اصول فقه

کفاية الاصول - قسمت ششم

المقصد الرابع : في العام والخاص
فصل
قد عرفّ (1) العام بتعاريف ، وقد وقع من الأعلام فيها النقض بعدم الاطراد تارةً والانعكاس أُخرى بما لا يليق بالمقام ، فإنّها تعاريف لفظية ، تقع في جواب السؤال عنه ب‍ ( ما ) (2) الشارحة ، لا واقعة في جواب السؤال عنه ب‍ ( ما ) (3) الحقيقية ، كيف؟ وكان المعنى المركوز منه في الأذهان أوضح مما عرفّ به مفهوماً و مصداقاً ، ولذا يجعل صدق ذاك المعنى على فرد وعدم صدقه ، المقياس في الإِشكال عليها بعدم الاطراد أو الانعكاس بلا ريب فيه ولا شبهة تعتريه من أحد ، والتعريف لابد أن يكون بالاجلى ، كما هو أوضح من أن يخفى.
فالظاهر أن الغرض من تعريفه ، إنّما هو بيان ما يكون بمفهومه جامعاً بين ما لا شبهة في إنّها أفراد العام ، ليشار به إليه في مقام إثبات ما له من الأحكام ، لا بيان ما هو حقيقته (4) وماهيته ، لعدم تعلق غرض به بعد وضوح ما هو محلّ الكلام بحسب الأحكام من أفراده ومصاديقه ، حيث لا يكون بمفهومه العام محلاً لحكم من الأًحكام.
__________________
1 ـ راجع معارج الأصول / 81 ، وزبدة الأصول / 95 ، والمستصفى 2 / 32.
2 و 3 ـ في « أ » : بالما ، وفي « ب » : بالماء.
4 ـ في « ب » حقيقة.  

 
ثم الظاهر أن ما ذكر له من الأقسام : من الاستغراقي (1) والمجموعي والبدلي إنّما هو باختلاف كيفية تعلق الأحكام به ، وإلاّ فالعموم في الجميع بمعنى واحد ، وهو شمول المفهوم لجميع ما يصلح أن ينطبق عليه ، غاية الأمر أن تعلق الحكم به تارةً بنحو يكون كلّ فرد موضوعاً على حدة للحكم ، وأخرى بنحو يكون الجميع موضوعاً واحداً ، بحيث لو أخلّ بإكرام واحد في ( أَكرم كلّ فقيه ) مثلاً ، لما امتثل أصلاً ، بخلاف الصورة الأولى ، فإنّه أطاع وعصى ، وثالثة بنحو يكون كلّ واحد موضوعاً على البدل ، بحيث لو أَكرم واحداً منهم ، لقد أطاع وامتثل ، كما يظهر لمن أمعن النظر وتأمل.
وقد انقدح أن مثل شمول عشرة وغيرها لآحادها المندرجة تحتها ليس من العموم ، لعدم صلاحيتها بمفهومها للانطباق على كلّ واحد منها ، فافهم.
فصل
لا شبهة في أن للعموم صيغة تخصه ـ لغةً وشرعا ـ كالخصوص كما يكون ما يشترك بينهما ويعمهما ، ضرورة أن مثل لفظ ( كلّ ) وما يرادفه في أيّ لغةً كان يخصه ، ولا يخص الخصوص ولا يعمه ، ولا ينافي اختصاصه به استعماله في الخصوص عناية ، بادعاء إنّه العموم ، أو بعلاقة العموم والخصوص.
ومعه لا يصغى إلى أن إرادة الخصوص متيقنة ، ولو في ضمنه بخلافه ، وجعل اللفظ حقيقة في المتيقن أولى ، ولا إلى أن التخصيص قد اشتهر وشاع ، حتى قيل : ( ما من عام إلّا وقد خص ) ، والظاهر يقتضي كونه حقيقة ، لما هو الغالب تقليلاً للمجاز ؛ مع أن تيقن إرادته لا يوجب اختصاص الوضع به ، مع
__________________
1 ـ إن قلت : كيف ذلك؟ ولكل واحد منها لفظ غير ما للآخر ، مثل ( أيّ رجل ) للبدلي ، و ( كلّ رجل ) للاستغراقي.
قلت : نعم ، ولكنه لا يقتضي أن تكون هذه الأقسام له بملاحظة إختلاف كيفية تعلق الأحكام ، لعدم إمكان تطرق هذه الأقسام إلّا بهذه الملاحظة ، فتأمل جيداً منه ( 1 ). 
 
كون العموم كثيراً ، ما يراد ، واشتهار التخصيص لا يوجب كثرة المجاز ، لعدم الملازمة بين التخصيص والمجازية ، كما يأتي توضيحه ، ولو سلّم فلا محذور فيه أصلاً إذا كان بالقرينة ، كما لا يخفى.
فصل
ربما عد من الألفاظ الدالة على العموم ، النكرة في سياق النفي أو النهي ، ودلالتها عليه لا ينبغي أن تنكر عقلاً ، لضرورة إنّه لا يكاد يكون طبيعة معدومة ، إلّا إذا لم يكن فرد منها بموجود ، وإلاّ كانت موجودة ، لكن لا يخفى إنّها تفيده إذا أخذت مرسلة (1) لا مبهمة قابلة للتقيد ، وإلاّ فسلبها لا يقتضي إلّا استيعاب السلب ، لما أُريد منها يقيناً ، لا استيعاب ما يصلح انطباقها عليه من أفرادها. وهذا لا ينافي كون دلالتها عليه عقلية ، فإنّها بالإضافة إلى أفراد ما يراد منها ، لا الأفراد التي يصلح لانطباقها عليها ، كما لا ينافي دلالة مثل لفظ ( كلّ ) على العموم وضعاً كون عمومه بحسب ما يراد من مدخوله ، ولذا لا ينافيه تقييد المدخول بقيود كثيرة.
نعم لا يبعد أن يكون ظاهراً عند إطلاقها في استيعاب جميع أفرادها ، وهذا هو الحال في المحلى باللام جمعاً كان أو مفرداً ـ بناءً على إفادته للعموم ـ ولذا لا ينافيه تقييد المدخول بالوصف وغيره ، وإطلاق التخصيص على تقييده ، ليس إلّا من قبيل ( ضيّق فم الركية ) ، لكن دلالته على العموم وضعاً محلّ منع ، بل إنّما يفيده فيما إذا اقتضته الحكمة أو قرينة أُخرى ، وذلك لعدم اقتضائه وضع اللام ولا مدخوله ولا وضع آخر للمركب منهما ، كما لا يخفى ، وربما يأتي في المطلق والمقيد بعضٍ الكلام مما يناسب المقام.
__________________
1 ـ وإحراز الإرسال فيما اضيفت [ إليه ] إنّما هو بمقدمات الحكمة ، فلولاها كانت مهملة ، وهي ليست إلّا بحكم الجزئية ، فلا تفيد إلّا نفي هذه الطبيعة في الجملة ولو في ضمن صنف منها ، فافهم فإنّه لا يخلو من دقة منه ( 1 ).  

 
فصل
لا شبهة في أن العام المخصص بالمتصل أو المنفصل حجة فيما بقى فيما علم عدم دخوله في المخصص مطلقاً ولو كان متصلاً ، وما احتمل دخوله فيه أيضاً إذا كان منفصلاً ، كما هو المشهور (1) بين الأصحاب ، بل لا ينسب الخلاف إلّا إلى بعضٍ (2) أهل الخلاف. وربما فصل (3) بين المخصص المتصل فقيل بحجيته فيه ، وبين المنفصل فقيل بعدم حجيته.
واحتج النافي بالإِجمال ، لتعدد المجازات حسب مراتب الخصوصيات ، وتعيين (4) الباقي من بينها بلا معيّن ترجيح بلا مرجح.
والتحقيق في الجواب أن يقال : إنّه لا يلزم من التخصيص كون العام مجازاً ، امّا في التخصيص بالمتصل ، فلما عرفت من إنّه لا تخصيص أصلاً ، وأنّ أدوات العموم قد استعملت فيه ، وأنّ كان دائرته سعة وضيقاً تختلف باختلاف ذوي الأدوات ، فلفظة ( كلّ ) في مثل ( كلّ رجل ) و ( كلّ رجل عالم ) قد استعملت في العموم ، وأنّ كان أفراد أحدهما بالإضافة إلى الآخر بل في نفسها في غاية القلة.
واما في المنفصل ، فلان إرادة الخصوص واقعاً لا تستلزم استعماله فيه وكون الخاص قرينة عليه ، بل من الممكن قطعاً استعماله معه في العموم قاعدة ، وكون الخاص مانعاً عن حجية ظهوره تحكيما للنص ، أو الأظهر على الظاهر ، لامصادما لاصل ظهوره ، ومعه لا مجال للمصير إلى إنّه قد استعمل فيه مجازاً ، كي يلزم الإِجمال.
__________________
1 ـ أنظر مطارح الأنظار / 192.
2 ـ كأبي ثور وعيسى بن أبان ، راجع الإِحكام في أصول الأحكام ، الجزء الثّاني / 443.
3 ـ كالبلخي ، راجع المصدر المتقدم / 444.
4 ـ في « ب » تعيّن. 
 
لا يقال : هذا مجرد احتمال ، ولا يرتفع به الإِجمال ، لاحتمال الاستعمال في خصوص مرتبة من مراتبه.
فإنّه يقال : مجرد احتمال استعماله فيه لا يوجب إجماله بعد استقرار ظهوره في العموم ، والثابت من مزاحمته بالخاص أنما هو بحسب الحجية تحكيما لما هو الأقوى ، كما أشرنا إليه آنفا.
وبالجملة : الفرق بين المتصل والمنفصل ، وأنّ كان بعدم انعقاد الظهور في الأوّل إلّا في الخصوص ، وفي الثّاني إلّا في العموم ، إلّا إنّه لا وجه لتوهم استعماله مجازاً في واحد منهما أصلاً ، وإنما اللازم الالتزام بحجية الظهور في الخصوص في الأوّل ، وعدم حجية ظهوره في خصوص ما كان الخاص حجة فيه في الثّاني ، فتفطن.
وقد أجيب عن الاحتجاج (1) ، بأن الباقي أقرب المجازات.
وفيه : لا اعتبارٍ في الاقربية بحسب المقدار ، وإنما المدار على الاقربية بحسب زيادة الانس الناشئة من كثرة الاستعمال.
وفي تقريرات بحث شيخنا الأستاذ (2) 1 في مقام الجواب عن الاحتجاج ، ما هذا لفظه : ( والاُولى أن يجاب بعد تسليم مجازية الباقي ، بأن دلالة العام على كلّ فرد من أفراده غير منوطة بدلالته على فرد آخر من أفراده ، ولو كانت دلالة مجازية ، إذ هي بواسطة عدم شموله للافراد المخصوصة ، لا بواسطة دخول غيرها في مدلوله ، فالمقتضي للحمل على الباقي موجود والمانع مفقود ، لأن المانع في مثل المقام إنّما هو ما يوجب صرف اللفظ عن مدلوله ، والمفروض انتفاؤه بالنسبة إلى الباقي لاختصاص المخصص بغيره ، فلو شك فالأصل عدمه ) ، انتهى موضع الحاجة.
__________________
1 ـ الجواب للمحقق القمي والمحقق الحائري ، القوانين 1 / 266 الفصول / 200
2 ـ مطارح الأنظار / 192 ، في العموم والخصوص.  

 
قلت : لا يخفى أن دلالته على كلّ فرد إنّما كانت لأجل دلالته على العموم والشمول ، فإذا لم يستعمل فيه واستعمل في الخصوص ـ كما هو المفروض ـ مجازاً ، وكان إرادة كلّ واحد من مراتب الخصوصيات مما جاز انتهاء التخصيص إليه ، واستعمال العام فيه مجازاً ممكناً ، كان تعيّن (1) بعضها بلا معيّن ترجيحاً بلا مرجح ، ولا مقتضي لظهوره فيه ، ضرورة أن الظهور امّا بالوضع وإما بالقرينة ، والمفروض إنّه ليس بموضوع له ، ولم يكن هناك قرينة ، وليس له موجب آخر ، ودلالته على كلّ فرد على حدة حيث كانت في ضمن دلالته على العموم ، لا يوجب ظهوره في تمام الباقي بعد عدم استعماله في العموم ، إذا لم تكن هناك قرينة على تعيينه ، فالمانع عنه وأنّ كان مدفوعاً بالأصل ، إلّا إنّه لا مقتضي له بعد رفع اليد عن الوضع ، نعم إنّما يجدي إذا لم يكن مستعملاً إلّا في العموم ، كما فيما حققناه في الجواب ، فتأمل جيداً.
فصل
إذا كان الخاص بحسب المفهوم مجملاً ، بأن كان دائراً بين الأقلّ والأكثر وكان منفصلاً ، فلا يسري إجماله إلى العام ، لا حقيقة ولا حكماً ، بل كان العام متّبعاً فيما لا يتبع فيه الخاص ، لوضوح إنّه حجة فيه بلا مزاحم أصلاً ، ضرورة أن الخاص إنّما يزاحمه فيما هو حجة على خلافه ، تحكيما للنص أو الأظهر على الظاهر ، لا فيما لا يكون كذلك ، كما لا يخفى.
وإن لم يكن كذلك بأن كان دائراً بين المتباينين مطلقاً ، أو بين الأقلّ والأكثر فيما كان متصلاً ، فيسري إجماله إليه حكماً في المنفصل المردّد بين المتباينين ، وحقيقة في غيره :
__________________
1 ـ في « أ » : تعيين. 
 
أما الأوّل : فلان العام ـ على ما حققناه (1) ـ كان ظاهراً في عمومه ، إلّا إنّه يتبع ظهوره في واحد من المتباينين اللذين علم تخصيصه بأحدهما.
وأما الثّاني : فلعدم (2) انعقاد ظهور من رأس للعام ، لاحتفاف الكلام بما يوجب احتماله لكلّ واحد من الأقل والأكثر ، أو لكلّ واحد من المتباينين ، لكنه حجة في الأقل ، لإنّه المتيقن في البين.
فانقدح بذلك الفرق بين المتصل والمنفصل ، وكذا في المجمل بين المتباينين والأكثر والاقل ، فلا تغفل.
وأما إذا كان مجملاً بحسب المصداق ، بأن اشتبه فرد وتردد بين أن يكون فرداً له أو باقيا تحت العام ، فلا كلام في عدم جواز التمسك بالعام لو كان متصلاً به ، ضرورة عدم انعقاد ظهور للكلام إلّا في الخصوص ، كما عرفت.
وأما إذا كان منفصلاً عنه ، ففي جواز التمسك به خلاف ، والتحقيق عدم جوازه ، إذ غاية ما يمكن أن يقال في وجه جوازه ، أن الخاص إنّما يزاحم العام فيما كان فعلاً حجة ، ولا يكون حجة فيما اشتبه إنّه من أفراده ، فخطاب ( لا تكرم فساق العلماء ) لا يكون دليلاً على حرمة إكرام من شك في فسقه من العلماء ، فلا يزاحم مثل ( أَكرم العلماء ) ولا يعارضه ، فإنّه يكون من قبيل مزاحمة الحجة بغير الحجة ، وهو في غاية الفساد ، فإن الخاص وأنّ لم يكن دليلاً في الفرد المشتبه فعلاً ، إلّا إنّه يوجب اختصاص حجية العام في غير عنوإنّه من الأفراد ، فيكون ( أَكرم العلماء ) دليلاً وحجة في العالم الغير الفاسق ، فالمصداق المشتبه وأنّ كان مصداقاً للعام بلا كلام ، إلّا إنّه لم يعلم إنّه من مصاديقه بما هو حجة ، لاختصاص حجيته بغير الفاسق.
وبالجملة العام المخصص بالمنفصل ، وأنّ كان ظهوره في العموم ، كما إذا
__________________
1 ـ في صفحة 219.
2 ـ في « ب » : ولعدم. 
 
لم يكن مخصصاً ، بخلاف المخصص بالمتصل كما عرفت ، إلّا إنّه في عدم الحجية إلّا في غير عنوان الخاص مثله ، فحينئذ يكون الفرد المشتبه غير معلوم الاندراج تحت إحدى الحجتين ، فلابد من الرجوع إلى ما هو الأصل في البين ، هذا إذا كان المخصص لفظياً.
وأما إذا كان لبيّاً ، فإن كان مما يصحّ أن يتّكل عليه المتكلم ، إذا كان بصدد البيان في مقام التخاطب ، فهو كالمتصل ، حيث لا يكاد ينعقد معه ظهور للعام إلّا في الخصوص ، وأنّ لم يكن كذلك ، فالظاهر بقاء العام في المصداق المشتبه على حجيته كظهوره فيه.
والسّر في ذلك ، أن الكلام الملقى من السيد حجة ، ليس إلّا ما اشتمل على العام الكاشف بظهوره عن إرادته للعموم ، فلابد من اتباعه ما لم يقطع بخلافه ، مثلاً إذا قال المولى : ( أَكرم جيراني ) وقطع بإنّه لا يريد إكرام من كان عدوّاً له منهم ، كان أصالة العموم باقية على الحجية بالنسبة إلى من لم يعلم بخروجه عن عموم الكلام ، للعلم بعدواته ، لعدم حجة أُخرى بدون ذلك على خلافه ، بخلاف ما إذا كان المخصص لفظياً ، فإن قضية تقديمه عليه ، هو كون الملقى إليه كإنّه كان من رأس لا يعم الخاص ، كما كان كذلك حقيقة فيما كان الخاص متصلاً ، والقطع بعدم إرادة العدوّ لا يوجب انقطاع حجيته ، إلّا فيما قطع إنّه عدّوه ، لا فيما شك فيه ، كما يظهر صدق هذا من صحة مؤاخذة المولى له لو لم يكرم واحداً من جيرإنّه لاحتمال عداوته له ، وحسن عقوبته على مخالفته ، وعدم صحة الاعتذار عنه بمجرد احتمال العداوة ، كما لا يخفى على من راجع الطريقة المعروفة ، والسيرة المستمرة المألوفة بين العقلاء التي هي ملاك حجية أصالة الظهور.
وبالجملة :كان بناءً العقلاء على حجيتها بالنسبة إلى المشتبه هاهنا بخلاف هناك ، ولعله لما أشرنا إليه من التفاوت بينهما ، بإلقاء حجتين هناك ، تكون قضيتهما بعد تحكيم الخاص وتقديمه على العام ، كإنّه لم يعمه حكماً من رأس ، 
 
وكأنه لم يكن بعام ، بخلاف هاهنا ، فإن الحجة الملقاة ليست إلّا واحدة ، والقطع بعدم إرادة إكرام العدوّ في ( أَكرم جيراني ) مثلاً ، لا يوجب رفع اليد عن عمومه إلّا فيما قطع بخروجه من تحته ، فإنّه على الحكيم إلقاء كلامه على وفق غرضه ومرامه ، فلابد من اتباعه ما لم تقم حجة أقوى على خلافه.
بل يمكن أن يقال : إن قضية عمومه للمشكوك ، إنّه ليس فرداً لما علم بخروجه من حكمه بمفهومه ، فيقال في مثل ( لعن الله بني أمية قاطبة ) (1) : إن فلاناً وأنّ شك في إيمإنّه يجوز لعنه لمكان العموم ، وكل من جاز لعنه لا يكون مؤمناً ، فينتج إنّه ليس بمؤمن ، فتأمل جيداً.
إيقاظ : لا يخفى أن الباقي تحت العام بعد تخصيصه بالمنفصل أو كالاستثناء من المتصل ، لما كان غير معنون بعنوان خاص ، بل بكل عنوان لم يكن ذاك بعنوان الخاص ، كان إحراز المشتبه منه بالأصل الموضوعي في غالب الموارد ـ إلّا ما شذ ـ ممكناً ، فبذلك يحكم عليه بحكم العام وأنّ لم يجز التمسك به بلا كلام ، ضرورة إنّه قلَّما لا يوجد (2) عنوان يجري فيه أصل ينقح به أنّه مما بقي تحته ، مثلاً إذا شك أن أمراًة تكون قرشية ، فهي وأنّ كانت وجدت امّا قرشية أو غيرها ، فلا أصل يحرز إنّها قرشية أو غيرها ، إلّا أن أصالة عدم تحقق الانتساب بينها وبين قريش (3) تجدي في تنقيح إنّها ممن لا تحيض إلّا إلى خمسين ، لأن المرأة التي لا يكون بينها وبين قريش (4) انتساب أيضاً باقية تحت ما دلّ على أن المرأة إنّما ترى الحمرة إلى خمسين ، والخارج عن تحته هي القرشية ، فتأمل تعرف.
وهم وإزاحة : ربما يظهر عن بعضهم التمسك بالعمومات فيما إذا شك
__________________
1 ـ كامل الزيارات / 176 ، الباب 71.
2 ـ في « ب » : لم يوجد.
3 و 4 ـ في « أ و ب » القريش. 
 
