استصحاب عدمي - استصحاب وجودي

اقسام استصحاب  :

يکي از اقسام استصحاب،استصحاب وجودی و استصحاب عدمی است :


استصحاب وجودی
=>  یعنی به وجود چیزی در زمان قدیم یقین داشته باشیم و اکنون به وجود و بقای آن شک کنیم.
استصحاب عدمی =>   یعنی به عدم و نبودن چیزی در زمان قدیم یقین داشته باشیم و اکنون به وجود
آن شک کنیم.

قران قطعی الصدور و ظنی الدلاله است:

قران قطعی الصدور و ظنی الدلاله است:
قبل از توضیح این قسمت باید بگوییم که وقتی انسان نسبت به موردی آگاهی پیدا می کند این آگاهی چهار حالت دارد:
1 - یا قطع است........... یعنی 100 % مطمین است ......................( قطع و یقین)
2- یا ظن است  ........... یعنی 51 تا 99 % اطمینان دارد .................( احتمال قوی)
3 – یا شک است ......... پنجاه ، پنجاه است.................................( احتمال مساوی )
4 – یا وهم است .......... 1 تا 49 %.............................................( احتمال ضعیف)


1 - قطع حجت است و باید به آن عمل نمود
2 – ظن دو نوع است :
............................ ظن معتبر : حجت است
............................ ظن غیر معتبر : حجت نیست
3 –شک : حجت نیست
4 – وهم : حجت نیست


لذا وقتی میگوییم، قران قطعی الصدور است ، یعنی ما 100% یقین داریم که قران از جانب خداوند صادر شده است و به دست ما رسیده
و وقتی میگوییم، قران ظنی الدلاله است،یعنی دلالت بسیاری از آیات قران ظنی است ( به زبان ساده تر چون که در قران آیات بسیاری ناسخ آیات دیگر هستند و آیات بسیاری مخصص آیات دیگری هستند و بسیاری از آیات هم مجمل هستند و ... ، ما نمی توانیم بگوییم که دلالت همه آیات قران قطعی و 100% است، بلکه دلالت بسیاری از آیات قران ظنی است . یعنی به طور قطع نمی توانیم بگوییم که معنای آیه ای چیست( زیرا احتمال نسخ یا تخصیص یا اجمال و .. در آیات وجود دارد)

اصل اطلاق

طبق اصالت اطلاق هر گاه متکلم لفظ مطلقی را به کار ببرد و ما شک کنیم که منظور متکلم از این لفظ مطلق تمام افراد آن است یا برخی از آنها، می گوییم منظور متکلم تمام افراد آن است ، یعنی متکلم از این لفظ مطلق تمام افراد را اراده کرده نه برخی از آنها را

 مثلا خداوند در سوره بقره آیه 275 می فرمایند : أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبَواْ " خداوند معامله را حلال و ربا را حرام کرده است " . لفظ بیع لفظی مطلق است . حال ما شک کنیم که منظور متکلم تمام بیع هاست یا یرخی از آنها(مثلا بیع نقد و نسیه و ... )، می گوییم اصل بر این است که متکلم تمام بیع ها را اراده کرده و قیدی در اینجا وجود ندارد

اشتراک لفظي و اشتراک معنوي

مشترک لفظی =  یک لفظ که چند معنا دارد . مانند لفظ عین

لفظ عين يک لفظ است که چندين معنا دارد . از جمله معاني اش = چشم، چشمه و ...


مشترک معنوی = یک لفظ که یک معنا دارد و آن معنا مصادیق گوناگون دارد . مانند لفظ بیع

لفظ بیع يک لفظ است که يک معنا دارد و آن معنا مصادیق گوناگون دارد. از جمله مصادیق اش = بیع نقد، بیع نسیه و ...


سنت

سنت
سنت یعنی گفتار، کردار یا تقرير معصوم(علیه السلام).
پس اگر در سخنان رسول اکرم(ص) حکمی بیان شده باشد ( = گفتار معصوم ) و یا ثابت شود که رسول اکرم(ص) عملاً وظیفه‌ی دینی را چگونه انجام می‌داده است ( = کردار معصوم ) و یا محقق شود که دیگران برخی وظایف دینی را در حضور ایشان به گونه‌ای انجام می‌دادند و مورد تأیید و امضای ایشان قرار گرفته است ( = تقرير معصوم )؛ فقیه مي تواند به آن استناد کند.

يادگيري اصول فقه

دانلود الموجز آيت الله سبحاني – قسمت ششم

الفصل الثاني
الشهرة الفتوائيّة
من الظنون التي قد خرجت عن أصل حرمة العمل بالظن، الشهرة الفتوائية بين القدماء من الفقهاء و هي:
عبارة عن اشتهار الفتوي في مسألة لم ترد فيها رواية معتبرة فمثلاً إذا اتّفق القدماء من الفقهاء علي حکم في مورد، و لم نجد فيه نصاً من أئمّة أهل البيت عليهم السّلام يقع الکلام في حجّية تلک الشهرة الفتوائية.
و الظاهر (وفاقاً لبعض الأعلام) حجّية مثل هذه الشهرة، لأنّها تکشف عن وجود نص معتبر وصل إليهم و لم يصل إلينا حتي دعاهم إلي الإفتاء علي ضوئه، إذ من البعيد أن يُفتي أقطاب الفقه بشيء بلا مستند شرعي و دليل معتدّ به، و قد حکي سيد مشايخنا المحقّق البروجردي في درسه الشريف أنّ في الفقه الإمامي أربعمائة مسألة تلقّاها الأصحاب قديماً و حديثاً بالقبول و ليس لها دليل إلاّ الشهرة الفتوائية بين القدماء بحيث لو حذفنا الشهرة عن عداد الأدلّة، لأصبحت تلک المسائل فتاوي فارغة مجرّدة عن الدليل.

الفصل الثالث
حجية السنة المحکية بخبر الواحد
السنة في مصطلح فقهاء أهل السنة هي قول النبي صلي الله عليه و آله وسلّم أو فعله أو تقريره، والمعصوم من أئمة أهل البيت عليهما السلام يجري قوله و تقريره عندنا مجري قول النبي صلي الله عليه و آله وسلّم و فعله و تقريره، و لأجل ذلک تطلق السنة عند الإمامية علي قول المعصوم و فعله و تقريره دون أن تختص بالنبي صلي الله عليه و آله وسلّم
وليس أئمّة أهل البيت عليهما السلام من قبيل الرواة و إن کانوا يروون عن جدهم عليهما السلام بل هم المنصوبون من اللّه تعالي علي لسان النبي صلي الله عليه و آله وسلّم بتبليغ الأحکام الواقعية، فقد رُزقوا من جانبه سبحانه علماً لصالح الأُمّة کما رزق مصاحب النبي موسي عليهما السلام علماً کذلک من دون أن يکون نبياً، قال سبحانه: (فَوَجَدا عَبدآً مِن عِبادِنا آتَيناهُ رَحمةً مِن عِندنا و علَّمناهُ من لدنّا علماً) (الکهف /65) . فعندهم علم الشريعة وإن لم يکونوا أنبياء و لا رسلاً.
ثم ان الخبر الحاکي للسنة اما خبر متواتر، او خبر واحد. ثم ان الخبر الواحد اما منقول بطرق متعددة من دون ان يبلغ حد التواتر فهو مستفيض و الا فغير مستفيض.
و لا شک في ان الخبر المتواتر يقيد العلم و لا کلام في حجيته و انما الکلام في حجية الخير الواحد اعم من المستفيض و غيره. فقد اختلفت کلمة اصحابنا في ذلک:

أ. ذهب الشيخ المفيد و السيد المرتضي و القاضي ابن البراج و الطبرسي و ابن ادريس الي عدم جواز العمل بالخبر الواحد في الشريعة.
ب. و ذهب الشيخ الطوسي و قاطبة المتاخرين الي الحجيته.
و المقصود في المقام اثبات حجيته بالخصوص و في الجملة مقابل السلب الکلي، و اما البحث عن سعة حجيته سنشير اليها بعد الفراغ عن الادلة.
و قد استدلوا علي حجيته بالادلة الاربعة:
الاستدلال بالکتاب العزيز
استدلوا علي حجيته خبر الواحد بآيات:
1- آية النبأ
قال سبحانه: ( ان جاء کم فاسق بنبا فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا علي ما فعلتم نادمين) ( الحجرات/6). و قبل تقرير الاستدلال نشرح الفاظ الآية:
1- التبيين يستعمل لازما و متعديا، فعلي الاول فهو بمعني الظهور، قال سبحانه: (حتي يتبين لکم الخيط الابيض من الخيط الاسود) ( البقره/187).
و علي الثاني فهو بمعني طلب التثبت کقوله سبحانه: (اذا ضربتم في سبيل الله
# لاحظ عدة الاصول:1/338 من الطبعة الحديثه.
# راجع ص 168 قوله: لکن الامعان فيها...
# قال الطبرسي: نزلت الآية في الوليد بن عقبة، بعثه رسول الله صلي الله عليه و آله وسلّم في جباية صدقات بني المصطلق، فخرجوا يتلقونه فرحا به- و کانت بينه و بينهم عداوة في الجاهلية- فظن انهم هموا بقتله، فرجع الي رسول الله صلي الله عليه و آله وسلّم و قال: انهم منعوا صدقاتهم- و کان الامر بخلافه- فغضب النبي صلي الله عليه و آله وسلّم و هم ان يغزوهم، فنزلت الآية. لاحظ مجمع البيان: 5/132 .

فتبينوا و لا تقولوا لمن القي اليکم السلام لست مومنا) ( النساء/94) و معناه في المقام تبينوا صدق الخبر و کذبه.
2- قوله: ( ان تصيبوا قوما بجهالة) علة للتثبت، و المقصود خشية ان تصيبوا قوما بجهالة او لئلا تصيبوا قوما بجهالة.
3- الجهالة ماخوذة من الجهل، فتارة يستدل بمفهوم الشرط، وأخري بمفهوم الوصف. و ربما يحصل الخلط بينهما، ففي تقرير الاستدلال بمفهوم الشرط ينصب البحث، علي الشرط اي مجئ المخبر بالنبأ، دون عنوان الفاسق، بخلاف الاستدلال بمفهوم الوصف حيث ينصب البحث علي عنوان الفاسق مقابل العادل ففي امکان الباحث جعل لفظ آخر مکان الفاسق عند تقرير الاستدلال بمفهوم الشرط لاجل صيانة الفکر عن الخلط، فنقول:
الاول: الاستدلال بمفهوم الشرط
ان الموضوع هو نبا الفاسق، والشرط هو المجئ، والجزاء هو التبين و التثبت، فکانه سبحانه قال: نبأ الفاسق - ان جاء به - فتبينه.
ويکون مفهومه: نبأ الفاسق - ان لم يجئ به - فلا يجب التبين عنه.
لکن للشرط (عدم مجئ الفاسق) مصداقين:
عدم مجئ الفاسق و العادل فيکون عدم التبين لاجل عدم النبأ فيکون من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع.
ب. مجئ العادل به فلا يتبن أيضا فيکون عدم التبين من قبيل السالبة بانتفاء المحمول. اي النبأ موجود و المنفي هو المحمول، اعني: التثبت.

يلاحظ علي الاستدلال: ان المفهوم عبارة عن سلب الحکم عن الموضوع الوارد في القضية، لا سلبه عن موضوع آخر، لم يرد فيها، فالموضوع في المنطوق هو "نبأ الفاسق" فيجب ان يتوارد التثبت منطوقا و عدم التثبت مفهوما علي ذلک.
الموضوع لا علي موضوع آخر کنبأ العادل، وعندئذ ينحصر مفهومه في المصداق الاول و يکون من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع.
وان شئت قلت: ان موضوع هو نبأ الفاسق فعند وجود الشرط، اعني:المجئ بالنبأ، يثبت عنده، و عند عدم المجئ به لايثبت لعدم الموضوع، فخبر العادل لم يکن مذکورا في المنطوق حتي يحکم عليه بشيء في المفهوم.
الثاني: الاستدلال بمفهوم الوصف
و طريقة الاستدلال به واضحة لانه سبحانه علق وجوب التبين علي کون المخبر فاسقا، و هو يدل علي عدم وجوب التبين في خبر العادل، مثل:"في الغنم السائمة زکاة" الدال علي عدمها في المعلوفة.
و إذا لم يجب التثبت عند اخبار العادل، فاما ان يجب القبول و هو المطلوب او الرد فيلزم ان يکون خبر العادل اسوا حالا من خبر الفاسق، لان خبر الفاسق يتبين عنه فيعمل به عند ظهور الصحة، واما خبر العادل فيترک، ولايعمل به مطلقا.
يلاحظ عليه: بما مر من عدم دلالة الجملة الوصفية علي المفهوم.

2. آية النفر
قال سبحانه : (وماکان المومنون لينفروا کافة فلولا نفر من کل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم إذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون (التوبة/122.
تشير الاية الي السيرة المستمرة بين العقلاء من تقسيم العمل بين الافراد، اذا لولا ذلک لا ختل النظام، و لا تشذ عن ذلک مسألة الانذار و التعليم و التعلم، فلا يمکن ان ينفر المومنون کافة لتحصيل احکام الشريعة، ولکن لماذا لا ينفر من کل فرقة منهم طائفة لتعلم الشريعة حتي ينذروا قومهم عند الرجوع اليهم؟
وجه الاستدلال: انه سبحانه اوجب الحذر علي القوم عند رجوع الطائفة التي تعلمت الشريعة و المراد من الحذر هو الحذر العملي، اي ترتيب الاثر علي قول المنذر. ثم ان انذاره کما يتحقق بصورة التواتر يتحقق ايضأ بصورةانذار بعضهم البعض، فلو کان التواتر او حصول العلم شرطا في تحقق الانذار و بالتالي في وجوب الحذر لاشارت اليه الاية، و اطلاقها يقتضي حجية قول المنذر سواء انذر إنذارا جماعيا او فرديا، و سواء افادا العلم او لا.
يلاحظ علي الاستدلال:ان الاية بصدد بيان انه لا يمکن نفر القوم برمتهم، بل يجب نفر طائفة منهم، و اما کيفية الانذار و انه هل يجب جماعيا او فرديا فليست الاية بصدد بيانها حتي يتمسک باطلاقها، و قد مر في مبحث المطلق و المقيد انه يشترط في صحة التمسک باطلاق کون المتکلم في مقام البيان.
و يشهد علي ذلک ان الاية لم تذکر الشرط اللازم، اعني: الوثاقة و والعدالة، فکيف توصف بانها في مقام البيان
؟!

3. آية الکتمان
قال سبحانه: (ان الذين يکتمون ما انزلنا من البينات و الهدي من بعد ما بيناه للناس في الکتاب اولئک يلعنهم الله و يلعنهم اللاعنون (البقرة/159
وکيفية الاستدلال بها هو ان وجوب الاظهار و تحريم الکتمان يستلزم وجوب القبول و الالغي وجوب الاظهار، نظير قوله سبحانه: ( و لا يحل لهن ان يکتمن ما خلق الله في ارحامهن) (البقره/228) فان حرمة کتمانهن لما في ارحامهن يقتضي وجوب قبول قولهن و الا لغي التحريم.
يلاحظ علي الاستدلال: ان الآية في مقام ايجاب البيان علي علماء اهل الکتاب لماانزل الله سبحانه من البينات و الهدي، و من المعلوم ان ايجاب البيان بلا قبول اصلا يستلزم کونه لغوا.اما اذا کان القبول مشروطا بالمتعدد او بحصول الاطمئنان او العلم القطعي فلا تلزم اللغويه، و ليست الاية في مقام البيان من هذه الناحية کاية النفر حتي يتمسک باطلاقها.

4. آية السوال
قال سبحانه: (و ما ارسلنا من قبلک الا رجالا نوحي اليهم فاسالوا أهل الذکر إن کنتم لا تعلمون) (النحل/43).
وجه الاستدلال علي نحوما مضي في آية الکتمان حيث ان ايجاب السوال يلازم القبول و الا تلزم اللغوية.
يلاحظ عليه: انما تلزم اللغوية اذا لم يقبل قولهم مطلقا، واما علي القول بقبول قولهم عند حصول العلم به فلا تلزم، و ليست الاية في مقام البيان من هذه الناحية حتي يتمسک باطلاقها، بل الاية ناظرة الي قاعدة عقلائية مطردة و هي رجوع الجاهل الي العالم.

الاستدلال بالروايات المتواترة
استدل القائلون بحجيةخبر الواحد بروايات ادعي في الوسائل تواترها يستفاد منها اعتبار منها خبر الواحد أجمالا، و هي علي طوائف نذکر اهمها:
هي الاخبارالارجاعية الي آحاد الرواة الثقات من اصحابهم بحيث يظهر من تلک الطائفة ان الکبري (العمل بقول الثقة) کانت امرا مفروغا منه، و کان الحوار فيها بين الامام و الراوي حول تشخيص الصغري و ان الراوي هل هو ثقةاو لا ؟ و اليک بعض ما يدل علي ذلک:
1. روي الصدوق عن ابان بن عثمان ان ابا عبدالله عليه السلام قال له: "ان أبان بن تغلب قد روي عني روايات کثيرة، فما رواه لک فاروه عني".
2. عن ابي بصير قال: ان ابا عبدالله عليه السلام قال له في حديث: " لو لا زرارة و نظراوه، لظننت ان احاديث ابي ستذهب".
3. عن يونس بن عمار ان اباعبدالله عليه السلام قال له في حديث:" اما ما رواه زرارة عن ابي جعفر عليه السلام، فلا يجوز لک ان ترده".
#ذکرها الشيخ الانصاري في فرائده، و هي خمس طوائف نشير اليها علي سبيل الاجمال:
الطائفة الاولي: ما ورد في الخبرين المتعارضين من الاخذ بالمرجحات کالاعدل و الاصدق و المشهور ثم التخيير.
الطائفة الثانية: ما ورد في ارجاع آحاد الرواة الي آحاد أصحاب الائمة علي وجه يظهر فيه عدم الفرق في ارجاع بين الفتوي و الرواية.
الطائفة الثالثة: ما دل علي الرجوع الي الرواة الثقات، و هذا ما اشرنا اليه في المتن.
الطائفة الرابعة: ما دل علي الترغيب في الرواية و الحث عليها و کتابتها و ابلاغها.
الطائفة الخامسة: ما دل علي ذم الکذب عليهم و التحذير من الکذابين.
ولولا ان خبر الواحد حجة لما کان لهذه الاخبار موضوع.
# الوسائل: 18، الباب 11 من ابواب صفات القاضي، الحديث 8،16،17.

4. عن المفضل بن عمر، ان اباعبدالله عليه السلام قال للفيض بن المختار في حديث: " فاذا اردت حديثنا، فعليک بهذا الجالس" و اوما الي رجل من أصحابه، فسالت أصحابنا عنه، فقالوا: زرارة بن أعين.
5. روي القاسم بن علي التوقيع التشريف الصادر عن صاحب الزمانعليه السلام انه لا عذر لاحد من موالينا في التشکيک فيما يرويه عنا ثقاتنا.الي غير ذلک من الاحاديث التي تورث اليقين بان حجية قول الثقة کان امرا مفروغا منه بينهم و لو کان هناک کلام، فانما کان في راوي.
انت اذا استقرات الروايات التي جمعها الشيخ الحر العاملي في الباب الثامن من ابواب صفات القاضي و الذي بعده، تقف علي اتفاق اصحاب الائمة علي حجية الخبر الواحد الذي يرويه الثقة، و هو ملموس من خلال روايات البابين.
ثم ان ظواهر ما نقلناه من الروايات تدل علي حجية "قول الثقة" فلو کان المخبر ثقة، فخبره حجة و الا فلا و ان دلت القرائن علي صدوره من المعصوم.
لکن الامعان فيها و في السيرة العقلائية- التي يأتي ذکرها- يعرب عن ان العناية بوثاقة الراوي في الموضوع لکونها طريقا الي الاطمئنان بصدوره من المعصوم، و لذلک لو کان الراوي ثقة و لکن دلت القرائن المفيدة علي خطئه و اشتباهه، لما اعتبره العقلاء حجة، و هذه تشکل قرينة علي ان العبرة في الواقع بالوثوق بالصدور لا علي و ثاقه الراوي، و الاعتماد عليها لاجل استلزامها الوثوق بالصدور غالبا.
#الوسائل:18، الباب11من ابواب صفات القاضي، الحديث19.
#الوسائل:18، الباب11من ابواب صفات القاضي، الحديث19.
# الوسائل:18، الباب8 و 9 من ابواب صفات القاضي،ص 52-89.

فتکون النتيجة حجية الخبر الموثوق بصدوره سواء کان المخبر ثقة او لا، نعم الامارة العامة علي الوثوق بالصدور، هو کون الراوي ثقة، و بذلک تتسع دائرة الحجية، فلاحظ.
3. الاستدلال بالاجماع
نقل غير واحد من علمائنا کالشيخ الطوسي(385-460هجري) و من تاخر عنه الي يومنا هذا اجماع علماء الامامية علي حجية خبر الواحد اذا کان ثقة مامونا في نقله و ان لم يفد خبره العلم، و في مقابل ذلک حکي جماعة اخري منهم- استاذ الشيخ- السيد المرتضي رحمةالله اجماع الامامية علي عدم الحجية.
سوال: اذا کان العمل بخبر الواحد امرا مجمعا عليه کما ادعاه الشيخ فلما ذا ابدي السيد رحمةالله خلافه؟ و کيف يمکن الجمع بين هذين الاجماعين المنقولين؟
الجواب: ان الشيخ التفت الي هذا السوال و اجاب عنه بما حاصله: ان مورد اجماع السيد خبر الواحد الذي يرويه مخالفوهم في الاعتقاد و يختصمون بطريقه و مورد الاجماع الذي ادعاه هو ما يکون راويه من الامامية و طريق الخبر اصحابهم فارتفع التعارض.

4. الاستدلال بالسيرة العقلائية
اذا تصفحت حال العقلاء في سلوکهم ، تقف علي انهم مطبقون علي العمل بخبر الثقة في جميع الازمان و الادوار، و يتضح ذلک بملاحظة أمرين:
الاول: ان تحصيل العلم القطعي عن طريق الخبر المتواتر او المخفوف بالقرائن في اکثر الموضوعات أمر صعب. الثاني: حصول الاطمئنان بخبر الثقة عند الثقة عند العرف علي وجه يفيد سکونا

للنفس، خصوصا اذا کان عدلا، ولو کانت السيرة امرا غير مرضي للشارع کان عليه الردع.
ولم يکن عمل المسلمين بخبر الثقة الا استلهاما من تلک السيرة العقلائية التي ارتکزت في نفوسهم.
والحاصل: انه کان العمل باخبارالاحاد الثقات امرا مرفوضا، لکان علي الشارع ان ينهي عنه و ينبه الغافل و يفهم الجاهل . فاذا لم يردع کشف ذلک عن رضاه بتلک السيرة و موافقته لها.
فالاستدلال بسيرة العقلاء علي حجية خبر الواحد من افضل الادلة التي لاسبيل للنقاش فيها، فان ثبوت تلک السيرة و کشفها عن رضا الشارع مما لاشک فيه.
سوال: ربما يقال ان الآيات الآيات الناهية عن اتباع الظن کافية في ردع تلک السيرة کقوله سبحانه: (ان يتبعون الا الظن و ان هم الا يخرصون) (الانعام/116) و قوله سبحانه: (ان الذين لايومنون بالآخرة ليسمون الملائکة تسمية الانثي* و ما لهم به من علم ان يتبعون الا الظن و ان الظن لايغني من الحق شيئا) (النجم/27-28)
والجواب: ان امراد من الظن في الآيات الناهية ترجيح احد الطرفين استنادا الي الخرص و التخمين کما قال سبحانه: (ان هم الا يخرصون) و يشهد بذلک مورد الآية من تسمية الملائکة انثي، فکانوا يرجحون احد الطرفين بامارات ظنية و تخمينات باطلة، فلا يستندون في قضائهم لا الي الحس و لا الي العقل بل الي الهوي و الخيال، و اين هذا من قول الثقة او الخبر الموثوق بصدوره الذي يرجع الي الحس و تدور عليه رحي الحياة و يجلب الاطمئنان و الثبات؟!

الفصل الرابع
الکلام في الاجماع
الاجماع في اللغة هوالاتفاق، قال سبحانه: (فلما ذهبوا به و اجمعوا ان يجعلوه في غيابت الجب) (يوسف/15). و اما في الاصطلاح اتفاق علماء عصر واحد علي حکم شرعي. فاذا احرزه المجتهد يسمي اجماعا محصلا و اذا احرزه مجتهد و نقله الي الاخرين يکون اجماعا منقولا بالنسبةاليهم فيقع الکلام في مقامين:
المقام الاول: الاجماع المحصل عند السنة و الشيعة
اتفق الاصوليون علي حجية الاجماع علي وجه الاجمال، و لکنه عند أهل السنة يعد من مصادر التشريع.
و اما الشيعة، فتقول بانحصار الدليل في الکتاب و السنة و العقل، و اما الاتفاق فلا يضفي عندهم علي الحکم صبغة الشرعية و لا يوثر في ذلک ابدا غاية الامر ان المستند لو کان معلوما فالاجماع مدرکي و ليس بکاشف لا عن قول المعصوم و لا عن دليل معتبر لم يصل الينا، لا يزيد اتفاقهم شيا. و اما اذا کان المستند غير معلوم، فربما يکشف اجماعهم عن قول المعصوم و اتفاقه معهم، کما اذا اتفق الاجماع في عصر حضور المعصوم، و ربما يکشف عن وجود دليل معتبروصل الي المجمعين و لم يصل الينا، کما اذا اتفق في الغيبة الصغري و اوائل الکبري اذ من البعيد ان يتفق المجتهدون علي حکم بلا مستند شرعي. و علي کلا التقديرين

. فالاجماع بما هو هو ليس بحجة، و انما هو کاشف عن الحجة، و سيوافيک تفصيله
حجية الاجماع المحصل عند الامامية
قد عرفت ان الامة مع قطع النظر عن الامام المعصوم غير معصومة من الخطأ في الاحکام، و اقصي ما يمکن ان يقال ان الاجماع يکشف عن قول المعصوم او الحجة الشرعية التي اعتمدت عليها الامة، و الثاني امر معقول و مقبول في عصر الغيبة غير ان کشف اتفاقهم عن الدليل يتصور علي وجوه ذکرها الاصوليون في کتبهم.اوجهها: ان اتفاق الامة مع کثرة اختلافهم في اکثرالمسائل يعرب عن ان الاتفاق کان مستندا الي دليل قطعي لا عن اختراع للراي من تلقاء انفسهم نظير اتفاق سائر ذوي الآراء و المذاهب.
و بعبارة اخري: ان فتوي کل فقيه و ان کانت تفيد الظن و لو بادني مرتبة الا انها تتقوي بفتوي فقيه ثان، فثالث الي ان يحصل اليقين بان فتوي الجميع کانت مستندة الي الحجة، اذ من البعيد ان يتطرق الخطأ الي فتوي هولاء.
و بالجملة ملاحظة اطباقهم في الافتاء علي عدم العمل الا بالنصوص دون المقاييس يورث القطع بوجود حجة في البين وصلت اليهم و لم تصل الينا.
لاحظ " القناع عن وجه حجيةالاجماع" للعلامة التستري، فقد ذکر فيه اثني عشر طريقا الي کشف الاجماع عن دليل، و نقلها المحقق الاشتياني في تعليقته علي الفرائد لا حظ ص 122- 125.
و علي ذلک يکون الاجماع المحصل من الادلة المفيدة للقطع بوجود الحجة،الخارج عن تحت الظنون موضوعا و تخصصا، و قد تناولناه بالبحث للاشارة الي الادلة الاربعة، و المناسب للبحث في المقام هو الاجماع المنقول بالخبر الواحد.

المقام الثاني: الاجماع المنقول بخبر الواحد
و المراد هو الاتفاق الذي لم يحصله الفقيه بنفسه و انما ينقله غيره من الفقهاء و اختلفوا في حجيته علي اقوال:
القول الاول: انه حجة مطلقا، لان المفروض ان الناقل ثقة و ينقل الحجة اي الاتفاق الملازم لوجود دليل معتبر فيشمله ادلة حجية خبر الواحد.
القول الثاني: انه ليس بحجة مطلقا، و ذلک لان خبر الواحد حجة فيما اذا کان المخبر به امرا حسيا او کانت مقدماته القريبة امورا حسية، کالاخبار بالعدالة النفسانية اذا شاهد منه التورع عن المحرمات، او الاخبار بالشجاعة اذا شاهد قتاله مع الابطال، و اما اذا کان المخبر به امرا حدسيا محضا لا حسيا و لم تکن له مقدمات قريبة من الحس، فخبر الواحد ليس بحجة.
فالنا قل للاجماع ينقل اقوال العلماء و هي في انفسها ليست حکما شرعيا و لا موضوعا ذا اثر شرعي، و اما الحجة، اعني: راي المعصوم، فانما ينقله عن حدس لا عن حس بزعم ان اتفاق هولاء يلازم راي المعصوم، و خبر الواحد حجة في مورد الحسيات لا الحدسيات الا ما خرج بالدليلي کقول المقوم في أرش المعيب
يلاحظ عليه: انه اذا کانت هناک ملازمة بين اقوال العلماء و الحجة الشرعية، فلماذا لا يکون نقل السبب الحسي دليلا علي وجود المسبب و قد تقدم ان نقل الامور الحدسية اذا استند الناقل في نقلها الي اسباب حسية، هو حجة کما في وصف الرجل بالعدالة و الشجاعة.
و اما عدم حجية خبر الواحد في الامور الحدسية، فانما يراد منه الحدسي المحض کتنبوات المنجمين لا في مثل المقام الذي يرجع واقعه الي الاستدلال بالسبب الحسي علي وجود المسبب.

