ».
2 ـ في « أ » : وإلاّ كان بيانا. ولكن شطب عليه المصنف في « ب ».
3 ـ هذا واضح بناءً على ما يظهر من شيخنا العلامة من كون ظهور الإِطلاق معلّقاً على عدم البيان مطلقاً ، ولو كان منفصلاً ، وأما بناءً على ما اخترناه في غير مقام ، من إنّه إنّما يكون معلّقاً على عدم البيان في مقام التخاطب لا مطلقاً ، فالدوران حقيقة بين الظهورين حينئذ وأنّ كان ، إلّا إنّه لا دوران بينهما حكماً ، لأن العرف لا يكاد يشك بعد الاطلاع على تعدَّد القضية الشرطيّة أن قضيته تعدَّد الجزاء ، وإنّه في كلّ قضية وجوب فرد غير ما وجب في الأخرى ، كما إذا اتصلت القضايا وكانت في كلام واحد ، فافهم ( منه 1 ). 
 
التي ذكرناها ، لا مجرد كون الأسباب الشرعية معرفات لا مؤثرات ، فلا وجه لما عن الفخر (1) وغيره ، من ابتناء المسألة على إنّها معرفات أو مؤثرات (2) ، مع أن الأسباب الشرعية حالها حال غيرها ، في كونها معرفات تارةً ومؤثرات أُخرى ، ضرورة أن الشرط للحكم الشرعي في الجمل (3) الشرطيّة ، ربما يكون مما له دخل في ترتب الحكم ، بحيث لولاه لما وجدت له علّة ، كما إنّه في الحكم الغير الشرعي ، قد يكون أمارة على حدوثه بسببه ، وأنّ كان ظاهر التعليق أن له الدخل فيهما ، كما لا يخفى.
نعم ، لو كان المراد بالمعرفية في الأسباب الشرعية إنّها ليست بدواعي الأحكام التي هي في الحقيقة علل لها ، وأنّ كان لها دخل في تحقق موضوعاًتها ، بخلاف الأسباب الغير الشرعية ، فهو وأنّ كان له وجه ، إلّا إنّه مما لا يكاد يتوهم إنّه يجدي فيما همّ وأراد.
ثم إنّه لا وجه للتفصيل (4) بين اختلاف الشروط بحسب الاجناس وعدمه ، واختيار عدم التداخل في الأوّل ، والتداخل في الثّاني ، إلّا توهّم عدم صحة التعلق بعموم اللفظ في الثّاني ، لإنّه من أسماء الاجناس ، فمع تعدَّد أفراد شرط واحد لم يوجد إلّا السبب الواحد ، بخلاف الأوّل ، لكون كلّ منها سبباً ، فلا وجه لتداخلها ، وهو فاسد.
__________________
1 ـ فخر المحققين ابو طالب محمد بن جمال الدين حسن بن يوسف المطهر الحلّي ، ولد سنة 682 ، فاز بدرجة الاجتهاد في السنة العاشرة من عمره الشريف كان والده العلامة يعظمه ويثني عليه ، له كتب منها « غاية السؤل » و « شرح مبادىء الأصول ». توفي سنة 771 ه‍. () روضات الجنات 6 / 230 رقم 591 ).
2 ـ حكى الشيخ الاعظم (ره) نسبته إلى فخر المحققين (ره) واحتمل تبعة النراقي (ره) له في العوائد / مطارح الأنظار / 175 في الهداية 6 من القول في المفهوم والمنطوق.
3 ـ في « ب » : الجملة.
4 ـ المفصل هو ابن إدريس في السرائر / 55 ، عند قوله ( قده ) : فإن سها المصلي في صلاته بما يوجب سجدتي السهو مرّات كثيرة ... الخ.  