في فرد ، لا من جهة احتمال التخصيص ، بل من جهة أُخرى ، كما إذا شك في صحة الوضوء أو الغسل بمائع مضاف ، فيستكشف صحته بعموم مثل ( أوفوا بالنذور ) فيما إذا وقع متعلقاً للنذر ، بأن يقال : وجب الإِتيان بهذا الوضوء وفاء للنذر للعموم ، وكل ما يجب الوفاء به لا محالة يكون صحيحاً ، للقطع بإنّه لولا صحته لما وجب الوفاء به ، وربما يؤيد ذلك بما ورد من صحة الإِحرام والصيام قبل الميقات (1) وفي السفر (2) إذا تعلق بهما النذر كذلك.
والتحقيق أن يقال : إنّه لا مجال لتوهم الاستدلال بالعمومات المتكلفة لأَحكام العناوين الثانوية فيما شك من غير جهة تخصيصها ، إذا أخذ في موضوعاًتها أحد الأحكام المتعلقة بالافعال بعناوينها الأولية (3) ، كما هو الحال في وجوب إطاعة الوالد ، والوفاء بالنذر وشبهه في الأمور المباحة أو الراجحة ، ضرورة إنّه معه لا يكاد يتوهم عاقل إنّه إذا شك في رجحان شيء أو حليته جواز التمسك بعموم دليل وجوب الإطاعة أو الوفاء في رجحإنّه أو حليته.
نعم لا بأس بالتمسك به في جوازه بعد إحراز التمكن منه والقدرة عليه _ فيما لم يؤخذ في موضوعاًتها حكم أصلاً ، فإذا شك في جوازه صحّ (4) التمسك بعموم دليلها في الحكم بجوازها ، وإذا كانت محكومة بعناوينها الأولية بغير حكمها بعناوينها الثانوية ، وقع (5) المزاحمة بين المقتضيين ، ويؤثر الأقوى منهما لو
__________________
1 ـ التهذيب 5 / 53 ، الأحاديث 8 إلى 10 من باب 6 المواقيت.
الاستبصار 2 / 161 الأحاديث 8 إلى 10 من باب 93 من أحرم قبل الميقات ، وللمزيد راجع وسائل الشيعة 8 / 236 الباب 13 من ابواب المواقيت.
2 ـ التهذيب 4 / 235 الحديث 63 و 64 من باب 57 حكم المسافر والمريض في الصيام وللمزيد راجع وسائل الشيعة 7 / 139 الباب 10 من ابواب من يصحّ منه الصوم الحديث 1 و 7.
3 ـ في « أ » : الأولوية.
4 ـ في « أ » : فصح.
5 ـ في « أ » : فتقع. 
 
كان في البين ، وإلاّ لم يؤثر أحدهما ، وإلاّ لزم الترجيح بلا مرجح ، فليحكم عليه حينئذ بحكم آخر ، كالاباحة إذا كان أحدهما مقتضياً للوجوب والآخر للحرمة مثلاً.
وأما صحة الصوم في السفر بنذره فيه ـ بناءً على عدم صحته فيه بدونه ـ وكذا الإِحرام قبل الميقات ، فإنما هو لدليل خاص ، كاشف عن رجحإنّهما ذاتاً في السفر وقبل الميقات ، وإنما لم يأمر بهما استحباباً أو وجوباً لمانع يرتفع مع النذر ، وإما لصيرورتهما راجحين بتعلق النذر بهما بعد ما لم يكونا كذلك ، كما ربما يدلّ عليه ما في الخبر من كون الإِحرام قبل الميقات كالصلاة قبل الوقت (1).
لا يقال : لا يجدي صيرورتهما راجحين بذلك في عباديتهما ، ضرورة كون وجوب الوفاء توصلياً لا يعتبر في سقوطه إلّا الإِتيان بالمنذور بأي داع كان.
فإنّه يقال : عباديتهما إنّما تكون لأجل كشف دليل صحتهما عن عروض عنوان راجح عليهما ، ملازم لتعلق النذر بهما ، هذا لو لم نقل بتخصيص عموم دليل اعتبارٍ الرجحان في متعلق النذر بهذا الدليل ، وإلاّ أمكن أن يقال بكفاية الرجحان الطارىء عليهما من قبل النذر في عباديتهما ، بعد تعلق النذر بإتيإنّهما عبادياً ومتقرباً بهما منه تعالى ، فإنّه وأنّ لم يتمكن من إتيإنّهما كذلك قبله ، إلّا إنّه يتمكن منه بعده ، ولا يعتبر في حصة النذر إلّا التمكن من الوفاء ولو بسببه ، فتأمل جيداً.
بقي شيء ، وهو إنّه هل يجوز التمسك بأصالة عدم التخصيص؟ في إحراز عدم كون ما شك في إنّه من مصاديق العام ، مع العلم بعدم كونه محكوماً
__________________
1 ـ لم نعثر على الخبر المشار إليه في المتن ، ولكن ورد إنّه كمن صلّى في السفر اربعاً وترك الثنتين.
راجع الكافي 4 / 321 الحديث 2 ، 6 من باب من احرم دون الوقت.  

 
بحكمه ، مصداقاً له؟ مثل ما إذا علم أن زيداً يحرم إكرامه ، وشك في إنّه عالم ، فيحكم عليه بأصالة عدم تخصيص ( أَكرم العلماء ) إنّه ليس بعالم ، بحيث يحكم عليه بسائر ما لغير العالم من الأًحكام.
فيه إشكال ، لاحتمال اختصاص حجيتها بما إذا شك في كون فرد العام محكوماً بحكمه ، كما هو قضية عمومه ، والمثبت من الأصول اللفظية وأنّ كان حجة ، إلّا إنّه لابد من الاقتصار على ما يساعد عليه الدليل ، ولا دليل هاهنا إلّا السيرة وبناء العقلاء ، ولم يعلم استقرار بنائهم على ذلك ، فلا تغفل.
فصل
هل يجوز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص؟ فيه خلاف ، وربما نفي (1) الخلاف عن عدم جوازه ، بل ادعي الاجماع (2) عليه ، والذي ينبغي أن يكون محلّ الكلام في المقام ، إنّه هل يكون أصالة العموم متبعة مطلقاً؟ أو بعد الفحص عن المخصص واليأس عن الظفر به؟ بعد الفراغ عن (3) اعتبارها بالخصوص في الجملة ، من باب الظن النوعي للمشافه وغيره ، ما لم يعلم بتخصيصه تفصيلا ، ولم يكن من أطراف ما علم تخصيصه إجمالاً ، وعليه فلا مجال لغير واحد مما استدل به على عدم جواز العمل به قبل الفحص والياس.
فالتحقيق عدم جواز التمسك به قبل الفحص ، فيما إذا كان في معرض التخصيص كما هو الحال في عمومات الكتاب والسنة ، وذلك لأجل إنّه لولا القطع باستقرار سيرة العقلاء على عدم العمل به قبله ، فلا أقل من الشك ،
__________________
1 ـ الغزالي في المستصفى 2 / 157.
2 ـ مطارح الأنظار / 197 ، قال : « بل ادعى عليه الاجماع كما عن النهاية » ولم نعثر عليه في مظإنّه من النهاية ، راجع نهاية الأصول / 139. ونقل الاجماع عن الغزالي والامدي ، راجع فواتح الرحموت 1 / 267.
3 ـ في « ب » : من. 
 
كيف؟ وقد ادعي الاجماع على عدم جوازه ، فضلاً عن نفي الخلاف عنه ، وهو كافٍ في عدم الجواز ، كما لا يخفى.
وأما إذا لم يكن العام كذلك ، كما هو الحال في غالب العمومات الواقعة في السنة أهل المحاورات ، فلا شبهة في أن السيرة على العمل به بلا فحص عن مخصص ، وقد ظهر لك بذلك أن مقدار الفحص اللازم ما به يخرج عن المعرضية له ، كما أن مقداره اللازم منه بحسب سائر الوجوه التي استدل بها من العلم الإِجمالي به (1) أو حصول الظن بما هو التكليف (2) ، أو غير ذلك رعايتها ، فيختلف مقداره بحسبها ، كما لا يخفى.
ثم إن الظاهر عدم لزوم الفحص عن المخصص المتصل ، باحتمال إنّه كان ولم يصل ، بل حاله حال احتمال قرينة المجاز ، وقد اتفقت كلماتهم على عدم الاعتناء به مطلقاً ، ولو قبل الفحص عنها ، كما لا يخفى.
إيقاظ : لا يذهب عليك الفرق بين الفحص هاهنا ، وبينه في الأصول العملية ، حيث إنه هاهنا عما يزاحم الحجة (3) ، بخلافه هناك ، فإنّه بدونه لا حجة ، ضرورة أن العقل بدونه يستقل باستحقاق المؤاخذة على المخالفة ، فلا يكون العقاب بدونه بلا بيان والمؤاخذة عليها من غير برهان ، والنقل وأنّ دلّ على البراءة أو الاستصحاب في موردهما مطلقاً ، إلّا أن الاجماع بقسميه على تقييده به ، فافهم.
فصل
هل الخطابات الشفاهية مثل : ( يا أيها المؤمنون ) تختص بالحاضر مجلس التخاطب ، أو تعم غيره من الغائبين ، بل المعدومين؟
__________________
1 ـ استدل بهذا الوجه الشيخ ( قده ) مطارح الأنظار / 202 ، رابعها.
2 ـ راجع زبدة الأصول / 97.
3 ـ في « ب » : الحجية.  

 
فيه خلاف ، ولابد قبل الخوض في تحقيق المقام ، من بيان ما يمكن أن يكون محلاً للنقض والأبرام بين الأعلام.
فاعلم إنّه يمكن أن يكون النزاع في أن التكليف المتكفل له الخطاب هل يصحّ تعلقه بالمعدومين ، كما صحّ تعلقه بالموجودين ، أم لا؟ أو في صحة المخاطبة معهم ، بل مع الغائبين عن مجلس الخطاب بالالفاظ الموضوعة للخطاب ، أو بنفس توجيه الكلام إليهم ، وعدم صحتها ، أو في عموم الألفاظ الواقعة عقيب أداة الخطاب ، للغائبين بل المعدومين ، وعدم عمومها لهما ، بقرينة تلك الاداة.
ولا يخفى أن النزاع على الوجهين الأولين يكون عقلّياً ، وعلى الوجه الأخير لغوياً.
إذا عرفت هذا ، فلا ريب في عدم صحة تكليف المعدوم عقلاً ، بمعنى بعثه أو زجره فعلاً ، ضرورة إنّه بهذا المعنى يستلزم الطلب منه حقيقة ، ولا يكاد يكون الطلب كذلك إلّا من الموجود ضرورة ، نعم هو بمعنى إنشاءً الطلب بلا بعث ولا زجر ، لا استحالة فيه أصلاً ، فإن الانشاء خفيف المؤونة ، فالحكيم تبارك وتعالى نيشىء على وفق الحكمة والمصلحة ، طلب شيء قانوناً من الموجود والمعدوم حين الخطاب ، ليصير فعلّياً بعد ما وجد الشرائط وفقد الموانع بلا حاجة إلى إنشاءً آخر ، فتدبر.
ونظيره من غير الطلب إنشاءً التمليك في الوقف على البطون ، فإن المعدوم منهم يصير مالكا للعين الموقوفة ، بعد وجوده بإنشائه ، ويتلقى لها من الواقف بعقده ، فيؤثر في حق الموجود منهم الملكية الفعلية ، ولا يؤثر في حق المعدوم فعلاً ، إلّا استعدادها لأن تصير ملكا له بعد وجوده ، هذا إذا اُنشىء الطلب مطلقاً.
وأما إذا اُنشىء مقيداً بوجود المكلف ووجد إنّه الشرائط ، فإمكإنّه بمكان 
 
من الإِمكان.
وكذلك لا ريب في عدم صحة خطاب المعدوم بل الغائب حقيقة ، وعدم إمكانه ، ضرورة عدم تحقق توجيه الكلام نحو الغير حقيقة إلّا إذا كان موجوداً ، وكان بحيث يتوجه إلى الكلام ، ويلتفت إليه.
ومنه قد انقدح أن ما وضع للخطاب ، مثل أدوات النداء ، لو كان موضوعاً للخطاب الحقيقي ، لأوجب استعماله فيه تخصيص ما يقع في تلوه بالحاضرين ، كما أن قضية إرادة العموم منه لغيرهم استعماله في غيره ، لكن الظاهر أن مثل أدوات النداء لم يكن موضوعاً لذلك ، بل للخطاب الإِيقاعي الإنشائي ، فالمتكلم ربما يوقع الخطاب بها تحسّراً وتأسفاً وحزناً مثل :
يا كوكباً ما كان أقصر عمره (1)
         .................
 
أو شوقاً ، ونحو ذلك ، كما يوقعه مخاطباً لمن يناديه حقيقة ، فلا يوجب استعماله في معناه الحقيقي ـ حينئذ ـ التخصيص بمن يصحّ مخاطبته ، نعم لا يبعد دعوى الظهور ، انصرافاً في الخطاب الحقيقي ، كما هو الحال في حروف الاستفهام والترجي والتمني وغيرها ، على ما حققناه في بعضٍ المباحث السابقة (2) ، من كونها موضوعة للإِيقاعي منها بدواع مختلفة مع ظهورها في
__________________
1 ـ وعجزه .... وكذاك عمر كواكب الاسحار.
وهو من رائية ابو الحسن التهامي في رثاء ولده الذي مات صغيرا ، وهي في غاية الحسن والجزالة وفخامة المعنى وجودة السرد وصدرها :
حكم المنية في البرية جاري
         ما هذه الدنيا بدار قرار
 
سجن بالقاهرة سنة 416 ثم قتل سرا. رأه بعضٍ اصحابه بعد موته في المنام وساله عن حاله قال : غفر لي ربي ، فقال : باي الأعمال. قال : بقولي في مرثية ولدي الصغير :
جاورت اعدائي وجاور ربه
         شتان بين جواره وجواري
 
( شهداء الفضيلة : 24 )
2 ـ في مبحث الأوامر / 64.
 
الواقعي منها انصرافاً ، إذا لم يكن هناك ما يمنع عنه ، كما يمكن دعوى وجوده غالباً في كلام الشارع ، ضرورة وضوح عدم اختصاص الحكم في مثل : ( يا أيها الناس اتقوا ) و ( يا أيها المؤمنون ) بمن حضر مجلس الخطاب ، بلا شبهة ولا ارتياب.
ويشهد لما ذكرنا صحة النداء بالأدوات ، مع إرادة العموم من العام الواقع تلوها بلا عناية ، ولا للتنزيل والعلاقة رعاية.
وتوهمّ كونه ارتكازياً ، يدفعه عدم العلم به مع الالتفات إليه ، والتفتيش عن حاله مع حصوله بذلك لو كان مرتكزاً ، وإلاّ فمن أين يعلم بثبوته كذلك؟ كما هو واضح.
وإن أبيت إلّا عن وضع الأدوات للخطاب الحقيقي ، فلا مناص عن التزام اختصاص الخطابات الإلهية بأداة الخطاب ، أو بنفس توجيه الكلام بدون الاداة كغيرها بالمشافهين ، فيما لم يكن هناك قرينة على التعميم.
وتوهمّ صحة التزام التعميم في خطاباته تعالى لغير الموجودين ، فضلاً عن الغائبين ، لإِحاطته بالموجود في الحال والموجود في الاستقبال ، فاسد ، ضرورة أن إحاطته لا توجب صلاحية المعدوم بل الغائب للخطاب ، وعدم صحة المخاطبة معهما لقصورهما لا يوجب نقصا في ناحيته تعالى ، كما لا يخفى ، كما أن خطابه اللفظي لكونه تدريجياً ومتصرم الوجود ، كان قاصراً عن أن يكون موجهاً نحو غير من كان بمسمع منه ضرورة ، هذا لو قلنا بأن الخطاب بمثل يا ( أيها الناس اتقوا ) في الكتاب حقيقة إلى غير النبي 9 بلسإنّه.
وأما إذا قيل بإنّه المخاطب والموجه إليه الكلام حقيقة وحياً أو الهاماً ، فلا محيص إلّا عن كون الاداة في مثله للخطاب الإِيقاعي ولو مجازاً ، وعليه لا مجال لتوهم اختصاص الحكم المتكفل له الخطاب بالحاضرين ، بل يعم المعدومين ، فضلاً عن الغائبين. 
 
فصل
ربما قيل : إنّه يظهر لعموم الخطابات الشفاهية للمعدومين ثمرتان :
الأولى (1) : حجية ظهور خطابات (2) الكتاب لهم كالمشافهين.
وفيه : إنّه مبني على اختصاص حجية الظواهر بالمقصودين بالإِفهام ، وقد حقق عدم الاختصاص بهم. ولو سلّم ، فاختصاص المشافهين بكونهم مقصودين بذلك ممنوع ، بل الظاهر أن الناس كلهم إلى يوم القيامة يكونون كذلك ، وأنّ لم يعمهم الخطاب ، كما يومئ إليه غير واحد من الإخبار.
الثانية (3) : صحة التمسك بإطلاقاًت الخطابات القرآنيّة بناءً على التعميم ، لثبوت الأحكام لمن وجد وبلغ من المعدومين ، وأنّ لم يكن متحداً مع المشافهين في الصنف ، وعدم صحته على عدمه ، لعدم كونها حينئذ متكفلة لأَحكام غير المشافهين ، فلابد من إثبات اتحاده معهم في الصنف ، حتى يحكم بالاشتراك مع المشافهين في الأحكام ، وحيث لا دليل عليه حينئذ إلّا الاجماع ، ولا إجماع عليه إلّا فيما اتحد الصنف ، كما لا يخفى.
ولا يذهب عليك ، إنّه يمكن إثبات الاتحاد ، وعدم دخل ما كان البالغ الآن فاقداً له مما كان المشافهون واجدين له ، بإطلاق الخطاب إليهم من دون التقييد به ، وكونهم كذلك لا يوجب صحة الإِطلاق ، مع إرادة المقيد معه فيما يمكن أن يتطرق الفقدان ، وأنّ صحّ فيما لا يتطرق إليه ذلك. وليس المراد بالاتحاد في الصنف إلّا الاتحاد فيما اعتبر قيداً في الأحكام ، لا الاتحاد فيما كثر
__________________
1 ـ ذكرها المحقق القمي (ره) في القوانين 1 / 233 ، في الخطابات المشافهة.
2 ـ في « ب » : الخطابات.
3 ـ راجع كلام المحقق الوحيد البهبهاني ( قده ) في كتاب ملاحظات الفريد على فوائد الوحيد / 55. 
 
 
الاختلاف بحسبه ، والتفاوت بسببه بين الأنام ، بل في شخص واحد بمرور الدهور والايام ، وإلاّ لما ثبت بقاعدة الاشتراك للغائبين ـ فضلاً عن المعدومين ـ حكم من الأًحكام.
ودليل الاشتراك إنّما يجدي في عدم اختصاص التكاليف بأشخاص المشافهين ، فيما لم يكونوا مختصين بخصوص عنوان ، لو [ لم ] (1) يكونوا معنونين به لشك في شمولها لهم أيضاً ، فلولا الإِطلاق وإثبات عدم دخل ذاك العنوان في الحكم ، لما أفاد دليل الاشتراك ، ومعه كان الحكم يعم غير المشافهين ولو قيل باختصاص الخطابات بهم ، فتأمل جيداً.
فتلخص : إنّه لا يكاد تظهر الثمرة إلّا على القول باختصاص حجية الظواهر لمن قصد إفهامه ، مع كون غير المشافهين غير مقصودين بالإِفهام ، وقد حقق عدم الاختصاص به في غير المقام ، وأُشير (2) إلى منع كونهم غير مقصودين به في خطاباته تبارك وتعالى في المقام.
فصل
هل تعقب العام بضمير يرجع إلى بعضٍ أفراده ، يوجب تخصيصه به أو لا؟ فيه خلاف بين الأعلام.
وليكن محلّ الخلاف ما إذا وقعا في كلامين ، أو في كلام واحد مع استقلال العام بما حكم عليه في الكلام ، كما في قوله تبارك وتعالى : ( والمطلقات يتربصن ) إلى قوله ( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ ) (3) وأما ما إذا كان مثل : والمطلقات ازواجهن احق بردهن ، فلا شبهة في تخصيصه به.
__________________
1 ـ اثبتناه من « ب ».
2 ـ في رده للثمرة الأولى / 231.
3 ـ البقرة : 228. 
 
والتحقيق أن يقال : إنّه حيث دار الأمر بين التصرف في العام ، بإرادة خصوص ما أُريد من الضمير الراجع إليه ، أو التصرف في ناحية الضمير : امّا بإرجاعه إلى بعضٍ ما هو المراد من مرجعه ، أو إلى تمامه مع التوسع في الإِسناد ، بإسناد الحكم المسند إلى البعض حقيقة إلى الكلّ توسعاً وتجوزاً ؛ كانت أصالة الظهور في طرف العام سالمة عنها في جانب الضمير ، وذلك لأن المتيقن من بناءً العقلاء هو اتباع الظهور في تعيين المراد ، لا في تعيين كيفية الاستعمال ، وأنه على نحو الحقيقة أو المجاز في الكلمة أو الإِسناد مع القطع بما يراد ، كما هو الحال في ناحية الضمير.
وبالجملة : أصالة الظهور إنّما يكون حجة فيما إذا شك فيما أُريد ، لا فيما إذا شك في إنّه كيف أُريد ، فافهم ، لكنه إذا انعقد للكلام ظهور في العموم ، بأن لا يعد ما اشتمل على الضمير مما يكتنف به عرفاً ، وإلاّ فيحكم عليه بالإِجمال ، ويرجع إلى ما يقتضيه الأصول ، إلّا أن يقال باعتبار اصالة الحقيقة تعبداً ، حتى فيما إذا احتفّ بالكلام ما لا يكون ظاهراً معه في معناه الحقيقي كما عن بعضٍ الفحول.
فصل
قد اختلفوا في جواز التخصيص بالمفهوم المخالف ، مع الاتفاق على الجواز بالمفهوم الموافق ، على قولين ، وقد استدل لكلّ منهما بما لا يخلو عن قصور.
وتحقيق المقام : إنّه إذا ورد العام وما له المفهوم في كلام أو كلامين ، ولكن على نحو يصلح أن يكون كلّ منهما قرينة متصلة للتصرف في الآخر ، ودار الأمر بين تخصيص العموم أو إلغاء المفهوم ، فالدلالة على كلّ منهما إن كانت  

 
بالإِطلاق بمعونة مقدمات الحكمة ، أو بالوضع ، فلا يكون هناك عموم ، ولا مفهوم ، لعدم تمامية مقدمات الحكمة في واحد منهما لأجل المزاحمة ، كما في مزاحمة ظهور أحدهما وضعاً لظهور الآخر كذلك ، فلا بدّ من العمل ب الأصول العملية فيما دار فيه بين العموم والمفهوم ، إذا لم يكن مع ذلك أحدهما أظهر ، وإلاّ كان مانعاً عن انعقاد الظهور ، أو استقراره في الآخر.
ومنه قد انقدح الحال فيما إذا لم يكن بين ما دلّ على العموم وما له المفهوم ، ذاك الارتباط والاتصال ، وإنّه لا بدّ أن يعامل مع كلّ منهما معاملة المجمل ، لو لم يكن في البين أظهر ، وإلاّ فهو المعول ، والقرينة على التصرف في الآخر بما لا يخالفه بحسب العمل.
فصل
الاستثناء المتعقب لجمل متعددة ، هل الظاهر هو رجوعه إلى الكلّ (1) أو خصوص الأخيرة (2) ، أو لا ظهور له في واحد منهما (3) ، بل لابد في التعيين من قرينة؟ أقوال.
والظاهر إنّه لا خلاف ولا إشكال في رجوعه إلى الأخيرة على أيّ حال ، ضرورة أن رجوعه إلى غيرها بلا قرينة خارج عن طريقة أهل المحاورة ، وكذا في صحة رجوعه إلى الكلّ ، وأنّ كان المتراءى من كلام صاحب المعالم (4) ; حيث مهّد مقدّمة لصحة رجوعه إليه ، إنّه محلّ الإِشكال والتأمل.
__________________
1 ـ نسبه السيد المرتضى (ره) إلى مذهب الشافعي وأصحابه ، الذريعة إلى أصول الشريعة : 1 / 249 ، راجع المعتمد في أصول الفقه : 1 / 245 ، وشرح المختصر للعضدي : 1 / 260.
2 ـ في المصدرين المتقدّمين إنّه مذهب أبي حنيفة وأصحابه.
3 ـ الذريعة إلى اصول الشريعة 1 / 249.
4 ـ معالم الدين / 127 ، حيث قال : ولنقدم على توجيه المختار مقدّمة ... الخ. 
 