القول الثالث: انه ليس بحجة الااذا کان ناقل الاجماع معروفا بالتتبع علي وجه علم انه قد وقف علي آراءالعلماء المتقدمين و المتاخرين علي نحو يکون ما استحصله من الآراء ملازما عادة للدليل المعتبر او لقول المعصوم.
غير ان الذي يوهن الاجماعات المنقولة في الکتب الفقهية، وجود التساهل في نقل الاجماع، فربما يدعون الاجماع بعد الوقوف علي آراء محدودة غير ملازمة لوجود دليل معتبر، بل ربما يدعون الاجماع لوجود الخبر.
نعم لو کان الناقل واسع الباع محيطا بالکتب والاراء، باذلا جهوده في تحصيل الاقوال في المسألة و کانت نفس المسألة من الوسائل المعنونة في العصور المتقدمة، فربما يکشف تتبعه عن وجود دليل معتبر.

الفصل الخامس حجية قول اللغوي
إن اثبات الظهور طرقا ذکرناها في محلهابقي الکلام في حجية قول اللغوي في اثباته و تعيين الموضوع له، و قد استدل جمع من العلماء علي حجية قول اللغوي بان الرجوع الي قول اللغوي من باب الرجوع الي اهل الخبرة، و لا اشکال في حجية قول اهل الخبرة فيما هم خبرة فيه.
أشکل عليه: بان الکبري - و هي حجية قول اهل الخبرة- مسلمة، انما الکلام في الصغري و هي کون اللغوي خبيرا في تعيين الموضوع له عن غيره، و بالتالي في تعيين المعني الحقيقي عن المجازي، مع ان ديدن اللغويين في کتبهم ذکرالمعاني التي شاع استعمال اللفظ فيها، سواء کان معني حقيقيا او مجازيا.
ولکن يمکن ان يقال: ان اکثرا المعاجم اللغوية و ان کانت علي ما وصفت، و لکن بعضها الف لغاية تمييز المعني الاصلي عن المعني الذي استعمل فيه بمناسبة و بينه و بين المعني الاصلي، و هذا کالمقاييس لمحمد بن فارس بن زکريا (المتوفي395ه ) فقد قام ببراعة خاصة بعرض اصول المعاني و تمييزها عن فروعها و مشتقاتها، و مثله کتاب اساس البلاغة للزمخشري(المتوفي 538هجري).
ومن سبر في الادب العربي يجد ان سيرة المسلمين قد انعقدت علي الرجوع الي
#راجع مقدمة الکتاب، بحث علائم الحقيقة و المجاز.

الخبرة من اهل اللغة في معاني الالفاظ الذين يعرفون اصول المعاني عن فروعها و حقائقها عن مجازاتها. و قد کان ابن عباس مرجعا کبيرا في تفسير لغات القران.
علي ان الانسان اذا الف بالمعجم الموجودة، استطاع ان يميز المعاني الاصلية عن المعاني الفرعية المشتقة منها، و لا يتم ذلک الا مع قريحة ادبية و انس باللغة و الادب. نعم تکون الحجة عند ذلک هو قطعه و يقينه لا قول اللغوي.
الي هنا انتهينا من دراسة الحجج الشرعية الاربعة: -الکتاب و السنة و الاجماع و العقل - و هي ادلة اجتهادية تتکفل لبيان الاحکام الشرعية الواقعية.

المقصد السابع الأصول العلمية
و فيه فصول:
الفصل الاول: في أصالة البراءة.
الفصل الثاني: في اصالة التخيير.
الفصل الثالث: في اصالة الاحتياط.
الفصل الرابع: في اصالة الاستصحاب

الاصول العلمية
قد عرفت ان المکلف الملتفت الي الحکم الشرعي تحصل له اما القطع او الظن او الشک، و قد فرغنا عن حکم القطع و الظن و الان نبحث عن حکم الشک.
ولا يخفي ان المستنبط انما ينتهي الي "الاصول العلمية" اذا لم يکن هناک دليل قطعي، کالخبر المتواتر؛ او دليل علمي، کالضنون المعتبرة التي دل علي حجيتها الدليل القطعي، و تسمي بالامارات و الادلة الاجتهادية، کما تسمي الاصول العلمية بالادلة الفقهاهية.
و بذلک تقف علي ترتيب الادلة في مقام الاستنباط، فالمفيد لليقين هو الدليل المقدم علي کل دليل، يعقبه الدليل الاجتهادي، ثم الاصول العملي.
ان الاصول العملية المعتبرة و ان کانت کثيرة، لکن اکثرها مختص بباب دون باب، کاصل الطهارة المختص بباب الطهارة، او اصل الحلية المختص بباب الشک في خصوص الحلال و الحرام، او اصالة الصحة المختصة بعمل صدر عن الشخص و شک في صحته و فساده، و اما الاصول العلمية العامة التي يتمسک بها المستنبط في جميع ابواب الفقه فهي اربعة تعرف ببيان مجاريها.
لان الشک اما ان تلاحظ فيه الحالة السابقة او لا، و علي الثاني اما ان يکون الشک في اصل التکليف او لا، و علي الثاني اما ان يمکن الاحتياط او لا،

فالاول مجري الاستصحاب، و الثاني مجري البراءة، و الثالث مجري الاحتياط، و الرابع مجري التخيير.
توضيحه
1- اذا شک المکلف في حکم او موضوع کان علي يقين منه في السابق، کما اذا کان علي طهارة ثم شک في ارتفاعها، فبما ان الحالة السابقة ملحوظة غير ملغاة تکون مجري الاستصحاب علي الشروط المقررة في محلها.
2- اذا لم تکن الحالة السابقة ملحوظة، و تعلق الشک باصل التکليف کما اذا شک في حرمة التدخين؛ فهي مجري البراءة.
3- اذا لم تکن الحالة السابقة ملحوظة، و علم باصل التکليف و لکن شک في متعلقه، و کان الاحتياط ممکنا، کما اذا علم بوجوب الصلاة يوم الجمعة و ترددت بين الظهر و الجمعة، او علم بوجود النجاسة و تردد بين الاناءين؛ فهي مجري الاحتياط.
4- اذا لم تکن الحالة السابقة ملحوظة، و علم باصل التکليف، و کان الاحتياط غير ممکن، کما اذا علم ان احد الفعلين واجب و الآخر محرم و اشتبه احدهما بالاخر فهو مجري التخيير فيجب إتيان احدهما و ترک الاخر مخيرا.
و لنقدم البحث عن البراءة اولاة ثم التخيير، ثم الاحتياط، ثم الاستصحاب، حفظا للنهج الدارج في الکتب الاصولية.
#حيث ان نوع التکليف معلوم و المتعلق مجهول، فخرج ما اذا کان نوع التکليف مجهولا فهو من قبيل الشک في التکليف و مع ذلک فهو مجري التخيير کما اذا دار امر فعل بين الوجوب و الحرمة.لاحظ الفرائد: 298طبعة رحمةالله.

الفصل الاول

اصالة البراءة قد تقدم ان مجري اصالة البراءة هو الشک في اصل التکليف و هو علي اقسام:
لان الشک تارة يتعلق بالحکم، اي يکون اصل الحکم مشکوکا، کالشک في حکم التدخين هل هو حرام او لا ؟ و يسمي بالشبهة الحکمية.
و اخري يتعلق بالموضوع بمعني ان الحکم معلوم، و لکن تعلق الشک بمصاديق الموضوع، کالمائع المردد بين کونه خمرا او خلأ. و يسمي بالشبهة الموضوعية.
ثم ان منشأ الشک في الشبهة الحکمية اما فقدان النص او اجمالة او تعارض النصين.
و منشأ الشک في الشبهة الموضوعية خلط الامور الخارجية.
والشبهة بقسميها تنقسم الي: تحريمية و وجوبية:
اما التحريمية، فالمراد منها هي ما اذا احتملت حرمة الشيء مع العلم بانه غير الواجب، فيدور أمره بين الحرمة، ئ الاباحة، او الکراهة، اوالاستحباب؛ کالتدخين الداير أمره بين الحرمة و الاباحة.
و اما الوجوبية، فالمراد منها هي ما اذا احتمل وجوبه مع العلم بانه غير


محرم، فيدور امره بين الوجوب، و الاستحباب؛ او الاباحة، او الکراهة، کالدعاء عند روية الهلال الدائرامره بين الوجوب و الاستحباب.
و علي ذلک يقع الکلام في مقامين:
المقام الاول: الشبهة التحريمية و فيها مسائل أربع:
أ. الشبهة الحکمية التحريمية لاجل فقدالنص.
ب. الشبهة الحکمية التحريمية لاجل أجمال النص.
ج. الشبهة الحکمية التحريمية لاجل تعارض النصين.
د.الشبهة الموضوعية التحريمية لاجل خلط الامور الخارجية.
و اليک الکلام في هذه المسائل، الواحدة تلو الاخري.
المسألة الاولي: في الشبهة الحکمية التحريمية لاجل فقدان النص
اذا شک في حرمة شيء لاجل عدم النص عليها في الشريعة فقد ذهب الاصوليون الي البراءة و الاخباريون الي الاحتياط. و استدل الاصوليون بالکتاب و السنة و العقل نذکر المهم منها:
1. التعذيب فرع البيان
قال سبحانه: (من اهتدي فانما يهتدي لنفسه و من ضل فانما يضل عليها و لا تزر وازرة وزر اخري و کنا معذبين حتي نبعث رسولا) (الاسراء/15).
و بعث الرسول کناية عن البيان الواصل الي المکلف، لانه لو بعث الرسول و لم يکن هناک بيان، او کان هناک بيان و لم يصل الي المکلف ، لما صح التعذيب و لقبح عقابه، فالدافع لقبح العقاب هو البيان الواصل بمعني وجوده في مظانه

علي وجه لو تفحص عنه المکلف لعثر عليه.
والمفروض ان المجتهد تفحص في مظان الحکم و لم يعثر علي شيء يدل علي الحرمة، فينطبق عليه مفاد الآية، و هو ان التعذيب فرع البيان الواصل و المفروض عدم البيان فيکون التعذيب مثله.
2. حديث الرفع
روي الصدوق بسند صحيح عن ابي عبدالله عليه السلام، قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله وسلّم«رفع عن امتي تسعة: الخطأ، والنسيان، و ما اکرهوا عليه، و مالا يعلمون، و مالا يطيقون، وما اضطروا اليه، و الحسد، والطيرة، والتفکر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة».تقرير الاستدلال بسند يتوقف علي ذکر امرين:
الاول: ان لفظة «ما» في قوله: «ما لا يعلمون» موصولة تعم الحکم و الموضوع المجهولين ، لوضوح انه اذا جهل المکلف بحکم التدخين، او جهل بکون المايع الفلاني خلا او خمرا صدق علي کل منهما انه من "مالايعلمون" فيکون الحديث عاما حجة في الشبهة الحکمية و الموضوعية معا.
الثاني: ان الرفع ينقسم الي تکويني- و هو واضح - وتشريعي، والمراد منه نسبة الرفع الي الشيء بالعناية و المجاز، باعتبار رفع آثاره کقولهعليه السلام : « لا شک لکثير الشک» و من المعلوم ان المرفوع ليس هو نفس «الشک» لوجوده، و انما المرفوع هو آثاره و هذا صار سببا لنسبة الرفع الي ذاته، و نظيره حديث الرفع، فان نسبة الرفع الي الامور التسعة نسبةادعائية بشهادة وجود الخطأ و النسيان و ما عطف عليه في الحديث، بکثرة بين الامة، و لکن لما کانت الموضوعات المذکورة

مسلوبة الآثار صحت نسبة الرفع الي ذاتها باعتبار عدم آثارها:
فحينئذ يقع الکلام في تعيين ما هو الاثر المسلوب الذي صار مصححا لنسبة الرفع اليها، اهو جميع الاثار کما هو الظاهر او خصوص المواخذة او الاثر المناسب لکل واحد من تلک الفقرات، کالمضرة في الطيرة، و الکفر في الوسوسة و المواخذة في اکثرها؟ و علي جميع الوجوه و الاقوال فالمواخذة مرتفعة و هو معني البراءة.
نعم ان مقتضي الحديث هو رفع کل اثر مترتب علي المجهول الا اذا دل الدليل علي عدم رفعه، کنجاسة الملاقي فيما اذا شرب المائع المشکوک فبان انه خمر، فلا ترتفع نجاسة کل ما لاقي الخمر بضرورة الفقه علي عدم ارتفاع مثل هذه الآثار الوضعية.
اختصاص الحديث بما يکون الرفع منة علي الامة
ان حديث الرفع، حديث منة و امتنان کما يعرب عنه قوله: " رفع عن امتي" اي دون سائر الامم، وعلي ذلک يختص الرفع بالاثرالذي يکون في رفعه منة علي الامة (لا الفرد الخاص)، فلا يعم ما لا يکون رفعه منة لهم، کمافي الموارد التالية :
1. اذا اتلف مال الغيرعن جهل ونسيان، فهو ضامن، لان الحکم بعدم الغرامة علي خلاف المنة.
2. اذا اکره الحاکم اامحتکر في عام المجاعة علي البيع، فالبيع المکره يقع صحيحا و لا يعمه قوله:"و ما اکرهوا عليه" لان شموله للمقام و الحکم برفع الصحة و ببطلان البيع علي خلاف المنة.
3. اذا اکره الحاکم المديون علي قضاء دينه و کان متمکنا، فلا يعمه

. قوله: "و ما اکرهوا " لان شموله علي خلاف الامتنان
3. مرسلة الصدوق
روي الصدوق مرسلا في "الفقيه" و قال: قال الصادقعليه السلام :"کل شيء مطلق حتي يرد فيه نهي". فقد دل الحديث علي ان الاصل في کل شيء هو الاطلاق حتي يرد فيه النهي بعوانه، کأن يقول: الخمرحرام، او الرشوة حرام، فما لم يرد النهي عن الشيء بعنوانه يکون محکوما بالاطلاق و الارسال، و بما ان التدخين مثلا لم يرد فيه النهي فهو مطلق.
4. الاستدلال بالعقل
ان صحة احتجاج الامر علي المأمور من آثار التکليف الواصل و لا يصح الاحتجاج بالتکليف غير الواصل ابدا بل يعد العذاب معه ظلما و قبيحا من المولي الحکيم ، و هذا مما يستقل به العقل، و يعد العقاب بلا بيان واصل امرا قبيحا لا يصدر عن الحکيم.
وقياس الاستدلال بالشکل التالي:
العقاب علي محتمل التکليف عقاب بلا بيان- بعد الفحص التام و عدم العثور عليه.
والعقاب بلا بيان يمتنع صدوره عن المولي الحکيم.
فينتج: العقاب علي محتمل التکليف يمتنع صدوره من المولي الحکيم.
التعارض بين القاعدتين
سوال: ثمة قاعدة عقلية اخري هي علي طرف النقيض من هذه القاعدة

العقلية، و هي:
ان العقل يفرق بين الضرر الدنيوي المحتمل فلا يحکم بوجوب دفعه الا اذا کان خطيرا لا يتحمل. واما الضرر الاخروي الذي هو کناية عن العقاب الاخروي فيوکد العقل علي وجوب دفعه و يستقل به، فلا يرخص استعمال شيء فيه احتمال العقوبة الاخروية، ولو احتمالا ضعيفا، و علي ذلک فيمکن للقائل بلاحتياط ان يعارض القاعدة الاولي بقاعدة اخري، و هي قاعدة "وجوب دفع الضرر المحتمل" بالبيان التالي:
احتمال الحرمة - في مورد الشبهة البدوية- يلازم احتمال الضرر الاخروي، و هو بدوره واجب الدفع و ان کان احتماله ضعيفا، و عندئذ يحکم العقل بلزوم الاحتياط بترک ارتکاب محتمل الضرر لذلک المحذور.
و ان اردت صبه في قالب القياس المنطقي المولف من الصغري و الکبري فتقول:
الشبهة البدوية التحريمية فيها ضرر اخروي محتمل، و کل ما فيه ضرر اخروي محتمل يلزم ترکه.
فينتج: الشبهة البدوية التحريمية يلزم ترکها، فينتج لزوم الاحتياط، وعند ئذ يقع التعارض بين القاعدتين العقليتين ، فمن جانب يحکم العقل بقبح العقاب بلا بيان فير خص بالا رتکاب، ومن جانب آخر يحکم العقل بلزوم دفع الضرر الاخروي المحتمل فيمنع من الارتکاب.
الجواب
ان الصغري في القاعدة الثانية غير محرزة، اذا المراد من الصغري هو احتمال الضرر(العقاب) في ارتکاب الشبهة البدوية، فيجب أن يکون لاحتماله

مناشئ عقلائية ، والمفروض انتفاوها جميعا، لان العقاب ناشئ من الامور التالية:
1. صدور البيان عن المولي و وصوله الي العبد.
2. التمسک بالبراءة قبل الفحص الکافي.
3. کون العقاب بلا بيان امرا غير قبيح.
4. کون المولي شخصا غير حکيم او غير العادل.
و کلها منتفية في المقام، فاحتمال العقاب الذي هو الصغري في القاعدة الثانية غير موجود ، و مع انتفائه کيف يمکن الاحتجاج بالکبري وحدها؟ مع ان الاحتجاج لا يتم الا مع احراز الصغري.
أدلة الأخباريين علي وجوب الاحتياط في الشبهة الحکمية التحريمية
استدل الأخباريون بادلة ثلاثة: الکتاب و السنة و العقل فلندرس کل واحد تلو الآخر:
الف: الاستدلال بالکتاب
الآيات الآمرة بالتقوي بقدر الوسع و الطاقة، قال سبحانه:(يا ايها الذين آمنوا اتقواالله حق تقاته و لا تموتن الا و انتم مسلمون) (آل عمران /102) وجه الاستدلال: أن اجتناب محتمل الحرمة يعد من التقوي، و کل ما يعد منها فهو واجب بحکم ان الامر في (اتقوا الله) دال علي الوجوب، فينتج ان اجتناب محتمل الحرمةواجب.
#و لاحظ أيضا الآية السادسةعشر من سورة التغابن.

يلاحظ عليه: ان کلية الکبري ممنوعة، أي ليس کل ما يعد من التقوي فهو واجب، و ذلک لان التقوي تستعمل تارة في مقابل الفجور و لا شک في وجوب مثلها بعامة مراتبها ، مثل قوله: (ام نجعل المتقين کالفجار)(ص /28) و قوله: (فألهمها فجورها و تقواها)(الشمس/8)و قد تطلق و يراد منها ما يعم القيام بکل مرغوب فيه من الواجب و المستحب ، و التحرز عن کل مرغوب عنه من حرام و مکروه مثل قوله سبحانه: (و تزودوا فان خير الزاد التقوي) (البقرة/197) ففي مثل ذلک تکون التقوي واجبة، لکن ببعض مراتبها لا بکل مراتبها، و يحتمل الامر في (تزودوا) علي الاستحباب کالآية التي استدل بها في المقام.
ب. الاستدلال بالسنة
استدل الأخباريون بطوائف من الروايات:
الاولي: حرمة الإفتاء بلا علم
دلت طائفة من الروايات علي حرمة القول و الإفتاء بغير علم، أو الإفتاء بما لم يدل دليل علي حجيته کالقياس و الاستحسان، کصحيحة هشام بن سالم، قال: قلت لابي عبداللهعليه السلام : ما حق الله علي خلقه؟ قال: "أن يقولوا ما يعلمون، ويکفوا عما لا يعلمون ، فإذا فعلوا ذلک فقد أدوا الي الله حقه".و بهذا المضمون روايات کثيرة في نفس الباب.
يلاحظ عليه: ان المستفاد من الروايات هو ان الافتاء بعدم الحرمة الواقعية
#الوسائل: الجزء18، الباب من صفات القاضي، الحديث4، وبهذا المضمون الحديث 19و54 و مثله ما دل علي لزوم الکف عما لا يعلم، کالحديث 4و32.

في مورد الشبهة يعد قولا بلا علم، و هذا مما يحترز عنه الاصوليون.
و اما القول بعدم المنع ظاهرا، حتي يعلم الواقع مستندا الي الادلة الشرعية و العقلية، فليس قولا بلا علم و هو نفس ما يقصده الاصولي.
الثانية: ما ورد من الامر بالاحتياط قبل الفحص
روي عبد الرحمان بن الحجاج، قال: سألت أباالحسن عليه السلام عن رجلين أصابا صيدا و هما محرمان، الجزاء بينهما، او علي کل واحد منهما جزاء؟ قال: "لا، بل عليهما ان يجزي کل واحد منهما الصيد"، قلت: ان بعض اصحابنا سالني عن ذلک فلم ادر ما عليه؟ فقال: "اذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا فعليکم بالاحتياط حتي تسآلوا عنه فتعلموا.
يلاحظ عليه: ان هذه الرواية ناظرة الي الاحتياط قبل الفحص، و هي خارجة عن مورد الکلام ، و انما الکلام فيما اذا فحص عن دليل الحرمة في مظانه و لم يعثر علي شيء.

الثالثة: لزوم الوقوف عند الشبهة
هناک روايات تدل علي لزوم الوقوف عند الشبهة، و انه خير من الاقتحام في الهلکة، و اليک بعض ما يدل علي ذلک:
1. روي داود بن فرقد، عن ابي شيبة، عن احدهماعليهما السلام قال: " الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلکة".
2. روي مسعدة بن زياد، عن جعفرعليه السلام، عن آبائه، عن النبي صلي الله عليه و آله وسلّم انه قالة " لا تجامعوا في النکاح علي الشبهة، وقفوا عند الشبهة، فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في االهلکة".
3. روي في "الذکري"، قال: النبي صلي الله عليه و آله وسلّم : "دع ما يريبک الي ما لايريبک"..
يلاحظ علي الاستدلال بهذه الطائفة من الاحاديث انها اما راجعة الي الشبهة المحصورة التي يعلم بوجود الحرمة.فيها و ذلک بقرينة "الهلکة، کما في الحديث الاول.
أو راجعة الي الشبهة الموضوعية، التي لم يقل أحد بالاحتياط فيها کما في الحديث الثاني ، او محمولة علي الاستحباب کما في الحديث الاخير.
الرابعة: حديث التثليث
ان آقوي حجة للاخباريين هو حديث التثلث الوارد في الکلام النبيصلي الله عليه و آله وسلّم والوصيعليه السلام ، رواه عمر بن حنظله عن ابي عبدالله عليه السلام، في حديث قال: " انما الامور ثلاثة: امر بين رشده فيتبع، وامر بين غيه فيجتنب، وامر مشکل يرد علمه الي الله و رسوله".
قال رسول الله صلي الله عليه و آله وسلّم : «حلال بين، و حرام بين، و شبهات بين ذلک، فمن ترک الشبهات نجا من المحرمات، و من اخذ بالشبهات ارتکب المحرمات و هلک من حيث لا يعلم».
ثم قال في الآخر الحديث: «فان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في

الهلکات».
ان مورد التثليث الوارد في کلام الوصي هو الشبهات الحکمية، و حاصل التثليث ان ما يبتلي به المکلف اما بين رشده فيتبع، و اما بين غيه فيجتنب، و اما الامر المشکل فلا يفتي بما لا يعلم حتي يرجع حکمه الي الله.
و الجواب ان التثليث في الکلام الوصي ينسجم مع الطائفة الاولي من حرمة الافتاء بغير علم.
و اما التثليث في کلام الرسول، فموردها الشبهات الموضوعية التي يقطع بوجود الحرام فيها، و هي تنطبق علي الشبهة المحصورة، حيث ان ظاهر الحديث ان هناک حلالا بينا، و حراما بينا، و شبهات بين ذلک، علي وجه لو ترک الشبهات نجا من المحرمات، و لو اخذ بها ارتکب المحرمات، و هلک من الحيث لا يعلم و ما هذا شانه فهو خارج عن الشبهة البدوية التي هي محل النزاع، و منطبق علي الشبهة المحصورة.
وان شئت قلت: ان الرواية ظاهرة فيما اذا کانت الهلکة محرزة مع قطع النظر عن حديث التثليث، و کان اجتناب الشبهة او اقترافها ملازما لاجتناب المحرمات و اقترافها، حتي يصح ان يقال:" فمن ترک الشبهات نجا من المحرمات، ومن اخذ بالشبهات ارتکب المحرمات" و ما هذا شانه لا ينطبق الا علي الشبهة المحصورة لا الشبهة البدوية التي لا علم فيها اصلا بالمحرمات.
و انت اذا استقصيت روايات الباب تقف علي ان اکثرها لا مساس لها بمورد البراءة، و ما لها مساس محمول اما علي الاستحباب، او التورع الکثير.

ج : الاستدلال بالعقل
نعلم إجمالا - قبل مراجعة الادلة- بوجود محرمات کثيرة في الشريعة التي


يجب الخروج عن عهدتها بمقتضي قوله سبحانه: (و ما نهاکم عنه فانتهوا) (الحشر/7).
وبعد مراجعة الأدلة نقف علي وجود محرمات فقي الشريعة بينها الکتاب و السنة، و لکن نحتمل وجود المحرمات اخري بينها الشارع و لم تصل الينا، فمقتضي منجزية العلم الأجمالي، هو الاجتناب عن کل ما نحتمل حرمته إذا لم يکن هناک دليل علي حلية، حتي نعلم بالخروج عن عهدة التکليف القطعي، شأن کل شبهة محصورة.
يلاحظ عليه: أن العلم الاجمالي انما ينجز اذا بقي علي حاله، و اما اذا انحل الي علم تفصيلي و شک بدوي، فلا يکون منجزا و يکون المشکوک موردا للبراءة مثلا اذا علم بغصبية أحد المالين مع احتمال غصبيتها معا، فاذا قامت البينة علي غصبية احدهما المعين، انحل العلم الاجمالي الي علم تفصيلي بالحرمة و هو ما قامت البينة علي غصبيته، و شک بدوي و هو المال الآخر الذي يحتمل أيضاغصبيته.
و مثله المقام اذ فيه علمان:
أحدهما: العلم الاجمالي بوجود محرمات في الشريعة و التي أشير اليها في الآية المتقدمة.
ثانيهما: العلم التفصيلي بمحرمات واردة في الطرق و الأمارات و الاصول المثبتة للتکليف کاستصحاب الحرمة، علي وجه لو عزلنا موارد العلم التفصيلي عن موارد العلم الاجمالي، لما کان فيها علم بالمحرمات بل تکون الحرمة أمرا محتملا تقع مجري للبراءة.
و علي ضوء ما ذکرنا، فالعلم الاجمالي بالمحرمات المتيقنة ينحل الي علم تفصيلي بمحرمات ثبتت بالطرق و الإمارات، و الي شک بدوي محتمل الحرمة، وفي

مثل ذلک ينتفي العلم الاجمالي فلا يکون موثرا، و تکون البراءة هي الحاکمة في مورد الشبهات.
المسألة الثانية: الشبهة الحکمية التحريمية لاجمال النص
إذا تردد الغناء المحرم بين کونه مطلق الترجيع أو الترجيع المطرب، فيکون الترجيع المطرب قطعي الحرمة، و الترجيع بلا طرب مشکوک الحکم فيکون مجري للبراءة.
و مثله النهي المجرد عن القرينة اذا قلنا باشتراکه بين الحرمة و الکراهة.
والحکم في هذه المسألة حکم ما ذکرفي المسألة الاولي، من البراءة عن الحرمة و الادلة المذکورة من الطرفين جارية في المقام إشکالا و جوابا.
المسالة الثالثة: الشبهة الحکمية التحريمية لتعارض النصين
إذا دل دليل علي الحرمة و دليل آخر علي الاباحة، و لم يکن لاحدهما مرجح، فلا يجب الاحتياط بالاخذ بجانب الحرمة لعدم الدليل عليه، نعم ورد الاحتياط في رواية وردت في "عوالي اللآلي" نقلها عن العلامة، رفعها الي زرارة عن مولانا أبي جعفر عليه السلام : انه قال في الخبرين المتعارضين: "فخذ بما فيه الحائطة لدينک واترک الآخر" و الرواية ضعيفة السند لا يحتج بها.
المسألة الرابعة: الشبهة الموضوعية التحريمية
اذا دار الامر بين کون شيء حراما او مباحا لاجل الاشتباه في بعض الامور الخارجية، کما اذا شک في حرمة شرب مائع أو إباحته للتردد في انه خل أو خمر، فالظاهر عدم الخلاف في أن مقتضي الأصل الاباحة، للاخبار الکثيرة في ذلک،

مثل قولهعليه السلام : کل شيء لک حلال حتي تعلم انه حرام بعينه فتدعه.ويمکن الاستدلال علي البراءة بالدليل العقلي، و هو ان الاحتجاج لا يتم بالعلم بالکبري وحده و هو ان الخمر حرام ما لم ينضم اليه العلم بالصغري ، ففي المقام، الکبري محرزة، دون الصغري، فلا يحتج بالکبري المجردة علي عبد.
المقام الثاني: الشک في الشبهة الوجوبية
اذا شک في وجوب شيء و عدمه، ففيها ايضا مسائل أربع
أ - . الشبة الحکمية الوجوبية لأجل فقدان النص، کالدعاء عند روية الهلال، او الاستهلال في شهر رمضان.
ب - . الشبهة الحکمية الوجوبية لاجل أجمال النص، کاشتراک لفظ الامر بين الوجوب و الاستحباب.
ت - . الشبهة الحکمية الوجوبية لاجل تعارض النصين، کما في الخبرين المتعارضين، أحدهما يامر، و الآخر يبيح، و لم يکن لاحدهما مرجح.ث - . الشبهة الموضوعية لاجل الاشتباه في بعض الامور الخارجية، کما اذا ترددت الفائتة بين صلاة أو صلاتين.
و الحکم في الجميع البراءة و عدم وجوب الاحتياط، أجماعا.