 
فإن قضية اطلاق الشرط في مثل ( إذا بلتَ فتوضأ ) هو حدوث الوجوب عند كلّ مرة لو بال مرّات ، وإلاّ فالأجناس المختلفة لا بد من رجوعها إلى واحد ، فيما جعلت شروطا وأسبابا لواحد ، لما مرت إليه الإِشارة ، من أن الاشياء المختلفة بما هي مختلفة لا تكون أسبابا لواحد ، هذا كله فيما إذا كان موضوع الحكم في الجزاء قابلاً للتعدد.
وأما ما لا يكون قابلاً لذلك ، فلابد من تداخل الأسباب ، فيما لا يتأكد المسبب ، ومن التداخل فيه فيما يتأكد.
فصل
الظاهر إنّه لا مفهوم للوصف وما بحكمه مطلقاً ، لعدم ثبوت الوضع ، وعدم لزوم اللغوية بدونه ، لعدم انحصار الفائدة به ، وعدم قرينة أُخرى ملازمة له ، وعلّيته فيما إذا استفيدت غير مقتضية له ، كما لا يخفى ، ومع كونها بنحو الانحصار وأنّ كانت مقتضية له ، إلّا إنّه لم يكن من مفهوم الوصف ، ضرورة إنّه قضية العلة الكذائية المستفادة من القرينة عليها في خصوص مقام ، وهو مما لا إشكال فيه ولا كلام ، فلا وجه لجعله تفصيلا في محلّ النزاع ، وموردا للنقض والابرام.
ولا ينافي ذلك ما قيل من أن الأصل في القيد أن يكون احترازيا ، لأن الاحترازية لا توجب إلّا تضييق دائرة موضوع الحكم في القضية ، مثل ما إذا كان بهذا الضيق بلفظ واحد ، فلا فرق أن يقال : (جئني بإنسان ) أو ( بحيوان ناطق ) ، كما إنّه لا يلزم في حمل المطلق على المقيد ، فيما وجد شرائطه إلّا ذلك ، من دون حاجة فيه إلى دلالته على المفهوم ، فإنّه من المعلوم أن قضية الحمل ليس إلّا أن المراد بالمطلق هو المقيد ، وكأنه لا يكون في البين غيره ، بل ربما قيل (1) :
__________________
1 ـ مطارح الأنظار / 183. 
 
إنّه لا وجه للحمل لو كان بلحاظ المفهوم ، فإن ظهوره فيه ليس بأقوى من ظهور المطلق في الإِطلاق ، كي يحمل عليه ، لو لم نقل بإنّه الأقوى ، لكونه بالمنطوق ، كما لا يخفى.
وأما الاستدلال على ذلك ـ أيّ عدم الدلالة على المفهوم ـ بآية ( وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم ) (1) ففيه أن الاستعمال في غيره أحياناً مع القرينة مما لا يكاد ينكر ، كما في الآية قطعاً ، مع إنّه يعتبر في دلالته عليه عند القائل بالدلالة ، أن لا يكون وارداً مورد الغالب كما في الآية ، ووجه الاعتبار واضح ، لعدم دلالته معه على الاختصاص ، وبدونها لا يكاد يتوهم دلالته على المفهوم ، فافهم.
تذنيب : لا يخفى إنّه لا شبهة في جريان النزاع ، فيما إذا كان الوصف أخص من موصوفه ولو من وجه ، في مورد الافتراق من جانب الموصوف ، وأما في غيره ، ففي جريإنّه إشكال أظهره عدم جريإنّه ، وأنّ كان يظهر مما عن بعضٍ الشافعية (2) ، حيث قال : ( قولنا في الغنم السائمة زكاة ، يدلّ على عدم الزكاة في معلوفة الابل ) جريإنّه فيه ، ولعل وجهه استفادة العلّية المنحصرة منه.
وعليه فيجري فيما كان الوصف مساوياً أو أعم مطلقاً أيضاً ، فيدل على انتفاء سنخ الحكم عند انتفائه ، فلا وجه في التفصيل بينهما وبين ما إذا كان أخص من وجه (3) ، فيما إذا كان الافتراق من جانب الوصف ، بإنّه لا وجه للنزاع فيهما ، معللا بعدم الموضوع ، واستظهار جريإنّه من بعضٍ الشافعية فيه ، كما لا يخفى ، فتأمل جيداً.
__________________
1 ـ النساء / 23.
2 ـ راجع المنخول للغزالي / 222 ، في مسائل المفهوم ، عند قوله : ( كقوله : في عوامل الابل زكاة ... الخ ).
3 ـ التفصيل للشيخ ، مطارح الأنظار 182 ، عند قوله قده : ثم إن الوصف قد يكون مساوياً ... الخ. 