وذلك ضرورة أن تعدَّد المستثنى منه ، كتعدد المستثنى ، لا يوجب تفاوتاً أصلاً في ناحية الاداة بحسب المعنى ، كان الموضوع له في الحروف عاماً أو خاصاً ، وكان المستعمل فيه الاداة فيما كان المستثنى منه متعدداً هو المستعمل فيه فيما كان واحداً ، كما هو الحال في المستثنى بلا ريب ولا إشكال ، وتعدد المخرج أو المخرج عنه خارجاً لا يوجب تعدَّد ما استعمل فيه أداة الاخراج مفهوماً.
وبذلك يظهر إنّه لا ظهور لها في الرجوع إلى الجميع ، أو خصوص الأخيرة ، وأنّ كان الرجوع إليها متيقنا على كلّ تقدير ، نعم غير الأخيرة أيضاً من الجمل لا يكون ظاهراً في العموم لاكتنافه بما لا يكون معه ظاهراً فيه ، فلابد في مورد الاستثناء فيه من الرجوع إلى الأصول.
اللهم إلّا أن يقال بحجية أصالة الحقيقة تعبداً ، لا من باب الظهور ، فيكون المرجع (1) عليه أصالة العموم إذا كان وضعيا ، لا ما إذا كان بالإِطلاق ومقدمات الحكمة ، فإنّه لا يكاد يتم تلك المقدّمات مع صلوح الاستثناء للرجوع إلى الجميع ، فتأمل (2).
فصل
الحق جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد المعتبر بالخصوص كما جاز بالكتاب ، أو بالخبر المتواتر ، أو المحفوف بالقرينة القطعية من خبر الواحد ، بلا ارتياب ، لما هو الواضح من سيرة الأصحاب على العمل بأخبار الآحاد في قبال عمومات الكتاب إلى زمن الأئمة : ، واحتمال أن يكون ذلك
__________________
1 ـ في « ب » : مرجع.
2 ـ إشارة إلى إنّه يكفي في منع جريان المقدّمات ، صلوح الاستثناء لذلك ، لاحتمال اعتماد المطلق حينئذ في التقييد عليه ، لاعتقاد إنّه كافٍ فيه ، اللهم إلّا أن يقال : إن مجرد صلوحه لذلك بدون قرينة عليه ، غير صالح للاعتماد ما لم يكن بحسب متفاهم العرف ظاهراً في الرجوع إلى الجميع ، فأصالة الإِطلاق مع عدم القرينة محكمة ، لتمامية مقدمات الحكمة ، فافهم منه ( 1 ).  

 
بواسطة القرينة واضح البطلان.
مع إنّه لولاه لزم إلغاء الخبر بالمرة أو ما بحكمه ، ضرورة ندرة خبر لم يكن على خلافه عموم الكتاب ، لو سلّم وجود ما لم يكن كذلك.
وكون العام الكتابيّ قطعياً صدوراً ، وخبر الواحد ظنيا سنداً (1) ، لا يمنع عن التصرف في دلالته الغير القطعية قطعاً ، وإلاّ لما جاز تخصيص المتواتر به أيضاً ، مع إنّه جائ جزماً.
والسّر : أن الدوران في الحقيقة بين أصالة العموم ودليل سند الخبر ، مع أن الخبر بدلالته وسنده صالح للقرينية (2) على التصرف فيها ، بخلافها ، فإنّها غير صالحة لرفع اليد عن دليل اعتباره ، ولا ينحصر (3) الدليل على الخبر بالإِجماع ، كي يقال بإنّه فيما لا يوجد على خلافه دلالة ، ومع وجود الدلالة القرآنيّة (4) يسقط وجوب العمل به. كيف؟ وقد عرفت أن سيرتهم مستمرة على العمل به في قبال العمومات الكتابية.
والإخبار الدالة على أن الإخبار المخالفة للقرآن يجب طرحها (5) أو ضربها على الجدار ، أو إنّها زخرف (6) ، أو إنّها مما لم يقل به الامام 7 (7) ، وأنّ كانت كثيرة جداً ، وصريحة الدلالة على طرح المخالف ، إلّا
__________________
1 ـ انظر معالم الدين / 147 ، في جواز تخصيص الكتاب بالخبر ..
2 ـ في « ب » : للقرينة.
3 ـ ردّ على ما أجاب به المحقق عن استدلال المجّوزين لتخصيص الكتاب بالخبر الواحد ، معارج الأصول / 96.
4 ـ في « ب » دلالة القرائنة.
5 ـ أصول الكافي : 1 / 69 باب الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب. وسائل الشيعة 18 / 78 الباب 9 من أبواب صفات القاضي الحديث 10.
6 ـ اصول الكافي : 1 / 69 الحديث 3 ، 4 ، وسائل الشيعة 18 / 78 الحديث 12 و 14.
7 ـ اصول الكافي 1 / 69 الحديث 5 ، وسائل الشيعة 18 / 79 الحديث 15. 
 
إنّه لا محيص عن أن يكون المراد من المخالفة في هذه الإخبار غير مخالفة العموم ، إن لم نقل بإنّها ليست من المخالفة عرفاً ، كيف؟ وصدور الأخبار المخالفة للكتاب بهذه المخالفة منهم : كثيرة جداً ، مع قوة احتمال أن يكون المراد إنّهم لا يقولون بغير ما هو قول الله تبارك وتعالى واقعاً ـ وأنّ كان هو على خلافه ظاهراً ـ شرحاً لمرامه تعالى وبياناً لمراده من كلامه ، فافهم.
والملازمة بين جواز التخصيص وجواز النسخ به ممنوعة ، وأنّ كان مقتضى القاعدة جوازهما ، لاختصاص النسخ بالإِجماع على المنع ، مع وضوح الفرق بتوافر الدواعي إلى ضبطه ، ولذا قل الخلاف في تعيين موارده ، بخلاف التخصيص.
فصل
لا يخفى أن الخاص والعام المتخالفين ، يختلف حالهما ناسخاً ومخصصاً ومنسوخاً ، فيكون الخاص : مخصصاً تارةً ، وناسخاً مرة ، ومنسوخاً أُخرى.
وذلك لأن الخاص إن كان مقارناً مع العام ، أو وارداً بعده قبل حضور وقت العمل به ، فلا محيص عن كونه مخصصاً وبياناً له.
وإن كان بعد حضوره كان ناسخاً لا مخصصاً ، لئلا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة فيما إذا كان العام وارداً لبيان الحكم الواقعي ، وإلاّ لكان الخاص أيضاً مخصصاً له ، كما هو الحال في غالب العمومات والخصوصات في الآيات والروايات.
وإن كان العام وارداً بعد حضور وقت العمل بالخاص ، فكما يحتمل أن يكون الخاص مخصصاً للعام ، يحتمل أن يكون العام ناسخاً له ، وأنّ كان الأظهر أن يكون الخاص مخصصاً ، كثرة التخصيص ، حتى اشتهر ( ما من عام إلّا وقد خص ) مع قلة النسخ في الأحكام جداً ، وبذلك يصير ظهور الخاص في 
 
الدوام ـ ولو كان بالإِطلاق ـ أقوى من ظهور العام ولو كان بالوضع ، كما لا يخفى ، هذا فيما علم تاريخهما.
وأما لو جهل وتردد بين أن يكون الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام وقبل حضوره ، فالوجه هو الرجوع إلى الأصول العملية.
وكثرة التخصيص وندرة النسخ هاهنا ، وأنّ كانا يوجبان الظن بالتخصيص أيضاً ، وإنّه واجد لشرطه إلحاقاً له بالغالب ، إلّا إنّه لا دليل على اعتباره ، وإنما يوجبان الحمل عليه فيما إذا ورد العام بعد حضور وقت العمل بالخاص ، لصيرورة الخاص لذلك في الدوام اظهر من العام ، كما أشير إليه ، فتدبرّ جيداً.
ثم إن تعيّن الخاص للتخصيص ، إذا ورد قبل حضور وقت العمل بالعام ، أو ورد العام قبل حضور وقت العمل به ، إنّما يكون مبنيا على عدم جواز النسخ قبل حضور وقت العمل ، وإلاّ فلا يتعين له ، بل يدور بين كونه مخصصاً (1) وناسخاً في الأول ، ومخصصاً ومنسوخاً في الثّاني ، إلّا أن الأظهر كونه مخصصاً ، وأنّ كان ظهور العام في عموم الأفراد أقوى من ظهوره وظهور الخاص في الدوام (2) ، لما أشير إليه من تعارف التخصيص وشيوعه ، وندرة النسخ جداً في الأًحكام.
ولا بأس بصرف (3) الكلام إلى ما هو نخبة القول في النسخ ، فاعلم أن
__________________
1 ـ لا يخفى أن كونه مخصصاً بمعنى كونه مبيناًبمقدار المرام عن العام ، وناسخاً بمعنى كون حكم العام غير ثابت في نفس الأمر في مورد الخاص ، مع كونه مراداً ومقصوداً بالإِفهام في مورده بالعام كسائر الأفراد ، وإلاّ فلا تفاوت بينهما عملاً أصلاً ، كما هو واضح لا يكاد يخفى ( منه 1 ).
2 ـ في « ب » : ولو فيما كان ظهور العام في عموم الأفراد أقوى من ظهور الخاص في الخصوص.
3 ـ في « ب » : لصرف. 
 
النسخ وأنّ كان رفع الحكم الثابت إثباتاً ، إلا إنه في الحقيقة دفع الحكم ثبوتاً ، وإنما اقتضت الحكمة إظهار دوام الحكم واستمراره ، أو أصل إنشائه وإقراره ، مع إنّه بحسب الواقع ليس له قرار ، أو ليس له دوام واستمرار ، وذلك لأن النبي 9 الصادع للشرع ، ربما يلهم أو يوحى إليه أن يظهر الحكم أو استمراره مع اطلاعه على حقيقة الحال ، وإنّه ينسخ في الاستقبال ، أو مع عدم اطلاعه على ذلك ، لعدم إحاطته بتمام ما جرى في علمه تبارك وتعالى ، ومن هذا القبيل لعله يكون أمر إبراهيم بذبح إسماعيل.
وحيث عرفت أن النسخ بحسب الحقيقة يكون دفعا ، وأنّ كان بحسب الظاهر رفعا ، فلا بأس به مطلقاً ولو كان قبل حضور وقت العلم ، لعدم لزوم البداء المحال في حقه تبارك وتعالى ، بالمعنى المستلزم لتغير إرادته تعالى مع اتحاد الفعل ذاتاً وجهة ، ولا لزوم (1) امتناع النسخ أو الحكم المنسوخ ، فإن الفعل إن كان مشتملاً على مصلحة موجبة للأمر به امتنع النهي عنه ، وإلاّ امتنع الأمر به ، وذلك لأن الفعل أو دوامه لم يكن متعلقاً لإِرادته ، فلا يستلزم نسخ أمره بالنهي تغيير إرادته ، ولم يكن الأمر بالفعل من جهة كونه مشتملاً على مصلحة ، وإنما كان إنشاءً الأمر به أو إظهار دوامه عن حكمة ومصلحة.
وأما البداء في التكوينيات (2) بغى ذاك المعنى ، فهو مما دلّ عليه الروايات المتواترات (3) ، كما لا يخفى. ومجمله أن الله تبارك وتعالى إذا تعلقت مشيته تعالى بإظهار ثبوت ما يمحوه ، لحكمة داعية إلى إظهاره ، ألهم أو أوحى إلى نبيه أو وليه أن يخبر به ، مع علمه بإنّه يمحوه ، أو مع عدم علمه به ، لما أشير إليه من عدم الاحاطة بتمام ما جرى في علمه ، وإنما يخبر به لأنه حال الوحي أو الالهام لارتقاء نفسه الزكية ، واتصاله بعالم لوح المحو والإِثبات اطلع على
__________________
1 ـ في بعضٍ النسخ المطبوعة : وإلاّ لزم.
2 ـ في « ب » : التكوينات.
3 ـ الوافي : 1 / 112 ، باب البداء.  

 
ثبوته ، ولم يطلع على كونه معلقاً على [ أمر ] (1) غير واقع ، أو عدم الموانع ، قال الله تبارك وتعالى : ( يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ) (2) الآية ، نعم من شملته العناية الإلهية ، واتصلت نفسه الزكية بعالم اللوح المحفوظ الذي [ هو ] من أعظم العوالم الربوبية ، وهو أُم الكتاب ، يكشف عنده الواقعيات على ما هي عليها ، كما ربما يتفق لخاتم الأنبياء ، ولبعض الاوصياء ، كان عارفا بالكائنات (3) كما كانت وتكون.
نعم مع ذلك ، ربما يوحى إليه حكم من الأحكام ، تارةً بما يكون ظاهراً في الاستمرار والدوام ، معه إنّه في الواقع له غاية وأمد يعينها (4) بخطاب آخر ، وأخرى بما يكون ظاهراً في الجد ، مع إنّه لا يكون واقعاً بجد ، بل لمجرد الابتلاء والاختبار ، كما إنّه يؤمر وحياً أو الهاماً بالإخبار بوقوع عذاب أو غيره مما لا يقع ، لأجل حكمة في هذا الإخبار أو ذاك الإِظهار ، فبدا له تعالى بمعنى إنّه يظهر ما أمر نبيه أو وليه بعدم إظهاره أولاً ، ويبدي ما خفي ثانياً.
وإنما نسب إليه تعالى البداء ، مع إنّه في الحقيقة الابداء ، لكمال شباهة إبدائه تعالى كذلك بالبداء في غيره ، وفيما ذكرنا كفاية فيما هو المهمّ في باب النسخ ، ولا داعي بذكر تمام ما ذكروه في ذاك الباب كما لا يخفى على أولي الالباب.
ثم لا يخفى ثبوت الثمرة بين التخصيص والنسخ ، ضرورة إنّه على التخصيص يبنى على خروج الخاص عن حكم العام رأساً ، وعلى النسخ ، على ارتفاع حكمه عنه من حينه ، فيما دار الأمر بينهما في المخصص ، وأما إذا دار بينهما في الخاص والعام ، فالخاص على التخصيص غير محكوم بحكم العام أصلاً ، وعلى النسخ كان محكوماً به من حين صدور دليله ، كما لا يخفى.
__________________
1 ـ أثبتناها من « ب ».
2 ـ الرعد : 39.
3 ـ في « ب » : على الكائنات.
4 ـ في « ب » : يتعينها.  

 
 

 
 
 
المقصد الخامس : في المطلق والمقيد والمجمل والمبين
فصل
عرف (1) المطلق بإنّه : ما دلّ على شائع في جنسه ، وقد أشكل عليه بعضٍ الأعلام (2) ، بعدم الاطراد أو الانعكاس ، وأطال الكلام في النقض والأبرام ، وقد نبهنا في غير مقام على أن مثله شرح الاسم ، وهو مما يجوز أن لا يكون بمطرد ولا بمنعكس ، فالأولى الاعراض عن ذلك ، ببيان ما وضع له بعضٍ الألفاظ التي يطلق عليها المطلق ، أو من غيرها مما يناسب المقام.
فمنها : اسم الجنس ، كإنسان ورجل وفرس وحيوان وسواد وبياض إلى غير ذلك من أسماء الكليات من الجواهر والاعراض بل العرضيات ، ولا ريب إنّها موضوعة لمفاهيمها بما هي هي مبهمة مهملة ، بلا شرط أصلاً ملحوظٍ معها ، حتى لحاظ إنّها كذلك.
وبالجملة : الموضوع له اسم الجنس هو نفس المعنى ، وصرف المفهوم الغير الملحوظ معه شيء أصلاً الذي هو المعنى بشرط شيء ، ولو كان ذاك الشيء هو الإرسال والعموم البدلي ، ولا الملحوظ معه عدم لحاظ شيء معه الذي هو
__________________
1 ـ هذا التعريف لأكثر الأصوليين على ما ذكره المحقق القمي ، القوانين 1 / 321 ، المطلق والمقيد.
2 ـ المستشكل هو صاحب الفصول ، قال في الفصول / 218 ، في فصل ( المطلق ) : ويخرج بقولنا شيوعاً حكمياً ... إلى أن قال : وقد أهملوا هذا القيد فيرد ذلك على طردهم ... الخ.  

 
الماهية اللابشرط القسمي ، وذلك لوضوح صدقها بما لها من المعنى ، بلا عناية التجريد عما هو قضية الاشتراط والتقييد فيها ، كما لا يخفى ، مع بداهة عدم صدق المفهوم بشرط العموم على فرد من الأفراد ، وإن كان يعم كلّ واحد منها بدلاً أو استيعاباً ، وكذا المفهوم اللابشرط (1) القسمي ، فإنّه كلّي عقلي لا موطن له إلّا الذهن لا يكاد يمكن صدقه وانطباقه عليها ، بداهة أن مناطه الاتحاد بحسب الوجود خارجاً ، فكيف يمكن أن يتحد معها ما لا وجود له إلّا ذهناً؟
ومنها : علم الجنس (2) كأُسامة ، والمشهور بين أهل العربية إنّه موضوع للطبيعة لا بما هي هي ، بل بما هي متعينة بالتعين (3) الذهني ولذا يعامل معه معاملة المعرفة بدون أداة التعريف.
لكن التحقيق إنّه موضوع لصرف المعنى بلا لحاظ شيء معه أصلاً كاسم الجنس ، والتعريف فيه لفظي ، كما هو الحال في التأنيث اللفظي ، وإلاّ لما صحّ حمله على الأفراد بلا تصرف وتأويل ، لإنّه على المشهور كلي عقلي ، وقد عرفت إنّه لا يكاد صدقه عليها مع صحة حمله عليها بدون ذلك ، كما لا يخفى ، ضرورة أن التصرف في المحمول بإرادة نفس المعنى بدون قيده تعسف ، لا يكاد يكون بناءً القضايا المتعارفة عليه ، مع أن وضعه لخصوص معنى يحتاج إلى تجريده عن خصوصيته عند الاستعمال ، لا يكاد يصدر عن جاهل ، فضلاً عن الواضع الحكيم.
ومنها : المفرد المعرف باللام ، والمشهور إنّه على أقسام : المعرف بلام الجنس ، أو الاستغراق ، أو العهد بأقسامه ، على نحو الاشتراك بينها لفظاً أو معنى ، والظاهر أن الخصوصية في كلّ واحد من الأقسام من قبل خصوص
__________________
1 ـ في ( أ ) : لا بالشرط.
2 ـ في « ب » : للجنس.
3 ـ في « ب » : بالتعيين. 
 
اللام ، أو من قبل قرائن المقام ، من باب تعدَّد الدالّ والمدلول ، لا باستعمال المدخول ليلزم فيه المجاز أو الاشتراك ، فكان المدخول على كلّ حال مستعملاً فيما يستعمل فيه الغير المدخول.
والمعروف أن اللام تكون موضوعة للتعريف ، ومفيدة للتعيين في غير العهد الذهني ، وأنت خبير بإنّه لا تعيّن في تعريف الجنس إلّا الإِشارة إلى المعنى المتميز بنفسه من بين المعاني ذهنا ، ولازمه أن لا يصحّ حمل المعرف باللام بما هو معرف على الأفراد ، لما عرفت من امتناع الاتحاد مع ما لا موطن له إلّا الذهن إلّا بالتجريد ، ومعه لا فائدة في التقييد ، مع أن التأويل والتصرف في القضايا المتداولة في العرف غير خال عن التعسف. هذا.
مضافا إلى أن الوضع لما لا حاجة إليه ، بل لا بدّ من التجريد عنه وإلغائه في الاستعمالات المتعارفة المشتملة على حمل المعرف باللام أو الحمل عليه ، كان لغوا ، كما أشرنا إليه. فالظاهر أن اللام مطلقاً يكون للتزيين ، كما في الحسن والحسين ، واستفادة الخصوصيات إنّما تكون بالقرائن التي لابد منها لتعينها على كلّ حال ، ولو قيل بإفادة اللام للاشارة إلى المعنى ، ومع الدلالة عليه بتلك الخصوصيات لا حاجة إلى تلك الإِشارة ، لو لم تكن مخلة ، وقد عرفت إخلالها ، فتأمل جيداً.
وأما دلالة الجمع (1) المعرف باللام على العموم مع عدم دلالة المدخول عليه ، فلا دلالة فيها على إنّها تكون لأجل دلالة اللام على التعين (2) ، حيث لا تعيّن إلّا للمرتبة المستغرقة لجميع الأفراد ، وذلك لتعين المرتبة الأخرى ، وهي أقل مراتب الجمع ، كما لا يخفى.
فلا بدّ أن يكون دلالته عليه مستندة إلى وضعه كذلك لذلك ، لا إلى دلالة
__________________
1 ـ ردّ على صاحب الفصول ، الفصول / 169. التنبيه الأول.
2 ـ في « ب » : التعيين. 