ادامه نوشته

اصول فقه

کفاية الاصول - قسمت پنجم

بحرام بلا كلام ، إلّا إنّه إذا لم يكن الاضطرار إليه بسوء الاختيار ، بأن يختار ما يؤدي إليه لا محالة ، فإن الخطاب بالزجر عنه حينئذ ، وأنّ كان ساقطاً ، إلّا إنّه حيث يصدر عنه مبغوضاً عليه وعصياناً لذاك الخطاب ومستحقاً عليه العقاب ، لا يصلح لأن يتعلق بها الإِيجاب ، وهذا في الجملة مما لا شبهة فيه ولا ارتياب.
وإنما الإِشكال فيما إذا كان ما اضطر إليه بسوء اختياره ، مما ينحصر به التخلص عن محذور الحرام ، كالخروج عن الدار المغصوبة فيما إذا توسطها بالاختيار في كونه منهياً عنه ، أو مأموراً به ، مع جريان حكم المعصية عليه ، أو بدونه ، فيه أقوال ، هذا على الامتناع.
وأما على القول بالجواز ، فعن أبي هاشم (1) إنّه مأمور به ومنهي عنه ، واختاره الفاضل القمي (2) ، ناسبا له إلى أكثر المتأخرين وظاهر الفقهاء.
والحق إنّه منهي عنه بالنهي السابق الساقط بحدوث الاضطرار إليه ، وعصيان له بسوء الاختيار ، ولا يكاد يكون مأموراً به ، كما إذا لم يكن هناك توقف (3) عليه ، أو بلا انحصار به ، وذلك ضرورة إنّه حيث كان قادراً على ترك
__________________
1 ـ راجع شرح مختصر الأصول / 94.
هو أبو هاشم عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبّائي ، ولد عام 247 ه‍ من أبناء ابان مولى عثمان ، عالم بالكلام ، من كبار المعتزلة ، له آراء انفرد بها وتبعته فرقة سميّت « البهشمية » نسبة إلى كنيته أبي هاشم وله مصنفات منها : « الشامل » في الفقه و « تذكرة العالم » و « العدة » في الأصول مات سنة 321 ه‍. « الأعلام للزركلي 4 / 7 ».
2 ـ قوانين الأصول 1 / 153 ، في التنبيه الثّاني ، من قانون دلالة النهي على الفساد.
3 ـ لا يخفى إنّه لا توقف ها هنا حقيقة ، بداهة أن الخروج إنّما هو مقدّمة للكون في خارج الدار ، لا مقدّمة لترك الكون فيها الواجب ، لكونه ترك الحرام ، نعم بينهما ملازمة لأجل التضاد بين الكونين ، ووضوح الملازمة بين وجود الشيء وعدم ضدّه ، فيجب الكون في خارج الدار عرضاً ، لوجوب ملازمه حقيقة ، فيجب مقدمته كذلك ، وهذا هو الوجه في المماشاة والجري على أن مثل الخروج يكون مقدّمة لما هو الواجب من ترك الحرام ، فافهم. ( منه 1 ). 
 
الحرام رأساً ، لا يكون عقلاً معذوراً في مخالفته فيما اضطر إلى ارتكابه بسوء اختياره ، ويكون معاقبا عليه ، كما إذا كان ذلك بلا توقف عليه ، أو مع عدم الانحصار به ، ولا يكاد يجدي توقف انحصار التخلص عن الحرام به ، لكونه بسوء الاختيار.
إن قلت : كيف لا يجديه ، ومقدمة الواجب واجبة؟
قلت : إنّما تجب المقدمة لو لم تكن محرمة ، ولذا لا يترشح الوجوب من الواجب إلّا على ما هو المباح من المقدّمات دون المحرمة مع اشتراكهما في المقدمية.
وإطلاق الوجوب بحيث ربما يترشح منه الوجوب عليها مع انحصار المقدمة بها ، إنّما هو فيما إذا كان الواجب أهم من ترك المقدمة المحرمة ، والمفروض هاهنا وأنّ كان ذلك إلّا إنّه كان بسوء الاختيار ، ومعه لا يتغير عما هو علهى من الحرمة والمبغوضية ، وإلاّ لكانت الحرمة معلقة على إرادة المكلف واختياره لغيره ، وعدم حرمته مع اختياره له ، وهو كما ترى ، مع إنّه خلاف الفرض ، وأنّ الاضطرار يكون بسوء الاختيار.
إن قلت (1) : إن التصرف في أرض الغير بدون إذنه بالدخول والبقاء حرام ، بلا إشكال ولا كلام ، وأما التصرف بالخروج الذي يترتب عليه رفع الظلم ، ويتوقف عليه التخلص عن التصرف الحرام ، فهو ليس بحرام في حال من الحالات ، بل حاله حال مثل شرب الخمر ، المتوقف عليه النجاة من الهلاك في الاتصاف بالوجوب في جميع الأوقات.
__________________
1 ـ إشارة إلى مختار الشيخ ( قده ) مطارح الأنظار / 155 ، الهداية 6 من القول في جواز اجتماع الأمر والنهي. 
 
ومنه ظهر المنع عن كون جميع انحاء التصرف في أرض الغير مثلاً حراماً قبل الدخول ، وإنّه يتمكن من ترك الجميع حتى الخروج ، وذلك لإنّه لو لم يدخل لما كان متمكناً من الخروج وتركه ، وترك الخروج بترك الدخول رأساً ليس في الحقيقة إلّا ترك الدخول ، فمن لم يشرب الخمر ، لعدم وقوعه في المهلكة التي يعالجها به مثلاً ، لم يصدق عليه إلّا إنّه لم يقع في المهلكة ، لا إنّه ما شرب الخمر فيها ، إلّا على نحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع ، كما لا يخفى.
وبالجملة لا يكون الخروج ـ بملاحظة كونه مصداقاً للتخلص عن الحرام أو سبباً له ـ إلّا مطلوباً ، ويستحيل أن يتصف بغير المحبوبية ، ويحكم عليه بغير المطلوبية.
قلت : هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال على كون ما انحصر به التخلص مأموراً به ، وهو موافق لما أفاده شيخنا العلامة أعلى الله مقامه ، على ما في تقريرات بعضٍ الاجلة (1) ، لكنه لا يخفى أن ما به التخلص عن فعل الحرام أو ترك الواجب ، إنّما يكون حسناً عقلاً ومطلوباً شرعاً بالفعل ، وأنّ كان قبيحاً ذاتاً إذا لم يتمكن المكلف من التخلص بدونه ، ولم يقع بسوء اختياره ، امّا في الاقتحام في ترك الواجب أو فعل الحرام ، وإما في الاقدام على ما هو قبيح وحرام ، لولا [ أن ] (2) به التخلص بلا كلام كما هو المفروض في المقام ، ضرورة تمكنه منه قبل اقتحامه فيه بسوء اختياره.
وبالجملة كان قبل ذلك متمكناً من التصرف خروجاً ، كما يتمكن منه دخولاً ، غاية الأمر يتمكن منه بلا واسطة ، ومنه بالواسطة ، ومجرد عدم التمكن منه إلّا بواسطة لا يخرجه عن كونه مقدوراً ، كما هو الحال في البقاء ، فكما يكون تركه مطلوباً في جميع الأوقات ، فكذلك الخروج ، مع إنّه مثله في
__________________
1 ـ مطارح الأنظار / 155. الهداية 6 ، من القول في جواز اجتماع الأمر والنهي.
2 ـ اثبتناها من بعضٍ النسخ المطبوعة. 
 
الفرعية على الدخول ، فكما لا تكون الفرعية مانعة عن مطلوبيّته قبله وبعده ، كذلك لم تكن مانعة عن مطلوبيّته ؛ وأنّ كان العقل يحكم بلزومه إرشاداً إلى اختيار أقل المحذورين وأخف القبيحين.
ومن هنا ظهر حال شرب الخمر علاجاُ وتخلصاً عن المهلكة ، وإنّه إنّما يكون مطلوباً على كلّ حال لو لم يكن الاضطرار إليه بسوء الاختيار ، وإلاّ فهو على ما هو عليه من الحرمة ، وأنّ كان العقل يلزمه إرشاداً إلى ما هو أهم وأولى بالرعاية من تركه ، لكون الغرض فيه أعظم ، [ فـَ ] (1) من ترك الاقتحام فيما يؤدي إلى هلاك النفس ، أو شرب الخمر ، لئلا يقع في أشد المحذورين منهما ، فيصدق إنّه تركهما ، ولو بتركه ما لو فعله لادي لا محالة إلى أحدهما ، كسائر الأفعال التوليدية ، حيث يكون العمد إليها بالعمد إلى اسبابها ، واختيار تركها بعدم العمد إلى الأسباب. وهذا يكفي في استحقاق العقاب على الشرب للعلاج ، وأنّ كان لازماً عقلاً للفرار عما هو أكثر عقوبة.
ولو سلّم عدم الصدق إلّا بنحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع ، فهو غير ضائر بعد تمكنه من الترك ، ولو على نحو هذه السالبة ، ومن الفعل بواسطة تمكنه مما هو من قبيل الموضوع في هذه السالبة ، فيوقع نفسه بالاختيار في المهلكة ، أو يدخل الدار فيعالج بشرب الخمر ويتخلص بالخروج ، أو يختار ترك الدخول والوقوع فيهما (2) ، لئلا يحتاج إلى التخلص والعلاج.
إن قلت : كيف يقع مثل الخروج والشرب ممنوعا عنه شرعاً ومعاقباً عليه عقلاً ، مع بقاء ما يتوقف عليه على وجوبه ، و [ وضوح ] (3) سقوط الوجوب مع امتناع المقدمة المنحصرة ، ولو كان بسوء الاختيار ، والعقل قد استقل بان
__________________
1 ـ أثبتناه من بعضٍ النسخ المطبوعة.
2 ـ في « ب » : فيها.
3 ـ أثبتناها من هامش « ب » المصححة. 
 
الممنوع شرعاً كالممتنع عادةً أو عقلاً.
قلت : أولاً : إنّما كان الممنوع كالممتنع ، إذا لم يحكم العقل بلزومه إرشاداً إلى ما هو أقل المحذورين ، وقد عرفت لزومه بحكمه ، فإنّه مع لزوم الإِتيان بالمقدمة عقلاً ، لا بأس في بقاء ذي المقدمة على وجوبه ، فإنّه حينئذ ليس من التكليف بالممتنع ، كما إذا كانت المقدمة ممتنعة.
وثانياً : لو سلّم ، فالساقط إنّما هو الخطاب فعلاً بالبعث والإِيجاب لا لزوم إتيإنّه عقلاً ، خروجاً عن عهدة ما تنجز عليه سابقاً ، ضرورة إنّه لو لم يأت به لوقع في المحذور الاشد ونقض الغرض الأهم ، حيث إنّه الآن كما كان عليه من الملاك والمحبوبية ، بلا حدوث قصور أو طروء فتور فيه أصلاً ، وإنما كان سقوط الخطاب لأجل المانع ، وإلزام العقل به لذلك إرشاداً كافٍ ، لا حاجة معه إلى بقاء الخطاب بالبعث إليه والإِيجاب له فعلاً ، فتدبرّ جيداً.
وقد ظهر مما حققناه فساد القول بكونه مأموراً به ، مع إجراء حكم المعصية عليه نظراً إلى النهي السابق ، مع ما فيه من لزوم اتصاف فعل واحد بعنوان واحد بالوجوب والحرمة ، ولا يرتفع غائلته باختلاف زمان التحريم والإِيجاب ، قبل الدخول وبعده ، كما في الفصول (1) ، مع اتحاد زمان الفعل المتعلق لهما ، وإنما المفيد اختلاف زمإنّه ولو مع اتحاد زمانهما ، وهذا أوضح من أن يخفى ، كيف؟ ولازمه وقوع الخروج بعد الدخول ، عصياناً للنهي السابق ، وإطاعة للأمر اللاحق فعلاً ، ومبغوضاً ومحبوباً كذلك بعنوان واحد ، وهذا مما لا يرضى به القائل بالجواز ، فضلاً عن القائل بالامتناع.
كما لا يجدي في رفع هذه الغائلة ، كون النهي مطلقاً وعلى كلّ حال ، وكون الأمر مشروطاً بالدخول ، ضرورة منافاة حرمة شيء كذلك ، مع وجوبه
__________________
1 ـ الفصول / 138 ، الفصل الرابع من فصول النهي. 
 
في بعضٍ الأحوال.
وأما القول (1) بكونه مأموراً به ومنهيا عنه ، ففيه ـ مضافاً إلى ما عرفت من امتناع الاجتماع فيما إذا كان بعنوانين ، فضلاً عما إذا كان بعنوان واحد كما في المقام ، حيث كان الخروج بعنوإنّه سبباً للتخلص ، وكان بغير إذن المالك ، وليس التخلص إلّا منتزعا عن ترك الحرام المسبب (2) عن الخروج ، لا عنواناً له ـ أن الاجتماع ها هنا لو سلّم إنّه لا يكون بمحال ، لتعدد العنوان ، وكونه مجدياً في رفع غائلة التضاد ، كان محالاً لأجل كونه طلب المحال ، حيث لا مندوحة هنا ، وذلك لضرورة عدم صحة تعلق الطلب والبعث حقيقة بما هو واجب أو ممتنع ، ولو كان الوجوب أو الامتناع بسوء الاختيار ، وما قيل أنَّ الامتناع أو الإِيجاب بالاختيار لا ينافي الاختيار ، إنّما هو في قبال استدلال الأشاعرة للقول بأن الأفعال غير اختيارية ، بقضية أنَّ الشيء ما لم يجب لم يوجد.
فانقدح بذلك فساد الاستدلال لهذا القول ، بأن الأمر بالتخلص والنهي عن الغصب دليلان يجب إعمالهما ، ولا موجب للتقييد عقلاً ، لعدم استحالة كون الخروج واجباً وحراماً باعتبارين مختلفين ، إذ منشأ الاستحالة : امّا لزوم اجتماع الضدين وهو غير لازم ، مع تعدَّد الجهة ، وإما لزوم التكليف بما لا يطاق وهو ليس بمحال إذا كان مسبباً عن سوء الاختيار ، وذلك لما عرفت من
__________________
1 ـ راجع قوانين الأصول 1 / 140 ، قانون اجتماع الأمر والنهي.
2 ـ قد عرفت ـ مما علقت على الهامش ـ أن ترك الحرام غير مسبب عن الخروج حقيقة ، وإنما المسبب عنه إنّما هو الملازم له ، وهو الكون في خارج الدار ، نعم يكون مسبباً عنه مسامحة وعرضاً ، وقد انقدح بذلك إنّه لا دليل في البين إلّا على حرمة الغصب المقتضي لاستقلال العقل بلزوم الخروج ، من باب إنّه أقل المحذورين وإنّه لا دليل على وجوبه بعنوان آخر ، فحينئذ يجب إعماله أيضاً ، بناءً على القول بجواز الاجتماع كاحتمال [ كإعمال ] النهي عن الغصب ، ليكون الخروج مأموراً به ومنهيا عنه ، فافهم ( منه 1 ). 
 
ثبوت الموجب للتقييد عقلاً ولو كانا بعنوانين ، وأن اجتماع الضدين لازم ولو مع تعدَّد الجهة ، مع عدم تعددها هاهنا ، والتكليف بما لا يطاق محال على كلّ حال ، نعم لو كان بسوء الاختيار لا يسقط العقاب بسقوط التكليف بالتحريم أو الإِيجاب.
ثم لا يخفى إنّه لا إشكال في صحة الصلاة مطلقاً في الدار المغصوبة على القول بالاجتماع ، وأما على القول بالامتناع ، فكذلك ، مع الاضطرار إلى الغصب ، لا بسوء الاختيار أو معه ولكنها وقعت في حال الخروج ، على القول بكونه مأموراً به بدون إجراء حكم المعصية (1) عليه ، أو مع غلبة ملاك الأمر على النهي مع ضيق الوقت ، امّا مع السعة فالصحة وعدمها مبنيان على عدم اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن الضد واقتضائه ، فإن الصلاة في الدار المغصوبة ، وأنّ كانت مصلحتها غالبة على ما فيها من المفسدة ، إلّا إنّه لا شبهة في أن الصلاة في غيرها تضادّها ، بناءً على إنّه لا يبقي مجال مع إحداهما للاخرى ، مع كونها أهمّ منها ، لخلوها من المنقصة الناشئة من قبل اتحادها مع الغصب ، لكنه عرفت عدم الاقتضاء بما لا مزيد عليه ، فالصلاة في الغصب اختياراً في سعة الوقت صحيحة ، وأنّ لم تكن مأموراً بها.
الأمر الثّاني : قد مرّ (2) ـ في بعضٍ المقدّمات ـ إنّه لا تعارض بين مثل خطاب ( صلّ ) وخطاب ( لا تغصب ) على الامتناع ، تعارض الدليلين بما هما دليلان حاكيان ، كي يقدم الأقوى منهما دلالة أو سنداً ، بل إنّما هو من باب
__________________
1 ـ اختاره الشيخ ( قده ) ، مطارح الأنظار / 153 ، وابن الحاجب ، راجع شرح مختصر الأصول 94.
2 ـ في الأمر التاسع من المقصد الثّاني في النواهي / 155. 
 
تزاحم المؤثرين والمقتضيين ، فيقدّم الغالب منهما ، وأنّ كان الدليل على مقتضى الآخر أقوى من دليل مقتضاه ، هذا فيما إذا أحرز الغالب منهما ، وإلاّ كان بين الخطابين تعارض ، فيقدّم الأقوى منهما دلالة أو سنداً ، وبطريق الإنّ يحرز به أن مدلوله أقوى مقتضياً ، هذا لو كان كلّ من الخطابين متكفلاً لحكم فعلّي ، وإلاّ فلا بدّ من الأخذ بالمتكفل لذلك منهما لو كان ، وإلاّ فلا محيص عن الانتهاء إلى ما تقتضيه الأصول العملية.
ثم لا يخفى (1) أن ترجيح أحد الدليلين وتخصيص الآخر به في المسألة لا يوجب خروج مورد الاجتماع عن تحت الآخر رأساً ، كما هو قضية التقييد والتخصيص في غيرها مما لا يحرز فيه المقتضي لكلا الحكمين ، بل قضيته ليس إلّا خروجه فيما كان الحكم الذي هو مفاد الآخر فعلّياً ، وذلك لثبوت المقتضي في كلّ واحد من الحكمين فيها ، فإذا لم يكن المقتضي لحرمة الغصب مؤثراً لها ، لاضطرار أو جهل أو نسيان ، كان المقتضي لصحة الصلاة مؤثراً لها فعلاً ، كما إذا لم يكن دليل الحرمة أقوى ، أو لم يكن واحد من الدليلين د إلّا على الفعلية أصلاً.
فانقدح بذلك فساد الإِشكال في صحة الصلاة في صورة الجهل أو النسيان ونحوهما ، فيما إذا قدم خطاب ( لا تغصب ) كما هو الحال فيما إذا كان الخطابان من أول الأمر متعارضين ، ولم يكونا من باب الاجتماع أصلاً ؛ وذلك لثبوت المقتضي في هذا الباب كما إذا لم يقع بينهما تعارض ، ولم يكونا متكلفين للحكم الفعلّي ، فيكون وزان التخصيص في مورد الاجتماع وزان التخصيص العقلي الناشىء من جهة تقديم أحد المقتضيين وتأثيره فعلاً المختص بما إذا لم يمنع عن
__________________
1 ـ هذا ردّ على الشيخ (1) ، مطارح الأنظار / 152. 
 
تأثيره مانع ، المقتضي لصحة مورد الاجتماع مع الأمر ، أو بدونه فيما كان هناك مانع عن تأثير المقتضي للنهي له ، أو عن فعليته ، كما مرّ تفصيله.
وكيف كان ، فلا بدّ في ترجيح أحد الحكمين من مرجح ، وقد ذكروا لترجيح النهي وجوها :
منها : إنّه أقوى دلالة ، لاستلزامه انتفاء جميع الأفراد ، بخلاف الأمر.
وقد أُورد عليه بأن ذلك فيه من جهة إطلاق متعلقه بقرينة الحكمة ، كدلالة الأمر على الاجتزاء بأي فرد كان.
وقد أورد عليه بإنّه لو كان العموم المستفاد من النهي بالإِطلاق بمقدمات الحكمة ، وغير مستند إلى دلالته عليه بالالتزام ، لكان استعمال مثل ( لا تغصب ) في بعضٍ أفراد الغصب حقيقة ، وهذا واضح الفساد ، فتكون دلالته على العموم من جهة أن وقوع الطبيعة في حيز النفي أو النهي ، يقتضي عقلاً سريان الحكم إلى جميع الأفراد ، ضرورة عدم الانتهاء عنها أو انتفائها ، إلّا بالانتهاء عن الجميع أو انتفائه.
قلت : دلالتها على العموم والاستيعاب ظاهراً مما لا ينكر ، لكنه من الواضح أن العموم المستفاد منهما كذلك ، إنّما هو بحسب ما يراد من متعلقهما ، فيختلف سعة وضيقاً ، فلا يكاد يدلّ على استيعاب جميع الأفراد ، إلّا إذا أُريد منه الطبيعة مطلقة وبلا قيد ، ولا يكاد يستظهر ذلك مع عدم دلالته (1) عليه بالخصوص ، إلّا بالإِطلاق وقرينة الحكمة ، بحيث لو لم يكن هناك قرينتها بأن يكون الإِطلاق في غير مقام البيان ، لم يكد يستفاد استيعاب أفراد الطبيعة ، وذلك لا ينافي دلالتهما على استيعاب أفراد ما يراد من المتعلق ، إذ الفرض عدم الدلالة على إنّه المقيد أو المطلق.
__________________
1 ـ الظاهر أن أصل العبارة : عدم دلالة ، ( حقائق الأصول 1 / 412 ). 
 
اللهم إلّا أن يقال : إن في دلالتهما على الاستيعاب كفاية ودلالة على أن المراد من المتعلق هو المطلق ، كما ربما يَّدعى ذلك في مثل ( كلّ رجل ) ، وأنّ مثل لفظة ( كلّ ) تدلّ على استيعاب جميع أفراد الرجل من غير حاجة إلى ملاحظة إطلاق مدخوله وقرينة الحكمة ، بل يكفي إرادة ما هو معناه من الطبيعة المهملة ولا بشرط في دلالته على الاستيعاب وأنّ كان لا يلزم مجاز أصلاً ، لو أُريد منه خاص بالقرينة ، لا فيه لدلالته على استيعاب أفراد ما يراد من المدخول ، ولا فيه إذا كان بنحو تعدَّد الدالّ والمدلول ، لعدم استعماله إلّا فيما وضع له ، والخصوصية مستفادة من دالً آخر ، فتدبر.
ومنها : إنَّ دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة.
وقد أورد عليه في القوانين (1) ، بإنّه مطلقاً ممنوع ، لأن في ترك الواجب أيضاً مفسدة إذا تعيّن.
ولا يخفى ما فيه ، فإن الواجب ولو كان معيناً ، ليس إلّا لأجل أنَّ في فعله مصلحة يلزم استيفاؤها من دون أن يكون في تركه مفسدة ، كما أنَّ الحرام ليس إلّا لأجل المفسدة في فعله بلا مصلحة في تركه.
ولكن يرد عليه أنَّ الأولوية مطلقاً ممنوعة ، بل ربما يكون العكس أولى ، كما يشهد به مقايسة فعل بعضٍ المحرمات مع ترك بعضٍ الواجبات ، خصوصا مثل الصلاة وما يتلو تلوها.
ولو سلّم فهو أجنبي عن المقام (2) ، فإنّه فيما إذا دار بين الواجب والحرام.
__________________
1 ـ قوانين الأصول 1 / 153 ، في قانون اجتماع الأمر والنهي.
2 ـ فإن الترجيح به إنّما يناسب ترجيح المكلف واختياره للفعل أو الترك ، بما هو أوفق بغرضه ، لا المقام وهو مقام جعل الأحكام ، فإن المرجح هناك ليس إلّا حسنها أو قبحها العقليان ، لا موافقة الاغراض ومخالفتها ، كما لا يخفى ، تأمل تعرف ( منه 1 ). 
 
ولو سلّم فإنما يجدي فيما لو حصل به القطع.
ولو سلّم إنّه يجدي ولو لم يحصل ، فإنما يجري فيما لا يكون هناك مجال لأصالة البراءة أو الإِشتغال ، كما في دوران الأمر بين الوجوب والحرمة التعيينيين ، لا فيما تجري ، كما في محلّ الاجتماع ، لأصالة البراءة عن حرمته فيحكم بصحته ، ولو قيل بقاعدة الإِشتغال في الشك في الإِجزاء والشرائط فإنّه لا مانع عقلاً إلّا فعلية الحرمة المرفوعة بأصالة البراءة عنها عقلاً ونقلاً.
نعم لو قيل (1) بأن المفسدة الواقعية الغالبة مؤثرة في المبغوضية ولو لم يكن الغلبة بمحرزة ، فأصالة البراءة غير جارية ، بل كانت أصالة الإِشتغال بالواجب لو كان عبادة محكمة ، ولو قيل بأصالة البراءة في الإِجزاء والشرائط ، لعدم تأتي قصد القربة مع الشك في المبغوضية ، فتأمل.
ومنها : الاستقراء ، فإنّه يقتضي ترجيح جانب الحرمة على جانب الوجوب ، كحرمة الصلاة في أيام الاستظهار ، وعدم جواز الوضوء من الإِناءين المشتبهين.
__________________
1 ـ كما هو غير بعيد كله بتقريب أن إحراز المفسدة والعلم بالحرمة الذاتية كافٍ في تأثيرها بما لها من المرتبة ، ولا يتوقف تأثيرها كذلك على إحرازها بمرتبتها ، ولذا كان العلم بمجرد حرمة شيء موجباً لتنجز حرمته ، على ما هي عليه من المرتبة ولو كانت في أقوى مراتبها ، ولاستحقاق العقوبة الشديدة على مخالفتها حسب شدتها ، كما لا يخفى. هذا ، لكنه إنّما يكون إذا لم يحرز أيضاً ما يحتمل أن يزاحمها ويمنع عن تأثيرها المبغوضية ، وأما معه فيكون الفعل كما إذا لم يحرز إنّه ذو مصلحة أو مفسدة مما لا يستقل العقل بحسنه أو قبحه ، وحينئذ يمكن أن يقال بصحته عبادة لو أتى به بداعي الأمر المتعلق بما يصدق عليه من الطبيعة ، بناءً على عدم اعتبارٍ أزيد من إتيان العمل قربيّاً في العبادة ، وامتثالاً للأمر بالطبيعة ، وعدم اعتبارٍ كونه ذاتاً راجحاً ، كيف ويمكن أن لا يكون جل العبادات ذاتاً راجحاً ، بل إنّما يكون كذلك فيما إذا أتى بها على نحو قربي ، نعم المعتبر في صحته عبادة ، إنّما هو أن لا يقع منه مبغوضاً عليه ، كما لا يخفى ، وقولنا : ( فتأمل ) إشارة إلى ذلك منه (1). 
 
وفيه : إنّه لا دليل على اعتبارٍ الاستقراء ، ما لم يفد القطع.
ولو سلّم فهو لا يكاد يثبت بهذا المقدار.
ولو سلّم فليس حرمة الصلاة في تلك الأيام ، ولا عدم جواز الوضوء منهما مربوطاً بالمقام ، لأن حرمة الصلاة فيها إنّما تكون لقاعدة الإِمكان والاستصحاب المثبتين لكون الدم حيضاً ، فيحكم بجميع أحكامه ، ومنها حرمة الصلاة عليها لا لأجل تغليب جانب الحرمة كما هو الُمدَّعى ، هذا لو قيل بحرمتها الذاتية في أيام الحيض ، وإلاّ فهو خارج عن محلّ الكلام.
ومن هنا انقدح إنّه ليس منه ترك الوضوء من الإِناءين ، فإن حرمة الوضوء من الماء النجس ليس إلّا تشريعيا ، ولا تشريع فيما لو توضّأ منهما احتياطاً ، فلا حرمة في البين غلب جانبها ، فعدم جواز الوضوء منهما ولو كذلك ، بل إراقتهما كما في النص (1) ، ليس إلّا من باب التعبد ، أو من جهة الابتلاء بنجاسة البدن ظاهراً بحكم الاستصحاب ، للقطع بحصول النجاسة حال ملاقاة المتوضئ من الاناء الثانية ، امّا بملاقاتها ، أو بملاقاة الأولى ، وعدم استعمال مطهر بعده ، ولو طهر بالثانية مواضع الملاقاة بالأولى.
نعم لو طهرت على تقدير نجاستها بمجرد ملاقاتها ، بلا حاجة إلى التعدد وانفصال الغسالة لا يعلم تفصيلا بنجاستها ، وأنّ علم بنجاستها حين ملاقاة الأولى أو الثانية إجمالاً ، فلا مجال لاستصحابها بل كانت قاعدة الطهارة محكمة.
الأمر الثالث : الظاهر لحوق تعدَّد الإِضافات ، بتعدد العنوانات والجهات ، في إنّه لو كان تعدَّد الجهة والعنوان كافياً مع وحدة المعنون وجوداً ، في جواز الاجتماع ، كان تعدَّد الإِضافات مجدياً ، ضرورة إنّه يوجب أيضاً
__________________
1 ـ التهذيب 1 / الباب 11 ، باب تطهير المياه من النجاسات ، الحديث 43 ـ 44 ..  