 
فصل
هل الغاية في القضية تدلّ على ارتفاع الحكم عما بعد الغاية ، بناءً على دخول الغاية في المغّيا ، أو عنها وبعدها ، بناءً على خروجها ، أو لا؟
فيه خلاف ، وقد نسب (1) إلى المشهور الدلالة على الارتفاع ، وإلى جماعة منهم السيد (2) والشيخ (3) ، عدم الدلالة عليه.
والتحقيق : إنّه إذا كانت الغاية بحسب القواعد العربية قيداً للحكم ، كما في قوله : ( كلّ شيء حلال حتى تعرف إنّه حرام ) (4) ، و ( كلّ شيء طاهر حتى تعلم إنّه قذر ) (5) ، كانت دالّة على ارتفاعه عند حصولها ، لانسباق ذلك منها ، كما لا يخفى ، وكونه قضية تقييده بها ، وإلاّ لما كان ما جعل غاية له بغاية ، وهو واضح إلى النهاية.
وأما إذا كانت بحسبها قيداً للموضوع ، مثل ( سر من البصرة إلى
__________________
1 ـ كما في مطارح الأنظار / 186 ، في مفهوم الغاية ، المقام الثاني.
2 ـ الذريعة 1 / 407 ، في عدم الفرق بين الوصف والغاية.
3 ـ راجع عدة الأصول 2 / 24 ، تعليق الحكم بالغاية.
هو ابو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي ، ولد سنة 385 ، قدم العراق سنة 408 ه‍ ، تتلمذ على الشيخ المفيد والسيد المرتضى وابي الحسين علي بن احمد بن محمد بن ابي الجيد القمي ، ثم هاجر إلى مشهد امير المؤمنين (ع) خوفاً من الفتنة التي تجددت ببغداد واحرقت كتبه وكرسي درسه ، بقي في النجف إلى ان توفي سنة 460 ه‍ له مصنفات كثيرة منها : « التبيان » و « التهذيب » و « الاستبصار » و « المبسوط » و « الخلاف » و « العدة » في الأصول. ( الكنى والالقاب 2 / 357 )
4 ـ الكافي : 5 / 313. الحديث 40 من باب النوادر ، كتاب المعيشة. باختلاف يسير.
5 ـ التهذيب : 1 / 284. الحديث 119. باختلاف يسير. 
 
الكوفة ) ، فحالها حال الوصف في عدم الدلالة ، وأنّ كان تحديده بها بملاحظة حكمه وتعلق الطلب به ، وقضيته ليس إلّا عدم الحكم فيها إلّا بالمغيّا ، من دون دلالة لها أصلاً على انتفاء سنخه عن غيره ، لعدم ثبوت وضع لذلك ، وعدم قرينة ملازمة لها ولو غالباً ، دلت على اختصاص الحكم به ، وفائدة التحديد بها كسائر أنحاء التقييد ، غير منحصرة بإفادته كما مرّ في الوصف.
ثم إنّه في الغاية خلاف آخر ، كما أشرنا إليه ، وهو إنّها هل هي داخلة في المغيّا بحسب الحكم ، أو خارجة عنه؟ والاظهر خروجها ، لكونها من حدوده ، فلا تكون محكومة بحكمه ، ودخوله فيه في بعضٍ الموارد إنّما يكون بالقرينة ، وعليه تكون كما بعدها بالنسبة إلى الخلاف الأوّل ، كما إنّه على القول الآخر تكون محكومة بالحكم منطوقاً ، ثم لا يخفى أن هذا الخلاف لا يكاد يعقل جريإنّه فيما إذا كان قيداً للحكم ، فلا تغفل (1).
فصل
لا شبهة في دلالة الاستثناء على اختصاص الحكم ـ سلباً أو إيجاباً ـ بالمستثنى منه ولا يعم المستثنى ، ولذلك يكون الاستثناء من النفي إثباتاً ، ومن الإِثبات نفياً ، وذلك للانسباق عند الإِطلاق قطعاً ، فلا يعبأ بما عن أبي حنيفة (2) من عدم الإِفادة ، محتجاً بمثل ( لا صلاة إلّا بطهور ) ضرورة ضعف احتجاجه :
__________________
1 ـ حيث أن المغيّا حينئذ هو نفس الحكم ، لا المحكوم به ليصحّ أن ينازع في دخول الغاية في حكم المغيّا ، أو خارج عنه ، كما لا يخفى ، نعم يعقل أن ينازع في أن الظاهر هل هو انقطاع الحكم المغيّا بحصول غايته [ في ] الاصطلاح ، أيّ مدخول إلى أو حتى. أو استمراره في تلك الحال ، ولكن الأظهر هو انقطاعه ، فافهم واستقم ، ( منه 1 ).
2 ـ راجع شرح مختصر الأصول للعضدي / 265 ، والتقرير والتحبير 1 / 313.
 