 
اللام على الإِشارة إلى المعين ، ليكون به التعريف ، وأنّ أبيت إلّا عن استناد الدلالة عليه إليه ، فلا محيص عن دلالته على الاستغراق بلا توسيط الدلالة على التعيين ، فلا يكون بسببه تعريف إلّا لفظاً ، فتأمل جيداً.
ومنها : النكرة مثل ( رجل ) في ( وجاء رجل من أقصى المدينة ) أو في ( جئني برجل ) ولا إشكال أن المفهوم منها في الأوّل ، ولو بنحو تعدَّد الدالّ والمدلول ، هو الفرد المعينّ في الواقع المجهول عند المخاطب المحتمل الانطباق على غير واحد من أفراد الرجل.
كما إنّه في الثّاني ، هي الطبيعة المأخوذة مع قيد الوحدة ، فيكون حصة من الرجل ، ويكون كلياً ينطبق على كثيرين ، لا فرداً مرددا بين الأفراد (1).
وبالجملة : النكرة ـ أيّ [ ما ] بالحمل الشائع يكون نكرة عندهم ـ امّا هو فرد معيّن في الواقع غير معيّن للمخاطب ، أو حصة كلية ، لا الفرد المردّد بين الأفراد ، وذلك لبداهة كون لفظ ( رجل ) في ( جئني برجل ) نكرة ، مع إنّه يصدق على كلّ من جيء به من الأفراد ولا يكاد يكون واحد منها هذا أو غيره ، كما هو قضية الفرد المردّد ، لو كان هو المراد منها ، ضرورة أن كلّ واحد هو هو ، لا هو أو غيره ، فلابد أن تكون النكرة الواقعة في متعلق الأمر ، هو الطبيعي المقيد بمثل مفهوم الوحدة ، فيكون كلياً قابلاً للانطباق ، فتأمل جيداً.
إذا عرفت ذلك ، فالظاهر صحة اطلاق المطلق عندهم حقيقة على اسم الجنس والنكرة بالمعنى الثّاني ، كما يصحّ لغة. وغير بعيد أن يكون جريهم في هذا الإِطلاق على وفق اللغة ، من دون أن يكون لهم فيه اصطلاح على خلافها ، كما لا يخفى.
نعم لو صحّ ما نسب إلى المشهور ، من كون المطلق عندهم موضوعاً لما
__________________
1 ـ قال به صاحب الفصول ، الفصول / 163 ، في صيغة العموم ، عند قوله : ومدلولها فرد من الجنس لا بعينه ... الخ. 
 
قيد بالارسال والشمول البدلي ، لما كان ما أُريد منه الجنس أو الحصة عندهم بمطلق ، إلّا أن الكلام في صدق النسبة ، ولا يخفى أن المطلق بهذا المعنى لطروء القيد غير قابل ، فإن ماله من الخصوصية ينافيه ويعانده ، بل (1) وهذا بخلافه بالمعنيين ، فإن كلاّ منهما له قابل ، لعدم انثلامهما بسببه أصلاً ، كما لا يخفى.
وعليه لا يستلزم التقييد تجوزاً في المطلق ، لإمكان إرادة معنى لفظه منه ، وإرادة قيده من قرينة حال أو مقال ، وإنما استلزمه لو كان بذاك المعنى ، نعم لو أُريد من لفظه المعنى المقيد ، كان مجازاً مطلقاً ، كان التقييد بمتصل أو منفصل.
فصل
قد ظهر (2) لك إنّه لا دلالة لمثل ( رجل ) إلّا على الماهية المبهمة وضعاً ، وأنّ الشياع والسريان كسائر الطوارىء يكون خارجاً عما وضع له ، فلا بدّ في الدلالة عليه من قرينة حال أو مقال أو حكمة ، وهي تتوقف على مقدمات :
أحدها : كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد ، لا الإِهمال أو الإِجمال.
ثانيتها : انتفاء ما يوجب التعيين.
ثالثتها : انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب ، ولو كان المتيقن بملاحظة الخارج عن ذاك المقام في البين ، فإنّه غير مؤثر في رفع الإِخلال بالغرض ، لو كان بصدد البيان ، كما هو الفرض ، فإنّه فيما تحققت لو لم يرد الشياع لأخلّ بغرضه ، حيث إنّه لم ينبه مع إنّه بصدده ، وبدونها لا يكاد يكون هناك إخلال به ، حيث لم يكن مع انتفاء الأُولى ، إلّا في مقام الإِهمال أو الإِجمال ، ومع انتفاء الثانية ، كان البيان بالقرينة ، ومع انتفاء الثالثة ،
__________________
1 ـ أثبتناها من « أ ».
2 ـ تقدم في المقصد الخامس ، الفصل الأوّل / 243.  

 
لا إخلال بالغرض لو كان المتيقن تمام مراده ، فإن الفرض إنّه بصدد بيان تمامه ، وقد بينه ، لا بصدد بيان إنّه تمامه ، كي أخلّ ببيإنّه ، فافهم (1).
ثم لا يخفى عليك أن المراد بكونه في مقام بيان تمام مراده ، مجرد بيان ذلك وإظهاره وإفهامه ، ولو لم يكن عن جد ، بل قاعدة وقانوناً ، لتكون حجة فيما لم تكن حجة أقوى على خلافه ، لا البيان في قاعدة قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ، فلا يكون الظفر بالمقيد ـ ولو كان مخالفا ـ كاشفاً عن عدم كون المتكلم في مقام البيان ، ولذا لا ينثلم به إطلاقه وصحة التمسك به أصلاً ، فتأمل جيداً.
وقد انقدح بما ذكرنا (2) أن النكرة في دلالتها على الشياع والسريان ـ أيضاً ـ تحتاج فيما لا يكون هناك دلالة حال أو مقال إلى (3) من مقدمات الحكمة ، فلا تغفل.
بقى شيء : وهو إنّه لا يبعد أن يكون الأصل فيما إذا شك في كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد ، هو كونه بصدد بيإنّه ، وذلك لما جرت عليه سيرة أهل المحاورات من التمسك بالإطلاقات فيما إذا لم يكن هناك ما يوجب صرف وجهها إلى جهة خاصة ، ولذا ترى أن المشهور لا يزالون يتمسكون بها ، مع عدم إحراز كون مطلقها بصدد البيان ، وبُعد كونه لأجل ذهابهم إلى إنّها موضوعة للشياع والسريان ، وأنّ كان ربما نسب ذلك إليهم ، ولعل وجه النسبة ملاحظة إنّه لا وجه للتمسك بها بدون الاحراز والغفلة عن وجهه ، فتأمل جيداً.
__________________
1 ـ إشارة إلى إنّه لو كان بصدد بيان إنّه تمامه ما أخلّ ببيإنّه ، بعد عدم نصب قرينة على إرادة تمام الأفراد ، فإنّه بملاحظته يفهم أن المتيقن تمام المراد ، وإلاّ كان عليه نصب القرينة على إرادة تمامها ، وإلاّ قد أخلّ بغرضه ، نعم لا يفهم ذلك إذا لم يكن إلّا بصدد بيان أن المتيقن مراد ، لا بصدد بيان أن غيره مراد أو ليس بمراد ، قبالاً للاجمال والاهمال المطلقين ، فافهم فإنّه لا يخلو عن دقة ( منه أعلى الله مقامه ).
2 ـ في صفحة 247 من هذا الكتاب.
3 ـ في « أ » و « ب » : من.
 
ثم إنّه قد انقدح بما عرفت ـ من توقف حمل المطلق على الإِطلاق ، فيما لم يكن هناك قرينة حالية أو مقالية على قرينة الحكمة المتوقفة على المقدّمات المذكورة ـ إنّه لا إطلاق له فيما كان له الانصراف إلى خصوص بعضٍ الأفراد أو الأصناف ، لظهوره فيه ، أو كونه متيقنا منه ، ولو لم يكن ظاهراً فيه بخصوصه ، حسب اختلاف مراتب الانصراف ، كما إنّه منها ما لا يوجب ذا ولا ذاك ، بل يكون بدوياً زائلاً بالتأمل ، كما إنّه منها ما يوجب الاشتراك أو النقل.
لا يقال : كيف يكون ذلك ، وقد تقدم أن التقييد لا يوجب التجوز في المطلق أصلاً؟
فإنّه يقال : مضافاً إلى إنّه إنّما قيل لعدم استلزامه له ، لا عدم إمكانه ، فإن استعمال المطلق في المقيد بمكان من الإِمكان ، إن كثرة إرادة المقيد لدى إطلاق المطلق ولو بدالّ آخر ربما تبلغ بمثابة توجب له مزية أنس ، كما في المجاز المشهور ، أو تعيناً (1) واختصاصاً به ، كما في المنقول بالغلبة ، فافهم.
تنبيه : وهو إنّه يمكن أن يكون للمطلق جهات عديدة ، كان وارداً في مقام البيان من جهة منها ، وفي مقام الإِهمال أو الإِجمال من أُخرى ، فلابدّ في حمله على الإِطلاق بالنسبة إلى جهة من كونه بصدد البيان من تلك الجهة ، ولا يكفي كونه بصدده من جهة أُخرى ، إلّا إذا كان بينهما ملازمة عقلاً أو شرعاً أو عادةً ، كما لا يخفى.
فصل
إذا ورد مطلق ومقيد متنافيين ، فإمّا يكونان مختلفين في الإِثبات والنفي ، وإمّا يكونان متوافقين ، فإن كانا مختلفين مثل ( أَعتق رقبة ) و ( لا
__________________
1 ـ في « ب » : تعييناً.
 
تعتق رقبة كافرة ) فلا إشكال في التقييد ، وأنّ كانا متوافقين ، فالمشهور فيهما الحمل والتقييد ، وقد استدل بإنّه جمع بين الدليلين وهو أولى.
وقد أُورد عليه بإمكان الجمع على وجه آخر ، مثل حمل الأمر في المقيد على الاستحباب.
وأورد عليه بأن التقييد ليس تصرفاً في معنى اللفظ ، وإنما هو تصرف في وجه من وجوه المعنى ، اقتضاه تجرده عن القيد ، مع تخيل وروده في مقام بيان تمام المراد ، وبعد الاطلاع على ما يصلح للتقييد نعلم وجوده على وجه الإِجمال ، فلا إطلاق فيه حتى يستلزم تصرفاً ، فلا يعارض ذلك بالتصرف في المقيد ، بحمل أمره على الاستحباب.

 

ادامه نوشته

اصول فقه

کفاية الاصول - قسمت دوم

ومن هنا ظهر الحال في مثل ( زيد ضارب أمس ) وإنّه داخل في محلّ الخلاف والاشكال. ولو كانت لفظة ( أمس ) أو ( غد ) قرينة على تعيين زمان النسبة والجري أيضاً كان المثالان حقيقة.
وبالجملة : لا ينبغي الإِشكال في كون المشتق حقيقة ، فيما إذا جرى على الذات ، بلحاظ حال التلبس ، ولو كان في المضي أو الاستقبال ، وإنما الخلاف في كونه حقيقة في خصوصه ، أو فيما يعم ما إذا جرى عليها في الحال بعد ما انقضى عنه التلبس ، بعد الفراغ عن كونه مجازاً فيما إذا جرى عليها فعلاً بلحاظ التلبس في الاستقبال ، ويؤيّد ذلك اتفاق أهل العربية على عدم دلالة الاسم على الزمان ، ومنه الصفات الجارية على الذوات ، ولا ينافيه اشتراط العمل في بعضها بكونه بمعنى الحال ، أو الاستقبال ؛ ضرورة أن المراد الدلالة على أحدهما بقرينة ، كيف لا؟ وقد اتفقوا على كونه مجازاً في الاستقبال.
لا يقال : يمكن أن يكون المراد بالحال في العنوان زمإنّه ، كما هو الظاهر منه عند إطلاقه ، وادعي إنّه الظاهر في المشتقات ، امّا لدعوى الانسباق من الإِطلاق ، أو بمعونة قرينة الحكمة.
لأنا نقول : هذا الانسباق ، وأنّ كان مما لا ينكر ، إلّا إنّهم في هذا العنوان بصدد تعيين ما وضع له المشتق ، لا تعيين ما يراد بالقرينة منه. 
 
سادسها : إنّه لا أصل في نفس هذه المسألة يعوّل عليه عند الشك ، وأصالة عدم ملاحظة الخصوصية ، مع معارضتها بأصالة عدم ملاحظة العموم ، لا دليل على اعتبارها في تعيين الموضوع له.
وأما ترجيح الاشتراك المعنوي على الحقيقة والمجاز. إذا دار الأمر بينهما لأجل الغلبة ، فممنوع ؛ لمنع الغلبة أولاً ، ومنع نهوض حجة على الترجيح بها ثانياً.
وأما الأصل العملي فيختلف في الموارد ، فأصالة البراءة في مثل ( أَكرم كلّ عالم ) تقتضي عدم وجوب إكرام ما انقضى (1) عنه المبدأ قبل الإِيجاب ، كما أن قضية الاستصحاب وجوبه لو كان الإِيجاب قبل الانقضاء.
فإذا عرفت ما تلونا عليك ، فاعلم أن الأقوال في المسألة وأنّ كثرت ، إلّا إنّها حدثت بين المتأخرين ، بعد ما كانت ذات قولين بين المتقدّمين ، لأجل توهّم اختلاف المشتق باختلاف مبادئه في المعنى ، أو بتفاوت ما يعتريه من الأحوال ، وقد مرت الإِشارة (2) إلى إنّه لا يوجب التفاوت فيما نحن بصدده ، ويأتي له مزيد بيان في أثناء الاستدلال على ما هو المختار ، وهو اعتبارٍ التلبس في الحال ، وفاقاً لمتأخري الأصحاب والاشاعرة ، وخلافاً لمتقدميهم والمعتزلة ، ويدل عليه تبادر خصوص المتلبس بالمبدأ في الحال ، وصحة السلب مطلقاً عما انقضى عنه ، كالمتلبس به في الاستقبال ، وذلك لوضوح أن مثل : القائم والضارب والعالم ، وما يرادفها من سائر اللغات ، لا يصدق على من لم يكن متلبساً بالمبادىء ، وأنّ كان متلبسا بها قبل الجري والانتساب ، ويصحّ سلبها عنه ، كيف؟ وما يضادها بحسب ما ارتكز من معناها في الأذهان يصدق عليه ، ضرورة صدق القاعد عليه في حال تلبسه بالقعود ، بعد انقضاء تلبسه بالقيام ، مع وضوح التضاد بين القاعد والقائم بحسب ما ارتكز لهما من المعنى ، كما لا يخفى.
__________________
1 ـ في« ب» : من انقضى.
2 ـ تقدم في الأمر الرابع ، صفحة 43. 
 
وقد يقرَّر هذا وجهاً على حدة ، ويقال (1) : لا ريب في مضادة الصفات المتقابلة المأخوذة من المبادىء المتضادة ، على ما ارتكز لها من المعاني ، فلو كان المشتق حقيقة في الأعم ، لما كان بينها مضادة بل مخالفة ، لتصادقها فيما انقضى عنه المبدأ وتلبس بالمبدأ الآخر.
ولا يرد على هذا التقرير ما أورده بعضٍ الأجلّة (2) من المعاصرين ، من عدم التضاد على القول بعدم الاشتراط ، لما عرفت من ارتكازه بينها ، كما في مبادئها.
إن قلت : لعل ارتكازها لأجل الانسباق من الإِطلاق ، لا الاشتراط.
قلت : لا يكاد يكون لذلك ، لكثرة استعمال المشتق في موارد الانقضاء ، لو لم يكن بأكثر.
إن قلت : على هذا يلزم أن يكون في الغالب أو الأغلب مجازاً ، وهذا بعيد ، ربما لا يلائمه حكمة الوضع.
لا يقال : كيف؟ وقد قيل : بأن أكثر المحاورات مجازات. فإن ذلك لو سلّم ، فإنما هو لأجل تعدَّد المعاني المجازية بالنسبة إلى المعنى الحقيقي الواحد. نعم ربما يتفق ذلك بالنسبة إلى معنى مجازي ، لكثرة الحاجة إلى التعبير عنه. لكن أين هذا مما إذا كان دائماً كذلك؟ فافهم.
__________________
1 ـ البدائع / 181 ، في المشتق.
2 ـ المراد من بعضٍ الأجلّة ، هو صاحب البدائع ، البدائع / 181.
الشيخ الميرزا حبيب الله بن الميرزا محمد علي خان القوجاني الرشتي ، ولد عام 1234 ه‍ ، حضر بحث صاحب الجواهر والشيخ الانصاري ، كان من أكابر علماء عصره ، أعرض عن الرئاسة ولم يرض أن يقلّده أحد لشدّة توّرعه في الفتوى ، ولم يتصدّ للوجوه ، له تصانيف كثيرة منها « بدائع الأصول » و « شرح الشرائع » و « كاشف الظلام في علم الكلام » وغيرها ، توفي ليلة الخميس 14 / ج 2 عام 1312 ه‍ ودفن في النجف الاشرف.
( طبقات أعلام الشيعة ، نقباء البشر 1 / 357 رقم 719 ) 
 
قلت : مضافاً إلى أن مجرد الاستبعاد غير ضائر بالمراد ، بعد مساعدة الوجوه المتقدمة عليه ، إن ذلك إنّما يلزم لو لم يكن استعماله فيما انقضى بلحاظ حال التلبس ، مع إنّه بمكان من الإِمكان ، فيراد من ( جاء الضارب أو الشارب ) ـ وقد انقضى عنه الضرب والشرب ـ جاء الذي كان ضاربا وشارباً قبل مجيئه حال التلبس بالمبدأ ، لا حينه بعد الانقضاء ، كي يكون الاستعمال بلحاظ هذا الحال ، وجعله معنوناً بهذا العنوان فعلاً بمجرد تلبسه قبل مجيئه ، ضرورة إنّه لو كان للأعم لصحّ استعماله بلحاظ كلاّ الحالين.
وبالجملة : كثرة الاستعمال في حال الانقضاء تمنع عن دعوى انسباق خصوص حال التلبس من الإِطلاق ، إذ مع عموم المعنى وقابلية كونه حقيقة في المورد ـ ولو بالانطباق ـ لا وجه لملاحظة حالة أُخرى ، كما لا يخفى ، بخلاف ما إذا لم يكن له العموم ، فإن استعماله ـ حينئذ ـ مجازاً بلحاظ حال الانقضاء وأنّ كان ممكناً ، إلّا إنّه لما كان بلحاظ حال التلبس على نحو الحقيقة بمكان من الإِمكان ، فلا وجه لاستعماله وجريه على الذات مجازاً وبالعناية وملاحظة العلاقة ، وهذا غير استعمال اللفظ فيما لا يصحّ استعماله فيه حقيقة ، كما لا يخفى ، فافهم.
ثم إنّه ربما أورد (1) على الاستدلال بصحة السلب ، بما حاصله : إنّه إن أُريد بصحة السلب صحته مطلقاً ، فغير سديد ، وأنّ أُريد مقيداً ، فغير مفيد ، لأن علامة المجاز هي صحة السلب المطلق.
وفيه : إنّه إن أُريد بالتقييد ، تقييد المسلوب الذي يكون سلبه أعم من سلب المطلق ـ كما هو واضح ـ فصحة سلبه وأنّ لم تكن علامة على كون المطلق مجازاً فيه ، إلّا أن تقييده ممنوع ؛ وأنّ أُريد تقييد السلب ، فغير ضائر بكونها علامة ، ضرورة صدق المطلق على أفراده على كلّ حال ، مع إمكان
__________________
1 ـ البدائع / 180 ، في المشتق.
 
منع تقييده أيضاً ، بأن يلحظ حال الانقضاء في طرف الذات الجاري عليها المشتق ، فيصحّ سلبه مطلقاً بلحاظ هذا الحال ، كما لا يصحّ سلبه بلحاظ حال التلبس ، فتدبرّ جيداً.
ثم لا يخفى إنّه لا يتفاوت (1) في صحة السلب عما انقضى عنه المبدأ ، بين كون المشتق لازماً وكونه متعدياً ، لصحة سلب الضارب عمن يكون فعلاً غير متلبس بالضرب ، وكان متلبسا به سابقاً ، وأما إطلاقه عليه في الحال ، فان كان بلحاظ حال التلبس ، فلا إشكال كما عرفت ، وأنّ كان بلحاظ الحال ، فهو وأنّ كان صحيحاً إلّا إنّه لا دلالة على كونه بنحو الحقيقة ، لكون الاستعمال أعم منها كما لا يخفى.
كما لا يتفاوت في صحة السلب عنه ، بين تلبسه بضد المبدأ وعدم تلبسه ، لما عرفت من وضوح صحته مع عدم التلبس ـ أيضاً ـ وأنّ كان معه أوضح.
ومما ذكرنا ظهر حال كثير من التفاصيل ، فلا نطيل بذكرها على التفصيل.
حجة القول بعدم الاشتراط وجوه :
الأول : التبادر.
وقد عرفت أن المتبادر هو خصوص حال التلبس.
الثاني : عدم صحة السلب في مضروب ومقتول ، عمن انقضى عنه المبدأ.
وفيه : إن عدم صحته في مثلهما ، إنّما هو لأجل إنّه أُريد من المبدأ
معنى يكون التلبس به باقياً في الحال ، ولو مجازاً. وقد انقدح من بعضٍ المقدّمات إنّه لا يتفاوت الحال فيما هو المهمّ في محلّ البحث والكلام ومورد النقض والأبرام ، اختلاف ما يراد من المبدأ في كونه حقيقة أو مجازاً ؛ وأما لو أُريد منه نفس ما وقع على الذات ، مما صدر
__________________
1 ـ التفصيل لصاحب الفصول ، الفصول / 60 ، فصل حول إطلاق المشتق. 
 