 
اختلاف المضاف بها بحسب المصلحة والمفسدة والحسن والقبح عقلاً ، وبحسب الوجوب والحرمة شرعاً ، فيكون مثل ( أَكرم العلماء ) و ( لا تكرم الفساق ) من باب الاجتماع ك ( صلّ ) و ( لا تغصب ) لا من باب التعارض ، إلّا إذا لم يكن للحكم في أحد الخطابين في مورد الاجتماع مقتض ، كما هو الحال أيضاً في تعدَّد العنوانين ، فما يتراءى منهم من المعاملة مع مثل ( أَكرم العلماء ) و ( لا تكرم الفساق ) معاملة تعارض العموم من وجه ، إنّما يكون بناءً على الامتناع ، أو عدم المقتضي لاحد الحكمين في مورد الاجتماع.
فصل
في أن النهي عن الشيء ، هل يقتضي فساده أم لا؟
وليقدم أمور :
الأول : إنّه قد عرفت في المسألة السابقة الفرق بينها وبين هذه المسألة ، وإنّه لا دخل للجهة المبحوث عنها في إحداهما ، بما هو جهة البحث في الأخرى ، وأنّ البحث في هذه المسألة في دلالة النهي بوجه يأتي تفصيله على الفساد بخلاف تلك المسألة ، فإن البحث فيها في أن تعدَّد الجهة يجدي في رفع غائلة اجتماع الأمر والنهي في مورد الاجتماع أم لا؟
الثاني : إنّه لا يخفى أن عد هذه المسألة من مباحث الألفاظ ، إنّما هو لأجل إنّه في الأقوال قول بدلالته على الفاسد في المعاملات ، مع إنكار الملازمة بينه وبين الحرمة التي هي مفاده فيها ، ولا ينافي ذلك أن الملازمة على تقدير ثبوتها في العبادة إنّما تكون بينه وبين الحرمة ولو لم تكن مدلولة بالصيغة ، وعلى تقدير عدمها تكون منتفية بينهما ، لإمكان أن يكون البحث معه في دلالة الصيغة ، بما تعم دلالتها بالالتزام ، فلا تقاس بتلك المسألة التي لا يكاد يكون لدلالة اللفظ بها مساس ، فتأمل جيداً. 
 
الثالث : ظاهر لفظ النهي وأنّ كان هو النهي التحريمي ، إلّا أن ملاك البحث يعم التنزيهي ، ومعه لا وجه لتخصيص العنوان (1) ، واختصاص عموم ملاكه بالعبادات لا يوجب التخصيص به ، كما لا يخفى.
كما لا وجه لتخصيصه بالنفسي ، فيعم الغيري إذا كان أصليا ، وأما إذا كان تبعيا ، فهو وأنّ كان خارجاً عن محلّ البحث ، لما عرفت إنّه في دلالة النهي والتبعي منه من مقولة المعنى ، إلّا إنّه داخل فيما هو ملاكه ، فإن دلالته على الفساد على القول به فيما لم يكن للإِرشاد إليه ، إنّما يكون لدلالته على الحرمة ، من غير دخل لاستحقاق العقوبة على مخالفته في ذلك ، كما توهمه القمي (2) 1 ويؤيّد ذلك إنّه جعل ثمرة النزاع في أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه ، فساده إذا كان عبادة ، فتدبرّ جيداً.
الرابع : ما يتعلق به النهي ، امّا أن يكون عبادة أو غيرها ، والمراد بالعبادة ـ هاهنا ـ ما يكون بنفسه وبعنوإنّه عبادة له تعالى ، موجباً بذاته للتقرب من حضرته لولا حرمته ، كالسجود والخضوع والخشوع له وتسبيحه وتقديسه ، أو ما لو تعلق الأمر به كان أمره أمراً عبادياً ، لا يكاد يسقط إلّا إذا أُتى به بنحو قربى ، كسائر أمثاله ، نحو صوم العيدين والصلاة في أيام العادة ، لا ما أمر به
__________________
1 ـ ذهب إليه الشيخ ( قده ) ، مطارح الأنظار / 157.
2 ـ قوانين الأصول 1 / 102. في المقدمة السادسة.
هو ابو القاسم ابن المولى محمد حسن الجيلاني المعروف بالميرزا القمي. تولد سنة 1151 في جابلق ، فرغ من تشييد مقدمات الكمال في قم ، ثم انتقل إلى خونسار فاشتغل على المحقق الامير سيد حسين ثم توجه إلى العتبات العاليات ، تتلمذ عند العلامة المروج فاجاز له في الرواية والاجتهاد ، له مؤلفات كثيرة منها « القوانين » و « الغنائم » و « المناهج ». توفي سنة 1231 ( روضات الجنات 5 / 369 رقم 547 ). 
 
لاجل التعبد به (1) ، ولا ما يتوقف صحته على النية (2) ، ولا ما لا يعلم انحصار المصلحة فيها في شيء (3) ، كما عرفّ بكل منها العبادة ، ضرورة إنّها بواحد منها ، لا يكاد يمكن أن يتعلق بها النهي ، مع ما أورد عليها بالانتقاض طرداً أو عكساً ، أو بغيره ، كما يظهر من مراجعة المطّولات (4) ، وأنّ كان الإِشكال بذلك فيها في غير محله ، لأجل كون مثلها من التعريفات ، ليس بحد ولا برسم ، بل من قبيل شرح الاسم ، كما نبهنا عليه غير مرة ، فلا وجه لإِطالة الكلام بالنقض والإِبرام في تعريف العبادة ، ولا في تعريف غيرها كما هو العادة.
الخامس : إنّه لا يدخل في عنوان النزاع إلّا ما كان قابلاً للاتصاف بالصحة والفساد ، بأن يكون تارةً تاماً يترتب عليه ما يترقب عنه من الأثر ، وأخرى لا كذلك ، لاختلال بعضٍ ما يعتبر في ترتبه ، امّا ما لا أثر له شرعاً ، أو كان أثره مما لا يكاد ينفك عنه ، كبعض أسباب الضمان ، فلا يدخل في عنوان النزاع ، لعدم طروء الفساد عليه كي ينازع في أن النهي عنه يقتضيه أو لا ، فالمراد بالشيء في العنوان هو العبادة بالمعنى الذي تقدم ، والمعاملة بالمعنى الأعم ، مما يتصف بالصحة والفساد ، عقداً كان أو إيقاعاً أو غيرهما ، فافهم.
السادس : إن الصحة والفساد وصفان إضافيان يختلفان بحسب الآثار والانظار ، فربما يكون شيء واحد صحيحاً بحسب أثر أو نظر ، وفاسداً بحسب آخر ، ومن هنا صحّ أن يقال : إن الصحة في العبادة والمعاملة لا تختلف ، بل فيهما بمعنى واحد وهو التمامية ، وإنما الاختلاف فيما هو المرغوب منهما من الآثار
__________________
1 ـ اختاره الشيخ ( قده ) مطارح الأنظار / 158 ، في الأمر الثالث.
2 ـ مال إليه المحقق القمي ، قوانين الأصول 1 / 154 ، في المقدمة الأولى.
3 ـ يزين الرب تلمحقق القمي أيضاً ، المصدر السابق.
4 ـ راجع مطارح الأنظار 158 ، والفصول / 139. 
 
التي بالقياس عليها تتصف بالتمامية وعدمها ، وهكذا الاختلاف بين الفقيه والمتكلم في صحة العبادة ، إنّما يكون لأجل الاختلاف فيما هو المهمّ لكلّ منهما من الأثر ، بعد الاتفاق ظاهراً على إنّها بمعنى التمامية ، كما هي معناها لغةً وعرفاً. فلما كان غرض الفقيه ، هو وجوب القضاء ، أو الإِعادة ، أو عدم الوجوب ، فسّر صحة العبادة بسقوطهما ، وكان غرض المتكلم هو حصول الامتثال الموجب عقلاً لاستحقاق المثوبة ، فسرها بما يوافق الأمر تارةً ، وبما يوافق الشريعة أُخرى.
وحيث إِنّ الأمر في الشريعة يكون على أقسام : من الواقعي الأولى ، والثانوي ؛ والظاهري ، والانظار تختلف في أن الأخيرين يفيدان الإِجزاء أو لا يفيدان ، كان الإِتيان بعبادة موافقة الأمر ومخالفة لآخر ، أو مسقطاً للقضاء والإِعادة بنظر ، وغير مسقط لهما بنظر آخر ، فالعبادة الموافقة للأمر الظاهري ، تكون صحيحة عند المتكلم والفقيه ، بناءً على أن الأمر في تفسير الصحة بموافقة الأمر أعم من الظاهري ، مع اقتضائه للإِجزاء ، وعدم اتصافها بها عند الفقيه بموافقته ، بناءً على عدم الإِجزاء ، وكونه مراعى بموافقة الأمر الواقعي [ و ] (1) عند المتكلم ، بناءً على كون الأمر في تفسيرها خصوص الواقعي.
تنبيه : وهو إنّه لا شبهة في أن الصحة والفساد عند المتكلم ، وصفان اعتباريان ينتزعان من مطابقة المأتيّ به مع المأمور به وعدمها ، وأما الصحة بمعنى سقوط القضاء والإِعادة عند الفقيه ، فهي من لوازم الإِتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي الأولي عقلاً ، حيث لا يكاد يعقل ثبوت الإِعادة أو القضاء معه جزماً ، فالصحة بهذا المعنى فيه ، وأنّ كان ليس بحكم وضعي مجعول بنفسه أو بتبع تكليف ، إلّا إنّه ليس بأمر اعتباري ينتزع كما توهّم (2) ، بل مما يستقل به
__________________
1 ـ اثبتنا الزيادة من طبعة المشكيني.
2 ـ انظر مطارح الأنظار / 160 ، في تذنيب الهداية الأولى من القول في اقتضاء النهي للفساد. 
 
العقل ، كما يستقل باستحقاق المثوبة به وفي غيره ، فالسقوط ربما يكون مجعولاً ، وكان الحكم به تخفيفاً ومنةً على العباد ، مع ثبوت المقتضي لثبوتهما ، كما عرفت في مسألة الإِجزاء ، كما ربما يحكم بثبوتهما ، فيكون الصحة والفساد فيه حكمين مجعولين لا وصفين انتزاعيين.
نعم ، الصحة والفساد في الموارد الخاصة ، لا يكاد يكونان مجعولين ، بل إنّما هي تتصف بهما بمجرد الانطباق على ما هو المأمور به ، هذا في العبادات.
وأما الصحة في المعاملات ، فهي تكون مجعولة ، حيث كان ترتب الأثر على معاملة إنّما هو بجعل الشارع وترتيبه عليها ولو إمضاءً ، ضرورة إنّه لولا جعله ، لما كان يترتب عليه ، لأصالة الفساد.
نعم صحة كلّ معاملة شخصية وفسادها ، ليس إلّا لأجل انطباقها مع ما هو المجعول سبباً وعدمه ، كما هو الحال في التكليفية من الأحكام ، ضرورة أن اتصاف المأتيّ به بالوجوب أو الحرمة أو غيرهما ، ليس إلّا لانطباقه مع ما هو الواجب أو الحرام.
السابع : لا يخفى إنّه لا أصل في المسألة يعوّل عليه ، لو شك في دلالة النهي على الفساد. نعم ، كان الأصل في المسألة الفرعية الفساد ، لو لم يكن هناك إطلاق أو عموم يقتضي الصحة في المعاملة.
وأما العبادة فكذلك ، لعدم الأمر بها مع النهي عنها ، كما لا يخفى.
الثامن : إن متعلق النهي امّا أن يكون نفس العبادة ، أو جزأها ، أو شرطها الخارج عنها ، أو وصفها الملازم لها كالجهر والإِخفات (1) للقراءة ، أو وصفها الغير الملازم كالغصبية لاكوان الصلاة المنفكة عنها.
__________________
1 ـ فإن كلّ واحد منهما لا يكاد ينفك عن القراءة ، وأنّ كانت هي تنفكّ عن أحدهما ، فالنهي عن أيهما يكون مساوقاً للنهي عنها ، كما لا يخفى. ( منه 1 ). 
 
لا ريب في دخول القسم الأوّل في محلّ النزاع ، وكذا القسم الثّاني بلحاظ أن جزء العبادة عبادة ، إلّا أن بطلان الجزء لا يوجب بطلإنّها ، إلّا مع الاقتصار عليه ، لا مع الإِتيان بغيره مما لا نهي عنه ، إلّا أن يستلزم محذوراً آخر.
وأما القسم الثالث ، فلا يكون حرمة الشرط والنهي عنه موجباً لفساد العبادة ، إلّا فيما كان عبادة ، كي تكون حرمته موجبة لفساده المستلزم لفساد المشروط به.
وبالجملة لا يكاد يكون النهي عن الشرط موجباً لفساد العبادة المشروطة به ، لو لم يكن موجباً لفساده ، كما إذا كانت عبادة.
وأما القسم الرابع ، فالنهي عن الوصف اللازم مساوق للنهي عن موصوفه ، فيكون النهي عن الجهر في القراءة مثلاً مساوقاً للنهي عنها ، لاستحالة كون القراءة التي يجهر بها مأموراً بها ، مع كون الجهر بها منهياً عنه (1) فعلاً ، كما لا يخفى.
وهذا بخلاف ما إذا كان مفارقاً ، كما في القسم الخامس ، فإن النهي عنه لا يسري إلى الموصوف ، إلّا فيما إذا اتحد معه وجوداً ، بناءً على امتناع الاجتماع ، وأما بناءً على الجواز فلا يسري إليه ، كما عرفت في المسألة السابقة. هذا حال النهي المتعلق بالجزء أو الشرط أو الوصف.
وأما النهي عن العبادة لأجل أحد هذه الأُمور ، فحاله حال النهي عن أحدها إن كان من قبيل الوصف بحال المتعلق. وبعبارة أُخرى : كان النهي عنها بالعرض ، وأنّ كان النهي عنها على نحو الحقيقة ، والوصف بحاله ، وأنّ كان بواسطة أحدها ، إلّا إنّه من قبيل الواسطة في الثبوت لا العروض ، كان حاله حال النهي في القسم الأوّل ، فلا تغفل.
__________________
1 ـ في « ب » : عنها. 
 
 
ومما ذكرنا في بيان أقسام النهي في العبادة ، يظهر حال الأقسام في المعاملة ، فلا يكون بيإنّها على حدة بمهم ، كما أن تفصيل الأقوال في الدلالة على الفساد وعدمها ، التي ربما تزيد على العشرة ـ على ما قيل (1) ـ كذلك ، إنّما المهمّ بيان ما هو الحق في المسألة ، ولا بدّ في تحقيقه على نحو يظهر الحال في الأقوال ، من بسط المقال في مقامين :
الأول في العبادات : فنقول وعلى الله الاتكال : إن النهي المتعلق بالعبادة بنفسها ، ولو كانت جزء عبادة بما هو عبادة ـ كما عرفت ـ مقتض (2) لفسادها ، لدلالته على حرمتها ذاتاً ، ولا يكاد يمكن اجتماع الصحة بمعنى موافقة الأمر أو الشريعة مع الحرمة ، وكذا بمعنى سقوط الإِعادة ، فإنّه مترتب على إتيإنّها بقصد القربة ، وكانت مما يصلح لأن يتقرب به (3) ، ومع الحرمة لا تكاد تصلح لذلك ، ويتأتى قصدها من الملتفت إلى حرمتها ، كما لا يخفى.
لا يقال : هذا لو كان النهي عنها د إلّا على الحرمة الذاتية ، ولا يكاد يتصف بها العبادة ، لعدم الحرمة بدون قصد القربة ، وعدم القدرة عليها مع قصد القربة بها إلّا تشريعاً ، ومعه تكون محرمة بالحرمة التشريعية لا محالة ، ومعه لا تتصف بحرمة أُخرى ، لامتناع اجتماع المثلين كالضدين.
فإنّه يقال : لا ضير في اتصاف ما يقع عبادة ـ لو كان مأموراً به ـ بالحرمة الذاتية ، مثلاً صوم العيدين كان عبادة منهياً عنها ، بمعنى إنّه لو أمر به كان عبادة ، لا يسقط الأمر به إلّا إذا أتى به بقصد القربة ، كصوم سائر الأيام ، هذا فيما إذا لم يكن ذاتاً عبادة ، كالسجود لله تعالى ونحوه ، وإلاّ كان محرماً مع
__________________
1 ـ مطارح الأنظار / 162 ، في الهداية الثانية من القول في اقتضاء النهي للفساد.
2 ـ في « أ و ب » : مقتضى.
3 ـ هكذا في « أ و ب » : وفي بعضٍ النسخ المطبوعة « بها ». 
 
كونه فعلاً عبادة ، مثلاً إذا نهي الجنب والحائض عن السجود له تبارك وتعالى ، كان عبادة محرمة ذاتاً حينئذ ، لما فيه من المفسدة والمبغوضية في هذا الحال ، مع إنّه لا ضير في اتصافه بهذه الحرمة مع الحرمة التشريعية ، بناءً على أن الفعل فيها لا يكون في الحقيقة متصفاً بالحرمة ، بل إنّما يكون المتصف بها ما هو من أفعال القلب ، كما هو الحال في التجري والانقياد ، فافهم.
هذا مع إنّه لو لم يكن النهي فيها د إلّا على الحرمة ، لكان د إلّا على الفساد ، لدلالته على الحرمة التشريعية ، فإنّه لا أقل من دلالته على إنّها ليست بمأمور بها ، وأنّ عمها إطلاق دليل الأمر بها أو عمومه ، نعم لو لم يكن النهي عنها إلّا عرضاً ، كما إذا نهى عنها فيما كانت ضد الواجب مثلاً ، لا يكون مقتضياً للفساد ، بناءً على عدم اقتضاء الأمر (1) بالشيء للنهي عن الضد إلّا كذلك أيّ عرضاً ، فيخصص به أو يقيد.
المقام الثّاني في المعاملات : ونخبة القول ، أن النهي الدالّ على حرمتها لا يقتضي الفساد ، لعدم الملازمة فيها ـ لغةً ولا عرفاً ـ بين حرمتها وفسادها أصلاً ، كانت الحرمة متعلقة بنفس المعاملة بما هو فعل بالمباشرة ، أو بمضمونها بما هو فعل بالتسبب بها إليه ، وأنّ لم يكن السبب ولا المسبب بما هو فعل من الأفعال بحرام ، وإنما يقتضي الفساد فيما إذا كان د إلّا على حرمة ما لا يكاد يحرم مع صحتها ، مثل النهي عن أكل الثمن أو المثمن في بيع أو بيع شئ.
نعم لا يبعد دعوى ظهور النهي عن المعاملة في الإِرشاد إلى فسادها ، كما أن الأمر بها يكون ظاهراً في الإِرشاد إلى صحتها من دون دلالته على إيجابها أو استحبابها ، كما لا يخفى ، لكنه في المعاملات بمعنى العقود والإِيقاعات ، لا المعاملات بالمعنى الأعم المقابل للعبادات ، فالمعول هو ملاحظة القرائن في
__________________
1 ـ في « ب » عدم الاقتضاء للأمر بالشيء .. الخ. 
 
خصوص المقامات ، ومع عدمها لا محيص عن الأخذ بما هو قضية صيغة النهي من الحرمة ، وقد عرفت إنّها غير مستتبعة للفساد ، لا لغةً ولا عرفاً.
نعم ربما يتوهم استتباعها له شرعاً ، من جهة دلالة غير واحد من الأخبار عليه ، منها ما رواه في الكافي والفقيه ، عن زرارة ، عن الباقر 7 (1) : ( سأله عن مملوك تزوج بغير إذن سيده ، فقال : ذلك إلى سيده ، إن شاء أجازه وأنّ شاء فرق بينهما ، قلت : أصلحك الله تعالى ، إن الحكم بن عتيبة (2) وإبراهيم النخعي وأصحابهما ، يقولون : إن أصل النكاح فاسد ، ولا يحل إجازة السيد له ، فقال أبو جعفر 7 : إنّه لم يعص الله ، إنّما عصى سيده ، فإذا أجاز فهو له جائز ) حيث دلّ بظاهره ان النكاح لو كان مما حرمه الله تعالى عليه كان فاسداً. ولا يخفى أنّ الظاهر أن يكون المراد بالمعصية المنفية هاهنا ، أن النكاح ليس مما لم يمضه الله ولم يشرعه كي يقع فاسداً ، ومن المعلوم استتباع المعصية بهذا المعنى للفساد كما لا يخفى ، ولا بأس بإطلاق المعصية على عمل لم يمضه الله ولم يأذن به ، كما أطلق عليه (3) بمجرد عدم إذن السيد فيه إنّه معصية.
وبالجملة : لو لم يكن ظاهراً في ذلك ، لما كان ظاهراً فيما توهّم ، وهكذا
__________________
1 ـ الكافي / 478 ، الحديث 3 ، باب المملوك يتزوّج بغير إذن مولاه ، الفقيه 3 / 350 الحديث 4 باب طلاق العبد ـ التهذيب 7 / 351 الحديث 63 في العقود على الإماء.
2 ـ في « أ و ب » : حكم بن عتبة.
3 ـ وجه ذلك أن العبودية تقتضي عدم صدور العبد إلّا عن أمر سيده وإذنه ، حيث إنّه كلّ عليه لا يقدّر على شيء ، فإذا استقل بأمر كان عاصياً حيث أتى بما ينافيه مقام عبوديته ، لا سيما مثل التزوج الذي كان خطيراً ، وأما وجه إنّه لم يعص الله فيه ، فلاجل كون التزوج بالنسبة إليه أيضاً كان مشروعاً ماضياً ، غايته إنّه يعتبر في تحققه إذن سيده ورضاه ، وليس كالنكاح في العدة غير مشروع من أصله ، فإذا أجاز ما صدر عنه بدون إذنه فقد وجد شرط نفوذه وارتفع محذور عصيإنّه ، فعصيإنّه لسيده. ( منه 1 ).  

 
حال سائر الأخبار الواردة في هذا الباب (1) ، فراجع وتأمل.
تذنيب : حكي عن أبي حنيفة (2) والشيباني (3) دلالة النهي على الصحة ، وعن الفخر (4) إنّه وافقهما في ذلك ، والتحقيق (5) إنّه في المعاملات كذلك إذا كان عن المسبب أو التسبيب ، لاعتبار القدرة في متعلق النهي كالأمر ، ولا يكاد يقدّر عليهما إلّا فيما كانت المعاملة مؤثرة صحيحة ، وأما إذا كان عن السبب ، فلا ، لكونه مقدوراً وأنّ لم يكن صحيحاً ، نعم قد عرفت أن النهي عنه لا ينافيها.
وأما العبادات فما كان منها عبادة ذاتية كالسجود والركوع والخشوع والخضوع له تبارك وتعالى ، فمع النهي عنه يكون مقدوراً ، كما إذا كان مأموراً به ، وما كان منها عبادة لاعتبار قصد القربة فيه لو كان مأموراً به ، فلا يكاد يقدّر عليه إلّا إذا قيل باجتماع الأمر والنهي في شيء ولو بعنوان واحد ، وهو محال ، وقد عرفت أن النهي في هذا القسم إنّما يكون نهياً عن العبادة ، بمعنى إنّه لو كان مأموراً به ، كان الأمر به أمر عبادة لا يسقط إلّا بقصد القربة ، فافهم.
__________________
1 ـ راجع وسائل الشيعة 14 ، الباب 23 إلى 25 من أبواب نكاح العبيد والإِماء.
2 و 3 ـ شرح تنقيح الفصول ، 173.
4 ـ أيّ فخر المحققين (ره) نجل العلامة الحلّي (ره). مطارح الانظارءِ 16.
5 ـ ملخصه أن الكبرى وهي : ان النهي ـ حقيقة ـ إذا تعلق بشيء ذي أثر كان د إلّا على صحته وترتب أثره عليه ، لاعتبار القدرة فيما تعلق به النهي كذلك وأنّ كانت مسلمة ، إلّا أن النهي كذلك لا يكاد يتعلق بالعبادات ، ضرورة امتناع تعلق النهي كذلك بما تعلق به الأمر كذلك ، وتعلقه بالعبادات بالمعنى الأوّل وأنّ كان ممكناً ، إلّا أن أثر المرغوب منها عقلاً أو شرعاً غير مترتب عليها مطلقاً ، بل على خصوص ما ليس بحرام منها وهكذا الحال في المعاملات ، فإن كان الأثر في معاملة مترتباً عليها ولازماً لوجودها كان النهي عنها د إلّا على ترتبه عليها ، لما عرفت. ( منه 1 ).
 
 
 
 

 
 
 
المقصد الثالث : في المفاهيم
مقدمة
وهي : إن المفهوم ـ كما يظهر من موارد إطلاقه ـ هو عبارة عن حكم إنشائي أو إخباري تستتبعه خصوصية المعنى الذي أُريد من اللفظ ، بتلك الخصوصية ولو بقرينة الحكمة ، وكان يلزمه لذلك ، وافقه في الإِيجاب والسلب أو خالفه ، فمفهوم ( إن جاءك زيد فأكرمه ) مثلاً ـ لو قيل به ـ قضية شرطية سالبة بشرطها وجزائها ، لازمة للقضية الشرطيّة التي تكون معنى القضية اللفظية ، وتكون لها خصوصية ، بتلك الخصوصية كانت مستلزمة لها ، فصحّ أن يقال : إن المفهوم إنّما هو حكم غير مذكور ، لا إنّه حكم لغير مذكور ، كما فسّر (1) به ، وقد وقع فيه النقض والإِبرام بين الأعلام (2) ، مع إنّه لا موقع له كما أشرنا إليه في غير مقام ، لإنّه من قبيل شرح الاسم ، كما في التفسير اللغوي.
ومنه قد انقدح حال غير هذا التفسير مما ذكر في المقام ، فلا يهمنا التصدي لذلك ، كما لا يهمنا بيان إنّه من صفات المدلول أو الدلالة وأنّ كان بصفات
__________________
1 ـ كما عن العضدي ، راجع شرح العضدي على مختصر المنتهى لابن الحاجب / 306 ، في المنطوق والمفهوم.
2 ـ راجع تقريرات الشيخ مطارح الأنظار / 167 والفصول / 145 والقوانين 1 / 167.  
 
المدلول أشبه ، وتوصيف الدلالة [ به ] (1) أحياناً كان من باب التوصيف بحال المتعلق.
وقد انقدح من ذلك أن النزاع في ثبوت المفهوم وعدمه في الحقيقة ، إنّما يكون في أن القضية الشرطيّة أو الوصفية أو غيرهما هل تدلّ بالوضع أو بالقرينة العامة على تلك الخصوصية المستتبعة لتلك القضية الأخرى ، أم لا؟
فصل
الجملة الشرطيّة هل تدلّ على الانتفاء عند الانتفاء ، كما تدلّ على الثبوت عند الثبوت بلا كلام ، أم لا؟ فيه خلاف بين الأعلام.
لا شبهة في استعمالها وإرادة الانتفاء عند الانتفاء في غير مقام ، إنّما الإِشكال والخلاف في إنّه بالوضع أو بقرينة عامة ، بحيث لا بد من الحمل عليه لو لم يقم على خلافه قرينة من حال أو مقال. فلا بدّ للقائل بالدلالة من إقامة الدليل على الدلالة ، بأحد الوجهين على تلك الخصوصية المستتبعة لترتب الجزاء على الشرط ، نحو ترتب المعلول على علته المنحصرة.
وأما القائل بعدم الدلالة ففي فسحة ، فإن له منع دلالتها على اللزوم ، بل على مجرد الثبوت عند الثبوت ولو من باب الاتفاق ، أو منع دلالتها على الترتب ، أو على نحو الترتب على العلة ، أو العلة المنحصرة بعد تسليم اللزوم أو العلية.
لكن منع دلالتها على اللزوم ، ودعوى كونها اتفاقية ، في غاية السقوط ، لانسباق اللزوم منها قطعاً ، وأما المنع عن إنّه بنحو الترتب على العلة فضلاً عن كونها منحصرة ، فله مجال واسع.
ودعوى تبادر اللزوم والترتب بنحو الترتب على العلة المنحصرة ـ مع كثرة
__________________
1 ـ أثبتناه من « أ ». 
 
استعمالها في الترتب على نحو الترتب على الغير المنحصرة منها بل في مطلق اللزوم ـ بعيدة ، عهدتها على مدعيها ، كيف؟ ولايرى في استعمالها فيهما (1) عناية ، ورعاية علاقة ، بل إنّما تكون إرادته كإرادة الترتب على العلة المنحصرة بلا عناية ، كما يظهر على من أمعن النظر وأجال البصر (2) في موارد الاستعمالات ، وفي عدم الإِلزام والأخذ بالمفهوم في مقام المخاصمات والاحتجاجات ، وصحة الجواب بإنّه لم يكن لكلامه مفهوم ، وعدم صحته لو كان له ظهور فيه معلوم.
وأما دعوى الدلالة ، بادعاء انصراف إطلاق العلاقة اللزومية إلى ما هو أكمل افرادها ، وهو اللزوم بين العلة المنحصرة ومعلولها ، ففاسدة جداً ، لعدم كون الأكملية موجبة للانصراف إلى الاكمل ، لاسيما مع كثرة الاستعمال في غيره ، كما لا يكاد يخفى.
هذا مضافاً إلى منع كون اللزوم بينهما أكمل مما إذا لم تكن العلة بمنحصرة ، فإن الانحصار لا يوجب أن يكون ذاك الربط الخاص الذي لا بدّ منه في تأثير العلة في معلولها آكد وأقوى.
إن قلت : نعم ، ولكنه قضية الإِطلاق بمقدمات الحكمة ، كما أن قضية إطلاق صيغة الأمر هو الوجوب النفسي.
قلت : أولاً : هذا فيما تمت هناك مقدمات الحكمة ، ولا تكاد تتم فيما هو مفاد الحرف كما هاهنا ، وإلاّ لما كان معنى حرفياً ، كما يظهر وجهه بالتأمل.
وثانياً : تعينه من بين أنحائه بالإِطلاق المسوق في مقام البيان بلا معيّن ، ومقايسته مع تعيّن الوجوب النفسي بإطلاق صيغة الأمر مع الفارق ، فإن النفسي هو الواجب على كلّ حال بخلاف الغيري ، فإنّه واجب على تقدير دون
__________________
1 ـ في « ب » : فيها.
2 ـ في « ب » : البصيرة. 
 