 
أولا : يكون المراد من مثله (1) إنّه لا تكون الصلاة التي كانت واجدة لاجزائها وشرائطها المعتبرة فيها صلاة ، إلّا إذا كانت واجدة للطهارة ، وبدونها لا تكون صلاة على وجه ، وصلاة تامة مأموراً بها على آخر.
وثانياً : بأن الاستعمال مع القرينة ، كما في مثل التركيب ، مما علم فيه الحال لا دلالة له على مدعاه أصلاً ، كما لا يخفى.
ومنه قد انقدح (2) إنّه لا موقع للاستدلال على المدَّعى ، بقبول رسول الله 9 إسلام من قال كلمة التوحيد ، لإمكان دعوى أن دلالتها على التوحيد كان بقرينة الحال أو المقال.
والاشكال في دلالتها عليه ـ بأن خبر ( لا ) امّا يقدّر ( ممكن ) أو ( موجود ) وعلى كلّ تقدير لا دلالة لها عليه ، امّا على الأوّل : فإنّه (3) حينئذ لا دلالة لها إلّا على إثبات إمكان وجوده تبارك وتعالى ، لا وجوده ، وأما على الثّاني : فلأنها وأنّ دلت على وجوده تعالى ، إلّا إنّه لا دلالة لها على عدم إمكان إله آخر ـ مندفع ، بأن المراد من الاله هو واجب الوجود ؛ ونفي ثبوته ووجوده في الخارج ، وإثبات فرد منه فيه ـ وهو الله ـ يدلّ بالملازمة البينة على امتناع تحققه في ضمن غيره تبارك وتعالى ، ضرورة إنّه لو لم يكن ممتنعا لوجد ، لكونه من أفراد الواجب.
__________________
أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي الكوفي ولد عام 80 ه‍ ، امام الحنفية ،ـ احد الأئمة الأربعة عند اهل السنة ، قيل اصله من ابناء فارس ، ولد ونشأ بالكوفة ، وكان يبيع الخز ويطلب العلم في صباه ثم انقطع للتدريس والافتاء ، توفي ببغداد عام 150 ه‍ ( ) الكنى والالقاب 1 / 50 )
1 ـ بل المراد من مثله في المستثنى منه نفي الإِمكان ، وإنّه لا يكاد يكون بدون المستثنى ، قضيته ليس إلّا إمكان ثبوته معه لا ثبوته فعلاً ، لما هو واضح لمن راجع أمثاله من القضايا العرفية ، منه ( 1 ).
2 ـ ردّ على صاحب الفصول والشيخ 1 أنظر الفصول / 195 ، مطارح الأنظار / 187
3 ـ في « ب » فلإنّه. 
 