عن الفاعل ، فإنما لا يصحّ السلب فيما لو كان بلحاظ حال التلبس والوقوع ـ كما عرفت ـ لا بلحاظ الحال أيضاً ، لوضوح صحة أن يقال : إنّه ليس بمضروب الآن ، بل كان.
الثالث : استدلال الامام _ 7 _ تأسيا بالنبي ـ صلوات الله عليه وآله ـ كما عن غير واحد من الإخبار (1) بقوله تعالي : ( لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (2) على عدم لياقة من عبد صنماً أو وثنا لمنصب الإمامة والخلافة ، تعريضاً بمن تصدى لها ممن عبد الصنم مدة مديدة ، ومن الواضح توقف ذلك على كون المشتق موضوعاً للأعم ، وإلاّ لما صحّ التعريض ، لانقضاء تلبسهم بالظلم وعبادتهم للصنم حين التصدي للخلافة.
والجواب منع التوقف على ذلك ، بل يتم الاستدلال ولو كان موضوعاً لخصوص المتلبس.
وتوضيح ذلك يتوقف على تمهيد مقدّمة ، وهي : إن الأوصاف العنوانية التي تؤخذ في موضوعاًت الأحكام ، تكون على أقسام :
أحدها : أن يكون أخذ العنوان لمجرد الإِشارة إلى ما هو في الحقيقة موضوعاً للحكم ، لمعهوديته بهذا العنوان ، من دون دخل لاتصافه به في الحكم أصلاً.
ثانيها : أن يكون لأجل الإِشارة إلى علية المبدأ للحكم ، مع كفاية مجرد صحة جري المشتق عليه ، ولو فيما مضى.
ثالثها : أن يكون لذلك مع عدم الكفاية ، بل كان الحكم دائراً مدار صحة الجري عليه ، واتّصافه به حدوثاً وبقاء.
إذا عرفت هذا فنقول : إن الاستدلال بهذا الوجه إنّما يتم ، لو كان أخذ العنوان في الآية الشريفة على النحو الأخير ، ضرورة إنّه لو لم يكن المشتق
__________________
1 ـ الكافي 1/175 ، باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمة ، الحديث 1.
2 ـ البقرة / 124. 
 
للأعم ، لما تم بعد عدم التلبس بالمبدأ ظاهراً حين التصدي ، فلا بدّ أن يكون للأعم ، ليكون حين التصدي حقيقة من الظالمين ، ولو انقضى عنهم التلبس بالظلم. وأما إذا كان على النحو الثّاني ، فلا ، كما لا يخفى.
ولا قرينة على إنّه على النحو الأوّل ، لو لم نقل بنهوضها على النحو الثّاني ، فإن الآية الشريفة في مقام بيان جلالة قدر الامامة والخلافة وعظم خطرها ، ورفعة محلها ، وأنّ لها خصوصية من بين المناصب الإلهية ، ومن المعلوم أن المناسب لذلك ، هو أن لا يكون المتقمص بها متلبساً بالظلم أصلاً ، كما لا يخفى.
إن قلت : نعم ، ولكن الظاهر أن الإمام 7 إنّما استدل بما هو قضية ظاهر العنوان وضعاً ، لا بقرينة المقام مجازاً ، فلا بدّ أن يكون للأعم ، وإلاّ لما تم.
قلت : لو سلّم ، لم يكن يستلزم جري المشتق على النحو الثّاني كونه مجازاً ، بل يكون حقيقة لو كان بلحاظ حال التلبس كما عرفت. فيكون معنى الآية ، والله العالم : من كان ظالماً ولو آناً في زمان سابق (1) لا ينال عهدي أبداً ، ومن الواضح أن إرادة هذا المعنى لا تستلزم الاستعمال ، لا بلحاظ حال التلبس.
ومنه قد انقدح ما في الاستدلال على التفصيل بين المحكوم عليه والمحكوم به ، باختيار عدم الاشتراط في الأوّل ، بآية حد السارق والسارقة ، والزاني والزانية ، وذلك حيث ظهر إنّه لا ينافي إرادة خصوص حال التلبس دلالتها على ثبوت القطع والجلد مطلقاً ، ولو بعد انقضاء المبدأ ، مضافاً إلى
__________________
1 ـ في « ب » : السابق. 
 
وضوح بطلان تعدَّد الوضع ، حسب وقوعه محكوماً عليه أو به ، كما لا يخفى.
ومن مطاوي ما ذكرنا ـ ها هنا وفي المقدّمات ـ ظهر حال سائر الأقوال ، وما ذكر لها من الاستدلال ، ولا يسع المجال لتفصيلها ، ومن أراد الاطلاع عليها فعليه بالمطولات.
بقي اُمور :
الأول : إن مفهوم المشتق ـ على ما حققه المحقق الشريف (1) في بعضٍ حواشيه (2) ـ : بسيط منتزع عن الذات ـ باعتبار تلبسها بالمبدأ واتصافها به ـ غير مركب. وقد أفاد في وجه ذلك : أن مفهوم الشيء لا يعتبر في مفهوم الناطق مثلاً ، وإلاّ لكان العرض العام داخلا في الفصل ، ولو اعتبر فيه ما صدق عليه الشيء ، انقلبت مادة الإِمكان الخاص ضرورة ، فإن الشيء الذي له الضحك هو الإانسان ، وثبوت الشيء لنفسه ضروري. هذا ملخص ما أفاده الشريف ، على ما لخصه بعضٍ الأعاظم (3).
وقد أورد عليه في الفصول (4) ، بإنّه يمكن أن يختار الشق الأوّل ، ويدفع الإِشكال بأن كون الناطق ـ مثلاً ـ فصلاً ، مبني على عرفّ المنطقيين ،
__________________
1 ـ المير سيد علي بن محمّد بن علي الحسيني الاسترابادي ، ولد المحقق الشريف سنة 740 ه‍ بجرجان وكان متكلماً بارعاً ، باهراً في الحكمة والعربية ، روى عن جماعة منهم العلامة قطب الدين الرازي ، واخذ منه العلامة المذكور ، له شرح المطالع وشرح على مواقف القاضي عضد الايجي في علم أصول الكلام ،عده القاضي نور الله من حكماء الشيعة وعلمائها. وتوفي في شيراز سنة 816 ه‍. ( الكنى والالقاب 2 / 358 ).
2 ـ في حاشيته على شرح المطالع عند قول الشارح : إلّا أن معناه شيء له المشتق منه ... الخ ، شرح المطالع / 11.
3 ـ الفصول / 61 ، التنبيهات.
4 ـ الفصول / 61 ، التنبيهات. 
 
حيث اعتبروه مجردا عن مفهوم الذات ، وذلك لا يوجب وضعه لغةً كذلك.
وفيه : إنّه من المقطوع أن مثل الناطق قد اعتبر فصلاً بلا تصرف في معناه أصلاً ، بل بماله من المعنى ، كما لا يخفى.
والتحقيق أن يقال إن مثل الناطق ليس بفصل حقيقي ، بل لازم ما هو الفصل وأظهر خواصه ، وإنما يكون فصلاً مشهورياً منطقياً يوضع مكإنّه إذا لم يعلم نفسه ، بل لا يكاد يعلم ، كما حقق في محله ، ولذا ربما يجعل لازمان مكإنّه إذا كانا متساويين النسبة إليه ، كالحساس والمتحرك بالإِرادة في الحيوان ، وعليه فلا بأس بأخذ مفهوم الشيء في مثل الناطق ، فإنّه وأنّ كان عرضاً عاماً ، لا فصلاً مقوماً للإنسان ، إلّا إنّه بعد تقييده بالنطق واتّصافه به كان من أظهر خواصه.
وبالجملة لا يلزم من أخذ مفهوم الشيء في معنى المشتق ، إلّا دخول العرض في الخاصة التي هي من العرضي ، لا في الفصل الحقيقي الذي هو من الذاتي ، فتدبرّ جيداً.
ثم قال : إنّه يمكن أن يختار الوجه الثّاني أيضاً ، ويجاب بأن المحمول ليس مصداق الشيء والذات مطلقاً ، بل مقيداً بالوصف ، وليس ثبوته للموضوع حينئذٍ بالضرورة ، لجواز أن لا يكون ثبوت القيد ضرورياً. انتهى.
ويمكن أن يقال : إن عدم كون ثبوت القيد ضرورياً لا يضر بدعوى الانقلاب ، فإن المحمول إن كان ذات المقيد وكان القيد خارجاً ، وأنّ كان التقييّد داخلاً بما هو معنى حرفي ، فالقضية لا محالة تكون ضرورية ، ضرورة ضرورية ثبوت الإانسان الذي يكون مقيداً بالنطق للإنسان وأنّ كان المقيد به بما هو مقيد على أن يكون القيد داخلاً ، فقضية ( الإانسان ناطق ) تنحل في الحقيقة إلى قضيتين إحداهما قضية ( الإانسان إنسان ) وهي
 
ضرورية ، والأخرى قضية ( الإانسان له النطق ) وهي ممكنة ، وذلك لأن الاوصاف قبل العلم بها أخبار كما أن الإخبار بعد العلم تكون أوصافاً ، فعقد الحمل ينحل إلى القضية ، كما أن عقد الوضع ينحل إلى قضية مطلقة عامة عند الشيخ ، وقضية ممكنة عند الفارابي (1) ، فتأمل.
لكنه 1 تنظر فيما أفاده بقوله : وفيه نظر لأن الذات المأخوذة مقيدة بالوصف قوة أو فعلاً ، إن كانت مقيدة به واقعاً صدق الإِيجاب بالضرورة وإلاّ صدق السلب بالضرورة ، مثلاً : لا يصدق زيد كاتب بالضرورة لكن يصدق ( زيد الكاتب (2) بالقوة أو بالفعل [ كاتب ] بالضرورة ). انتهى.
ولا يذهب عليك أن صدق الإِيجاب بالضرورة ، بشرط كونه مقيداً به واقعاً لا يصحح دعوى الانقلاب إلى الضرورية ، ضرورة صدق الإِيجاب بالضرورة بشرط المحمول في كلّ قضية ولو كانت ممكنة ، كما لا يكاد يضر بها صدق السلب كذلك ، بشرط عدم كونه مقيداً به واقعاً ، لضرورة السلب بهذا الشرط ، وذلك لوضوح أن المناط في الجهات ومواد القضايا ، إنّما هو بملاحظة أن نسبة هذا المحمول إلى ذلك الموضوع موجهة بأي جهة منها ، ومع أية منها في نفسها صادقة ، لا بملاحظة ثبوتها له واقعاً أو عدم ثبوتها له كذلك ، وإلاّ كانت الجهة منحصرة بالضرورة ، ضرورة صيرورة الإِيجاب أو السلب ـ بلحاظ الثبوت وعدمه ـ واقعاً ضرورياً ، ويكون من باب الضرورة
__________________
1 ـ أبو نصر محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلغ الحكيم المشهور ، صاحب التصانيف في الفلسفة والمنطق والموسيقى وغيرها من العلوم ، أقام ببغداد برهة ثم ارتحل إلى مدينة حرَّان ثم رجع إلى بغداد ثم سافر إلى دمشق ثم إلى مصر ، ثم عاد إلى دمشق وأقام بها وسلطإنّها يومئذٍٍ سيف الدولة بن حمدان ، ويحكى أن الآلة المسماة « القانون » من وضعه ، وكان منفرداً بنفسه لا يجالس الناس ، أكثر تصانيفه فصول وتعاليق ، توفي عام 339 بدمشق وقد ناهز ثمانين سنة وصلّى عليه سيف الدولة ودفن بظاهر دمشق. ( وفيات الأعيان 5 / 153 رقم 701 ).
2 ـ أثبتناها من ( ب ) 
 
بشرط المحمول.
وبالجملة : الدعوى هو انقلاب مادة الإِمكان بالضرورة ، فيما ليست مادته واقعاً في نفسه وبلا شرط غير الأمكان.
وقد انقدح بذلك عدم نهوض ما أفاده ; بإبطال الوجه الأوّل ، كما زعمه 1 ، فإن لحوق مفهوم الشيء والذات لمصاديقهما ، إنّما يكون ضرورياً مع إطلاقهما ، لا مطلقاً ، ولو مع التقيد إلّا بشرط تقيد المصاديق به أيضاً ، وقد عرفت حال الشرط ، فافهم.
ثم إنّه لو جعل التالي في الشرطيّة الثانية لزوم أخذ النوع في الفصل ؛ ضرورة أن مصداق الشيء الذي له النطق هو الإانسان ، كان أليق بالشرطية الأولى ، بل كان أولى (1) لفساده مطلقاً ، ولو لم يكن مثل الناطق بفصل حقيقي ، ضرورة بطلان أخذ الشيء في لازمه وخاصته ، فتأمل جيداً.
ثم إنّه يمكن أن يستدل على البساطة ، بضرورة عدم تكرار الموصوف في مثل ( زيد الكاتب ) ، ولزومه من التركب ، وأخذ الشيء مصداقاً أو مفهوماً في مفهومه.
إرشاد :
لا يخفى أن معنى البساطة ـ بحسب المفهوم ـ وحدته إدراكاً وتصوراً ، بحيث لا يتصور عند تصوره إلّا شيء واحد لا شيئاًن ، وأنّ انحل بتعمّل من العقل إلى شيئين ، كانحلال مفهوم الشجر والحجر إلى شيء له الحجرية أو الشجرية ، مع وضوح بساطة مفهومهما.
وبالجملة : لا ينثلم بالانحلال إلى الاثنينية ـ بالتعمّل العقلي ـ وحدة المعنى
__________________
1 ـ في « ب » : الأولى. 
 
وبساطة المفهوم ، كما لا يخفى ، وإلى ذلك يرجع الإِجمال والتفصيل الفارقان (1) بين المحدود والحد ، مع ما هما عليه من الاتحاد ذاتاً ، فالعقل بالتعمّل يحلل النوع ، ويفصله إلى جنس وفصل ، بعد ما كان أمراً واحداً إدراكاً ، وشيئاً فارداً تصوراً ، فالتحليل يوجب فتق ما هو عليه من الجمع والرتق.
الثاني : الفرق بين المشتق ومبدئه مفهوماً ، إنّه بمفهومه لا يأبى عن الحمل على ما تلبس بالمبدأ ، ولا يعصي عن الجري عليه ، لما هما عليه من نحو من الاتحاد ، بخلاف المبدأ ، فإنّه بمعناه يأبى عن ذلك ، بل إذا قيس ونسب إليه كان غيره ، لا هو هو ، وملاك الحمل والجري إنّما هو نحو من الاتحاد والهوهوية ، وإلى هذا يرجع ما ذكره أهل المعقول في الفرق بينهما ، من أن المشتق يكون لا بشرط والمبدأ يكون بشرط لا ، أيّ يكون مفهوم المشتق غير آب عن الحمل ، ومفهوم المبدأ يكون آبيا عنه ، وصاحب الفصول (2) ; ـ حيث توهّم أن مرادهم إنّما هو بيان التفرقة بهذين الاعتبارين ، بلحاظ الطوارىء والعوارض الخارجية مع حفظ مفهوم واحد ـ أورد عليهم بعدم استقامة الفرق بذلك ، لأجل امتناع حمل العلم والحركة على الذات ، وأنّ اعتبرا لا بشرط ، وغفل عن أن المراد ما ذكرنا ، كما يظهر منهم من بيان الفرق بين الجنس والفصل ، وبين المادة والصورة ، فراجع.
الثالث : ملاك الحمل ـ كما أشرنا إليه ـ هو الهوهوية والاتحاد من وجه ،
__________________
1 ـ في « أ و ب » : الفارقين.
2 ـ الفصول / 62 ، التنبيه الثّاني من تنبيهات المشتق.
هو الشيخ محمد حسين بن محمد رحيم الطهراني الحائري ، ولد في « إيوان كيف » ، أخذ مقدمات العلوم في طهران ، ثم اكتسب من شقيقه الحجة الشيخ محمد تقي الاصفهاني صاحب « هداية المسترشدين » في اصفهان ، ثم هاجر إلى العراق فسكن كربلاء ، كان مرجعاً عاماً في التدريس والتقليد ، وقد تخرّج من معهده جمع من كبار العلماء ، أجاب داعي ربه سنة 1254 ه‍ وله آثار أشهرها « الفصول الغروية » في الأصول ( طبقات اعلام الشيعة الكرام البررة 1 / 390 رقم 795 ). 
 
والمغايرة من وجه آخر ، كما يكون بين المشتقات والذوات ، ولا يعتبر معه (1) ملاحظة التركيب بين المتغايرين ، واعتبار كون مجموعهما ـ بما هو كذلك ـ واحداً ، بل يكون لحاظ ذلك مخلا ، لاستلزامه المغايرة بالجزئية والكلية.
ومن الواضح أن ملاك الحمل لحاظ نحو اتحاد بين الموضوع والمحمول ، مع وضوح عدم لحاظ ذلك في التحديدات وسائر القضايا في طرف الموضوعاًت ، بل لا يلحظ في طرفها إلّا نفس معانيها ، كما هو الحال في طرف المحمولات ، ولا يكون حملها عليها إلّا بملاحظة ما هما عليه من نحو من الاتحاد ، مع ما هما عليه من المغايرة ولو بنحو من الاعتبار.
فانقدح بذلك فساد ما جعله في الفصول تحقيقاً للمقام. وفي كلامه موارد للنظر ، تظهر بالتأمل وإمعان النظر.
الرابع : لا ريب في كفاية مغايرة المبدأ مع ما يجري المشتق عليه مفهوماً ، وأنّ اتحدا عيناً و خارجاً ، فصدق الصفات ـ مثل : العالم ، والقادر ، والرحيم ، والكريم ، إلى غير ذلك من صفات الكمال والجلال ـ عليه تعالى ، على ما ذهب إليه أهل الحق من عينية صفاته ، يكون على الحقيقة ، فإن المبدأ فيها وأنّ كان عين ذاته تعالى خارجاً ، إلّا إنّه غير ذاته تعالى مفهوماً.
ومنه قد انقدح ما في الفصول ، من الالتزام بالنقل (2) أو التجوز في ألفاظ الصفات الجارية عليه تعالى ، بناءً على الحق من العينية ، لعدم المغايرة المعتبرة بالاتفاق ، وذلك لما عرفت من كفاية المغايرة مفهوماً ، ولا اتفاق على اعتبارٍ غيرها ، إن لم نقل بحصول الاتفاق على عدم اعتباره ، كمالا يخفى ، وقد عرفت ثبوت المغايرة كذلك بين الذات ومبادىء الصفات.
__________________
1 ـ اشارة إلى ما افاده صاحب الفصول ، الفصول ، 62 التنبيه الثاني.
2 ـ الفصول / 62 ، التنبيه الثالث من تنبيهات المشتق. 
 
الخامس : إنّه وقع الخلاف بعد الاتفاق على اعتبارٍ المغايرة ـ كما عرفت ـ بين المبدأ وما يجري عليه المشتق ، في اعتبارٍ قيام المبدأ به ، في صدقه على نحو الحقيقة.
وقد استدل من قال (1) بعدم الاعتبار ، بصدق الضارب والمؤلم ، مع قيام الضرب والألم بالمضروب والمؤلمَ ـ بالفتح ـ.
والتحقيق : إنّه لا ينبغي أن يرتاب من كان من أولى الالباب ، في إنّه يعتبر في صدق المشتق على الذات وجريه عليها ، من التلبس بالمبدأ بنحو خاص ، على اختلاف أنحائه الناشئة من اختلاف المواد تارةً ، واختلاف الهيئات أُخرى ، من القيام صدوراً أو حلولا أو وقوعا عليه أو فيه ، أو انتزاعه عنه مفهوماً مع اتحاده معه خارجاً ، كما في صفاته تعالى ، على ما أشرنا إليه آنفا ، أو مع عدم تحقق إلّا للمنتزع عنه ، كما في الاضافات والاعتبارات التي لا تحقق لها ، ولا يكون بحذائها في الخارج شيء ، وتكون من الخارج المحمول ، لا المحمول بالضميمة ، ففي صفاته الجارية عليه تعالى يكون المبدأ مغايراً له تعالى مفهوماً ،وقائماً به عيناً ، لكنه بنحو من القيام ، لا بأن يكون هناك اثنينية ، وكان ما بحذائه غير الذات ، بل بنحو الاتحاد والعينية ، وكان ما بحذائه عين الذات ، وعدم اطلاع العرف على مثل هذا التلبس من الأمور الخفية لا يضر بصدقها عليه تعالى على نحو الحقيقة ، إذا كان لها مفهوم صادق عليه تعالى حقيقة ، ولو بتأمل وتعمّل من العقل. والعرف إنّما يكون مرجعاً في تعيين المفاهيم ، لا في تطبيقها على مصاديقها.
وبالجملة : يكون مثل ( العالم ) ، ( والعادل ) ، وغيرهما من الصفات الجارية عليه تعالى وعلى غيره جارية عليهما بمفهوم واحد ومعنى فارد ، وأنّ اختلفا فيما يعتبر في الجري من الاتحاد ، وكيفية التلبس بالمبدأ ، حيث إنّه بنحو العينية فيه تعالى ، وبنحو الحلول أو الصدور في غيره ، فلا وجه لما التزم به في
__________________
1 ـ الفصول / 62 ، التنبيه الثالث من تنبيهات المشتق.  