تقدير ، فيحتاج بيإنّه إلى مؤونة التقييد بما إذا وجب الغير ، فيكون الإِطلاق في الصيغة مع مقدمات الحكمة محمولاً عليه ، وهذا بخلاف اللزوم والترتب بنحو الترتب على العلة المنحصرة ، ضرورة أن كلّ واحد من أنحاء اللزوم والترتب ، محتاج في تعينه إلى القرينة مثل الآخر ، بلا تفاوت أصلاً ، كما لا يخفى.
ثم إنّه ربما يتمسك للدلالة على المفهوم بإطلاق الشرط ، بتقريب إنّه لو لم يكن بمنحصر يلزم تقييده ، ضرورة إنّه لو قارنه أو سبقه الآخر لما أثر وحده ، وقضية إطلاقه إنّه يؤثر كذلك مطلقاً.
وفيه إنّه لا تكاد تنكر الدلالة على المفهوم مع إطلاقه كذلك ، إلّا إنّه من المعلوم ندرة تحققه ، لو لم نقل بعدم اتفاقه.
فتلخص بما ذكرناه ، إنّه لم ينهض دليل على وضع مثل ( إن ) على تلك الخصوصية المستتبعة للانتفاء عند الانتفاء ، ولم تقم عليها قرينة عامة ، امّا قيامها أحياناً كانت مقدمات الحكمة أو غيرها ، مما لا يكاد ينكر ، فلا يجدي القائل بالمفهوم ، إنّه قضية (1) الإِطلاق في مقام من باب الاتفاق.
وأما توهّم إنّه قضية (2) إطلاق الشرط ، بتقريب أن مقتضاه تعينه ، كما أن مقتضى إطلاق الأمر تعيّن الوجوب.
ففيه : أن التعين ليس في الشرط نحواً يغاير نحوه فيما إذا كان متعدداً ، كما كان في الوجوب كذلك ، وكان الوجوب في كلّ منهما متعلقاً بالواجب بنحو آخر ، لابد في التخييري منهما من العدل ، وهذا بخلاف الشرط فإنّه واحداً كان أو متعدداً ، كان نحوه واحداً ودخله في المشروط بنحو واحد ، لا تتفاوت الحال فيه ثبوتاً كي تتفاوت عند الإِطلاق إثباتاً ، وكان الإِطلاق مثبتا لنحو لا يكون له عدل لاحتياج ما له العدل إلى زيادة مؤونة ، وهو ذكره بمثل ( أو كذا )
__________________
1 و 2 ـ في « ب » : قضيته. 
 
واحتياج ما إذا كان الشرط متعدداً إلى ذلك إنّما يكون لبيان التعدد ، لا لبيان نحو الشرطيّة ، فنسبة إطلاق الشرط إليه لا تختلف ، كان هناك شرط آخر أم لا ، حيث كان مسوقاً لبيان شرطيته بلا إهمال ولا إجمال.
بخلاف إطلاق الأمر ، فإنّه لو لم يكن لبيان خصوص الوجوب التعييني ، فلا محالة يكون في مقام الإِهمال أو الإِجمال ، تأمل تعرف. هذا مع إنّه لو سلّم لا يجدي القائل بالمفهوم ، لما عرفت إنّه لا يكاد ينكر فيما إذا كان مفاد الإِطلاق من باب الاتفاق.
ثم إنّه ربما استدل المنكرون للمفهوم بوجوه :
أحدها : ما عُزي إلى السيد (1) من أن تأثير الشرط ، إنّما هو تعليق الحكم به ، وليس بممتنع أن يخلفه وينوب منابه شرط آخر يجري مجراه ، ولا يخرج عن كونه شرطاً ، فإن قوله تعالى : ( وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ) (2) يمنع من قبول الشاهد الواحد ، حتى ينضم إليه شاهد آخر ، فانضمام الثّاني إلى الأوّل شرط في القبول ، ثم علمنا أن ضم أمراًتين إلى الشاهد الأوّل شرط في القبول ، ثم علمنا أن ضم اليمين يقوم مقامه أيضاً ، فنيابة بعضٍ الشروط عن بعضٍ أكثر من أن تحصى ، مثل الحرارة ، فإن انتفاء الشمس لا يلزم انتفاء الحرارة ، لاحتمال قيام النار مقامها ، والأمثلة لذلك كثيرة شرعاً وعقلا.
والجواب : إنّه 1 إن كان بصدد إثبات إمكان نيابة بعضٍ الشروط عن بعضٍ في مقام الثبوت وفي الواقع ، فهو مما لا يكاد ينكر ، ضرورة أن الخصم يدعي عدم وقوعه في مقام الإِثبات ، ودلالة القضية الشرطيّة عليه ، وأنّ كان بصدد إبداء احتمال وقوعه ، فمجرد الاحتمال لا يضره ، ما لم يكن
__________________
1 ـ الذريعة : 1 / 406 ، في جوابه عن ثالث وجوه أدلة القول بثبوت المفهوم.
2 ـ البقرة / 282. 
 
بحسب القواعد اللفظية راجحاً أو مساوياً ، وليس فيما أفاده ما يثبت ذلك أصلاً ، كما لا يخفى.
ثانيها : إنّه لو دلّ لكان بإحدى الدلالات ، والملازمة _ كبطلان التالي _ ظاهرة. وقد أُجيب عنه بمنع بطلان التالي ، وأنّ الالتزام ثابت ، وقد عرفت بما لا مزيد عليه ما قيل أو يمكن أن يقال في إثباته أو منعه ، فلا تغفل.
ثالثها : قوله تبارك وتعالى (1) : ( وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا ).
وفيه ما لا يخفى ، ضرورة أن استعمال الجملة الشرطيّة فيما لا مفهوم له أحياناً وبالقرينة ، لا يكاد ينكر ، كما في الآية وغيرها ، وإنما القائل به إنّما يدعي ظهورها فيما له المفهوم وضعاً أو بقرينة عامة ، كما عرفت.
بقى هاهنا أمور :
الأمر الأوّل : إن المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم المعلّق على الشرط عند انتفائه ، لا انتفاء شخصه ، ضرورة انتفائه عقلاً بانتفاء موضوعه ولو ببعض قيوده ، فلا (2) يتمشى الكلام ـ في أن للقضية الشرطيّة مفهوماً أو ليس لها مفهوم ـ إلّا في مقام كان هناك ثبوت سنخ الحكم في الجزاء ، وانتفاؤه عند انتفاء الشرط ممكناً ، وإنما وقع النزاع في أن النزاع في أن لها دلالة على الانتفاء عند الانتفاء ، أو لا يكون لها دلالة.
ومن هنا انقدح إنّه ليس من المفهوم دلالة القضية على الانتفاء عند الانتفاء في الوصايا والاوقاف والنذور والإِيمان ، كما توهّم (3) ، بل عن الشهيد
__________________
1 ـ النور / 33.
2 ـ في « ب » : ولا.
3 ـ مطارح الأنظار / 173 ، الهداية الثالثة من القول في المفهوم والمنطوق. 
 
في تمهيد القواعد (1) ، إنّه لا إشكال في دلالتها على المفهوم ، وذلك لأن انتفاءها عن غير ما هو المتعلق لها ، من الأشخاص التي تكون بألقابها أو بوصف شيء أو بشرطه ، مأخوذة في العقد أو مثل العهد ليس بدلالة الشرط أو الوصف أو اللقب عليه ، بل لأجل إنّه إذا صار شيء وقفا على أحد أو أوصى به أو نذر له ، إلى غير ذلك ، لا يقبل أن يصير وقفا على غيره أو وصية أو نذرا له ، وانتفاء شخص الوقف أو النذر أو الوصية عن غير مورد المتعلق ، قد عرفت إنّه عقلي مطلقاً ولو قيل بعدم المفهوم في مورد صالح له.
إشكال ودفع : لعلك تقول : كيف يكون المناط في المفهوم هو سنخ الحكم ، لا نفس شخص الحكم في القضية؟ وكان الشرط في الشرطيّة إنّما وقع شرطاً بالنسبة إلى الحكم الحاصل بإنشائه دون غيره ، فغاية قضيتها انتفاء ذاك الحكم بانتفاء شرطه ، لا انتفاء سنخه ، وهكذا الحال في سائر القضايا التي تكون مفيدة للمفهوم.
ولكنك غفلت عن أن المعلّق على الشرط ، إنّما هو نفس الوجوب الذي هو مفاد الصيغة ومعناها ، وأما الشخص والخصوصية الناشئة من قبل استعمالها فيه ، لا تكاد تكون من خصوصيات معناها المستعملة فيه ، كما لا يخفى ، كما لا تكون الخصوصية الحاصلة من قبل الإخبار به ، ، من خصوصيات ما أخبر به
__________________
1 ـ تمهيد القواعد / 14 ، القاعدة 25 ، عند قوله : ذهب جماعة من الأصوليين إلى أنّ مفهوم الصفة والشرط حجة ... الخ.
الشهيد الثّاني هو الشيخ الاجل زين الدين بن نور الدين العاملي الجبعي ولد عام 911 ه‍ ، قرأ على والده جملة من الكتب العربية والفقه ، ختم القرآن وعمره تسع سنين. ارتحل إلى بلاد عديدة وقرأ على كثير من العلماء منهم الشيخ علي بن عبد العالي الميسي ، ثم انتقل إلى بلده واشتغل بالتدريس والتصنيف ومصنفاته كثيرة مشهورة أولها « الروض » وآخرها « الروضة » ومن تلامذته ابنه صاحب المعالم وصاحب المدارك ووالد البهائي وغيرهم ، استشهد سنة 966 ه‍ () الكنى والالقاب 2 / 344 ).
 
واستعمل فيه إخباراً لا إنشاءً.
وبالجملة : كما لا يكون المخبر به المعلّق على الشرط خاصاً بالخصوصيات الناشئة من قبل الإخبار به ، كذلك المنشأ بالصيغة المعلّق عليه ، وقد عرفت بما حققناه في معنى الحرف وشبهه ، أن ما استعمل فيه الحرف عام كالموضوع له ، وأنّ خصوصية لحاظه بنحو الآلية والحالية لغيره من خصوصية الاستعمال ، كما أن خصوصية لحاظ المعنى بنحو الاستقلال في الاسم كذلك ، فيكون اللحاظ الآلي كالاستقلالي ، من خصوصيات الاستعمال لا المستعمل فيه.
وبذلك قد انقدح فساد ما يظهر من التقريرات (1) في مقام التفصي عن هذا الإِشكال ، من التفرقة بين الوجوب الإِخباري والإِنشائي ، بإنّه كلي في الأوّل ، وخاص في الثّاني ، حيث دفع الإِشكال بإنّه لا يتوجه في الأوّل ، لكون الوجوب كلياً ، وعلى الثّاني بأن ارتفاع مطلق الوجوب فيه من فوائد العلّية المستفادة من الجملة الشرطيّة ، حيث كان ارتفاع شخص الوجوب ليس مستنداً إلى ارتفاع العلة المأخوذة فيها ، فإنّه يرتفع ولو لم يوجد في حيال أداة الشرط كما في اللقب والوصف.
وأورد (2) على ما تفُصّي به عن الإِشكال بما ربما يرجع إلى ما ذكرناه ، بما حاصله : إن التفصي لا يبتني على كلية الوجوب ، لما أفاده ، وكون الموضوع له في الإِنشاء عاماً لم يقم عليه دليل ، لو لم نقل بقيام الدليل على خلافه ، حيث إن الخصوصيات بأنفسها مستفادة من الالفاظ.
وذلك لما عرفت من أن الخصوصيات في الإٍنشاءات والإِخبارات ، إنّما تكون ناشىء ة من الاستعمالات بلا تفاوت أصلاً بينهما. ولعمري ، لا يكاد ينقضي تعجبي ، كيف تجعل خصوصيات الانشاء من خصوصيات المستعمل
__________________
1 ـ مطارح الأنظار / 173 ، في الهداية الثالثة من القول في المنطوق والمفهوم.
2 ـ المصدر المتقدم / 173 في الهداية الثالثة من القول في المفهوم والمنطوق. 
 
فيه. مع إنّها كخصوصيات الإِخبار ، تكون ناشىء ة من الاستعمال ، ولا يكاد يمكن أن يدخل في المستعمل فيه ما ينشأ من قبل الاستعمال ، كما هو واضح لمن تأمل.
الأمر الثّاني : إنّه إذا تعدَّد الشرط ، مثل ( إذا خفي الأذان فقصر ، وإذا خفي الجدران فقصر ) ، فبناء على ظهور الجملة الشرطيّة في المفهوم ، لابد من التصرف ورفع اليد عن الظهور.
إما بتخصيص مفهوم كلّ منهما بمنطوق الآخر ، فيقال بانتفاء وجوب القصر عند انتفاء الشرطين.
وإما برفع اليد عن المفهوم فيهما ، فلا دلالة لهما على عدم مدخلية شيء آخر في الجزاء ، بخلاف الوجه الأوّل ، فإن فيهما الدلالة على ذلك.
وإما بتقييد إطلاق الشرط في كلّ منهما بالآخر ، فيكون الشرط هو خفاء الأذان والجدران معاً ، فإذا خفيا وجب القصر ، ولا يجب عند انتفاء خفائهما ولو خفي أحدهما.
وإما بجعل الشرط هو القدر المشترك بينهما ، بأن يكون تعدَّد الشرط قرينة على أن الشرط في كلّ منهما ليس بعنوإنّه الخاص ، بل بما هو مصداق لما يعمهما من العنوان.
ولعل العرف يساعد على الوجه الثّاني ، كما أن العقل ربما يعين هذا الوجه ، بملاحظة أن الأمور المتعدِّدة بما هي مختلفة ، لا يمكن أن يكون كلّ منها مؤثراً في واحد ، فإنّه لا بدّ من الربط الخاص بين العلة والمعلول ، ولا يكاد يكون الواحد بما هو واحد مرتبطاً بالاثنين بما هما اثنان ، ولذلك أيضاً لا يصدر من الواحد إلّا الواحد ، فلا بدّ من المصير إلى أن الشرط في الحقيقة واحد ، وهو المشترك بين الشرطين بعد البناء على رفع اليد عن المفهوم ، وبقاء إطلاق الشرط في كلّ منهما على حاله ، وأنّ كان بناءً العرف والاذهان العامية 
 
على تعدَّد الشرط وتأثير كلّ شرط بعنوإنّه الخاص ، فافهم.
الأمر الثالث : إذا تعدَّد الشرط واتحد الجزاء ، فلا إشكال على الوجه الثالث ، وأما على سائر الوجوه ، فهل اللازم لزوم الإِتيان بالجزاء متعدداً ، حسب تعدَّد الشروط؟ أو يتداخل ، ويكتفى بإتيإنّه دفعة واحدة؟.
فيه أقوال : والمشهور عدم التداخل ، وعن جماعة ـ منهم المحقق الخوانساري (1) ـ التداخل ، وعن الحلّي (2) التفصيل بين اتحاد جنس الشروط وتعدده.
والتحقيق : إنّه لما كان ظاهر الجملة الشرطيّة ، حدوث الجزاء عند حدوث الشرط بسببه ، أو بكشفه عن سببه ، وكان قضيته تعدَّد الجزاء عند تعدَّد الشرط ، كان الأخذ بظاهرها إذا تعدَّد الشرط حقيقة أو وجوداً محالاً ، ضرورة أن لازمه أن يكون الحقيقة الواحدة ـ مثل الوضوء ـ بما هي واحدة ، في مثل ( إذا بلت فتوضأ ، وإذا نمت فتوضأ ) ، أو فيما إذا بال مكرراً ، أو (3) نام كذلك ، محكوماً بحكمين متماثلين ، وهو واضح الاستحالة كالمتضادين.
فلابد على القول بالتداخل من التصرف فيه : امّا بالالتزام بعدم دلالتها في هذا الحال على الحدوث عند الحدوث ، بل على مجرد الثبوت ، أو الالتزام بكون متعلق الجزاء وأنّ كان واحداً صورة ، إلّا إنّه حقائق متعددة حسب تعدَّد الشرط ، متصادقة على واحد ، فالذمة وأنّ اشتغلت بتكاليف متعددة ، حسب
__________________
1 ـ مشارق الشموس 61 ، كتاب الطهارة في تداخل الاغسال الواجبة ، قال : لأن تداخل الأسباب لا يوجب تعدَّد المسببات.
2 ـ السرائر / 55 ، في باب أحكام السهو والشك في الصلاة.
هو محمد بن احمد بن ادريس الحلّي ، فاضل فقيه ومحقق نبيه ، فخر الاجلة وشيخ فقهاء الحلة صاحب كتاب « السرائر » و « مختصر تبيان الشيخ » توفي سنة 598 وهو ابن خمس وخمسين ( الكنى والالقاب 1 / 201 )
3 ـ في « ب » : و.
 
تعدد الشروط ، إلّا أن الاجتزاء بواحد لكونه مجمعاً لها ، كما في ( أَكرم هاشمياً وأضف عالماً ) ، فأكرم العالم الهاشمي بالضيافة ، ضرورة إنّه بضيافته بداعي الأمرين ، يصدق إنّه امتثلهما ، ولا محالة يسقط الأمر بامتثاله وموافقته ، وأنّ كان له امتثال كلّ منهما على حدة ، كما إذا أَكرم الهاشمي بغير الضيافة ، وأضاف العالم الغير الهاشمي.
إن قلت : كيف يمكن ذلك ـ أيّ الامتثال بما تصادق (1) عليه العنوانان ـ مع استلزامه محذور اجتماع الحكمين المتماثلين فيه؟
قلت : انطباق عنوانين واجبين على واحد لا يستلزم اتصافه بوجوبين ، بل غايته أن انطباقهما عليه يكون منشأ لاتصافه بالوجوب وانتزاع صفته له ، مع إنّه ـ على القول بجواز الاجتماع ـ لا محذور في اتصافه بهما ، بخلاف ما إذا كان بعنوان واحد ، فافهم.
أو الالتزام بحدوث الأثر عند وجود كلّ شرط ، إلّا إنّه وجوب الوضوء في المثال عند الشرط الأوّل ، وتأكد وجوبه عند الآخر.
ولا يخفى إنّه لا وجه لأن يصار إلى واحد منها ، فإنّه رفع اليد عن الظاهر بلا وجه ، مع ما في الأخيرين من الاحتياج إلى إثبات أن متعلق الجزاء متعدد متصادق على واحد ، وأنّ كان صورة واحداً سمي (2) باسم واحد ، كالغسل ، وإلى إثبات أن الحادث بغير الشرط الأوّل تؤكدّ ما حدث بالأول ، ومجرد الاحتمال لا يجدي ، ما لم يكن في البين ما يثبته.
إن قلت : وجه ذلك هو لزوم التصرف في ظهور الجملة الشرطيّة ، لعدم امكان الأخذ بظهورها ، حيث إنَّ قضيته اجتماع الحكمين في الوضوء في
__________________
1 ـ في « أ و ب » : تصادقا.
2 ـ في « أ » مسمى. 
 
المثال ، كما مرت الإِشارة إليه.
قلت : نعم ، إذا لم يكن المراد بالجملة ـ فيما إذا تعدَّد الشرط كما في المثال ـ هو وجوب وضوء مثلاً بكل شرط غير ما وجب بالآخر ، ولا ضير في كون فرد محكوماً بحكم فرد آخر أصلاً ، كما لا يخفى.
إن قلت : نعم ، لو لم يكن تقدير تعدَّد الفرد على خلاف الإِطلاق.
قلت : نعم ، لو لم يكن ظهور الجملة [ الشرطيّة ] (1) في كون الشرط سبباً أو كاشفاً عن السبب ، مقتضياً لذلك أيّ لتعدد الفرد ، و (2) بياناً لما هو المراد من الإِطلاق.
وبالجملة : لا دوران بين ظهور الجملة في حدوث الجزاء وظهور الإِطلاق ضرورة أن ظهور الإِطلاق يكون معلّقاً على عدم البيان ، وظهورها في ذلك صالح لأن يكون بياناً ، فلا ظهور له مع ظهورها ، فلا يلزم على القول بعدم التداخل تصرف أصلاً ، بخلاف القول بالتداخل كما لا يخفى (3).
فتلخص بذلك ، أن قضية ظاهر الجملة الشرطيّة ، هو القول بعدم التداخل عند تعدَّد الشرط.
وقد انقدح مما ذكرناه ، أن المجدي للقول بالتداخل هو أحد الوجوه
__________________
1 ـ أثبتناها من « ب ».
2 ـ في « أ » : وإلاّ كان بيانا. ولكن شطب عليه المصنف في « ب ».
3 ـ هذا واضح بناءً على ما يظهر من شيخنا العلامة من كون ظهور الإِطلاق معلّقاً على عدم البيان مطلقاً ، ولو كان منفصلاً ، وأما بناءً على ما اخترناه في غير مقام ، من إنّه إنّما يكون معلّقاً على عدم البيان في مقام التخاطب لا مطلقاً ، فالدوران حقيقة بين الظهورين حينئذ وأنّ كان ، إلّا إنّه لا دوران بينهما حكماً ، لأن العرف لا يكاد يشك بعد الاطلاع على تعدَّد القضية الشرطيّة أن قضيته تعدَّد الجزاء ، وإنّه في كلّ قضية وجوب فرد غير ما وجب في الأخرى ، كما إذا اتصلت القضايا وكانت في كلام واحد ، فافهم ( منه 1 ). 
 
التي ذكرناها ، لا مجرد كون الأسباب الشرعية معرفات لا مؤثرات ، فلا وجه لما عن الفخر (1) وغيره ، من ابتناء المسألة على إنّها معرفات أو مؤثرات (2) ، مع أن الأسباب الشرعية حالها حال غيرها ، في كونها معرفات تارةً ومؤثرات أُخرى ، ضرورة أن الشرط للحكم الشرعي في الجمل (3) الشرطيّة ، ربما يكون مما له دخل في ترتب الحكم ، بحيث لولاه لما وجدت له علّة ، كما إنّه في الحكم الغير الشرعي ، قد يكون أمارة على حدوثه بسببه ، وأنّ كان ظاهر التعليق أن له الدخل فيهما ، كما لا يخفى.
نعم ، لو كان المراد بالمعرفية في الأسباب الشرعية إنّها ليست بدواعي الأحكام التي هي في الحقيقة علل لها ، وأنّ كان لها دخل في تحقق موضوعاًتها ، بخلاف الأسباب الغير الشرعية ، فهو وأنّ كان له وجه ، إلّا إنّه مما لا يكاد يتوهم إنّه يجدي فيما همّ وأراد.
ثم إنّه لا وجه للتفصيل (4) بين اختلاف الشروط بحسب الاجناس وعدمه ، واختيار عدم التداخل في الأوّل ، والتداخل في الثّاني ، إلّا توهّم عدم صحة التعلق بعموم اللفظ في الثّاني ، لإنّه من أسماء الاجناس ، فمع تعدَّد أفراد شرط واحد لم يوجد إلّا السبب الواحد ، بخلاف الأوّل ، لكون كلّ منها سبباً ، فلا وجه لتداخلها ، وهو فاسد.
__________________
1 ـ فخر المحققين ابو طالب محمد بن جمال الدين حسن بن يوسف المطهر الحلّي ، ولد سنة 682 ، فاز بدرجة الاجتهاد في السنة العاشرة من عمره الشريف كان والده العلامة يعظمه ويثني عليه ، له كتب منها « غاية السؤل » و « شرح مبادىء الأصول ». توفي سنة 771 ه‍. () روضات الجنات 6 / 230 رقم 591 ).
2 ـ حكى الشيخ الاعظم (ره) نسبته إلى فخر المحققين (ره) واحتمل تبعة النراقي (ره) له في العوائد / مطارح الأنظار / 175 في الهداية 6 من القول في المفهوم والمنطوق.
3 ـ في « ب » : الجملة.
4 ـ المفصل هو ابن إدريس في السرائر / 55 ، عند قوله ( قده ) : فإن سها المصلي في صلاته بما يوجب سجدتي السهو مرّات كثيرة ... الخ.  

 
فإن قضية اطلاق الشرط في مثل ( إذا بلتَ فتوضأ ) هو حدوث الوجوب عند كلّ مرة لو بال مرّات ، وإلاّ فالأجناس المختلفة لا بد من رجوعها إلى واحد ، فيما جعلت شروطا وأسبابا لواحد ، لما مرت إليه الإِشارة ، من أن الاشياء المختلفة بما هي مختلفة لا تكون أسبابا لواحد ، هذا كله فيما إذا كان موضوع الحكم في الجزاء قابلاً للتعدد.
وأما ما لا يكون قابلاً لذلك ، فلابد من تداخل الأسباب ، فيما لا يتأكد المسبب ، ومن التداخل فيه فيما يتأكد.
فصل
الظاهر إنّه لا مفهوم للوصف وما بحكمه مطلقاً ، لعدم ثبوت الوضع ، وعدم لزوم اللغوية بدونه ، لعدم انحصار الفائدة به ، وعدم قرينة أُخرى ملازمة له ، وعلّيته فيما إذا استفيدت غير مقتضية له ، كما لا يخفى ، ومع كونها بنحو الانحصار وأنّ كانت مقتضية له ، إلّا إنّه لم يكن من مفهوم الوصف ، ضرورة إنّه قضية العلة الكذائية المستفادة من القرينة عليها في خصوص مقام ، وهو مما لا إشكال فيه ولا كلام ، فلا وجه لجعله تفصيلا في محلّ النزاع ، وموردا للنقض والابرام.
ولا ينافي ذلك ما قيل من أن الأصل في القيد أن يكون احترازيا ، لأن الاحترازية لا توجب إلّا تضييق دائرة موضوع الحكم في القضية ، مثل ما إذا كان بهذا الضيق بلفظ واحد ، فلا فرق أن يقال : (جئني بإنسان ) أو ( بحيوان ناطق ) ، كما إنّه لا يلزم في حمل المطلق على المقيد ، فيما وجد شرائطه إلّا ذلك ، من دون حاجة فيه إلى دلالته على المفهوم ، فإنّه من المعلوم أن قضية الحمل ليس إلّا أن المراد بالمطلق هو المقيد ، وكأنه لا يكون في البين غيره ، بل ربما قيل (1) :
__________________
1 ـ مطارح الأنظار / 183. 
 
إنّه لا وجه للحمل لو كان بلحاظ المفهوم ، فإن ظهوره فيه ليس بأقوى من ظهور المطلق في الإِطلاق ، كي يحمل عليه ، لو لم نقل بإنّه الأقوى ، لكونه بالمنطوق ، كما لا يخفى.
وأما الاستدلال على ذلك ـ أيّ عدم الدلالة على المفهوم ـ بآية ( وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم ) (1) ففيه أن الاستعمال في غيره أحياناً مع القرينة مما لا يكاد ينكر ، كما في الآية قطعاً ، مع إنّه يعتبر في دلالته عليه عند القائل بالدلالة ، أن لا يكون وارداً مورد الغالب كما في الآية ، ووجه الاعتبار واضح ، لعدم دلالته معه على الاختصاص ، وبدونها لا يكاد يتوهم دلالته على المفهوم ، فافهم.
تذنيب : لا يخفى إنّه لا شبهة في جريان النزاع ، فيما إذا كان الوصف أخص من موصوفه ولو من وجه ، في مورد الافتراق من جانب الموصوف ، وأما في غيره ، ففي جريإنّه إشكال أظهره عدم جريإنّه ، وأنّ كان يظهر مما عن بعضٍ الشافعية (2) ، حيث قال : ( قولنا في الغنم السائمة زكاة ، يدلّ على عدم الزكاة في معلوفة الابل ) جريإنّه فيه ، ولعل وجهه استفادة العلّية المنحصرة منه.
وعليه فيجري فيما كان الوصف مساوياً أو أعم مطلقاً أيضاً ، فيدل على انتفاء سنخ الحكم عند انتفائه ، فلا وجه في التفصيل بينهما وبين ما إذا كان أخص من وجه (3) ، فيما إذا كان الافتراق من جانب الوصف ، بإنّه لا وجه للنزاع فيهما ، معللا بعدم الموضوع ، واستظهار جريإنّه من بعضٍ الشافعية فيه ، كما لا يخفى ، فتأمل جيداً.
__________________
1 ـ النساء / 23.
2 ـ راجع المنخول للغزالي / 222 ، في مسائل المفهوم ، عند قوله : ( كقوله : في عوامل الابل زكاة ... الخ ).
3 ـ التفصيل للشيخ ، مطارح الأنظار 182 ، عند قوله قده : ثم إن الوصف قد يكون مساوياً ... الخ. 

 
فصل
هل الغاية في القضية تدلّ على ارتفاع الحكم عما بعد الغاية ، بناءً على دخول الغاية في المغّيا ، أو عنها وبعدها ، بناءً على خروجها ، أو لا؟
فيه خلاف ، وقد نسب (1) إلى المشهور الدلالة على الارتفاع ، وإلى جماعة منهم السيد (2) والشيخ (3) ، عدم الدلالة عليه.
والتحقيق : إنّه إذا كانت الغاية بحسب القواعد العربية قيداً للحكم ، كما في قوله : ( كلّ شيء حلال حتى تعرف إنّه حرام ) (4) ، و ( كلّ شيء طاهر حتى تعلم إنّه قذر ) (5) ، كانت دالّة على ارتفاعه عند حصولها ، لانسباق ذلك منها ، كما لا يخفى ، وكونه قضية تقييده بها ، وإلاّ لما كان ما جعل غاية له بغاية ، وهو واضح إلى النهاية.
وأما إذا كانت بحسبها قيداً للموضوع ، مثل ( سر من البصرة إلى
__________________
1 ـ كما في مطارح الأنظار / 186 ، في مفهوم الغاية ، المقام الثاني.
2 ـ الذريعة 1 / 407 ، في عدم الفرق بين الوصف والغاية.
3 ـ راجع عدة الأصول 2 / 24 ، تعليق الحكم بالغاية.
هو ابو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي ، ولد سنة 385 ، قدم العراق سنة 408 ه‍ ، تتلمذ على الشيخ المفيد والسيد المرتضى وابي الحسين علي بن احمد بن محمد بن ابي الجيد القمي ، ثم هاجر إلى مشهد امير المؤمنين (ع) خوفاً من الفتنة التي تجددت ببغداد واحرقت كتبه وكرسي درسه ، بقي في النجف إلى ان توفي سنة 460 ه‍ له مصنفات كثيرة منها : « التبيان » و « التهذيب » و « الاستبصار » و « المبسوط » و « الخلاف » و « العدة » في الأصول. ( الكنى والالقاب 2 / 357 )
4 ـ الكافي : 5 / 313. الحديث 40 من باب النوادر ، كتاب المعيشة. باختلاف يسير.
5 ـ التهذيب : 1 / 284. الحديث 119. باختلاف يسير. 
 