ثم إن الظاهر أن دلالة الاستثناء على الحكم في طرف المستثنى بالمفهوم ، وإنّه لازم خصوصية الحكم في جانب المستثنى منه التي دلت عليها الجملة الاستثنائية ، نعم لو كانت الدلالة في طرفه بنفس الاستثناء لا بتلك الجملة ، كانت بالمنطوق ، كما هو ليس ببعيد ، وأنّ كان تعيين ذلك لا يكاد يفيد.
ومما يدلّ على الحصر والاختصاص ( إنّما ) ، وذلك لتصريح أهل اللغة بذلك ، وتبادره منها قطعاً عند أهل العرف والمحاورة.
ودعوى ـ أن الإِنصاف (1) إنّه لا سبيل لنا إلى ذلك ، فإن موارد استعمال هذه اللفظة مختلفة ، ولا يعلم بما هو مرادف لها في عرفنا ، حتى يستكشف منها (2) ما هو المتبادر منها ـ غير مسموعة ، فإن السبيل إلى التبادر لا ينحصر بالانسباق إلى أذهاننا ، فإن الانسباق إلى أذهان أهل العرف أيضاً سبيل.
وربما يعد مما دلّ على الحصر ، كلمة ( بل ) الإِضرابية.
والتحقيق أن الإِضراب على أنحاء :
منها : ماكان لأجل أن المضرب عنه ، إنّما أتى به غفلة أو سبقه به لسإنّه ، فيضرب بها عنه إلى ما قصد بيإنّه ، فلا دلالة له على الحصر أصلاً ، فكإنّه أتى بالمضرب إليه ابتداء ، كما لا يخفى.
ومنها : ما كان لأجل التأكيد ، فيكون ذكر المضرب عنه كالتوطئة والتمهيد لذكر المضرب إليه ، فلا دلالة له عليه أيضاً.
ومنها : ما كان في مقام الردع ، وإبطال ما أثبت أولاً ، فيدل عليه (3) وهو
__________________
1 ـ المدعي هو الشيخ ( قدس ) مطارح الأنظار / 188.
2 ـ في « ب » : منه.
3 ـ إذا كان بصدد الردع عنه ثبوتاً ، وأما إذا كان بصدده إثباتاً ، كما إذا كان مثلاً بصدد بيان إنّه إنّما أثبته أولاً بوجه لا يصحّ معه الإِثبات اشتباها ، فلا دلالة له على الحصر أيضاً ، فتأمل جيداً ( منه 1 )  

 
واضح.
ومما يفيد الحصر ـ على ما قيل ـ تعريف المسند إليه باللام.
والتحقيق إنّه لا يفيده إلّا فيما اقتضاه المقام ، لأن الأصل في اللام أن تكون لتعريف الجنس ، كما أن الأصل في الحمل في القضايا المتعارفة ، هو الحمل المتعارف الذي ملاكه مجرد الاتحاد في الوجود ، فإنّه الشائع فيها ، لا الحمل الذاتي الذي ملاكه الاتحاد بحسب المفهوم ، كما لا يخفى ، وحمل شيء على جنس وماهية كذلك ، لا يقتضي اختصاص تلك الماهية به وحصرها عليه ، نعم ، لو قامت قرينة على أن اللام للاستغراق ، أو أن مدخوله أخذ بنحو الإرسال والإِطلاق ، أو على أن الحمل عليه كان ذاتيا لاُفيد حصر مدخوله على محموله واختصاصه به.
وقد انقدح بذلك الخلل في كثير من كلمات الأعلام في المقام ، وما وقع منهم من النقض والإبرام ، ولا نطيل بذكرها فإنّه بلا طائل ، كما يظهر للمتأمل ، فتأمل جيداً.
فصل لا دلالة للقب ولا للعدد على المفهوم ، وانتفاء سنخ الحكم عن غير موردهما أصلاً ، وقد عرفت أن انتفاء شخصه ليس بمفهوم ، كما أن قضية التقييد بالعدد منطوقاً عدم جواز الاقتصار على ما دونه ، لإنّه ليس بذاك الخاص والمقيد ، وأما الزيادة فكالنقيصة إذا كان التقييد به للتحديد بالإضافة إلى كلاّ طرفيه ، نعم لو كان لمجرد التحديد بالنظر إلى طرفه الأقلّ لما كان في الزيادة ضير أصلاً ، بل ربما كان فيها فضيلة وزيادة ، كما لا يخفى.
وكيف كان ، فليس عدم الاجتزاء بغيره من جهة دلالته على المفهوم ، بل إنّما يكون لأجل عدم الموافقة مع ما أخذ في المنطوق ، كما هو معلوم.
 

ادامه نوشته