 
الفصول (1) ، من نقل الصفات الجارية عليه تعالى عما هي عليها من المعنى ، كما لا يخفى ، كيف؟ ولو كانت بغير معانيها العامة جارية عليه تعالى كانت صرف لقلقة اللسان وألفاظ بلا معنى ، فإن غير تلك المفاهيم العامة الجارية على غيره تعالى غير مفهوم ولا معلوم إلّا بما يقابلها ، ففي مثل ما إذا قلنا : ( إنّه تعالى عالم ) ، امّا أن نعني إنّه من ينكشف لديه الشيء فهو ذاك المعنى العام ، أو إنّه مصداق لما يقابل ذاك المعنى ، فتعالى عن ذلك علواً كبيراً، وإما أن لا نعني شيئاً ، فتكون كما قلناه من كونها صرف اللقلقة ، وكونها بلا معنى ، كما لا يخفى.
والعجب إنّه جعل ذلك علّة لعدم صدقها في حق غيره ، وهو كما ترى ، وبالتأمل فيما ذكرنا ، ظهر الخلل فيما استدل من الجانبين والمحاكمة بين الطرفين ، فتأمل.
السادس : الظاهر إنّه لا يعتبر في صدق المشتق وجريه على الذات حقيقة ، التلبس بالمبدأ حقيقة وبلا واسطة في العروض ، كما في الماء الجاري ، بل يكفي التلبس به ولو مجازاً ، ومع هذه الواسطة ، كما في الميزاب الجاري ، فاسناد الجريان إلى الميزاب ، وأنّ كان إسناداً إلى غير ما هو له وبالمجاز ، إلّا إنّه في الإِسناد ، لا في الكلمة ، فالمشتق في مثل المثال ، بما هو مشتق قد استعمل في معناه الحقيقي ، وأنّ كان مبدؤه مسنداً إلى الميزاب بالإِسناد المجازي ، ولا منافاة بينهما أصلاً ، كما لا يخفى.
ولكن ظاهر الفصول (2) بل صريحه ، اعتبارٍ الإِسناد الحقيقي في صدق المشتق حقيقة ، وكأنه من باب الخلط بين المجاز في الإِسناد والمجاز في الكلمة ، وهذا ـ هاهنا ـ محلّ الكلام بين الأعلام ، والحمد لله ، وهو خير ختام.
__________________
1 ـ الفصول / 62 ، التنبيه الثالث من تنبيهات المشتق.
2 ـ الفصول / 62 ، التنبيه الثالث من تنبيهات المشتق.
 
 
 
 
 
 

المقصد الأوّل : في الاوامر
وفيه فصول :
الأول : فيما يتعلق بمادة الأمر من الجهات ، وهي عديدة :
الأولى : إنّه قد ذكر للفظ الأمر معانٍ متعددة ، منها الطلب ، كما يقال ، أمره بكذا.
ومنها الشأن ، كما يقال : شغله أمر كذا.
ومنها الفعل ، كما في قوله تعالى : ( وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ) (1).
ومنها الفعل العجيب ، كما في قوله تعالى : ( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا ) (2).
ومنها الشيء ، كما تقول : رأيت اليوم أمراً عجيبا.
ومنها الحادثة
ومنها الغرض ، كما تقول : جاء زيد الأمر كذا.
ولا يخفى أن عد بعضها من معانيه من اشتباه المصداق بالمفهوم ؛ ضرورة أن الأمر في ( جاء زيد الأمر ) ما إستعمل في معنى الغرض ، بل اللام قد دلّ على الغرض ، نعم يكون مدخوله مصداقه ، فافهم ، وهكذا الحال في قوله
__________________
1 ـ هود : 97.
2 ـ هود : 66 ، 82.
 
 
تعالى ( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا ) (1) يكون مصداقاً للتعجب ، لا مستعملاً في مفهومه ، وكذا في الحادثة والشأن.
وبذلك ظهر ما في دعوى الفصول (2) ، من كون لفظ الأمر حقيقة في المعنيين الأولين.
ولا يبعد دعوى كونه حقيقة في الطلب في الجملة والشيء ، هذا بحسب العرف واللغة.
وأما بحسب الاصطلاح ، فقد نقل (3) الاتفاق على إنّه حقيقة في القول المخصوص ، ومجاز في غيره ، ولا يخفى إنّه عليه لا يمكن منه الاشتقاق ، فإن معناه ـ حينئذ ـ لا يكون معنى حدثياً ، مع أن الاشتقاقات منه ـ ظاهراً ـ تكون بذلك المعنى المصطلح عليه بينهم ، لا بالمعنى الآخر ، فتدبر.
ويمكن أن يكون مرادهم به هو الطلب بالقول لا نفسه ، تعبيراً عنه بما يدلّ عليه ، نعم القول المخصوص ـ أيّ صيغة الأمر ـ إذا أراد العالي بها الطلب يكون من مصاديق الأمر ، لكنه بما هو طلب مطلق أو مخصوص.
وكيف كان ، فالأمر سهل لو ثبت النقل ، ولا مشاحة في الاصطلاح ، وإنما المهمّ بيان ما هو معناه عرفاً ولغة ، ليحمل عليه فيما إذا ورد بلا قرينة ، وقد استعمل في غير واحد من المعاني في الكتاب والسنة ، ولا حجة على إنّه على نحو الاشتراك اللفظي أو المعنوي أو الحقيقة والمجاز.
وما ذكر في الترجيح ، عند تعارض هذه الأحوال ، لو سلّم ، ولم يعارض بمثله ، فلا دليل على الترجيح به ، فلا بدّ مع التعارض من الرجوع إلى الأصل في مقام العمل ، نعم لو علم ظهوره في أحد معانيه ، ولو إحتمل إنّه كان للانسباق من الإِطلاق ، فليحمل عليه ، وأنّ لم يعلم إنّه حقيقة فيه
__________________
1 ـ هود : 66 ، 82.
2 ـ الفصول / 62 ، القول في الأمر.
3 ـ الفصول / 62 ـ 63 ، القول في الأمر. 
 
بالخصوص ، أو فيما يعمه ، كما لا يبعد أن يكون كذلك في المعنى الأول.
الجهة الثانية : الظاهر اعتبارٍ العلو في معنى الأمر ، فلا يكون الطلب من السافل أو المساوي أمراً ، ولو أطلق عليه كان بنحو من العناية ، كما أن الظاهر عدم اعتبارٍ الاستعلاء ، فيكون الطلب من العالي أمراً ولو كان مستخفضاً لجناحه.
وأما إحتمال اعتبارٍ أحدهما فضعيف. وتقبيح الطالب السافل من العالي المستعلي عليه ، وتوبيخه بمثل : ( إنك لم تأمره ) ، إنّما هو على استعلائه ، لا على أمره حقيقة بعد استعلائه ، وإنما يكون إطلاق الأمر على طلبه بحسب ما هو قضية استعلائه ، وكيف كان ، ففي صحة سلب الأمر عن طلب السافل ، ولو كان مستعلياً كفاية.
الجهة الثالثة : لا يبعد كون لفظ الأمر حقيقة في الوجوب ، لأنسباقه عنه عند إطلاقه ، ويؤيّد قوله تعال ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ) (1) وقوله 9 (2) : ( لولا أن أشقِّ على أمتي لامرتهم بالسواك ) (2) وقوله 9 : لبريرة بعد قولها : أتأمرني يا رسول الله؟ ـ : ( لا ، بل إنّما أنا شافع ) (3) إلى غير ذلك ، وصحة الاحتجاج على العبد ومؤاخذته بمجرد مخالفة أمره ، وتوبيخه على مجرد مخالفته ، كما في قوله تعالى ( مَا مَنَعَكَ إلّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ) (4).
وتقسيمه إلى الإِيجاب والاستحباب ، إنّما يكون قرينة على إرادة المعنى الأعم منه في مقام تقسيمه. وصحة الاستعمال في معنى أعم من كونه على نحو
__________________
1 ـ النور : 63.
2 ـ غوالي اللآلي : 2 / 21 الحديث 43.
3 ـ الكافي : 5 / 485 ، التهذيب : 7 / 341 ، الخصال : 1 / 190.
4 ـ الأعراف : 12.  

 
الحقيقة ، كما لا يخفى.
وأما ما اُفيد (1) من أن الاستعمال فيهما ثابت ، فلو لم يكن موضوعاً للقدر المشترك بينهما لزم الاشتراك أو المجاز ، فهو غير مفيد ، لما مرت الإِشارة إليه في الجهة الأولى ، وفي تعارض الأحوال (2) ، فراجع.
والاستدلال بأن فعل المندوب طاعة ، وكل طاعة فهو فعل المأمور به ، فيه ما لا يخفى من منع الكبرى ، لو أُريد من المأمور به معناه الحقيقي ، وإلاّ لا يفيد المدعى.
الجهة الرابعة : الظاهر أن الطلب الذي يكون هو معنى الأمر ، ليس هو الطلب الحقيقي الذي يكون طلباً بالحمل الشائع الصناعي ، بل الطلب الإنشائي الذي لا يكون بهذا الحمل طلباً مطلقاً ، بل طلباً إنشائياً ، سواء اُنشىء بصيغة إفعل ، أو بمادة الطلب ، أو بمادة الأمر ، أو بغيرها.
ولو أبيت إلّا عن كونه موضوعاً للطلب فلا أقل من كونه منصرفاً إلى الإنشائي منه عند إطلاقه كما هو الحال في لفظ الطلب أيضاً ، وذلك لكثرة الاستعمال في الطلب الإنشائي ، كما أن الأمر في لفظ الإرادة على عكس لفظ الطلب ، والمنصرف عنها عند إطلاقها هو الإرادة الحقيقية (3) واختلافهما في ذلك ألجأ بعضٍ أصحابنا إلى الميل إلى ما ذهب إليه الأشاعرة ، من المغايرة بين الطلب والإرادة ، خلافاً لقاطبة أهل الحق والمعتزلة ، من اتحادهما.
فلا بأس بصرف عنان الكلام إلى بيان ما هو الحق في المقام ، وأنّ حققناه في بعضٍ فوائدنا إلّا أن الحوالة لما تكن عن المحذور خالية ، والإِعادة بلا فائدة ولا إفادة ، كان المناسب هو التعرض ها هنا أيضاً.
فاعلم ، أن الحق كما عليه أهله ـ وفاقاً للمعتزلة وخلافاً للاشاعرة ـ هو اتحاد الطلب والإرادة ، بمعنى أن لفظيهما موضوعاًن بإزاء مفهوم واحد وما بإزاء
__________________
1 ـ أفاده العلامة (ره) نهاية الاُصول / 64 مخطوطة.
2 ـ في الأمر الثامن من المقدمة ص 20.
3 ـ في « ب » : الحقيقة. 
 
أحدهما في الخارج يكون بإزاء الآخر ، والطلب المنشأ بلفظه أو بغيره عين الإرادة الإنشائية ، وبالجملة هما متحدان مفهوماً وإنشاء و خارجاً ، لا أن الطلب الإنشائي الذي هو المنصرف إليه إطلاقه ـ كما عرفت ـ متحد مع الإرادة الحقيقية (1) التي ينصرف إليها إطلاقها أيضاً ، ضرورة أن المغايرة بينهما أظهر من الشمس وأبين من الأمس. فإذا عرفت المراد من حديث العينية والاتحاد ، ففي مراجعة الوجدان عند طلب شيء والأمر به حقيقة كفاية ، فلا يحتاج إلى مزيد بيان وإقامة برهان ، فإن الإانسان لا يجد غير الإرادة القائمة بالنفس صفة أُخرى قائمة بها ، يكون هو الطلب غيرها ، سوى ما هو مقدّمة تحققها ، عند خطور الشيء والميل وهيجان الرغبة إليه ، والتصديق لفائدته ، وهو الجزم بدفع ما يوجب توقفه عن طلبه لاجلها.
وبالجملة : لا يكاد يكون غير الصفات المعروفة والإرادة هناك صفة أُخرى قائمة بها يكون هو الطلب ، فلا محيص (2) عن إتحاد الإرادة والطلب ، وأنّ يكون ذلك الشوق المؤكد المستتبع لتحريك العضلات في إرادة فعله بالمباشرة ، أو المستتبع الأمر عبيده به فيما لو أراده لا كذلك ، مسمى بالطلب والإرادة كما يعب به تارةً وبها أُخرى ، كما لا يخفى. وكذا الحال في سائر الصيغ الإنشائية ، والجمل الخبرية ، فإنّه لا يكون غير الصفات المعروفة القائمة بالنفس ، من الترجي والتمني والعلم إلى غير ذلك ، صفة أُخرى كانت قائمة بالنفس ، وقد دلّ اللفظ عليها ، كما قيل :
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما
         جعل اللسان على الفؤاد دليلا
 
وقد انقدح بما حققناه ، ما في استدلال الأشاعرة على المغايرة بالأمر مع عدم الإرادة ، كما في صورتي الاختبار والاعتذار من الخلل ، فإنّه كما لا إرادة
__________________
1 ـ في « ب » : الحقيقة.
2 ـ في النسختين فلا محيص إلّا ، والظاهر « إلّا » هنا مقحمة في السياق. 
 
حقيقة في الصورتين ، لا طلب كذلك فيهما ، والذي يكون فيهما إنّما هو الطلب الإنشائي الإِيقاعي ، الذي هو مدلول الصيغة أو المادة ، ولم يكن بينّاً ولا مبينّاً في الاستدلال مغايرته مع الإرادة الإنشائية.
وبالجملة : الذي يتكفله الدليل ، ليس إلّا الانفكاك بين الإرادة الحقيقية ، والطلب المنشأ بالصيغة الكاشف عن مغايرتهما. وهو مما لا محيص عن الالتزام به ، كما عرفت ، ولكنه لا يضر بدعوى الاتحاد أصلاً ، لمكان هذه المغايرة والانفكاك بين الطلب الحقيقي والإنشائي ، كما لا يخفي.
ثم إنّه يمكن ـ مما حققناه ـ أن يقع الصلح بين الطرفين ، ولم يكن نزاع في البين ، بأن يكون المراد بحديث الاتحاد ما عرفت من العينية مفهوماً ووجوداً حقيقياً وإنشائياً ، ويكون المراد بالمغايرة والاثنينية هو اثنينية الإنشائي من الطلب ، كما هو كثيراً ما يراد من إطلاق لفظه ، والحقيقي من الإرادة ، كما هو المراد غالباً منها حين إطلاقها ، فيرجع النزاع لفظياً ، فافهم.
دفع ووهم (1) : لا يخفى إنّه ليس غرض الأصحاب والمعتزلة ، من نفي غير الصفات المشهورة ، وإنّه ليس صفة أُخرى قائمة بالنفس كانت كلاماً نفسياً مدلولأ للكلام اللفظي ، كما يقول به الأشاعرة ، إن هذه الصفات المشهورة مدلولات للكلام.
إن قلت : فماذا يكون مدلولأ عليه عند الأصحاب والمعتزلة؟
قلت : امّا الجمل الخبرية ، فهي دالّة على ثبوت النسبة بين طرفيها ، أو نفيها في نفس الأمر من ذهن أو خارج ، كالإنسان نوع أو كاتب.
وأما الصيغ الإنشائية ، فهي ـ على ما حققناه في بعضٍ فوائدنا (2) ـ موجدة
__________________
1 ـ المتوهم هو القوشجي ، راجع شرح تجريد العقائد للقوشجي / 246 ، عند البحث عن المسموعات.
2 ـ كتاب النوائد / الفائدة الاُولى ص 17.
 
لمعانيها في نفس الأمر ، أيّ قصد ثبوت معانيها وتحققها بها ، وهذا نحو من الوجود ، وربما يكون هذا منشأ لانتزاع اعتبارٍ مترتب عليه شرعاً وعرفاً آثار ، كما هو الحال في صيغ العقود والايقاعات.
نعم لا مضايقة في دلالة مثل صيغة الطلب والاستفهام والترجي والتمني ـ بالدلالة الالتزامية ـ على ثبوت هذه الصفات حقيقة ، امّا لأجل وضعها لإِيقاعها ، فيما إذا كان الداعي إليه ثبوت هذه الصفات ، أو انصراف إطلاقها إلى هذه الصورة ، فلو لم تكن هناك قرينة ، كان إنشاءً الطلب أو الاستفهام أو غيرهما بصيغتها ، لأجل كون الطلب والاستفهام وغيرهما قائمة بالنفس ، وضعاً أو إطلاقاً.
إشكال ودفع : امّا الإِشكال ، فهو إنّه يلزم بناءً على اتحاد الطلب والإرادة ، في تكليف الكفار بالإِيمان ، بل مطلق أهل العصيان في العمل بالاركان ، امّا أن لا يكون هناك تكليف جدّي ، إن لم يكن هناك إرادة ، حيث إنّه لا يكون حينئذ طلب حقيقي ، وإعتباره في الطلب الجدي ربما يكون من البديهي ، وأنّ كان هناك إرادة ، فكيف تتخلف عن المراد؟ ولا تكاد تتخلف ، إذا أراد الله شيئاً يقول له : كن فيكون.
وأما الدفع ، فهو إن إستحاله التخلف إنّما تكون في الإرادة التكوينية وهي العلم بالنظام على النحو الكامل التام ، دون الإرادة التشريعية ، وهي العلم بالمصلحة في فعل المكلف. وما لا محيص عنه في التكليف إنّما هو هذه الإرادة التشريعية لا التكوينية ، فإذا توافقتا فلابد من الإطاعة والإِيمان ، وإذا تخالفتا ، فلا محيص عن أن يختار الكفر والعصيان.
إن قلت : إذا كان الكفر والعصيان والإطاعة والإِيمان ، بإرادته تعالى التي لا تكاد تتخلف عن المراد ، فلا يصحّ أن يتعلق بها التكليف ، لكونها خارجة عن الاختيار المعتبر فيه عقلاً. 
 
 
قلت : إنّما يخرج بذلك عن الاختيار ، لو لم يكن تعلق الإرادة بها مسبوقة بمقدماتها الاختيارية ، وإلاّ فلا بدّ من صدورها بالاختيار ، وإلاّ لزم تخلف إرادته عن مراده ، تعالى عن ذلك علواً كبيراً.
إن قلت : إن الكفر والعصيان من الكافر والعاصي ولو كانا مسبوقين بإرادتهما ، إلّا إنّهما منتهيان إلى ما لا بالاختيار ، كيف؟ وقد سبقهما الإرادة الازلية والمشية الإلهية ، ومعه كيف تصحّ المؤاخذة على ما يكون بالاخرة بلا اختيار؟
قلت : العقاب إنّما بتبعة الكفر والعصيان التابعين للاختيار الناشىء عن مقدماته ، الناشئة عن شقاوتهما الذاتية اللازمة لخصوص ذاتهما ، فإن ( السعيد سعيد في بطن أمه ، والشقي شقي في بطن أمه ) (1) و ( الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ) (2) ، كما في الخبر ، والذاتي لا يعلل ، فانقطع سؤال : إنّه لم جعل السعيد سعيدا والشقي شقيا؟ فإن السعيد سعيد بنفسه والشقي شقي كذلك ، وإنما أوجدهما الله تعالى ( قلم اينجا رسيد سر بشكست ) (3) ، قد إنتهى الكلام في المقام إلى ما ربما لا يسعه كثير من الافهام ، ومن الله الرشد والهداية وبه الاعتصام.
وهم ودفع : لعلك تقول : إذا كانت الإرادة التشريعية منه تعالى عين علمه بصلاح الفعل ، لزم ـ بناءً على أن تكون عين الطلب ـ كون المنشأ بالصيغة في الخطابات الإلهية هو العلم ، وهو بمكان من البطلان.
__________________
1 ـ ورد بهذا المضمون في توحيد الصدوق / 356 الباب 58 الحديث 3.
2 ـ الروضة من الكافي 8 / 177 ، الحديث 197.
مسند أحمد بن حنبل 2 / 539 وفيه تقديم الفضّة على الذهب. وقريب منه في هذا المصدر صفحة 257 ، 260 ، 391 ، 438 ، 485 ، 498 ، 525 والبخاري 4 / 216.
3 ـ يريد المؤلف (ره) : وهنا يقف القلم ، لأن الكلام انتهى إلى ما ربما لا يسعه كثير من الأفهام ، وما بين القوسين ، تعبير فارسي ترجمته : لما وصل القلم إلى هنا انكسر رأسه. 
 
لكنك غفلت عن أن اتحاد الإرادة مع العلم بالصلاح ، إنّما يكون خارجاً لا مفهوماً ، وقد عرفت (1) أن المنشأ ليس إلّا المفهوم ، لا الطلب الخارجي ، ولا غرو أصلاً في اتحاد الإرادة والعلم عيناً و خارجاً ، بل لا محيص عنه في جميع صفاته تعالى ؛ لرجوع الصفات إلى ذاته المقدسة ، قال أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه : ( وكمال توحيده الإخلاص له ، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ). (2)
الفصل الثاني
فيما يتعلق بصيغة الأمر وفيه مباحث :
الأول : إنّه ربما يذكر للصيغة معانٍ قد استعملت فيها ، وقد عد منها : الترجي ، والتمني ، والتهديد ، والإنذار ، والإِهانة ، والاحتقار ، والتعجيز ، والتسخير ، إلى غير ذلك ، وهذا كما ترى ، ضرورة أن الصيغة ما استعملت في واحد منها ، بل لم يستعمل إلّا في إنشاءً الطلب ، إلّا أن الداعي إلى ذلك ، كما يكون تارةً هو البعث والتحريك نحو المطلوب الواقعي ، يكون أُخرى أحد هذه الأمور ، كما لا يخفى.
قصارى ما يمكن أن يَّدعى ، أن تكون الصيغة موضوعة لإِنشاء الطلب ، فيما إذا كان بداعي البعث والتحريك ، لا بداعٍ آخر منها ، فيكون إنشاءً الطلب بها بعثاً حقيقة ، وإنشاؤه بها تهديداً مجازاً ، وهذا غير كونها مستعملة في التهديد وغيره ، فلا تغفل.
إيقاظ : لا يخفى أن ما ذكروه في صيغة الأمر ، جار في سائر الصيغ الإنشائية ، فكما يكون الداعي إلى إنشاءً التمني أو الترجي أو الاستفهام
__________________
1 ـ مر في صفحة 66 من هذا الكتاب عند قوله : وأما الصيغ الإنشائية .. الخ.
2 ـ نهج البلاغة / 39 الخطبة الأولى. 
 