الكوفة ) ، فحالها حال الوصف في عدم الدلالة ، وأنّ كان تحديده بها بملاحظة حكمه وتعلق الطلب به ، وقضيته ليس إلّا عدم الحكم فيها إلّا بالمغيّا ، من دون دلالة لها أصلاً على انتفاء سنخه عن غيره ، لعدم ثبوت وضع لذلك ، وعدم قرينة ملازمة لها ولو غالباً ، دلت على اختصاص الحكم به ، وفائدة التحديد بها كسائر أنحاء التقييد ، غير منحصرة بإفادته كما مرّ في الوصف.
ثم إنّه في الغاية خلاف آخر ، كما أشرنا إليه ، وهو إنّها هل هي داخلة في المغيّا بحسب الحكم ، أو خارجة عنه؟ والاظهر خروجها ، لكونها من حدوده ، فلا تكون محكومة بحكمه ، ودخوله فيه في بعضٍ الموارد إنّما يكون بالقرينة ، وعليه تكون كما بعدها بالنسبة إلى الخلاف الأوّل ، كما إنّه على القول الآخر تكون محكومة بالحكم منطوقاً ، ثم لا يخفى أن هذا الخلاف لا يكاد يعقل جريإنّه فيما إذا كان قيداً للحكم ، فلا تغفل (1).
فصل
لا شبهة في دلالة الاستثناء على اختصاص الحكم ـ سلباً أو إيجاباً ـ بالمستثنى منه ولا يعم المستثنى ، ولذلك يكون الاستثناء من النفي إثباتاً ، ومن الإِثبات نفياً ، وذلك للانسباق عند الإِطلاق قطعاً ، فلا يعبأ بما عن أبي حنيفة (2) من عدم الإِفادة ، محتجاً بمثل ( لا صلاة إلّا بطهور ) ضرورة ضعف احتجاجه :
__________________
1 ـ حيث أن المغيّا حينئذ هو نفس الحكم ، لا المحكوم به ليصحّ أن ينازع في دخول الغاية في حكم المغيّا ، أو خارج عنه ، كما لا يخفى ، نعم يعقل أن ينازع في أن الظاهر هل هو انقطاع الحكم المغيّا بحصول غايته [ في ] الاصطلاح ، أيّ مدخول إلى أو حتى. أو استمراره في تلك الحال ، ولكن الأظهر هو انقطاعه ، فافهم واستقم ، ( منه 1 ).
2 ـ راجع شرح مختصر الأصول للعضدي / 265 ، والتقرير والتحبير 1 / 313.
 
 
أولا : يكون المراد من مثله (1) إنّه لا تكون الصلاة التي كانت واجدة لاجزائها وشرائطها المعتبرة فيها صلاة ، إلّا إذا كانت واجدة للطهارة ، وبدونها لا تكون صلاة على وجه ، وصلاة تامة مأموراً بها على آخر.
وثانياً : بأن الاستعمال مع القرينة ، كما في مثل التركيب ، مما علم فيه الحال لا دلالة له على مدعاه أصلاً ، كما لا يخفى.
ومنه قد انقدح (2) إنّه لا موقع للاستدلال على المدَّعى ، بقبول رسول الله 9 إسلام من قال كلمة التوحيد ، لإمكان دعوى أن دلالتها على التوحيد كان بقرينة الحال أو المقال.
والاشكال في دلالتها عليه ـ بأن خبر ( لا ) امّا يقدّر ( ممكن ) أو ( موجود ) وعلى كلّ تقدير لا دلالة لها عليه ، امّا على الأوّل : فإنّه (3) حينئذ لا دلالة لها إلّا على إثبات إمكان وجوده تبارك وتعالى ، لا وجوده ، وأما على الثّاني : فلأنها وأنّ دلت على وجوده تعالى ، إلّا إنّه لا دلالة لها على عدم إمكان إله آخر ـ مندفع ، بأن المراد من الاله هو واجب الوجود ؛ ونفي ثبوته ووجوده في الخارج ، وإثبات فرد منه فيه ـ وهو الله ـ يدلّ بالملازمة البينة على امتناع تحققه في ضمن غيره تبارك وتعالى ، ضرورة إنّه لو لم يكن ممتنعا لوجد ، لكونه من أفراد الواجب.
__________________
أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي الكوفي ولد عام 80 ه‍ ، امام الحنفية ،ـ احد الأئمة الأربعة عند اهل السنة ، قيل اصله من ابناء فارس ، ولد ونشأ بالكوفة ، وكان يبيع الخز ويطلب العلم في صباه ثم انقطع للتدريس والافتاء ، توفي ببغداد عام 150 ه‍ ( ) الكنى والالقاب 1 / 50 )
1 ـ بل المراد من مثله في المستثنى منه نفي الإِمكان ، وإنّه لا يكاد يكون بدون المستثنى ، قضيته ليس إلّا إمكان ثبوته معه لا ثبوته فعلاً ، لما هو واضح لمن راجع أمثاله من القضايا العرفية ، منه ( 1 ).
2 ـ ردّ على صاحب الفصول والشيخ 1 أنظر الفصول / 195 ، مطارح الأنظار / 187
3 ـ في « ب » فلإنّه. 
 
ثم إن الظاهر أن دلالة الاستثناء على الحكم في طرف المستثنى بالمفهوم ، وإنّه لازم خصوصية الحكم في جانب المستثنى منه التي دلت عليها الجملة الاستثنائية ، نعم لو كانت الدلالة في طرفه بنفس الاستثناء لا بتلك الجملة ، كانت بالمنطوق ، كما هو ليس ببعيد ، وأنّ كان تعيين ذلك لا يكاد يفيد.
ومما يدلّ على الحصر والاختصاص ( إنّما ) ، وذلك لتصريح أهل اللغة بذلك ، وتبادره منها قطعاً عند أهل العرف والمحاورة.
ودعوى ـ أن الإِنصاف (1) إنّه لا سبيل لنا إلى ذلك ، فإن موارد استعمال هذه اللفظة مختلفة ، ولا يعلم بما هو مرادف لها في عرفنا ، حتى يستكشف منها (2) ما هو المتبادر منها ـ غير مسموعة ، فإن السبيل إلى التبادر لا ينحصر بالانسباق إلى أذهاننا ، فإن الانسباق إلى أذهان أهل العرف أيضاً سبيل.
وربما يعد مما دلّ على الحصر ، كلمة ( بل ) الإِضرابية.
والتحقيق أن الإِضراب على أنحاء :
منها : ماكان لأجل أن المضرب عنه ، إنّما أتى به غفلة أو سبقه به لسإنّه ، فيضرب بها عنه إلى ما قصد بيإنّه ، فلا دلالة له على الحصر أصلاً ، فكإنّه أتى بالمضرب إليه ابتداء ، كما لا يخفى.
ومنها : ما كان لأجل التأكيد ، فيكون ذكر المضرب عنه كالتوطئة والتمهيد لذكر المضرب إليه ، فلا دلالة له عليه أيضاً.
ومنها : ما كان في مقام الردع ، وإبطال ما أثبت أولاً ، فيدل عليه (3) وهو
__________________
1 ـ المدعي هو الشيخ ( قدس ) مطارح الأنظار / 188.
2 ـ في « ب » : منه.
3 ـ إذا كان بصدد الردع عنه ثبوتاً ، وأما إذا كان بصدده إثباتاً ، كما إذا كان مثلاً بصدد بيان إنّه إنّما أثبته أولاً بوجه لا يصحّ معه الإِثبات اشتباها ، فلا دلالة له على الحصر أيضاً ، فتأمل جيداً ( منه 1 )  

 
واضح.
ومما يفيد الحصر ـ على ما قيل ـ تعريف المسند إليه باللام.
والتحقيق إنّه لا يفيده إلّا فيما اقتضاه المقام ، لأن الأصل في اللام أن تكون لتعريف الجنس ، كما أن الأصل في الحمل في القضايا المتعارفة ، هو الحمل المتعارف الذي ملاكه مجرد الاتحاد في الوجود ، فإنّه الشائع فيها ، لا الحمل الذاتي الذي ملاكه الاتحاد بحسب المفهوم ، كما لا يخفى ، وحمل شيء على جنس وماهية كذلك ، لا يقتضي اختصاص تلك الماهية به وحصرها عليه ، نعم ، لو قامت قرينة على أن اللام للاستغراق ، أو أن مدخوله أخذ بنحو الإرسال والإِطلاق ، أو على أن الحمل عليه كان ذاتيا لاُفيد حصر مدخوله على محموله واختصاصه به.
وقد انقدح بذلك الخلل في كثير من كلمات الأعلام في المقام ، وما وقع منهم من النقض والإبرام ، ولا نطيل بذكرها فإنّه بلا طائل ، كما يظهر للمتأمل ، فتأمل جيداً.
فصل لا دلالة للقب ولا للعدد على المفهوم ، وانتفاء سنخ الحكم عن غير موردهما أصلاً ، وقد عرفت أن انتفاء شخصه ليس بمفهوم ، كما أن قضية التقييد بالعدد منطوقاً عدم جواز الاقتصار على ما دونه ، لإنّه ليس بذاك الخاص والمقيد ، وأما الزيادة فكالنقيصة إذا كان التقييد به للتحديد بالإضافة إلى كلاّ طرفيه ، نعم لو كان لمجرد التحديد بالنظر إلى طرفه الأقلّ لما كان في الزيادة ضير أصلاً ، بل ربما كان فيها فضيلة وزيادة ، كما لا يخفى.
وكيف كان ، فليس عدم الاجتزاء بغيره من جهة دلالته على المفهوم ، بل إنّما يكون لأجل عدم الموافقة مع ما أخذ في المنطوق ، كما هو معلوم.
 

ادامه نوشته

اصول فقه

کفاية الاصول - قسمت دوم

ومن هنا ظهر الحال في مثل ( زيد ضارب أمس ) وإنّه داخل في محلّ الخلاف والاشكال. ولو كانت لفظة ( أمس ) أو ( غد ) قرينة على تعيين زمان النسبة والجري أيضاً كان المثالان حقيقة.
وبالجملة : لا ينبغي الإِشكال في كون المشتق حقيقة ، فيما إذا جرى على الذات ، بلحاظ حال التلبس ، ولو كان في المضي أو الاستقبال ، وإنما الخلاف في كونه حقيقة في خصوصه ، أو فيما يعم ما إذا جرى عليها في الحال بعد ما انقضى عنه التلبس ، بعد الفراغ عن كونه مجازاً فيما إذا جرى عليها فعلاً بلحاظ التلبس في الاستقبال ، ويؤيّد ذلك اتفاق أهل العربية على عدم دلالة الاسم على الزمان ، ومنه الصفات الجارية على الذوات ، ولا ينافيه اشتراط العمل في بعضها بكونه بمعنى الحال ، أو الاستقبال ؛ ضرورة أن المراد الدلالة على أحدهما بقرينة ، كيف لا؟ وقد اتفقوا على كونه مجازاً في الاستقبال.
لا يقال : يمكن أن يكون المراد بالحال في العنوان زمإنّه ، كما هو الظاهر منه عند إطلاقه ، وادعي إنّه الظاهر في المشتقات ، امّا لدعوى الانسباق من الإِطلاق ، أو بمعونة قرينة الحكمة.
لأنا نقول : هذا الانسباق ، وأنّ كان مما لا ينكر ، إلّا إنّهم في هذا العنوان بصدد تعيين ما وضع له المشتق ، لا تعيين ما يراد بالقرينة منه. 
 
سادسها : إنّه لا أصل في نفس هذه المسألة يعوّل عليه عند الشك ، وأصالة عدم ملاحظة الخصوصية ، مع معارضتها بأصالة عدم ملاحظة العموم ، لا دليل على اعتبارها في تعيين الموضوع له.
وأما ترجيح الاشتراك المعنوي على الحقيقة والمجاز. إذا دار الأمر بينهما لأجل الغلبة ، فممنوع ؛ لمنع الغلبة أولاً ، ومنع نهوض حجة على الترجيح بها ثانياً.
وأما الأصل العملي فيختلف في الموارد ، فأصالة البراءة في مثل ( أَكرم كلّ عالم ) تقتضي عدم وجوب إكرام ما انقضى (1) عنه المبدأ قبل الإِيجاب ، كما أن قضية الاستصحاب وجوبه لو كان الإِيجاب قبل الانقضاء.
فإذا عرفت ما تلونا عليك ، فاعلم أن الأقوال في المسألة وأنّ كثرت ، إلّا إنّها حدثت بين المتأخرين ، بعد ما كانت ذات قولين بين المتقدّمين ، لأجل توهّم اختلاف المشتق باختلاف مبادئه في المعنى ، أو بتفاوت ما يعتريه من الأحوال ، وقد مرت الإِشارة (2) إلى إنّه لا يوجب التفاوت فيما نحن بصدده ، ويأتي له مزيد بيان في أثناء الاستدلال على ما هو المختار ، وهو اعتبارٍ التلبس في الحال ، وفاقاً لمتأخري الأصحاب والاشاعرة ، وخلافاً لمتقدميهم والمعتزلة ، ويدل عليه تبادر خصوص المتلبس بالمبدأ في الحال ، وصحة السلب مطلقاً عما انقضى عنه ، كالمتلبس به في الاستقبال ، وذلك لوضوح أن مثل : القائم والضارب والعالم ، وما يرادفها من سائر اللغات ، لا يصدق على من لم يكن متلبساً بالمبادىء ، وأنّ كان متلبسا بها قبل الجري والانتساب ، ويصحّ سلبها عنه ، كيف؟ وما يضادها بحسب ما ارتكز من معناها في الأذهان يصدق عليه ، ضرورة صدق القاعد عليه في حال تلبسه بالقعود ، بعد انقضاء تلبسه بالقيام ، مع وضوح التضاد بين القاعد والقائم بحسب ما ارتكز لهما من المعنى ، كما لا يخفى.
__________________
1 ـ في« ب» : من انقضى.
2 ـ تقدم في الأمر الرابع ، صفحة 43. 
 
وقد يقرَّر هذا وجهاً على حدة ، ويقال (1) : لا ريب في مضادة الصفات المتقابلة المأخوذة من المبادىء المتضادة ، على ما ارتكز لها من المعاني ، فلو كان المشتق حقيقة في الأعم ، لما كان بينها مضادة بل مخالفة ، لتصادقها فيما انقضى عنه المبدأ وتلبس بالمبدأ الآخر.
ولا يرد على هذا التقرير ما أورده بعضٍ الأجلّة (2) من المعاصرين ، من عدم التضاد على القول بعدم الاشتراط ، لما عرفت من ارتكازه بينها ، كما في مبادئها.
إن قلت : لعل ارتكازها لأجل الانسباق من الإِطلاق ، لا الاشتراط.
قلت : لا يكاد يكون لذلك ، لكثرة استعمال المشتق في موارد الانقضاء ، لو لم يكن بأكثر.
إن قلت : على هذا يلزم أن يكون في الغالب أو الأغلب مجازاً ، وهذا بعيد ، ربما لا يلائمه حكمة الوضع.
لا يقال : كيف؟ وقد قيل : بأن أكثر المحاورات مجازات. فإن ذلك لو سلّم ، فإنما هو لأجل تعدَّد المعاني المجازية بالنسبة إلى المعنى الحقيقي الواحد. نعم ربما يتفق ذلك بالنسبة إلى معنى مجازي ، لكثرة الحاجة إلى التعبير عنه. لكن أين هذا مما إذا كان دائماً كذلك؟ فافهم.
__________________
1 ـ البدائع / 181 ، في المشتق.
2 ـ المراد من بعضٍ الأجلّة ، هو صاحب البدائع ، البدائع / 181.
الشيخ الميرزا حبيب الله بن الميرزا محمد علي خان القوجاني الرشتي ، ولد عام 1234 ه‍ ، حضر بحث صاحب الجواهر والشيخ الانصاري ، كان من أكابر علماء عصره ، أعرض عن الرئاسة ولم يرض أن يقلّده أحد لشدّة توّرعه في الفتوى ، ولم يتصدّ للوجوه ، له تصانيف كثيرة منها « بدائع الأصول » و « شرح الشرائع » و « كاشف الظلام في علم الكلام » وغيرها ، توفي ليلة الخميس 14 / ج 2 عام 1312 ه‍ ودفن في النجف الاشرف.
( طبقات أعلام الشيعة ، نقباء البشر 1 / 357 رقم 719 ) 
 
قلت : مضافاً إلى أن مجرد الاستبعاد غير ضائر بالمراد ، بعد مساعدة الوجوه المتقدمة عليه ، إن ذلك إنّما يلزم لو لم يكن استعماله فيما انقضى بلحاظ حال التلبس ، مع إنّه بمكان من الإِمكان ، فيراد من ( جاء الضارب أو الشارب ) ـ وقد انقضى عنه الضرب والشرب ـ جاء الذي كان ضاربا وشارباً قبل مجيئه حال التلبس بالمبدأ ، لا حينه بعد الانقضاء ، كي يكون الاستعمال بلحاظ هذا الحال ، وجعله معنوناً بهذا العنوان فعلاً بمجرد تلبسه قبل مجيئه ، ضرورة إنّه لو كان للأعم لصحّ استعماله بلحاظ كلاّ الحالين.
وبالجملة : كثرة الاستعمال في حال الانقضاء تمنع عن دعوى انسباق خصوص حال التلبس من الإِطلاق ، إذ مع عموم المعنى وقابلية كونه حقيقة في المورد ـ ولو بالانطباق ـ لا وجه لملاحظة حالة أُخرى ، كما لا يخفى ، بخلاف ما إذا لم يكن له العموم ، فإن استعماله ـ حينئذ ـ مجازاً بلحاظ حال الانقضاء وأنّ كان ممكناً ، إلّا إنّه لما كان بلحاظ حال التلبس على نحو الحقيقة بمكان من الإِمكان ، فلا وجه لاستعماله وجريه على الذات مجازاً وبالعناية وملاحظة العلاقة ، وهذا غير استعمال اللفظ فيما لا يصحّ استعماله فيه حقيقة ، كما لا يخفى ، فافهم.
ثم إنّه ربما أورد (1) على الاستدلال بصحة السلب ، بما حاصله : إنّه إن أُريد بصحة السلب صحته مطلقاً ، فغير سديد ، وأنّ أُريد مقيداً ، فغير مفيد ، لأن علامة المجاز هي صحة السلب المطلق.
وفيه : إنّه إن أُريد بالتقييد ، تقييد المسلوب الذي يكون سلبه أعم من سلب المطلق ـ كما هو واضح ـ فصحة سلبه وأنّ لم تكن علامة على كون المطلق مجازاً فيه ، إلّا أن تقييده ممنوع ؛ وأنّ أُريد تقييد السلب ، فغير ضائر بكونها علامة ، ضرورة صدق المطلق على أفراده على كلّ حال ، مع إمكان
__________________
1 ـ البدائع / 180 ، في المشتق.
 
منع تقييده أيضاً ، بأن يلحظ حال الانقضاء في طرف الذات الجاري عليها المشتق ، فيصحّ سلبه مطلقاً بلحاظ هذا الحال ، كما لا يصحّ سلبه بلحاظ حال التلبس ، فتدبرّ جيداً.
ثم لا يخفى إنّه لا يتفاوت (1) في صحة السلب عما انقضى عنه المبدأ ، بين كون المشتق لازماً وكونه متعدياً ، لصحة سلب الضارب عمن يكون فعلاً غير متلبس بالضرب ، وكان متلبسا به سابقاً ، وأما إطلاقه عليه في الحال ، فان كان بلحاظ حال التلبس ، فلا إشكال كما عرفت ، وأنّ كان بلحاظ الحال ، فهو وأنّ كان صحيحاً إلّا إنّه لا دلالة على كونه بنحو الحقيقة ، لكون الاستعمال أعم منها كما لا يخفى.
كما لا يتفاوت في صحة السلب عنه ، بين تلبسه بضد المبدأ وعدم تلبسه ، لما عرفت من وضوح صحته مع عدم التلبس ـ أيضاً ـ وأنّ كان معه أوضح.
ومما ذكرنا ظهر حال كثير من التفاصيل ، فلا نطيل بذكرها على التفصيل.
حجة القول بعدم الاشتراط وجوه :
الأول : التبادر.
وقد عرفت أن المتبادر هو خصوص حال التلبس.
الثاني : عدم صحة السلب في مضروب ومقتول ، عمن انقضى عنه المبدأ.
وفيه : إن عدم صحته في مثلهما ، إنّما هو لأجل إنّه أُريد من المبدأ
معنى يكون التلبس به باقياً في الحال ، ولو مجازاً. وقد انقدح من بعضٍ المقدّمات إنّه لا يتفاوت الحال فيما هو المهمّ في محلّ البحث والكلام ومورد النقض والأبرام ، اختلاف ما يراد من المبدأ في كونه حقيقة أو مجازاً ؛ وأما لو أُريد منه نفس ما وقع على الذات ، مما صدر
__________________
1 ـ التفصيل لصاحب الفصول ، الفصول / 60 ، فصل حول إطلاق المشتق. 
 
عن الفاعل ، فإنما لا يصحّ السلب فيما لو كان بلحاظ حال التلبس والوقوع ـ كما عرفت ـ لا بلحاظ الحال أيضاً ، لوضوح صحة أن يقال : إنّه ليس بمضروب الآن ، بل كان.
الثالث : استدلال الامام _ 7 _ تأسيا بالنبي ـ صلوات الله عليه وآله ـ كما عن غير واحد من الإخبار (1) بقوله تعالي : ( لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (2) على عدم لياقة من عبد صنماً أو وثنا لمنصب الإمامة والخلافة ، تعريضاً بمن تصدى لها ممن عبد الصنم مدة مديدة ، ومن الواضح توقف ذلك على كون المشتق موضوعاً للأعم ، وإلاّ لما صحّ التعريض ، لانقضاء تلبسهم بالظلم وعبادتهم للصنم حين التصدي للخلافة.
والجواب منع التوقف على ذلك ، بل يتم الاستدلال ولو كان موضوعاً لخصوص المتلبس.
وتوضيح ذلك يتوقف على تمهيد مقدّمة ، وهي : إن الأوصاف العنوانية التي تؤخذ في موضوعاًت الأحكام ، تكون على أقسام :
أحدها : أن يكون أخذ العنوان لمجرد الإِشارة إلى ما هو في الحقيقة موضوعاً للحكم ، لمعهوديته بهذا العنوان ، من دون دخل لاتصافه به في الحكم أصلاً.
ثانيها : أن يكون لأجل الإِشارة إلى علية المبدأ للحكم ، مع كفاية مجرد صحة جري المشتق عليه ، ولو فيما مضى.
ثالثها : أن يكون لذلك مع عدم الكفاية ، بل كان الحكم دائراً مدار صحة الجري عليه ، واتّصافه به حدوثاً وبقاء.
إذا عرفت هذا فنقول : إن الاستدلال بهذا الوجه إنّما يتم ، لو كان أخذ العنوان في الآية الشريفة على النحو الأخير ، ضرورة إنّه لو لم يكن المشتق
__________________
1 ـ الكافي 1/175 ، باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمة ، الحديث 1.
2 ـ البقرة / 124. 
 
للأعم ، لما تم بعد عدم التلبس بالمبدأ ظاهراً حين التصدي ، فلا بدّ أن يكون للأعم ، ليكون حين التصدي حقيقة من الظالمين ، ولو انقضى عنهم التلبس بالظلم. وأما إذا كان على النحو الثّاني ، فلا ، كما لا يخفى.
ولا قرينة على إنّه على النحو الأوّل ، لو لم نقل بنهوضها على النحو الثّاني ، فإن الآية الشريفة في مقام بيان جلالة قدر الامامة والخلافة وعظم خطرها ، ورفعة محلها ، وأنّ لها خصوصية من بين المناصب الإلهية ، ومن المعلوم أن المناسب لذلك ، هو أن لا يكون المتقمص بها متلبساً بالظلم أصلاً ، كما لا يخفى.
إن قلت : نعم ، ولكن الظاهر أن الإمام 7 إنّما استدل بما هو قضية ظاهر العنوان وضعاً ، لا بقرينة المقام مجازاً ، فلا بدّ أن يكون للأعم ، وإلاّ لما تم.
قلت : لو سلّم ، لم يكن يستلزم جري المشتق على النحو الثّاني كونه مجازاً ، بل يكون حقيقة لو كان بلحاظ حال التلبس كما عرفت. فيكون معنى الآية ، والله العالم : من كان ظالماً ولو آناً في زمان سابق (1) لا ينال عهدي أبداً ، ومن الواضح أن إرادة هذا المعنى لا تستلزم الاستعمال ، لا بلحاظ حال التلبس.
ومنه قد انقدح ما في الاستدلال على التفصيل بين المحكوم عليه والمحكوم به ، باختيار عدم الاشتراط في الأوّل ، بآية حد السارق والسارقة ، والزاني والزانية ، وذلك حيث ظهر إنّه لا ينافي إرادة خصوص حال التلبس دلالتها على ثبوت القطع والجلد مطلقاً ، ولو بعد انقضاء المبدأ ، مضافاً إلى
__________________
1 ـ في « ب » : السابق. 
 
وضوح بطلان تعدَّد الوضع ، حسب وقوعه محكوماً عليه أو به ، كما لا يخفى.
ومن مطاوي ما ذكرنا ـ ها هنا وفي المقدّمات ـ ظهر حال سائر الأقوال ، وما ذكر لها من الاستدلال ، ولا يسع المجال لتفصيلها ، ومن أراد الاطلاع عليها فعليه بالمطولات.
بقي اُمور :
الأول : إن مفهوم المشتق ـ على ما حققه المحقق الشريف (1) في بعضٍ حواشيه (2) ـ : بسيط منتزع عن الذات ـ باعتبار تلبسها بالمبدأ واتصافها به ـ غير مركب. وقد أفاد في وجه ذلك : أن مفهوم الشيء لا يعتبر في مفهوم الناطق مثلاً ، وإلاّ لكان العرض العام داخلا في الفصل ، ولو اعتبر فيه ما صدق عليه الشيء ، انقلبت مادة الإِمكان الخاص ضرورة ، فإن الشيء الذي له الضحك هو الإانسان ، وثبوت الشيء لنفسه ضروري. هذا ملخص ما أفاده الشريف ، على ما لخصه بعضٍ الأعاظم (3).
وقد أورد عليه في الفصول (4) ، بإنّه يمكن أن يختار الشق الأوّل ، ويدفع الإِشكال بأن كون الناطق ـ مثلاً ـ فصلاً ، مبني على عرفّ المنطقيين ،
__________________
1 ـ المير سيد علي بن محمّد بن علي الحسيني الاسترابادي ، ولد المحقق الشريف سنة 740 ه‍ بجرجان وكان متكلماً بارعاً ، باهراً في الحكمة والعربية ، روى عن جماعة منهم العلامة قطب الدين الرازي ، واخذ منه العلامة المذكور ، له شرح المطالع وشرح على مواقف القاضي عضد الايجي في علم أصول الكلام ،عده القاضي نور الله من حكماء الشيعة وعلمائها. وتوفي في شيراز سنة 816 ه‍. ( الكنى والالقاب 2 / 358 ).
2 ـ في حاشيته على شرح المطالع عند قول الشارح : إلّا أن معناه شيء له المشتق منه ... الخ ، شرح المطالع / 11.
3 ـ الفصول / 61 ، التنبيهات.
4 ـ الفصول / 61 ، التنبيهات. 
 