بصيغها ، تارةً هو ثبوت هذه الصفات حقيقة ، يكون الداعي غيرها أُخرى ، فلا وجه للالتزام بانسلاخ صيغها عنها ، واستعمالها في غيرها ، إذا وقعت في كلامه تعالى ، لاستحالة مثل هذه المعاني في حقه تبارك وتعالى ، مما لازمه العجز أو الجهل ، وإنّه لا وجه له ، فإن المستحيل إنّما هو الحقيقي منها لا الإنشائي الإِيقاعي ، الذي يكون بمجرد قصد حصوله بالصيغة ، كما عرفت ، ففي كلامه تعالى قد استعملت في معانيها الإِيقاعية الإنشائية أيضاً ، لا لإِظهار ثبوتها حقيقة ، بل الأمر آخر حسب ما يقتضيه الحال من إظهار المحبة أو الإِنكار أو التقرير إلى غير ذلك ، ومنه ظهر أن ما ذكر من المعاني الكثيرة لصيغة الاستفهام ليس كما ينبغي أيضاً.
المبحث الثّاني : في أن الصيغة حقيقة في الوجوب ، أو في الندب ، أو فيهما ، أو في المشترك بينهما ، وجوه بل أقوال.
لا يبعد تبادر الوجوب عند استعمالها بلا قرينة ، ويؤيده عدم صحة الاعتذار عن المخالفة باحتمال إرادة الندب ، مع الاعتراف بعدم دلالته عليه بحال أو مقال ، وكثرة الاستعمال فيه في الكتاب والسنة وغيرهما لا يوجب نقله إليه أو حمله عليه (1) ، لكثرة استعماله في الوجوب أيضاً ، مع أن الاستعمال وأنّ كثر فيه ، إلّا إنّه كان مع القرينة المصحوبة ، وكثرة الاستعمال كذلك في المعنى المجازي لا توجب صيرورته مشهوراً فيه ، ليرجح أو يتوقف ، على الخلاف في المجاز المشهور ، كيف؟ وقد كثر إستعمال العام في الخاص ، حتى قيل : ( ما من عام إلّا وقد خص ) ولم ينثلم به ظهوره في العموم ، بل يحمل عليه ما لم تقم قرينة بالخصوص على إرادة الخصوص.
المبحث الثالث : هل الجمل الخبرية التي تستعمل في مقام الطلب والبعث ـ مثل : يغتسل ، ويتوضأ ، ويعيد ـ ظاهرة في الوجوب أو لا؟ لتعدد
__________________
1 ـ هذا تعريض بصاحب المعالم 1 ، معالم الدين / 48 ، فصل في الأوامر : فائدة.
 
المجازات فيها ، وليس الوجوب بأقواها ، بعد تعذر حملها على معناها من الإخبار ، بثبوت النسبة والحكاية عن وقوعها.
الظاهر الأوّل ، بل تكون أظهر من الصيغة ، ولكنه لا يخفى إنّه ليست الجمل الخبرية الواقعة في ذلك المقام ـ أيّ الطلب ـ مستعملة في غير معناها ، بل تكون مستعملة فيه ، إلّا إنّه ليس بداعي الأعلام ، بل بداعي البعث بنحو آكد ، حيث إنّه أخبر بوقوع مطلوبه في مقام طلبه ، إظهارا بإنّه لا يرضى إلّا بوقوعه ، فيكون آكد في البعث من الصيغة ، كما هو الحال في الصيغ الإنشائية ، على ما عرفت من إنّها أبدا تستعمل في معانيها الإِيقاعية لكن بدواعٍ أخر ، كما مر (1).
لا يقال : كيف؟ ويلزم الكذب كثيراً ، لكثرة عدم وقوع المطلوب كذلك في الخارج ، تعالى الله وأولياؤه عن ذلك علواً كبيراً.
فإنّه يقال : إنّما يلزم الكذب ، إذا أتي بها بداعي الإخبار والإِعلام ، لا لداعي البعث ، كيف؟ وإلاّ يلزم الكذب في غالب الكنايات ، فمثل ( زيد كثير الرماد ) أو ( مهزول الفصيل ) لا يكون كذباً ، إذا قيل كناية عن جوده ، ولو لم يكن له رماد أو فصيل أصلاً ، وإنما يكون كذباً إذا لم يكن بجواد ، فيكون الطلب بالخبر في مقام التأكيد أبلغ ، فإنّه مقال بمقتضى الحال. هذا مع إنّه إذا أتى بها في مقام البيان ، فمقدمات الحكمة مقتضية لحملها على الوجوب ، فإن تلك النكتة إن لم تكن موجبة لظهورها فيه ، فلا أقل من كونها موجبة لتعينه من بين محتملات ما هو بصدده ، فإن شدة مناسبة الإخبار بالوقوع مع الوجوب ، موجبة لتعين إرادته إذا كان بصدد البيان ، مع عدم نصب قرينة خاصة على غيره ، فافهم.
__________________
1 ـ في المبحث الأوّل من هذا الفصل ، عند قوله 1 : إيقاظ / 69. 
 
 
المبحث الرابع : إنّه إذا سلّم أن الصيغة لا تكون حقيقة في الوجوب ، هل لا تكون ظاهرة فيه أيضاً أو تكون؟ قيل بظهورها فيه ، امّا لغلبة الاستعمال فيه ، أو لغلبة وجوده أو أكمليته.
والكل كما ترى ، ضرورة أن الاستعمال في الندب وكذا وجوده ، ليس بأقل لو لم يكن بأكثر. وأما الأكملية فغير موجبة للظهور ، إذ الظهور لا يكاد يكون إلّا لشدة أنس اللفظ بالمعنى ، بحيث يصير وجهاً له ، ومجرد الأكملية لا يوجبه ، كما لا يخفى. نعم فيما كان الآمر بصدد البيان ، فقضية مقدمات الحكمة هو الحمل على الوجوب ، فإن الندب كإنّه يحتاج إلى مؤونة بيان التحديد والتقييد بعدم المنع من الترك ، بخلاف الوجوب ، فإنّه لا تحديد فيه للطلب ولا تقييد ، فإطلاق اللفظ وعدم تقييده مع كون المطلق في مقام البيان ، كافٍ في بيإنّه ، فافهم.
المبحث الخامس : إن إطلاق الصيغة هل يقتضي كون الوجوب توصلياً ، فيجزئ إتيإنّه مطلقاً ، ولو بدون قصد القربة ، أو لا؟ فلا بدّ من الرجوع فيما شك في تعبديته وتوصليته إلى الأصل.
لابد في تحقيق ذلك من تمهيد مقدمات :
أحدها : الوجوب التوصلي ، هو ما كان الغرض منه يحصل بمجرد حصول الواجب ، ويسقط بمجرد وجوده ، بخلاف التعبدي ، فإن الغرض منه لا يكاد يحصل بذلك ، بل لابد ـ في سقوطه وحصول غرضه ـ من الإِتيان به متقرباً به منه تعالى.
ثانيها : إن التقرب المعتبر في التعبدي ، إن كان بمعنى قصد الامتثال والإِتيان بالواجب بداعي أمره ، كان مما يعتبر في الطاعة عقلاً ، لا مما أخذ في نفس العبادة شرعاً ، وذلك لاستحالة أخذ ما لا يكاد يتأتى إلّا من قبل الأمر بشيء في متعلق ذاك الأمر مطلقاً شرطاً أو شطراً ، فما لم تكن نفس الصلاة متعلقة للأمر ، لا يكاد يمكن إتيإنّها بقصد امتثال أمرها. 
 
وتوهمّ إمكان تعلق الأمر بفعل الصلاة بداعي الأمر ، وإمكان الإِتيان بها بهذا الداعي ، ضرورة إمكان تصور الأمر بها مقيدة ، والتمكن من إتيإنّها كذلك ، بعد تعلق الأمر بها ، والمعتبر من القدرة المعتبرة عقلاً في صحة الأمر إنّما هو في حال الامتثال لا حال الأمر ، واضح الفساد ، ضرورة إنّه وأنّ كان تصورها كذلك بمكان من الإِمكان ، إلّا إنّه لا يكاد يمكن الإِتيان بها بداعي أمرها ، لعدم الأمر بها ، فإن الأمر حسب الفرض تعلق بها مقيدة بداعي الأمر ، ولا يكاد يدعو الأمر إلّا إلى ما تعلق به ، لا إلى غيره.
إن قلت : نعم ، ولكن نفس الصلاة أيضاً صارت مأمورة بها بالأمر بها مقيدة.
قلت : كلاّ ، لأن ذات المقيد لا يكون مأموراً بها ، فإن الجزء التحليلي العقلي لا يتصف بالوجوب أصلاً ، فإنّه ليس إلّا وجود واحد واجب بالوجوب النفسي ، كما ربما يأتي في باب المقدمة.
إن قلت : نعم ، لكنه إذا أخذ قصد الامتثال شرطاً ، وأما إذا أخذ شطراً ، فلا محالة نفس الفعل الذي تعلق الوجوب به مع هذا القصد ، يكون متعلقاً للوجوب ، إذ المركب ليس إلّا نفس الإِجزاء بالأسر ، ويكون تعلقه بكل بعين تعلقه بالكل ، ويصحّ أن يؤتى به بداعي ذاك الوجوب ؛ ضرورة صحة الإِتيان بأجزاء الواجب بداعي وجوبه.
قلت : مع امتناع اعتباره كذلك ، فإنّه يوجب تعلق الوجوب بأمر غير اختياري ، فإن الفعل وأنّ كان بالإِرادة اختياريا ، إلّا أن إرادته ـ حيث لا تكون بإرادة أُخرى ، وإلاّ لتسلسلت ـ ليست باختيارية ، كما لا يخفى. إنّما يصحّ الإِتيان بجزء الواجب بداعي وجوبه في ضمن إتيإنّه بهذا الداعي ، ولا يكاد يمكن الإِتيان بالمركب عن قصد الامتثال ، بداعي امتثال أمره.
 
إن قلت : نعم (1) ، لكن هذا كله إذا كان إعتباره في المأمور به بأمر واحد ، وأما إذا كان بأمرين : تعلق أحدهما بذات الفعل ، وثانيهما بإتيإنّه بداعي أمره ، فلا محذور أصلاً ، كما لا يخفى. فللآمر أن يتوسل بذلك في الوصلة إلى تمام غرضه ومقصده ، بلا منعة.
قلت : ـ مضافاً إلى القطع بإنّه ليس في العبادات إلّا أمر واحد ، كغيرها من الواجبات والمستحبات ، غاية الأمر يدور مدار الامتثال وجوداً و عدماً فيها المثوبات والعقوبات ، بخلاف ما عداها ، فيدور فيه خصوص المثوبات ، وأما العقوبة فمترتبة على ترك الطاعة ومطلق الموافقة ـ أن الأمر الأوّل إن كان يسقط بمجرد موافقته ، ولو لم يقصد به الامتثال ، كما هو قضية الأمر الثّاني ، فلا يبقى مجال لموافقة الثّاني مع موافقة الأوّل بدون قصد امتثاله ، فلا يتوسل الأمر إلى غرضه بهذه الحيلة والوسيلة ، وأنّ لم يكد يسقط بذلك ، فلا يكاد يكون له وجه ، إلّا عدم حصول غرضه بذلك من أمره ، لاستحالة سقوطه مع عدم حصوله ، وإلاّ لما كان موجباً لحدوثه ، وعليه فلا حاجة في الوصول إلى غرضه إلى وسيلة تعدَّد الأمر ، لاستقلال العقل ، مع عدم حصول غرض الأمر بمجرد موافقة الأمر بوجوب الموافقة على نحو يحصل به غرضه ، فيسقط أمره.
هذا كله إذا كان التقرب المعتبر في العبادة بمعنى قصد الامتثال.
وأما إذا كان بمعنى الإِتيان بالفعل بداعي حسنه ، أو كونه ذا مصلحة [ أو له تعالى ] (2) ، فاعتباره في متعلق الأمر وأنّ كان بمكان من الإِمكان ، إلّا إنّه غير معتبر فيه قطعاً ، لكفاية الاقتصار على قصد الامتثال ، الذي عرفت
__________________
1 ـ إشارة إلى ما أفاده صاحب التقريرات في مطارح الأنظار / 60 ، السطر الأخير ، في التعبدي والتوصلي.
2 ـ سقطت من « أ ». 
 
عدم إمكان أخذه فيه بديهة.
تأمل فيما ذكرناه في المقام ، تعرف حقيقة المرام ، كي لا تقع فيما وقع فيه من الاشتباه بعضٍ الأعلام.
ثالثتها : إنّه إذا عرفت بما لا مزيد عليه ، عدم إمكان أخذ قصد الامتثال في المأمور به أصلاً ، فلا مجال للاستدلال بإطلاقه ـ ولو كان مسوقاً في مقام البيان ـ على عدم اعتباره ، كما هو أوضح من أن يخفى ، فلا يكاد يصحّ التمسك به إلّا فيما يمكن اعتباره فيه.
فانقدح بذلك إنّه لا وجه لاستظهار التوصلية من إطلاق الصيغة بمادتها ، ولا لاستظهار عدم اعتبارٍ مثل الوجه مما هو ناشىء من قبل الأمر ، من إطلاق المادة في العبادة لو شك في اعتباره فيها ، نعم إذا كان الأمر في مقام بصدد بيان تمام ماله دخل في حصول غرضه ، وأنّ لم يكن له دخل في متعلق أمره ، ومعه سكت في المقام ، ولم ينصب دلالة على دخل قصد الامتثال في حصوله ، كان هذا قرينة على عدم دخله في غرضه ، وإلاّ لكان سكوته نقضاً له وخلاف الحكمة ، فلا بدّ عند الشك وعدم إحراز هذا المقام ، من الرجوع إلى ما يقتضيه الأصل ويستقل به العقل.
فاعلم : إنّه لا مجال ـ ها هنا ـ إلّا لاصالة الإِشتغال ، ولو قيل بأصالة البراءة فيما إذا دار الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين ، وذلك لأن الشك ها هنا في الخروج عن عهدة التكليف المعلوم ، مع استقلال العقل بلزوم الخروج عنها ، فلا يكون العقاب ـ مع الشك وعدم إحراز الخروج ـ عقاباً بلا بيان ، والمؤاخذة عليه بلا برهان ، ضرورة إنّه بالعلم بالتكليف تصحّ المؤاخذة على المخالفة ، وعدم الخروج عن العهدة ، لو اتفق عدم الخروج عنها بمجرد الموافقة بلا قصد القربة ، وهكذا الحال في كلّ ما شك دخله في الطاعة ، والخروج به عن العهدة ، مما لا يمكن اعتباره في المأمور به كالوجه والتمييز.
نعم : يمكن أن يقال : إن كلّ ما ربما يحتمل بدواً دخله في الامتثال ،  

 
أمراً كان مما يغفل عنه غالباً العامة (1) ، كان على الأمر بيإنّه ، ونصب قرينة على دخله واقعاً ، وإلاّ لاخل بما هو همّه وغرضه ، امّا إذا لم ينصب دلالة على دخله ، كشف عن عدم دخله ، وبذلك يمكن القطع بعدم دخل الوجه والتمييز في الطاعة بالعبادة ، حيث ليس منهما عين ولا أثر في الإخبار والآثار ، وكانا مما يغفل عنه العامة ، وأنّ احتمل اعتباره بعضٍ الخاصة ، فتدبرّ جيداً.
ثم إنّه لا أظنك أن تتوهم وتقول : إن أدلة البراءة الشرعية مقتضية لعدم الاعتبار ، وأنّ كان قضية الإِشتغال عقلاً هو الاعتبار ، لوضوح إنّه لا بدّ في عمومها من شيء قابل للرفع والوضع شرعاً ، وليس ها هنا ، فإن دخل قصد القربة ونحوها في الغرض ليس بشرعي ، بل واقعي. ودخل الجزء والشرط فيه وأنّ كان كذلك ، إلّا إنّهما قابلان للوضع والرفع شرعاً ، فبدليل الرفع ـ ولو كان أصلاً ـ يكشف إنّه ليس هناك أمر فعلّي بما يعتبر فيه المشكوك ، يجب الخروج عن عهدته عقلاً ، بخلاف المقام ، فإنّه علم بثبوت الأمر الفعلّي ، كما عرفت ، فافهم.
المبحث السادس : قضية إطلاق الصيغة ، كون الوجوب نفسياً تعيينياً عينياً ، لكون كلّ واحد مما يقابلها يكون فيه تقييد الوجوب وتضيق دائرته ، فإذا كان في مقام البيان ، ولم ينصب قرينة عليه ، فالحكمة تقتضي كونه مطلقاً ، وجب هناك شيء آخر أو لا ، أتى بشيء آخر أو لا ، أتى به آخر أو لا ، كما هو واضح لا يخفى.
المبحث السابع : إنّه اختلف القائلون بظهور صيغة الأمر في الوجوب وضعاً أو إطلاقاً فيما إذا وقع عقيب الحظر أو في مقام توهمه على أقوال :
__________________
1 ـ هذا ما أثبتناه من « أ و ب » ، وفي بعضٍ النسخ المطبوعة هكذا ( إن كلّ ما يحتمل بدواً دخله في الامتثال وكان يغفل عنه غالباً العامة ). 
 
نسب (1) إلى المشهور ظهورها في الإِباحة. وإلى بعضٍ العامة (2) ظهورها في الوجوب ، وإلى بعضٍ (3) تبعيته لما قبل النهي ، إن علق الأمر بزوال علّة النهي ، إلى غير ذلك.
والتحقيق : إنّه لا مجال للتشبث بموارد الاستعمال ، فإنّه قلّ مورد منها يكون خالياً عن قرينة على الوجوب ، أو الإِباحة ، أو التبعية ، ومع فرض التجريد عنها ، لم يظهر بعدُ كون عقيب الحظر موجباً لظهورها في غير ما تكون ظاهرة فيه. غاية الأمر يكون موجباً لاجمالها ، غير ظاهرة في واحد منها إلّا بقرينة أُخرى ، كما أشرنا.
المبحث الثامن : الحق أن صيغة الأمر مطلقاً ، لا دلالة لها على المرة ولا التكرار ، فإن المنصرف عنها ، ليس إلّا طلب إيجاد الطبيعة المأمور بها ، فلا دلالة لها على أحدهما ، لا بهيئتها ولا بمادتها ، والاكتفاء بالمرة ، فإنما هو لحصول الامتثال بها في الأمر بالطبيعة ، كما لا يخفى.
ثم لا يذهب عليك : أن الاتفاق على أن المصدر المجرد عن اللام والتنوين ، لا يدلّ إلّا على الماهية ـ على ما حكاه السكاكي (4) ـ لا يوجب كون النزاع ها هنا في الهيئة ـ كما في الفصول (5) ـ فإنّه غفلة وذهول عن كون المصدر كذلك ، لا يوجب الاتفاق على أن مادة الصيغة لا تدلّ إلّا على
__________________
1 ـ راجع الفصول / 70 ، وبدائع الأفكار في النسخة الثانية من نسختي الأوامر / 294.
2 ـ البصري في المعتمد / 75 ، باب في صيغة الأمر الواردة بعد حظر ، والبيضاوي وغيره راجع الإِبهاج في شرح المنهاج للسبكي : 2 / 43.
3 ـ كالعضدي ، شرح مختصر الأصول / 205 ، في مسألة وقوع صيغة الأمر بعد الحظر.
4 ـ مفتاح العلوم / 93.
5 ـ الفصول / 71 ، فصل : الحق أن هيئة ... الخ. 
 
الماهية ، ضرورة أن المصدر ليست مادة لسائر المشتقات ، بل هو صيغة مثلها ، كيف؟ وقد عرفت في باب المشتق مباينة المصدر وسائر المشتقات بحسب المعنى ، فكيف بمعناه يكون مادة لها؟ فعليه يمكن دعوى اعتبارٍ المرة أو التكرار في مادتها ، كما لا يخفى.
إن قلت : فما معنى ما اشتهر من كون المصدر أصلاً في الكلام.
قلت : مع إنّه محلّ الخلاف ، معناه أن الذي وضع أولاً بالوضع الشخصي ، ثم بملاحظته وضع نوعيا أو شخصياً سائر الصيغ التي تناسبه ، مما جمعه معه مادة لفظ متصورة في كلّ منها ومنه ، بصورة ومعنى كذلك ، هو المصدر أو الفعل ، فافهم.
ثم المراد بالمرة والتكرار ، هل هو الدفعة والدفعات؟ أو الفرد والأفراد؟
والتحقيق : أن يقعا بكلا المعنيين محلّ النزاع ، وأنّ كان لفظهما ظاهراً في المعنى الأوّل ، وتوهمّ (1) إنّه لو أُريد بالمرة الفرد ، لكان الانسب ، بل اللازم أن يجعل هذا المبحث تتمة للبحث الآتي ، من أن الأمر هل يتعلق بالطبيعة أو بالفرد؟ فيقال عند ذلك وعلى تقدير تعلقه بالفرد ، هل يقتضي التعلق بالفرد الواحد أو المتعدد ، أو لا يقتضي شيئاً منهما؟ ولم يحتج إلى إفراد كلّ منهما بالبحث كما فعلوه ، وأما لو أُريد بها الدفعة ، فلا علقة بين المسألتين ، كما لا يخفى ، فاسد ، لعدم العلقة بينهما لو أُريد بها الفرد أيضاً ، فإن الطلب على القول بالطبيعة إنّما يتعلق بها باعتبار وجودها في الخارج ، ضرورة أن الطبيعة من حيث هي ليست إلّا هي ، لا مطلوبة ولا غير مطلوبة ، وبهذا الاعتبار كانت مرددة بين المرة والتكرار بكلا المعنيين ، فيصحّ النزاع في دلالة الصيغة على المرة والتكرار بالمعنيين وعدمها.
__________________
1 ـ المتوهم هو صاحب الفصول ، الفصول / 71. 
 
أمّا بالمعنى الأوّل فواضح ، وأما بالمعنى الثّاني فلوضوح أن المراد من الفرد أو الأفراد وجود واحد أو وجودات ، وإنما عبر بالفرد لأن وجود الطبيعة في الخارج هو الفرد ، غاية الأمر خصوصيته وتشخصه على القول بتعلق الأمر بالطبائع يلازم المطلوب وخارج عنه ، بخلاف القول بتعلقه بالأفراد ، فإنّه مما يقومه.
تنبيه : لا إشكال بناءً على القول بالمرة في الامتثال ، وإنّه لا مجال للاتيان بالمأمور به ثانياً ، على أن يكون أيضاً به الامتثال ، فإنّه من الامتثال بعد الامتثال. وأما على المختار من دلالته على طلب الطبيعة من دون دلالة على المرة ولا على التكرار ، فلا يخلو الحال : امّا أن لا يكون هناك إطلاق الصيغة في مقام البيان ، بل في مقام الإِهمال أو الإِجمال ، فالمرجع هو الأصل. وإما أن يكون إطلاقها في ذلك المقام ، فلا إشكال في الاكتفاء بالمرة في الامتثال ، وإنما الإِشكال في جواز أن لا يقتصر عليها ، فإن لازم إطلاق الطبيعة المأمور بها ، هو الإِتيان بها مرة أو مراراً لا ، لزوم الاقتصار على المرة ، كما لا يخفى.

ادامه نوشته

سوالات آزمون وکالت سال 88


سوالات آزمون وكالت سال
۱۳۸۸  به همراه پاسخ نامه

 

۱.در عقد رهن اگر بعد از ايجاب و قبول مرتهن فوت كند:

۱)عقد منفسخ مي شود.
۲)عقد قبلا واقع شده و عين مرهونه به تصرف وراث داده مي شود.
۳)عقدي واقع نشده و اثر ايجاب و قبول زايل مي شود.
۴)راهن حق فسخ عقد را خواهد داشت.

۲.اتومبيلي با سرعت غيرمجاز در حال حركت است. شخصي عمدا خود را در مسير اتومبيل انداخته و مصدوم مي شود. جبران خسارت بر عهده چه كسي است؟

۱)بر عهده خود مصدوم است و راننده مسووليتي ندارد.
۲)مسووليت بين دو نفر به تساوي تقسيم مي شود.
۳)مسووليت به نسبت ميزان دخالت هر يك از طرفين بين آنها تقسيم مي شود .
۴)راننده مسوول است چون سرعت غير مجاز داشته است .

۳.اگر مالي كه موضوع قرض است بعد از تسليم تلف يا ناقص شود خسارت به عهده چه كسي است ؟

۱)از مال مقترض است .
۲)از مال مقرض است.
۳)فقط در صورتي كه مقترض تعدي و تفريط نموده باشد از مال مقترض خواهد بود.
۴)در صورتي كه فقط بر اثر آفات سماوي تلف يا ناقص شود از مال مقرض خواهد بود.

ادامه نوشته

آموزش اصول فقه ( مترادف و مشترک - اصول لفظيه - حقيقت شرعيه )

ترادف و اشتراك :
منظور از ترادف آن است كه چند واژه يك معنى بدهد و آن واژه ها را ترادف مى گويند . مانند دو واژه انسان و بشر كه هر دو به يك معنى است و منظور از اشتراك درست بالعكس ترادف آنست كه يك واژه چند معنى بدهد . مانند لفظ شير كه در فارسى حداقل براى معانى زير بكار مى رود :
الف -  حيوان درنده
ب - مايعى كه از پستان حيوانات دوشيده مى شود
ج - وسيله اى كه براى كنترل آب بر روى لوله ها نصب مى گردد

از اينكه در تمام لغات , ترادف و اشتراك وجود دارد شكى نيست . و لذا رنجى را كه بعضى از فرهنگ نويسان كشيده اند تا چنين مطلبى را انكار نمايند رنج بيهوده و تضييع وقت مى دانيم .
سخن در انگيزه به وجود آمدن ترادف و اشتراك است , با توجه به آنچه كه در نحوه و كيفيت وضع الفاظ بيان گشت , طبيعى است كه گروهها و طوايف مختلفى كه همه به يك زبان سخن مى گويند هر كدام بدون اطلاع از ديگرى مبادرت به وضع واژه براى معنائى نمايند , و در نتيجه يك واژه در يك زبان داراى معانى متعددى مى گردد , و اشتراك بوجود مىآيد .
و بالعكس براى يك معنا , هر قومى جداگانه لفظى را منظور مى نمايد كه ترادف پديدار مى شود .
اين مسائل سهل و آسان است و چندان جاى امعان نظر ندارد لذا به همين مقدار بسنده مى كنيم . و به بحث دقيق و در عين حال لطيفى كه اصوليين در مبحث اشتراك تحت عنوان استعمال لفظ در اكثر از معناى واحد طرح نموده اند مى پردازيم .

استعمال مشترك لفظى در بيش از يك معنى :
منظور از مشترك لفظى اين است كه گاهى لفظى داراى چند معناى مختلف است كه آن معانى بر هم ترجيحى ندارند . مثلا لفظ شير حداقل سه معنى دارد : حيوان درنده , وسيله اى كه براى استفاده از آب روى لوله هاى آب نصب مى شود و ماده خوراكى حاصله از حيوانات .
حال اگر گوينده اى بخواهد در كلام خويش از الفاظ مشترك استفاده نمايد , يعنى با استعمال لفظ مشترك , يكى از معانى آن را منظور كند , ترديدى نيست كه هيچگونه منعى ندارد اما از نظر ادبى و روش محاوره موظف است كه با آوردن قرينه , منظور خويش را مشخص نمايد . و هر گاه بدون آوردن قرينه گفتار خويش را محتوى لفظ مشتركى است رها سازد , خلاف آداب محاوره عمل نموده است . و اگر باكلام خويش خواهان چيزى بوده است شنونده ملزم به انجام آن نخواهد بود . و به دليل وجود احتمالات متعدد و عدم تعيين فرد مشخص معذور خواهد بود . مثل آنكه شخصى از خادم خويش بخواهد كه براى وى شير تهيه كند و هيچ قرينه اى مبنى بر اينكه آيا مورد در خواست و نياز او همان مايع خوراكى توليدى از حيوانات , يا اينكه شير لوله آب آشاميدنى است وجود نداشته باشد , خادم مى تواند به اجمال سخن متعذر شود و هيچگونه اقدامى معمول ندارد .
تا اينجا مسئله روشن و كاملا واضح است اما اگر گوينده اى يكى از اين الفاظ يا به اصطلاح مشتركات لفظى را كه داراى معانى متعدد است , استعمال كند آيا مى تواند با استعمال واحد معانى متعدد ملحوظ نمايد به طورى كه تمام آن معانى به طور جداگانه منظور باشد ؟ در اينجا دو نظريه بين علماى اصول وجود دارد :
بموجب يك نظر , استعمال لفظ در اكثر از معنا نه تنها غير مجاز و ممنوع است , بلكه اصولا عقلا محال است . در اينجا اين گروه مثال آينه را مي اورند و مى گويند : لفظ مانند آينه بايد تمام قد و قامت منظور و مقصود را نشان بدهد و همان طورى كه تصوير يك شىء تمام سطح آينه را مى پوشاند بطورى كه جايى براى تصوير ديگرى نيست , لفظ هنگام استعمال در ذهن گوينده جايى براى چيز ديگرى باقى نمى گذارد , و لذا مى گويند اراده دو چيز از يك لفظ در آن واحد محال است .
گروه ديگر عقيده دارند كه استعمال مشتركات لفظيه نه تنها محال نيست , بلكه ممنوع و باطل نيز نمى باشد . واى بسا كه در جملات , از نظر هنرى , امتياز هم محسوب مى شود . مثالى مىآوريم , حافظ مى گويد :
به بوى نافه اى كاخر صبا ز آن طره بگشايد - ز تا جعد مشكينش چه خون افتاد در دلها
لفظ بوى به معناى رايحه و عظر , و اميد و آرزو هر دو استعمال شده است , و شاعر با بكار بردن ابهام و استعمال مشترك لفظى بيان شيوا و شيرينى را ارائه داده است . و يا آنجا كه مى گويد :
تركان پارسى گو بخشندگان عمرند - ساقى بشارتى ده پيران پارسا را
كلمه ترك به دو معنى استعمال شده است : يكى دلبر , و ديگر كسانى كه به زبان آذرى سخن مى گويند . دلائل طرفداران هر دو گروه هر چه باشد , يك نكته مسلم است و آن اينكه استعمال لفظ در اكثر از معنا , يعنى اراده چند مقصود از يك لفظ وجود دارد و مكررا در اشعار و آثار شعرا و نويسندگان بچشم ميخورد ولى همان طورى كه اين عمل در ادبيات و ذوقيات مجاز است در مقام تشريع و قانونگزارى مجاز نيست . يعنى شارع و قانونگزارى كه با بيان احكام و صدور دستورات دينى و قانونى انجام تكاليفى را از مردم مطالبه مى كند بايد كلامش بگونه اى بيان گردد كه فاقد اجمال و ابهام باشد و انجام تكليف براى مكلف ممكن گردد . در غير اين صورت به علت اجمال يا ابهام مسئوليتى متوجه مكلف نخواهد بود .

اصول لفظيه :

هر گاه لفظى را گوينده استعمال نمايد كه آن لفظ يك معنى حقيقى و اوليه داشته باشد و نيز داراى معانى ديگرى باشد كه مجازى و ثانوى آن لفظ محسوب گردد , اگر شنونده در مقام استفاده مردد شود و نداند كه مراد متكلم كدامين معناى لفظ است , آيا معناى اوليه يعنى همان معنايى كه اصالتا براى آن وضع شده و معناى حقيقى آن لفظ محسوب مى گردد منظور نظر است ؟ يا آنكه گوينده از لفظى كه استعمال كرده معناى ثانوى و مجازى را منظور نموده است ؟ در اينگونه مواقع اصوليين يك سلسله قواعدى تحت عنوان اصول لفظى مقرر داشته اند كه شنونده با اجراى آن اصول , بر حسب مورد به مقتضاى آن عمل نموده و بدينوسيله از ترديد بيرون مىآيد . پس با توجه به گفته فوق , اصول لفظيه را چنين بايد تعريف كرد :
اصول لفظيه اصولى هستند كه براى اثبات مراد متكلم از لفظ بكار مى روند .
مهمترين اين اصول عبارتند از : اصل حقيقت , اصل عموم , اصل اطلاق , اصل عدم تقدير و اصل ظهور . 

الف - اصل حقيقت
هر گاه در كلام , لفظى وجود داشته باشد كه آن لفظ داراى يك معناى حقيقى و يك معناى مجازى باشد كه شنونده به هر دو واقف , و حتى براى او مشخص باشد كه آن لفظ در كداميك از آن دو معنى حقيقتا و كداميك مجازا استعمال مى گردد , ولى ترديدى كه براى شنونده به وجود آمده از اين نظر است كه هر چه مى نگرد قرينه اى كه دال بر معناى مجازى باشد مشاهده نمى كند , و در عين حال احتمال مى دهد كه چنين قرينه اى از ناحيه گوينده صادر شده ولى به او واصل نگشته است , در اينجا شنونده چه بايد بكند ؟ اصوليين گفته اند : اين مورد جاى اجراى اصل حقيقت است يعنى اصل اين است كه كلام بر معناى حقيقى حمل شود , تا آنكه قرينه اى كه قدرت انصراف كلام را از معناى حقيقى بسوى معناى مجازى داشته باشد , يافت گردد .
اين اصل , حجت است , يعنى متكلم كه قرينه روشنى دال بر معناى مجازى اقامه نكرده است حق ندارد شنونده را در چنين عملى مؤاخذه نمايد و بالعكس در صورتيكه شنونده بدون دريافت قرينه , كلام را بر معناى مجازى حمل كند متكلم مى تواند او را بر چنين عملى بازخواست نمايد . و براى طرفين اصل حقيقت كه از اصول لفظيه عقلائى است دليل مؤاخذه و بازخواست مى باشد

ب - اصالة العموم
هر گاه لفظى بصورت عموم استعمال شده باشد , مثلا گوينده گفته است: همه دانشمندان را احترام كنيد. اگر ترديد حاصل شود كه منظور گوينده تمام دانشمندان قطع نظر از مليت و نوع تخصص آنها است يا دسته و گروه خاصى از دانشمندان مثلا فقهاء را مد نظر دارد , بنابر اصل عموم , قبل از اينكه قرينه روشنى اقامه شود , شنونده بايد كليه دانشمندان را بدون استثناء احترام كند . و گوينده حق ندارد بدون ذكر قرينه كه باعث خروج دسته اى از تحت اين عام شود شنونده را كه به عام عمل كرده مؤاخذه نمايد . اين را علماى اصول مى گويند : اصالة العموم .
اين اصل در ا صول فقه و همچنين حقوق , داراى اهميت بسيار زيادى مى باشد . زيرا بسيارى از احكام شرعيه در قالب عموم صادر گرديده و در قوانين نيز استعمال فراوانى دارد . مثلا ماده 20 قانون مدنى مقرر مى دارد: كليه ديون . . . از حيث صلاحيت محاكم در حكم منقول است - در اينجا نظر قانونگزار وسعت و شمول است , و مى خواهد حكم را به كليه مصاديق ديون سرايت دهد .
در عربى الفاظ كل و كلما و نظاير آن و در فارسى تمام , همه و هر و مانند آنها از علامات استعمال كلمات در حالت عموم است . 

ج ) اصالة الاطلاق
اطلاق از ريشه ططلق است يعنى آزادى و رهايى , در مقابل آن تقييد از ريشه قيد است يعنى گرفتارى و دربند بودن .
منظور از اصل اطلاق اين است كه هر گاه لفظى بدون قيد و وصف محدود كننده استعمال شود , آيا شنونده موظف است آن را به صورت مطلق بكار بندد ؟ يا در صورت ترديد بايد طور ديگرى عمل كند و عمل به اطلاق را ترك گويد ؟ اصوليين در اينجا مى گويند : اصل بر اين است كه به صورت مطلق عمل شود , مگر اينكه گوينده قيد و وصفى بياورد كه دايره شمول مطلق را بگونه اى محدود و مقيد سازد . مثلا خداوند فرموده است : احل الله البيع - . . . چون هيچ قيد و وصف محدود كننده اى در كلام خدا نيست , شنونده حق ندارد اين حكم خدا را ناظر به موارد خاصى كند و مواردى از بيع را از شمول حكم خارج نمايد . بنابراين حكم انواع بيع از قبيل نقد و نسيه و غيره تحت اين حكم قرار مى گيرند .

د ) اصل عدم تقدير
بنابراين اصل , فرض اين است كه شارع و قانونگزار آنچه را كه منظورشاناست بيان و ظاهر مى كنند , به گونه اى كه شنونده از استماع و رؤيت كلام پى به مقصود مى برد . حال اگر ترديد حاصل شود كه ممكن است كلمه يا جمله اى مخفى يا به اصطلاح در تقدير باشد , براى گيرنده دستور يا به اصطلاح مكلف چه چاره اى باقى مى ماند ؟ علماى اصول در اين مقام مى گويند : بنابر اصل عدم تقدير , اصل اين است كه شارع منظورش را در قالب الفاظ بيان مى كند . پس اگر از ظاهر و بيان جمله و كلمه استفاده بيشترى نشود , شنونده بايد به آنچه بيان شده و ظاهر گرديده اكتفا كند . و نمى توان او را در قبال عدم اجراى دستور و حكمى كه مقدور بوده و در منطوق حكم بيان نشده , مؤاخذه كرد . 

ه ) اصل ظهور
بنابراين اصل , منظور گوينده بايد از ظاهر عبارت فهميده شود . زيرا شارع و قانونگزار نيز طبق عرف متداول مردم و جامعه سخن مى گويد , و انتظار اين است كه منظور و مقصودشان از ظاهر كلمات و جملاتى كه استعمال كرده اند فهميده شود .
بين اصل ظهور و اصل عدم تقدير ظاهرا شباهت وجود دارد , ولى بايد در نظر داشت كه در اصل عدم تقدير بحث اين است كه آيا كلمه يا جمله اى افتاده است يا نه ؟ و حال آنكه در اصل ظهور بحث در اين است كه آيا منظور گوينده همان است كه از ظاهر جمله يا كلمه استفاده مى شود يا منظور ديگرى است ؟
علماى اصول براى اصل ظهور اهميت زيادى قائلند . بطورى كه معتقدند اصول ديگر از قبيل اصالة العموم و اصالة الاطلاق و اصالة الحقيقه و غيره همه به اين اصل بر مى گردند , و در واقع وجوه مختلف همين اصل مى باشد . 

حجيت اصول لفظيه :
ملاك اعتبار و حجيت اصول لفظيه كه نمونه هاى آن ذكر شد , چيست ؟
ملاك اعتبار و حجيت اصول لفظيه , همانا بناء عقلاء است . به اين ترتيب كه مى دانيم خردمندان محاورت و مكالمات روز مره خويش را بر اساس چنين اصولى استوار كرده اند . آنان هميشه در گفتگوهاى خود بنا را بر آن قرار مى دهند كه احتمال خلاف ظاهر لفظ را توجهى ننمايند . هم چنانكه احتمال اين كه شايد گوينده از آوردن قرينه غفلت نموده و يا خطا كرده باشد و يا كلام را از روى مزاح بر لب جارى نموده باشد , هيچگاه آنان را از استفاده و افاده باز نمى دارد و احتمال تخصيص و تقييد و تقدير , موجب دست برداشتن آنان از ظواهر الفاظ نمى گردد .

ادامه نوشته

مشتق در اصول فقه

بحث مشتق
بين معناى مشتق در مباحث علم اصول فقه با آنچه كه در اصطلاح ادبى و علم صرف و نحو رائج است , تفاوت وجود دارد .
مشتق در اصطلاح علم صرف و نحو , در مقابل لفظ جامد بكار مى رود و انواع آن محدود و محصور مى باشد و در كتب ادبى به افعال , اسم فاعل , اسم مفعول , صفت مسبهه و . . . تعداد و احصاء گرديده است . ولى منظور از مشتق در اصطلاح علم اصول و اصوليين , لفظى را گويند كه بر شخصى يا چيزى حمل گردد و از صفتى يا حالتى از آن حكايت كند , بگونه اى كه آن صفت يا حالت قابل زوال و جدائى باشد , مانند : رونده , زننده .
روى اين حساب بين دو اصطلاح مشتق از نظر منطقى نسبت عموم من وجه است يعنى مواردى از الفاظ به هر دو اصطلاح مشتق است , مانند : زننده , نويسنده , خورنده . و مواردى از نظر اصول مشتق است ولى از نظر علم صرف جامد است , مانند لفظ زوج , شوهر , همسر . و مواردى بالعكس از نظر علم صرف مشتق است ولى از ديدگاه اصول فقه مشتق نيست , مانند كليه افعال . زيرا فعل هيچگاه نمى تواند بر شخصى يا چيزى حمل گردد .
يكى از مباحث بسيار مفيد در اين زمينه اين است كه استعمال مشتق در موردى كه مبدأ اشتقاق منقضى شده آيا حقيقت است يا مجاز مى باشد ؟
توضيح مطلب :
براى مشتقات در رابطه با مبدأ اشتقاق و انقضاى زمان يا عدم آن سه حالت متصور است , مثلا اگر پرويز در روز جمعه تقى را مورد ايراد ضرب قرار داده و يا به قتل رسانده است اطلاق لفظهاى ضارب و يا قاتل بر پرويز به اعتبار روزهاى قبل از جمعه و روزهاى بعد از آن سه حالت دارد :
1 - اصوليين در اين جهت ترديدى ندارند كه اطلاق مشتق بر افراد و يا اشياء در حالت تلبس به مبدأ اشتقاق حقيقت است , يعنى اگر در روز جمعه به پرويز بگوئيم ضارب يا قاتل , بدون شك استعمال حقيقى است .
2 - و نيز ترديدى ندارند كه اطلاق مشتق بر افراد و يا اشياء قبل از زمان تلبس به مبدأ , مانند اطلاق لفظ ضارب و قاتل بر پرويز قبل از روز جمعه , مجاز مى باشد . مثلا به كسانيكه در مسابقه ورودى دانشگاه شركت كرده اند ولى هنوز به دانشگاه راه نيافته اند , اگر خطاب شود : دانشجويان , اين استعمال مجازى مى باشد .
3 - حالتى است كه پس از انجام عمل و انقضاء آن مورد بحث است , يعنى روزها و ساعتهاى بعد از عمل ضرب يا قتل , آيا حقيقت است يا مجاز مى باشد ؟ در اين حالت بايستى با قرينه به آن دلالت نمايد . مشهور اصوليين عقيده دارند كه در اين مورد نيز مجاز است . دليل آنان نيز تبادر است , مى گويند متبادر از ضارب و يا قاتل كسانى هستند كه در حين انجام عمل مى باشند نه كسانيكه زمان متمادى از انجام عمل آنان گذشته است .
البته بايد توجه داشت كه زمان تلبس به مبدأ , در الفاظ هميشه يكنواخت نيست . مثلا در مورد كلمه قاضى نمى توان گفت زمان تلبس به مبدأ اشتقاق تنها زمانى است كه وى در دادگاه نشسته و قضاوت مى نمايد و همين كه محكمه خاتمه يافت ديگر زمان تلبس منقضى گشته است . خير , بلكه تا هنگامى كه به اين سمت اشتغال دارد , زمان تلبس وى مى باشد . و شايد در تمام حرف و مشاغل چنين است مثلا نجاز تا زمانى كه بهحرفه نجارى اشتغال دارد و شغل ديگرى براى خويش انتخاب نكرده متلبس به نجارى است , نه آنكه فقط تا زمانى كه تيشه و اره در دست دارد نجار است و هنگامى كه مغازه خود را تعطيل كرده و در منزل استراحت مى نمايد , ديگر به اين صفت متصف نباشد .
ثمره بحث :
بحث فوق ثمرات زيادى در فقه دارد مثلا در آداب اسلامى آمده است كه قطع اشجار مثمره زشت و ناپسند است , لذا اين بحث مطرح مى گردد كه منظور از مثمره چيست ؟ آيا تنها درختانى است كه هم اكنون ميوه دارند يا درختانى كه سابقا ميوه داشته اند نيز شامل مى گردند ؟ پاسخ اين سئوال مبتنى بر بحث ما نحن فيه است .

ادامه نوشته