حيث اعتبروه مجردا عن مفهوم الذات ، وذلك لا يوجب وضعه لغةً كذلك.
وفيه : إنّه من المقطوع أن مثل الناطق قد اعتبر فصلاً بلا تصرف في معناه أصلاً ، بل بماله من المعنى ، كما لا يخفى.
والتحقيق أن يقال إن مثل الناطق ليس بفصل حقيقي ، بل لازم ما هو الفصل وأظهر خواصه ، وإنما يكون فصلاً مشهورياً منطقياً يوضع مكإنّه إذا لم يعلم نفسه ، بل لا يكاد يعلم ، كما حقق في محله ، ولذا ربما يجعل لازمان مكإنّه إذا كانا متساويين النسبة إليه ، كالحساس والمتحرك بالإِرادة في الحيوان ، وعليه فلا بأس بأخذ مفهوم الشيء في مثل الناطق ، فإنّه وأنّ كان عرضاً عاماً ، لا فصلاً مقوماً للإنسان ، إلّا إنّه بعد تقييده بالنطق واتّصافه به كان من أظهر خواصه.
وبالجملة لا يلزم من أخذ مفهوم الشيء في معنى المشتق ، إلّا دخول العرض في الخاصة التي هي من العرضي ، لا في الفصل الحقيقي الذي هو من الذاتي ، فتدبرّ جيداً.
ثم قال : إنّه يمكن أن يختار الوجه الثّاني أيضاً ، ويجاب بأن المحمول ليس مصداق الشيء والذات مطلقاً ، بل مقيداً بالوصف ، وليس ثبوته للموضوع حينئذٍ بالضرورة ، لجواز أن لا يكون ثبوت القيد ضرورياً. انتهى.
ويمكن أن يقال : إن عدم كون ثبوت القيد ضرورياً لا يضر بدعوى الانقلاب ، فإن المحمول إن كان ذات المقيد وكان القيد خارجاً ، وأنّ كان التقييّد داخلاً بما هو معنى حرفي ، فالقضية لا محالة تكون ضرورية ، ضرورة ضرورية ثبوت الإانسان الذي يكون مقيداً بالنطق للإنسان وأنّ كان المقيد به بما هو مقيد على أن يكون القيد داخلاً ، فقضية ( الإانسان ناطق ) تنحل في الحقيقة إلى قضيتين إحداهما قضية ( الإانسان إنسان ) وهي
 
ضرورية ، والأخرى قضية ( الإانسان له النطق ) وهي ممكنة ، وذلك لأن الاوصاف قبل العلم بها أخبار كما أن الإخبار بعد العلم تكون أوصافاً ، فعقد الحمل ينحل إلى القضية ، كما أن عقد الوضع ينحل إلى قضية مطلقة عامة عند الشيخ ، وقضية ممكنة عند الفارابي (1) ، فتأمل.
لكنه 1 تنظر فيما أفاده بقوله : وفيه نظر لأن الذات المأخوذة مقيدة بالوصف قوة أو فعلاً ، إن كانت مقيدة به واقعاً صدق الإِيجاب بالضرورة وإلاّ صدق السلب بالضرورة ، مثلاً : لا يصدق زيد كاتب بالضرورة لكن يصدق ( زيد الكاتب (2) بالقوة أو بالفعل [ كاتب ] بالضرورة ). انتهى.
ولا يذهب عليك أن صدق الإِيجاب بالضرورة ، بشرط كونه مقيداً به واقعاً لا يصحح دعوى الانقلاب إلى الضرورية ، ضرورة صدق الإِيجاب بالضرورة بشرط المحمول في كلّ قضية ولو كانت ممكنة ، كما لا يكاد يضر بها صدق السلب كذلك ، بشرط عدم كونه مقيداً به واقعاً ، لضرورة السلب بهذا الشرط ، وذلك لوضوح أن المناط في الجهات ومواد القضايا ، إنّما هو بملاحظة أن نسبة هذا المحمول إلى ذلك الموضوع موجهة بأي جهة منها ، ومع أية منها في نفسها صادقة ، لا بملاحظة ثبوتها له واقعاً أو عدم ثبوتها له كذلك ، وإلاّ كانت الجهة منحصرة بالضرورة ، ضرورة صيرورة الإِيجاب أو السلب ـ بلحاظ الثبوت وعدمه ـ واقعاً ضرورياً ، ويكون من باب الضرورة
__________________
1 ـ أبو نصر محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلغ الحكيم المشهور ، صاحب التصانيف في الفلسفة والمنطق والموسيقى وغيرها من العلوم ، أقام ببغداد برهة ثم ارتحل إلى مدينة حرَّان ثم رجع إلى بغداد ثم سافر إلى دمشق ثم إلى مصر ، ثم عاد إلى دمشق وأقام بها وسلطإنّها يومئذٍٍ سيف الدولة بن حمدان ، ويحكى أن الآلة المسماة « القانون » من وضعه ، وكان منفرداً بنفسه لا يجالس الناس ، أكثر تصانيفه فصول وتعاليق ، توفي عام 339 بدمشق وقد ناهز ثمانين سنة وصلّى عليه سيف الدولة ودفن بظاهر دمشق. ( وفيات الأعيان 5 / 153 رقم 701 ).
2 ـ أثبتناها من ( ب ) 
 
بشرط المحمول.
وبالجملة : الدعوى هو انقلاب مادة الإِمكان بالضرورة ، فيما ليست مادته واقعاً في نفسه وبلا شرط غير الأمكان.
وقد انقدح بذلك عدم نهوض ما أفاده ; بإبطال الوجه الأوّل ، كما زعمه 1 ، فإن لحوق مفهوم الشيء والذات لمصاديقهما ، إنّما يكون ضرورياً مع إطلاقهما ، لا مطلقاً ، ولو مع التقيد إلّا بشرط تقيد المصاديق به أيضاً ، وقد عرفت حال الشرط ، فافهم.
ثم إنّه لو جعل التالي في الشرطيّة الثانية لزوم أخذ النوع في الفصل ؛ ضرورة أن مصداق الشيء الذي له النطق هو الإانسان ، كان أليق بالشرطية الأولى ، بل كان أولى (1) لفساده مطلقاً ، ولو لم يكن مثل الناطق بفصل حقيقي ، ضرورة بطلان أخذ الشيء في لازمه وخاصته ، فتأمل جيداً.
ثم إنّه يمكن أن يستدل على البساطة ، بضرورة عدم تكرار الموصوف في مثل ( زيد الكاتب ) ، ولزومه من التركب ، وأخذ الشيء مصداقاً أو مفهوماً في مفهومه.
إرشاد :
لا يخفى أن معنى البساطة ـ بحسب المفهوم ـ وحدته إدراكاً وتصوراً ، بحيث لا يتصور عند تصوره إلّا شيء واحد لا شيئاًن ، وأنّ انحل بتعمّل من العقل إلى شيئين ، كانحلال مفهوم الشجر والحجر إلى شيء له الحجرية أو الشجرية ، مع وضوح بساطة مفهومهما.
وبالجملة : لا ينثلم بالانحلال إلى الاثنينية ـ بالتعمّل العقلي ـ وحدة المعنى
__________________
1 ـ في « ب » : الأولى. 
 
وبساطة المفهوم ، كما لا يخفى ، وإلى ذلك يرجع الإِجمال والتفصيل الفارقان (1) بين المحدود والحد ، مع ما هما عليه من الاتحاد ذاتاً ، فالعقل بالتعمّل يحلل النوع ، ويفصله إلى جنس وفصل ، بعد ما كان أمراً واحداً إدراكاً ، وشيئاً فارداً تصوراً ، فالتحليل يوجب فتق ما هو عليه من الجمع والرتق.
الثاني : الفرق بين المشتق ومبدئه مفهوماً ، إنّه بمفهومه لا يأبى عن الحمل على ما تلبس بالمبدأ ، ولا يعصي عن الجري عليه ، لما هما عليه من نحو من الاتحاد ، بخلاف المبدأ ، فإنّه بمعناه يأبى عن ذلك ، بل إذا قيس ونسب إليه كان غيره ، لا هو هو ، وملاك الحمل والجري إنّما هو نحو من الاتحاد والهوهوية ، وإلى هذا يرجع ما ذكره أهل المعقول في الفرق بينهما ، من أن المشتق يكون لا بشرط والمبدأ يكون بشرط لا ، أيّ يكون مفهوم المشتق غير آب عن الحمل ، ومفهوم المبدأ يكون آبيا عنه ، وصاحب الفصول (2) ; ـ حيث توهّم أن مرادهم إنّما هو بيان التفرقة بهذين الاعتبارين ، بلحاظ الطوارىء والعوارض الخارجية مع حفظ مفهوم واحد ـ أورد عليهم بعدم استقامة الفرق بذلك ، لأجل امتناع حمل العلم والحركة على الذات ، وأنّ اعتبرا لا بشرط ، وغفل عن أن المراد ما ذكرنا ، كما يظهر منهم من بيان الفرق بين الجنس والفصل ، وبين المادة والصورة ، فراجع.
الثالث : ملاك الحمل ـ كما أشرنا إليه ـ هو الهوهوية والاتحاد من وجه ،
__________________
1 ـ في « أ و ب » : الفارقين.
2 ـ الفصول / 62 ، التنبيه الثّاني من تنبيهات المشتق.
هو الشيخ محمد حسين بن محمد رحيم الطهراني الحائري ، ولد في « إيوان كيف » ، أخذ مقدمات العلوم في طهران ، ثم اكتسب من شقيقه الحجة الشيخ محمد تقي الاصفهاني صاحب « هداية المسترشدين » في اصفهان ، ثم هاجر إلى العراق فسكن كربلاء ، كان مرجعاً عاماً في التدريس والتقليد ، وقد تخرّج من معهده جمع من كبار العلماء ، أجاب داعي ربه سنة 1254 ه‍ وله آثار أشهرها « الفصول الغروية » في الأصول ( طبقات اعلام الشيعة الكرام البررة 1 / 390 رقم 795 ). 
 
والمغايرة من وجه آخر ، كما يكون بين المشتقات والذوات ، ولا يعتبر معه (1) ملاحظة التركيب بين المتغايرين ، واعتبار كون مجموعهما ـ بما هو كذلك ـ واحداً ، بل يكون لحاظ ذلك مخلا ، لاستلزامه المغايرة بالجزئية والكلية.
ومن الواضح أن ملاك الحمل لحاظ نحو اتحاد بين الموضوع والمحمول ، مع وضوح عدم لحاظ ذلك في التحديدات وسائر القضايا في طرف الموضوعاًت ، بل لا يلحظ في طرفها إلّا نفس معانيها ، كما هو الحال في طرف المحمولات ، ولا يكون حملها عليها إلّا بملاحظة ما هما عليه من نحو من الاتحاد ، مع ما هما عليه من المغايرة ولو بنحو من الاعتبار.
فانقدح بذلك فساد ما جعله في الفصول تحقيقاً للمقام. وفي كلامه موارد للنظر ، تظهر بالتأمل وإمعان النظر.
الرابع : لا ريب في كفاية مغايرة المبدأ مع ما يجري المشتق عليه مفهوماً ، وأنّ اتحدا عيناً و خارجاً ، فصدق الصفات ـ مثل : العالم ، والقادر ، والرحيم ، والكريم ، إلى غير ذلك من صفات الكمال والجلال ـ عليه تعالى ، على ما ذهب إليه أهل الحق من عينية صفاته ، يكون على الحقيقة ، فإن المبدأ فيها وأنّ كان عين ذاته تعالى خارجاً ، إلّا إنّه غير ذاته تعالى مفهوماً.
ومنه قد انقدح ما في الفصول ، من الالتزام بالنقل (2) أو التجوز في ألفاظ الصفات الجارية عليه تعالى ، بناءً على الحق من العينية ، لعدم المغايرة المعتبرة بالاتفاق ، وذلك لما عرفت من كفاية المغايرة مفهوماً ، ولا اتفاق على اعتبارٍ غيرها ، إن لم نقل بحصول الاتفاق على عدم اعتباره ، كمالا يخفى ، وقد عرفت ثبوت المغايرة كذلك بين الذات ومبادىء الصفات.
__________________
1 ـ اشارة إلى ما افاده صاحب الفصول ، الفصول ، 62 التنبيه الثاني.
2 ـ الفصول / 62 ، التنبيه الثالث من تنبيهات المشتق. 
 
الخامس : إنّه وقع الخلاف بعد الاتفاق على اعتبارٍ المغايرة ـ كما عرفت ـ بين المبدأ وما يجري عليه المشتق ، في اعتبارٍ قيام المبدأ به ، في صدقه على نحو الحقيقة.
وقد استدل من قال (1) بعدم الاعتبار ، بصدق الضارب والمؤلم ، مع قيام الضرب والألم بالمضروب والمؤلمَ ـ بالفتح ـ.
والتحقيق : إنّه لا ينبغي أن يرتاب من كان من أولى الالباب ، في إنّه يعتبر في صدق المشتق على الذات وجريه عليها ، من التلبس بالمبدأ بنحو خاص ، على اختلاف أنحائه الناشئة من اختلاف المواد تارةً ، واختلاف الهيئات أُخرى ، من القيام صدوراً أو حلولا أو وقوعا عليه أو فيه ، أو انتزاعه عنه مفهوماً مع اتحاده معه خارجاً ، كما في صفاته تعالى ، على ما أشرنا إليه آنفا ، أو مع عدم تحقق إلّا للمنتزع عنه ، كما في الاضافات والاعتبارات التي لا تحقق لها ، ولا يكون بحذائها في الخارج شيء ، وتكون من الخارج المحمول ، لا المحمول بالضميمة ، ففي صفاته الجارية عليه تعالى يكون المبدأ مغايراً له تعالى مفهوماً ،وقائماً به عيناً ، لكنه بنحو من القيام ، لا بأن يكون هناك اثنينية ، وكان ما بحذائه غير الذات ، بل بنحو الاتحاد والعينية ، وكان ما بحذائه عين الذات ، وعدم اطلاع العرف على مثل هذا التلبس من الأمور الخفية لا يضر بصدقها عليه تعالى على نحو الحقيقة ، إذا كان لها مفهوم صادق عليه تعالى حقيقة ، ولو بتأمل وتعمّل من العقل. والعرف إنّما يكون مرجعاً في تعيين المفاهيم ، لا في تطبيقها على مصاديقها.
وبالجملة : يكون مثل ( العالم ) ، ( والعادل ) ، وغيرهما من الصفات الجارية عليه تعالى وعلى غيره جارية عليهما بمفهوم واحد ومعنى فارد ، وأنّ اختلفا فيما يعتبر في الجري من الاتحاد ، وكيفية التلبس بالمبدأ ، حيث إنّه بنحو العينية فيه تعالى ، وبنحو الحلول أو الصدور في غيره ، فلا وجه لما التزم به في
__________________
1 ـ الفصول / 62 ، التنبيه الثالث من تنبيهات المشتق.  

 
الفصول (1) ، من نقل الصفات الجارية عليه تعالى عما هي عليها من المعنى ، كما لا يخفى ، كيف؟ ولو كانت بغير معانيها العامة جارية عليه تعالى كانت صرف لقلقة اللسان وألفاظ بلا معنى ، فإن غير تلك المفاهيم العامة الجارية على غيره تعالى غير مفهوم ولا معلوم إلّا بما يقابلها ، ففي مثل ما إذا قلنا : ( إنّه تعالى عالم ) ، امّا أن نعني إنّه من ينكشف لديه الشيء فهو ذاك المعنى العام ، أو إنّه مصداق لما يقابل ذاك المعنى ، فتعالى عن ذلك علواً كبيراً، وإما أن لا نعني شيئاً ، فتكون كما قلناه من كونها صرف اللقلقة ، وكونها بلا معنى ، كما لا يخفى.
والعجب إنّه جعل ذلك علّة لعدم صدقها في حق غيره ، وهو كما ترى ، وبالتأمل فيما ذكرنا ، ظهر الخلل فيما استدل من الجانبين والمحاكمة بين الطرفين ، فتأمل.
السادس : الظاهر إنّه لا يعتبر في صدق المشتق وجريه على الذات حقيقة ، التلبس بالمبدأ حقيقة وبلا واسطة في العروض ، كما في الماء الجاري ، بل يكفي التلبس به ولو مجازاً ، ومع هذه الواسطة ، كما في الميزاب الجاري ، فاسناد الجريان إلى الميزاب ، وأنّ كان إسناداً إلى غير ما هو له وبالمجاز ، إلّا إنّه في الإِسناد ، لا في الكلمة ، فالمشتق في مثل المثال ، بما هو مشتق قد استعمل في معناه الحقيقي ، وأنّ كان مبدؤه مسنداً إلى الميزاب بالإِسناد المجازي ، ولا منافاة بينهما أصلاً ، كما لا يخفى.
ولكن ظاهر الفصول (2) بل صريحه ، اعتبارٍ الإِسناد الحقيقي في صدق المشتق حقيقة ، وكأنه من باب الخلط بين المجاز في الإِسناد والمجاز في الكلمة ، وهذا ـ هاهنا ـ محلّ الكلام بين الأعلام ، والحمد لله ، وهو خير ختام.
__________________
1 ـ الفصول / 62 ، التنبيه الثالث من تنبيهات المشتق.
2 ـ الفصول / 62 ، التنبيه الثالث من تنبيهات المشتق.
 
 
 
 
 
 

المقصد الأوّل : في الاوامر
وفيه فصول :
الأول : فيما يتعلق بمادة الأمر من الجهات ، وهي عديدة :
الأولى : إنّه قد ذكر للفظ الأمر معانٍ متعددة ، منها الطلب ، كما يقال ، أمره بكذا.
ومنها الشأن ، كما يقال : شغله أمر كذا.
ومنها الفعل ، كما في قوله تعالى : ( وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ) (1).
ومنها الفعل العجيب ، كما في قوله تعالى : ( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا ) (2).
ومنها الشيء ، كما تقول : رأيت اليوم أمراً عجيبا.
ومنها الحادثة
ومنها الغرض ، كما تقول : جاء زيد الأمر كذا.
ولا يخفى أن عد بعضها من معانيه من اشتباه المصداق بالمفهوم ؛ ضرورة أن الأمر في ( جاء زيد الأمر ) ما إستعمل في معنى الغرض ، بل اللام قد دلّ على الغرض ، نعم يكون مدخوله مصداقه ، فافهم ، وهكذا الحال في قوله
__________________
1 ـ هود : 97.
2 ـ هود : 66 ، 82.
 
 
تعالى ( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا ) (1) يكون مصداقاً للتعجب ، لا مستعملاً في مفهومه ، وكذا في الحادثة والشأن.
وبذلك ظهر ما في دعوى الفصول (2) ، من كون لفظ الأمر حقيقة في المعنيين الأولين.
ولا يبعد دعوى كونه حقيقة في الطلب في الجملة والشيء ، هذا بحسب العرف واللغة.
وأما بحسب الاصطلاح ، فقد نقل (3) الاتفاق على إنّه حقيقة في القول المخصوص ، ومجاز في غيره ، ولا يخفى إنّه عليه لا يمكن منه الاشتقاق ، فإن معناه ـ حينئذ ـ لا يكون معنى حدثياً ، مع أن الاشتقاقات منه ـ ظاهراً ـ تكون بذلك المعنى المصطلح عليه بينهم ، لا بالمعنى الآخر ، فتدبر.
ويمكن أن يكون مرادهم به هو الطلب بالقول لا نفسه ، تعبيراً عنه بما يدلّ عليه ، نعم القول المخصوص ـ أيّ صيغة الأمر ـ إذا أراد العالي بها الطلب يكون من مصاديق الأمر ، لكنه بما هو طلب مطلق أو مخصوص.
وكيف كان ، فالأمر سهل لو ثبت النقل ، ولا مشاحة في الاصطلاح ، وإنما المهمّ بيان ما هو معناه عرفاً ولغة ، ليحمل عليه فيما إذا ورد بلا قرينة ، وقد استعمل في غير واحد من المعاني في الكتاب والسنة ، ولا حجة على إنّه على نحو الاشتراك اللفظي أو المعنوي أو الحقيقة والمجاز.
وما ذكر في الترجيح ، عند تعارض هذه الأحوال ، لو سلّم ، ولم يعارض بمثله ، فلا دليل على الترجيح به ، فلا بدّ مع التعارض من الرجوع إلى الأصل في مقام العمل ، نعم لو علم ظهوره في أحد معانيه ، ولو إحتمل إنّه كان للانسباق من الإِطلاق ، فليحمل عليه ، وأنّ لم يعلم إنّه حقيقة فيه
__________________
1 ـ هود : 66 ، 82.
2 ـ الفصول / 62 ، القول في الأمر.
3 ـ الفصول / 62 ـ 63 ، القول في الأمر. 
 
بالخصوص ، أو فيما يعمه ، كما لا يبعد أن يكون كذلك في المعنى الأول.
الجهة الثانية : الظاهر اعتبارٍ العلو في معنى الأمر ، فلا يكون الطلب من السافل أو المساوي أمراً ، ولو أطلق عليه كان بنحو من العناية ، كما أن الظاهر عدم اعتبارٍ الاستعلاء ، فيكون الطلب من العالي أمراً ولو كان مستخفضاً لجناحه.
وأما إحتمال اعتبارٍ أحدهما فضعيف. وتقبيح الطالب السافل من العالي المستعلي عليه ، وتوبيخه بمثل : ( إنك لم تأمره ) ، إنّما هو على استعلائه ، لا على أمره حقيقة بعد استعلائه ، وإنما يكون إطلاق الأمر على طلبه بحسب ما هو قضية استعلائه ، وكيف كان ، ففي صحة سلب الأمر عن طلب السافل ، ولو كان مستعلياً كفاية.
الجهة الثالثة : لا يبعد كون لفظ الأمر حقيقة في الوجوب ، لأنسباقه عنه عند إطلاقه ، ويؤيّد قوله تعال ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ) (1) وقوله 9 (2) : ( لولا أن أشقِّ على أمتي لامرتهم بالسواك ) (2) وقوله 9 : لبريرة بعد قولها : أتأمرني يا رسول الله؟ ـ : ( لا ، بل إنّما أنا شافع ) (3) إلى غير ذلك ، وصحة الاحتجاج على العبد ومؤاخذته بمجرد مخالفة أمره ، وتوبيخه على مجرد مخالفته ، كما في قوله تعالى ( مَا مَنَعَكَ إلّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ) (4).
وتقسيمه إلى الإِيجاب والاستحباب ، إنّما يكون قرينة على إرادة المعنى الأعم منه في مقام تقسيمه. وصحة الاستعمال في معنى أعم من كونه على نحو
__________________
1 ـ النور : 63.
2 ـ غوالي اللآلي : 2 / 21 الحديث 43.
3 ـ الكافي : 5 / 485 ، التهذيب : 7 / 341 ، الخصال : 1 / 190.
4 ـ الأعراف : 12.  

 
الحقيقة ، كما لا يخفى.
وأما ما اُفيد (1) من أن الاستعمال فيهما ثابت ، فلو لم يكن موضوعاً للقدر المشترك بينهما لزم الاشتراك أو المجاز ، فهو غير مفيد ، لما مرت الإِشارة إليه في الجهة الأولى ، وفي تعارض الأحوال (2) ، فراجع.
والاستدلال بأن فعل المندوب طاعة ، وكل طاعة فهو فعل المأمور به ، فيه ما لا يخفى من منع الكبرى ، لو أُريد من المأمور به معناه الحقيقي ، وإلاّ لا يفيد المدعى.
الجهة الرابعة : الظاهر أن الطلب الذي يكون هو معنى الأمر ، ليس هو الطلب الحقيقي الذي يكون طلباً بالحمل الشائع الصناعي ، بل الطلب الإنشائي الذي لا يكون بهذا الحمل طلباً مطلقاً ، بل طلباً إنشائياً ، سواء اُنشىء بصيغة إفعل ، أو بمادة الطلب ، أو بمادة الأمر ، أو بغيرها.
ولو أبيت إلّا عن كونه موضوعاً للطلب فلا أقل من كونه منصرفاً إلى الإنشائي منه عند إطلاقه كما هو الحال في لفظ الطلب أيضاً ، وذلك لكثرة الاستعمال في الطلب الإنشائي ، كما أن الأمر في لفظ الإرادة على عكس لفظ الطلب ، والمنصرف عنها عند إطلاقها هو الإرادة الحقيقية (3) واختلافهما في ذلك ألجأ بعضٍ أصحابنا إلى الميل إلى ما ذهب إليه الأشاعرة ، من المغايرة بين الطلب والإرادة ، خلافاً لقاطبة أهل الحق والمعتزلة ، من اتحادهما.
فلا بأس بصرف عنان الكلام إلى بيان ما هو الحق في المقام ، وأنّ حققناه في بعضٍ فوائدنا إلّا أن الحوالة لما تكن عن المحذور خالية ، والإِعادة بلا فائدة ولا إفادة ، كان المناسب هو التعرض ها هنا أيضاً.
فاعلم ، أن الحق كما عليه أهله ـ وفاقاً للمعتزلة وخلافاً للاشاعرة ـ هو اتحاد الطلب والإرادة ، بمعنى أن لفظيهما موضوعاًن بإزاء مفهوم واحد وما بإزاء
__________________
1 ـ أفاده العلامة (ره) نهاية الاُصول / 64 مخطوطة.
2 ـ في الأمر الثامن من المقدمة ص 20.
3 ـ في « ب » : الحقيقة. 
 
أحدهما في الخارج يكون بإزاء الآخر ، والطلب المنشأ بلفظه أو بغيره عين الإرادة الإنشائية ، وبالجملة هما متحدان مفهوماً وإنشاء و خارجاً ، لا أن الطلب الإنشائي الذي هو المنصرف إليه إطلاقه ـ كما عرفت ـ متحد مع الإرادة الحقيقية (1) التي ينصرف إليها إطلاقها أيضاً ، ضرورة أن المغايرة بينهما أظهر من الشمس وأبين من الأمس. فإذا عرفت المراد من حديث العينية والاتحاد ، ففي مراجعة الوجدان عند طلب شيء والأمر به حقيقة كفاية ، فلا يحتاج إلى مزيد بيان وإقامة برهان ، فإن الإانسان لا يجد غير الإرادة القائمة بالنفس صفة أُخرى قائمة بها ، يكون هو الطلب غيرها ، سوى ما هو مقدّمة تحققها ، عند خطور الشيء والميل وهيجان الرغبة إليه ، والتصديق لفائدته ، وهو الجزم بدفع ما يوجب توقفه عن طلبه لاجلها.
وبالجملة : لا يكاد يكون غير الصفات المعروفة والإرادة هناك صفة أُخرى قائمة بها يكون هو الطلب ، فلا محيص (2) عن إتحاد الإرادة والطلب ، وأنّ يكون ذلك الشوق المؤكد المستتبع لتحريك العضلات في إرادة فعله بالمباشرة ، أو المستتبع الأمر عبيده به فيما لو أراده لا كذلك ، مسمى بالطلب والإرادة كما يعب به تارةً وبها أُخرى ، كما لا يخفى. وكذا الحال في سائر الصيغ الإنشائية ، والجمل الخبرية ، فإنّه لا يكون غير الصفات المعروفة القائمة بالنفس ، من الترجي والتمني والعلم إلى غير ذلك ، صفة أُخرى كانت قائمة بالنفس ، وقد دلّ اللفظ عليها ، كما قيل :
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما
         جعل اللسان على الفؤاد دليلا
 
وقد انقدح بما حققناه ، ما في استدلال الأشاعرة على المغايرة بالأمر مع عدم الإرادة ، كما في صورتي الاختبار والاعتذار من الخلل ، فإنّه كما لا إرادة
__________________
1 ـ في « ب » : الحقيقة.
2 ـ في النسختين فلا محيص إلّا ، والظاهر « إلّا » هنا مقحمة في السياق. 
 
حقيقة في الصورتين ، لا طلب كذلك فيهما ، والذي يكون فيهما إنّما هو الطلب الإنشائي الإِيقاعي ، الذي هو مدلول الصيغة أو المادة ، ولم يكن بينّاً ولا مبينّاً في الاستدلال مغايرته مع الإرادة الإنشائية.
وبالجملة : الذي يتكفله الدليل ، ليس إلّا الانفكاك بين الإرادة الحقيقية ، والطلب المنشأ بالصيغة الكاشف عن مغايرتهما. وهو مما لا محيص عن الالتزام به ، كما عرفت ، ولكنه لا يضر بدعوى الاتحاد أصلاً ، لمكان هذه المغايرة والانفكاك بين الطلب الحقيقي والإنشائي ، كما لا يخفي.
ثم إنّه يمكن ـ مما حققناه ـ أن يقع الصلح بين الطرفين ، ولم يكن نزاع في البين ، بأن يكون المراد بحديث الاتحاد ما عرفت من العينية مفهوماً ووجوداً حقيقياً وإنشائياً ، ويكون المراد بالمغايرة والاثنينية هو اثنينية الإنشائي من الطلب ، كما هو كثيراً ما يراد من إطلاق لفظه ، والحقيقي من الإرادة ، كما هو المراد غالباً منها حين إطلاقها ، فيرجع النزاع لفظياً ، فافهم.
دفع ووهم (1) : لا يخفى إنّه ليس غرض الأصحاب والمعتزلة ، من نفي غير الصفات المشهورة ، وإنّه ليس صفة أُخرى قائمة بالنفس كانت كلاماً نفسياً مدلولأ للكلام اللفظي ، كما يقول به الأشاعرة ، إن هذه الصفات المشهورة مدلولات للكلام.
إن قلت : فماذا يكون مدلولأ عليه عند الأصحاب والمعتزلة؟
قلت : امّا الجمل الخبرية ، فهي دالّة على ثبوت النسبة بين طرفيها ، أو نفيها في نفس الأمر من ذهن أو خارج ، كالإنسان نوع أو كاتب.
وأما الصيغ الإنشائية ، فهي ـ على ما حققناه في بعضٍ فوائدنا (2) ـ موجدة
__________________
1 ـ المتوهم هو القوشجي ، راجع شرح تجريد العقائد للقوشجي / 246 ، عند البحث عن المسموعات.
2 ـ كتاب النوائد / الفائدة الاُولى ص 17.
 
لمعانيها في نفس الأمر ، أيّ قصد ثبوت معانيها وتحققها بها ، وهذا نحو من الوجود ، وربما يكون هذا منشأ لانتزاع اعتبارٍ مترتب عليه شرعاً وعرفاً آثار ، كما هو الحال في صيغ العقود والايقاعات.
نعم لا مضايقة في دلالة مثل صيغة الطلب والاستفهام والترجي والتمني ـ بالدلالة الالتزامية ـ على ثبوت هذه الصفات حقيقة ، امّا لأجل وضعها لإِيقاعها ، فيما إذا كان الداعي إليه ثبوت هذه الصفات ، أو انصراف إطلاقها إلى هذه الصورة ، فلو لم تكن هناك قرينة ، كان إنشاءً الطلب أو الاستفهام أو غيرهما بصيغتها ، لأجل كون الطلب والاستفهام وغيرهما قائمة بالنفس ، وضعاً أو إطلاقاً.
إشكال ودفع : امّا الإِشكال ، فهو إنّه يلزم بناءً على اتحاد الطلب والإرادة ، في تكليف الكفار بالإِيمان ، بل مطلق أهل العصيان في العمل بالاركان ، امّا أن لا يكون هناك تكليف جدّي ، إن لم يكن هناك إرادة ، حيث إنّه لا يكون حينئذ طلب حقيقي ، وإعتباره في الطلب الجدي ربما يكون من البديهي ، وأنّ كان هناك إرادة ، فكيف تتخلف عن المراد؟ ولا تكاد تتخلف ، إذا أراد الله شيئاً يقول له : كن فيكون.
وأما الدفع ، فهو إن إستحاله التخلف إنّما تكون في الإرادة التكوينية وهي العلم بالنظام على النحو الكامل التام ، دون الإرادة التشريعية ، وهي العلم بالمصلحة في فعل المكلف. وما لا محيص عنه في التكليف إنّما هو هذه الإرادة التشريعية لا التكوينية ، فإذا توافقتا فلابد من الإطاعة والإِيمان ، وإذا تخالفتا ، فلا محيص عن أن يختار الكفر والعصيان.
إن قلت : إذا كان الكفر والعصيان والإطاعة والإِيمان ، بإرادته تعالى التي لا تكاد تتخلف عن المراد ، فلا يصحّ أن يتعلق بها التكليف ، لكونها خارجة عن الاختيار المعتبر فيه عقلاً. 
 
 
قلت : إنّما يخرج بذلك عن الاختيار ، لو لم يكن تعلق الإرادة بها مسبوقة بمقدماتها الاختيارية ، وإلاّ فلا بدّ من صدورها بالاختيار ، وإلاّ لزم تخلف إرادته عن مراده ، تعالى عن ذلك علواً كبيراً.
إن قلت : إن الكفر والعصيان من الكافر والعاصي ولو كانا مسبوقين بإرادتهما ، إلّا إنّهما منتهيان إلى ما لا بالاختيار ، كيف؟ وقد سبقهما الإرادة الازلية والمشية الإلهية ، ومعه كيف تصحّ المؤاخذة على ما يكون بالاخرة بلا اختيار؟
قلت : العقاب إنّما بتبعة الكفر والعصيان التابعين للاختيار الناشىء عن مقدماته ، الناشئة عن شقاوتهما الذاتية اللازمة لخصوص ذاتهما ، فإن ( السعيد سعيد في بطن أمه ، والشقي شقي في بطن أمه ) (1) و ( الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ) (2) ، كما في الخبر ، والذاتي لا يعلل ، فانقطع سؤال : إنّه لم جعل السعيد سعيدا والشقي شقيا؟ فإن السعيد سعيد بنفسه والشقي شقي كذلك ، وإنما أوجدهما الله تعالى ( قلم اينجا رسيد سر بشكست ) (3) ، قد إنتهى الكلام في المقام إلى ما ربما لا يسعه كثير من الافهام ، ومن الله الرشد والهداية وبه الاعتصام.
وهم ودفع : لعلك تقول : إذا كانت الإرادة التشريعية منه تعالى عين علمه بصلاح الفعل ، لزم ـ بناءً على أن تكون عين الطلب ـ كون المنشأ بالصيغة في الخطابات الإلهية هو العلم ، وهو بمكان من البطلان.
__________________
1 ـ ورد بهذا المضمون في توحيد الصدوق / 356 الباب 58 الحديث 3.
2 ـ الروضة من الكافي 8 / 177 ، الحديث 197.
مسند أحمد بن حنبل 2 / 539 وفيه تقديم الفضّة على الذهب. وقريب منه في هذا المصدر صفحة 257 ، 260 ، 391 ، 438 ، 485 ، 498 ، 525 والبخاري 4 / 216.
3 ـ يريد المؤلف (ره) : وهنا يقف القلم ، لأن الكلام انتهى إلى ما ربما لا يسعه كثير من الأفهام ، وما بين القوسين ، تعبير فارسي ترجمته : لما وصل القلم إلى هنا انكسر رأسه. 
 
لكنك غفلت عن أن اتحاد الإرادة مع العلم بالصلاح ، إنّما يكون خارجاً لا مفهوماً ، وقد عرفت (1) أن المنشأ ليس إلّا المفهوم ، لا الطلب الخارجي ، ولا غرو أصلاً في اتحاد الإرادة والعلم عيناً و خارجاً ، بل لا محيص عنه في جميع صفاته تعالى ؛ لرجوع الصفات إلى ذاته المقدسة ، قال أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه : ( وكمال توحيده الإخلاص له ، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ). (2)
الفصل الثاني
فيما يتعلق بصيغة الأمر وفيه مباحث :
الأول : إنّه ربما يذكر للصيغة معانٍ قد استعملت فيها ، وقد عد منها : الترجي ، والتمني ، والتهديد ، والإنذار ، والإِهانة ، والاحتقار ، والتعجيز ، والتسخير ، إلى غير ذلك ، وهذا كما ترى ، ضرورة أن الصيغة ما استعملت في واحد منها ، بل لم يستعمل إلّا في إنشاءً الطلب ، إلّا أن الداعي إلى ذلك ، كما يكون تارةً هو البعث والتحريك نحو المطلوب الواقعي ، يكون أُخرى أحد هذه الأمور ، كما لا يخفى.
قصارى ما يمكن أن يَّدعى ، أن تكون الصيغة موضوعة لإِنشاء الطلب ، فيما إذا كان بداعي البعث والتحريك ، لا بداعٍ آخر منها ، فيكون إنشاءً الطلب بها بعثاً حقيقة ، وإنشاؤه بها تهديداً مجازاً ، وهذا غير كونها مستعملة في التهديد وغيره ، فلا تغفل.
إيقاظ : لا يخفى أن ما ذكروه في صيغة الأمر ، جار في سائر الصيغ الإنشائية ، فكما يكون الداعي إلى إنشاءً التمني أو الترجي أو الاستفهام
__________________
1 ـ مر في صفحة 66 من هذا الكتاب عند قوله : وأما الصيغ الإنشائية .. الخ.
2 ـ نهج البلاغة / 39 الخطبة الأولى. 
 
بصيغها ، تارةً هو ثبوت هذه الصفات حقيقة ، يكون الداعي غيرها أُخرى ، فلا وجه للالتزام بانسلاخ صيغها عنها ، واستعمالها في غيرها ، إذا وقعت في كلامه تعالى ، لاستحالة مثل هذه المعاني في حقه تبارك وتعالى ، مما لازمه العجز أو الجهل ، وإنّه لا وجه له ، فإن المستحيل إنّما هو الحقيقي منها لا الإنشائي الإِيقاعي ، الذي يكون بمجرد قصد حصوله بالصيغة ، كما عرفت ، ففي كلامه تعالى قد استعملت في معانيها الإِيقاعية الإنشائية أيضاً ، لا لإِظهار ثبوتها حقيقة ، بل الأمر آخر حسب ما يقتضيه الحال من إظهار المحبة أو الإِنكار أو التقرير إلى غير ذلك ، ومنه ظهر أن ما ذكر من المعاني الكثيرة لصيغة الاستفهام ليس كما ينبغي أيضاً.
المبحث الثّاني : في أن الصيغة حقيقة في الوجوب ، أو في الندب ، أو فيهما ، أو في المشترك بينهما ، وجوه بل أقوال.
لا يبعد تبادر الوجوب عند استعمالها بلا قرينة ، ويؤيده عدم صحة الاعتذار عن المخالفة باحتمال إرادة الندب ، مع الاعتراف بعدم دلالته عليه بحال أو مقال ، وكثرة الاستعمال فيه في الكتاب والسنة وغيرهما لا يوجب نقله إليه أو حمله عليه (1) ، لكثرة استعماله في الوجوب أيضاً ، مع أن الاستعمال وأنّ كثر فيه ، إلّا إنّه كان مع القرينة المصحوبة ، وكثرة الاستعمال كذلك في المعنى المجازي لا توجب صيرورته مشهوراً فيه ، ليرجح أو يتوقف ، على الخلاف في المجاز المشهور ، كيف؟ وقد كثر إستعمال العام في الخاص ، حتى قيل : ( ما من عام إلّا وقد خص ) ولم ينثلم به ظهوره في العموم ، بل يحمل عليه ما لم تقم قرينة بالخصوص على إرادة الخصوص.
المبحث الثالث : هل الجمل الخبرية التي تستعمل في مقام الطلب والبعث ـ مثل : يغتسل ، ويتوضأ ، ويعيد ـ ظاهرة في الوجوب أو لا؟ لتعدد
__________________
1 ـ هذا تعريض بصاحب المعالم 1 ، معالم الدين / 48 ، فصل في الأوامر : فائدة.
 
المجازات فيها ، وليس الوجوب بأقواها ، بعد تعذر حملها على معناها من الإخبار ، بثبوت النسبة والحكاية عن وقوعها.
الظاهر الأوّل ، بل تكون أظهر من الصيغة ، ولكنه لا يخفى إنّه ليست الجمل الخبرية الواقعة في ذلك المقام ـ أيّ الطلب ـ مستعملة في غير معناها ، بل تكون مستعملة فيه ، إلّا إنّه ليس بداعي الأعلام ، بل بداعي البعث بنحو آكد ، حيث إنّه أخبر بوقوع مطلوبه في مقام طلبه ، إظهارا بإنّه لا يرضى إلّا بوقوعه ، فيكون آكد في البعث من الصيغة ، كما هو الحال في الصيغ الإنشائية ، على ما عرفت من إنّها أبدا تستعمل في معانيها الإِيقاعية لكن بدواعٍ أخر ، كما مر (1).
لا يقال : كيف؟ ويلزم الكذب كثيراً ، لكثرة عدم وقوع المطلوب كذلك في الخارج ، تعالى الله وأولياؤه عن ذلك علواً كبيراً.
فإنّه يقال : إنّما يلزم الكذب ، إذا أتي بها بداعي الإخبار والإِعلام ، لا لداعي البعث ، كيف؟ وإلاّ يلزم الكذب في غالب الكنايات ، فمثل ( زيد كثير الرماد ) أو ( مهزول الفصيل ) لا يكون كذباً ، إذا قيل كناية عن جوده ، ولو لم يكن له رماد أو فصيل أصلاً ، وإنما يكون كذباً إذا لم يكن بجواد ، فيكون الطلب بالخبر في مقام التأكيد أبلغ ، فإنّه مقال بمقتضى الحال. هذا مع إنّه إذا أتى بها في مقام البيان ، فمقدمات الحكمة مقتضية لحملها على الوجوب ، فإن تلك النكتة إن لم تكن موجبة لظهورها فيه ، فلا أقل من كونها موجبة لتعينه من بين محتملات ما هو بصدده ، فإن شدة مناسبة الإخبار بالوقوع مع الوجوب ، موجبة لتعين إرادته إذا كان بصدد البيان ، مع عدم نصب قرينة خاصة على غيره ، فافهم.
__________________
1 ـ في المبحث الأوّل من هذا الفصل ، عند قوله 1 : إيقاظ / 69. 
 
 
المبحث الرابع : إنّه إذا سلّم أن الصيغة لا تكون حقيقة في الوجوب ، هل لا تكون ظاهرة فيه أيضاً أو تكون؟ قيل بظهورها فيه ، امّا لغلبة الاستعمال فيه ، أو لغلبة وجوده أو أكمليته.
والكل كما ترى ، ضرورة أن الاستعمال في الندب وكذا وجوده ، ليس بأقل لو لم يكن بأكثر. وأما الأكملية فغير موجبة للظهور ، إذ الظهور لا يكاد يكون إلّا لشدة أنس اللفظ بالمعنى ، بحيث يصير وجهاً له ، ومجرد الأكملية لا يوجبه ، كما لا يخفى. نعم فيما كان الآمر بصدد البيان ، فقضية مقدمات الحكمة هو الحمل على الوجوب ، فإن الندب كإنّه يحتاج إلى مؤونة بيان التحديد والتقييد بعدم المنع من الترك ، بخلاف الوجوب ، فإنّه لا تحديد فيه للطلب ولا تقييد ، فإطلاق اللفظ وعدم تقييده مع كون المطلق في مقام البيان ، كافٍ في بيإنّه ، فافهم.
المبحث الخامس : إن إطلاق الصيغة هل يقتضي كون الوجوب توصلياً ، فيجزئ إتيإنّه مطلقاً ، ولو بدون قصد القربة ، أو لا؟ فلا بدّ من الرجوع فيما شك في تعبديته وتوصليته إلى الأصل.
لابد في تحقيق ذلك من تمهيد مقدمات :
أحدها : الوجوب التوصلي ، هو ما كان الغرض منه يحصل بمجرد حصول الواجب ، ويسقط بمجرد وجوده ، بخلاف التعبدي ، فإن الغرض منه لا يكاد يحصل بذلك ، بل لابد ـ في سقوطه وحصول غرضه ـ من الإِتيان به متقرباً به منه تعالى.
ثانيها : إن التقرب المعتبر في التعبدي ، إن كان بمعنى قصد الامتثال والإِتيان بالواجب بداعي أمره ، كان مما يعتبر في الطاعة عقلاً ، لا مما أخذ في نفس العبادة شرعاً ، وذلك لاستحالة أخذ ما لا يكاد يتأتى إلّا من قبل الأمر بشيء في متعلق ذاك الأمر مطلقاً شرطاً أو شطراً ، فما لم تكن نفس الصلاة متعلقة للأمر ، لا يكاد يمكن إتيإنّها بقصد امتثال أمرها. 
 
وتوهمّ إمكان تعلق الأمر بفعل الصلاة بداعي الأمر ، وإمكان الإِتيان بها بهذا الداعي ، ضرورة إمكان تصور الأمر بها مقيدة ، والتمكن من إتيإنّها كذلك ، بعد تعلق الأمر بها ، والمعتبر من القدرة المعتبرة عقلاً في صحة الأمر إنّما هو في حال الامتثال لا حال الأمر ، واضح الفساد ، ضرورة إنّه وأنّ كان تصورها كذلك بمكان من الإِمكان ، إلّا إنّه لا يكاد يمكن الإِتيان بها بداعي أمرها ، لعدم الأمر بها ، فإن الأمر حسب الفرض تعلق بها مقيدة بداعي الأمر ، ولا يكاد يدعو الأمر إلّا إلى ما تعلق به ، لا إلى غيره.
إن قلت : نعم ، ولكن نفس الصلاة أيضاً صارت مأمورة بها بالأمر بها مقيدة.
قلت : كلاّ ، لأن ذات المقيد لا يكون مأموراً بها ، فإن الجزء التحليلي العقلي لا يتصف بالوجوب أصلاً ، فإنّه ليس إلّا وجود واحد واجب بالوجوب النفسي ، كما ربما يأتي في باب المقدمة.
إن قلت : نعم ، لكنه إذا أخذ قصد الامتثال شرطاً ، وأما إذا أخذ شطراً ، فلا محالة نفس الفعل الذي تعلق الوجوب به مع هذا القصد ، يكون متعلقاً للوجوب ، إذ المركب ليس إلّا نفس الإِجزاء بالأسر ، ويكون تعلقه بكل بعين تعلقه بالكل ، ويصحّ أن يؤتى به بداعي ذاك الوجوب ؛ ضرورة صحة الإِتيان بأجزاء الواجب بداعي وجوبه.
قلت : مع امتناع اعتباره كذلك ، فإنّه يوجب تعلق الوجوب بأمر غير اختياري ، فإن الفعل وأنّ كان بالإِرادة اختياريا ، إلّا أن إرادته ـ حيث لا تكون بإرادة أُخرى ، وإلاّ لتسلسلت ـ ليست باختيارية ، كما لا يخفى. إنّما يصحّ الإِتيان بجزء الواجب بداعي وجوبه في ضمن إتيإنّه بهذا الداعي ، ولا يكاد يمكن الإِتيان بالمركب عن قصد الامتثال ، بداعي امتثال أمره.
 
إن قلت : نعم (1) ، لكن هذا كله إذا كان إعتباره في المأمور به بأمر واحد ، وأما إذا كان بأمرين : تعلق أحدهما بذات الفعل ، وثانيهما بإتيإنّه بداعي أمره ، فلا محذور أصلاً ، كما لا يخفى. فللآمر أن يتوسل بذلك في الوصلة إلى تمام غرضه ومقصده ، بلا منعة.
قلت : ـ مضافاً إلى القطع بإنّه ليس في العبادات إلّا أمر واحد ، كغيرها من الواجبات والمستحبات ، غاية الأمر يدور مدار الامتثال وجوداً و عدماً فيها المثوبات والعقوبات ، بخلاف ما عداها ، فيدور فيه خصوص المثوبات ، وأما العقوبة فمترتبة على ترك الطاعة ومطلق الموافقة ـ أن الأمر الأوّل إن كان يسقط بمجرد موافقته ، ولو لم يقصد به الامتثال ، كما هو قضية الأمر الثّاني ، فلا يبقى مجال لموافقة الثّاني مع موافقة الأوّل بدون قصد امتثاله ، فلا يتوسل الأمر إلى غرضه بهذه الحيلة والوسيلة ، وأنّ لم يكد يسقط بذلك ، فلا يكاد يكون له وجه ، إلّا عدم حصول غرضه بذلك من أمره ، لاستحالة سقوطه مع عدم حصوله ، وإلاّ لما كان موجباً لحدوثه ، وعليه فلا حاجة في الوصول إلى غرضه إلى وسيلة تعدَّد الأمر ، لاستقلال العقل ، مع عدم حصول غرض الأمر بمجرد موافقة الأمر بوجوب الموافقة على نحو يحصل به غرضه ، فيسقط أمره.
هذا كله إذا كان التقرب المعتبر في العبادة بمعنى قصد الامتثال.
وأما إذا كان بمعنى الإِتيان بالفعل بداعي حسنه ، أو كونه ذا مصلحة [ أو له تعالى ] (2) ، فاعتباره في متعلق الأمر وأنّ كان بمكان من الإِمكان ، إلّا إنّه غير معتبر فيه قطعاً ، لكفاية الاقتصار على قصد الامتثال ، الذي عرفت
__________________
1 ـ إشارة إلى ما أفاده صاحب التقريرات في مطارح الأنظار / 60 ، السطر الأخير ، في التعبدي والتوصلي.
2 ـ سقطت من « أ ». 
 
عدم إمكان أخذه فيه بديهة.
تأمل فيما ذكرناه في المقام ، تعرف حقيقة المرام ، كي لا تقع فيما وقع فيه من الاشتباه بعضٍ الأعلام.
ثالثتها : إنّه إذا عرفت بما لا مزيد عليه ، عدم إمكان أخذ قصد الامتثال في المأمور به أصلاً ، فلا مجال للاستدلال بإطلاقه ـ ولو كان مسوقاً في مقام البيان ـ على عدم اعتباره ، كما هو أوضح من أن يخفى ، فلا يكاد يصحّ التمسك به إلّا فيما يمكن اعتباره فيه.
فانقدح بذلك إنّه لا وجه لاستظهار التوصلية من إطلاق الصيغة بمادتها ، ولا لاستظهار عدم اعتبارٍ مثل الوجه مما هو ناشىء من قبل الأمر ، من إطلاق المادة في العبادة لو شك في اعتباره فيها ، نعم إذا كان الأمر في مقام بصدد بيان تمام ماله دخل في حصول غرضه ، وأنّ لم يكن له دخل في متعلق أمره ، ومعه سكت في المقام ، ولم ينصب دلالة على دخل قصد الامتثال في حصوله ، كان هذا قرينة على عدم دخله في غرضه ، وإلاّ لكان سكوته نقضاً له وخلاف الحكمة ، فلا بدّ عند الشك وعدم إحراز هذا المقام ، من الرجوع إلى ما يقتضيه الأصل ويستقل به العقل.
فاعلم : إنّه لا مجال ـ ها هنا ـ إلّا لاصالة الإِشتغال ، ولو قيل بأصالة البراءة فيما إذا دار الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين ، وذلك لأن الشك ها هنا في الخروج عن عهدة التكليف المعلوم ، مع استقلال العقل بلزوم الخروج عنها ، فلا يكون العقاب ـ مع الشك وعدم إحراز الخروج ـ عقاباً بلا بيان ، والمؤاخذة عليه بلا برهان ، ضرورة إنّه بالعلم بالتكليف تصحّ المؤاخذة على المخالفة ، وعدم الخروج عن العهدة ، لو اتفق عدم الخروج عنها بمجرد الموافقة بلا قصد القربة ، وهكذا الحال في كلّ ما شك دخله في الطاعة ، والخروج به عن العهدة ، مما لا يمكن اعتباره في المأمور به كالوجه والتمييز.
نعم : يمكن أن يقال : إن كلّ ما ربما يحتمل بدواً دخله في الامتثال ،  

 
أمراً كان مما يغفل عنه غالباً العامة (1) ، كان على الأمر بيإنّه ، ونصب قرينة على دخله واقعاً ، وإلاّ لاخل بما هو همّه وغرضه ، امّا إذا لم ينصب دلالة على دخله ، كشف عن عدم دخله ، وبذلك يمكن القطع بعدم دخل الوجه والتمييز في الطاعة بالعبادة ، حيث ليس منهما عين ولا أثر في الإخبار والآثار ، وكانا مما يغفل عنه العامة ، وأنّ احتمل اعتباره بعضٍ الخاصة ، فتدبرّ جيداً.
ثم إنّه لا أظنك أن تتوهم وتقول : إن أدلة البراءة الشرعية مقتضية لعدم الاعتبار ، وأنّ كان قضية الإِشتغال عقلاً هو الاعتبار ، لوضوح إنّه لا بدّ في عمومها من شيء قابل للرفع والوضع شرعاً ، وليس ها هنا ، فإن دخل قصد القربة ونحوها في الغرض ليس بشرعي ، بل واقعي. ودخل الجزء والشرط فيه وأنّ كان كذلك ، إلّا إنّهما قابلان للوضع والرفع شرعاً ، فبدليل الرفع ـ ولو كان أصلاً ـ يكشف إنّه ليس هناك أمر فعلّي بما يعتبر فيه المشكوك ، يجب الخروج عن عهدته عقلاً ، بخلاف المقام ، فإنّه علم بثبوت الأمر الفعلّي ، كما عرفت ، فافهم.
المبحث السادس : قضية إطلاق الصيغة ، كون الوجوب نفسياً تعيينياً عينياً ، لكون كلّ واحد مما يقابلها يكون فيه تقييد الوجوب وتضيق دائرته ، فإذا كان في مقام البيان ، ولم ينصب قرينة عليه ، فالحكمة تقتضي كونه مطلقاً ، وجب هناك شيء آخر أو لا ، أتى بشيء آخر أو لا ، أتى به آخر أو لا ، كما هو واضح لا يخفى.
المبحث السابع : إنّه اختلف القائلون بظهور صيغة الأمر في الوجوب وضعاً أو إطلاقاً فيما إذا وقع عقيب الحظر أو في مقام توهمه على أقوال :
__________________
1 ـ هذا ما أثبتناه من « أ و ب » ، وفي بعضٍ النسخ المطبوعة هكذا ( إن كلّ ما يحتمل بدواً دخله في الامتثال وكان يغفل عنه غالباً العامة ). 
 
نسب (1) إلى المشهور ظهورها في الإِباحة. وإلى بعضٍ العامة (2) ظهورها في الوجوب ، وإلى بعضٍ (3) تبعيته لما قبل النهي ، إن علق الأمر بزوال علّة النهي ، إلى غير ذلك.
والتحقيق : إنّه لا مجال للتشبث بموارد الاستعمال ، فإنّه قلّ مورد منها يكون خالياً عن قرينة على الوجوب ، أو الإِباحة ، أو التبعية ، ومع فرض التجريد عنها ، لم يظهر بعدُ كون عقيب الحظر موجباً لظهورها في غير ما تكون ظاهرة فيه. غاية الأمر يكون موجباً لاجمالها ، غير ظاهرة في واحد منها إلّا بقرينة أُخرى ، كما أشرنا.
المبحث الثامن : الحق أن صيغة الأمر مطلقاً ، لا دلالة لها على المرة ولا التكرار ، فإن المنصرف عنها ، ليس إلّا طلب إيجاد الطبيعة المأمور بها ، فلا دلالة لها على أحدهما ، لا بهيئتها ولا بمادتها ، والاكتفاء بالمرة ، فإنما هو لحصول الامتثال بها في الأمر بالطبيعة ، كما لا يخفى.
ثم لا يذهب عليك : أن الاتفاق على أن المصدر المجرد عن اللام والتنوين ، لا يدلّ إلّا على الماهية ـ على ما حكاه السكاكي (4) ـ لا يوجب كون النزاع ها هنا في الهيئة ـ كما في الفصول (5) ـ فإنّه غفلة وذهول عن كون المصدر كذلك ، لا يوجب الاتفاق على أن مادة الصيغة لا تدلّ إلّا على
__________________
1 ـ راجع الفصول / 70 ، وبدائع الأفكار في النسخة الثانية من نسختي الأوامر / 294.
2 ـ البصري في المعتمد / 75 ، باب في صيغة الأمر الواردة بعد حظر ، والبيضاوي وغيره راجع الإِبهاج في شرح المنهاج للسبكي : 2 / 43.
3 ـ كالعضدي ، شرح مختصر الأصول / 205 ، في مسألة وقوع صيغة الأمر بعد الحظر.
4 ـ مفتاح العلوم / 93.
5 ـ الفصول / 71 ، فصل : الحق أن هيئة ... الخ. 
 
الماهية ، ضرورة أن المصدر ليست مادة لسائر المشتقات ، بل هو صيغة مثلها ، كيف؟ وقد عرفت في باب المشتق مباينة المصدر وسائر المشتقات بحسب المعنى ، فكيف بمعناه يكون مادة لها؟ فعليه يمكن دعوى اعتبارٍ المرة أو التكرار في مادتها ، كما لا يخفى.
إن قلت : فما معنى ما اشتهر من كون المصدر أصلاً في الكلام.
قلت : مع إنّه محلّ الخلاف ، معناه أن الذي وضع أولاً بالوضع الشخصي ، ثم بملاحظته وضع نوعيا أو شخصياً سائر الصيغ التي تناسبه ، مما جمعه معه مادة لفظ متصورة في كلّ منها ومنه ، بصورة ومعنى كذلك ، هو المصدر أو الفعل ، فافهم.
ثم المراد بالمرة والتكرار ، هل هو الدفعة والدفعات؟ أو الفرد والأفراد؟
والتحقيق : أن يقعا بكلا المعنيين محلّ النزاع ، وأنّ كان لفظهما ظاهراً في المعنى الأوّل ، وتوهمّ (1) إنّه لو أُريد بالمرة الفرد ، لكان الانسب ، بل اللازم أن يجعل هذا المبحث تتمة للبحث الآتي ، من أن الأمر هل يتعلق بالطبيعة أو بالفرد؟ فيقال عند ذلك وعلى تقدير تعلقه بالفرد ، هل يقتضي التعلق بالفرد الواحد أو المتعدد ، أو لا يقتضي شيئاً منهما؟ ولم يحتج إلى إفراد كلّ منهما بالبحث كما فعلوه ، وأما لو أُريد بها الدفعة ، فلا علقة بين المسألتين ، كما لا يخفى ، فاسد ، لعدم العلقة بينهما لو أُريد بها الفرد أيضاً ، فإن الطلب على القول بالطبيعة إنّما يتعلق بها باعتبار وجودها في الخارج ، ضرورة أن الطبيعة من حيث هي ليست إلّا هي ، لا مطلوبة ولا غير مطلوبة ، وبهذا الاعتبار كانت مرددة بين المرة والتكرار بكلا المعنيين ، فيصحّ النزاع في دلالة الصيغة على المرة والتكرار بالمعنيين وعدمها.
__________________
1 ـ المتوهم هو صاحب الفصول ، الفصول / 71. 
 
أمّا بالمعنى الأوّل فواضح ، وأما بالمعنى الثّاني فلوضوح أن المراد من الفرد أو الأفراد وجود واحد أو وجودات ، وإنما عبر بالفرد لأن وجود الطبيعة في الخارج هو الفرد ، غاية الأمر خصوصيته وتشخصه على القول بتعلق الأمر بالطبائع يلازم المطلوب وخارج عنه ، بخلاف القول بتعلقه بالأفراد ، فإنّه مما يقومه.
تنبيه : لا إشكال بناءً على القول بالمرة في الامتثال ، وإنّه لا مجال للاتيان بالمأمور به ثانياً ، على أن يكون أيضاً به الامتثال ، فإنّه من الامتثال بعد الامتثال. وأما على المختار من دلالته على طلب الطبيعة من دون دلالة على المرة ولا على التكرار ، فلا يخلو الحال : امّا أن لا يكون هناك إطلاق الصيغة في مقام البيان ، بل في مقام الإِهمال أو الإِجمال ، فالمرجع هو الأصل. وإما أن يكون إطلاقها في ذلك المقام ، فلا إشكال في الاكتفاء بالمرة في الامتثال ، وإنما الإِشكال في جواز أن لا يقتصر عليها ، فإن لازم إطلاق الطبيعة المأمور بها ، هو الإِتيان بها مرة أو مراراً لا ، لزوم الاقتصار على المرة ، كما لا يخفى.

ادامه نوشته

مشتق در اصول فقه

بحث مشتق
بين معناى مشتق در مباحث علم اصول فقه با آنچه كه در اصطلاح ادبى و علم صرف و نحو رائج است , تفاوت وجود دارد .
مشتق در اصطلاح علم صرف و نحو , در مقابل لفظ جامد بكار مى رود و انواع آن محدود و محصور مى باشد و در كتب ادبى به افعال , اسم فاعل , اسم مفعول , صفت مسبهه و . . . تعداد و احصاء گرديده است . ولى منظور از مشتق در اصطلاح علم اصول و اصوليين , لفظى را گويند كه بر شخصى يا چيزى حمل گردد و از صفتى يا حالتى از آن حكايت كند , بگونه اى كه آن صفت يا حالت قابل زوال و جدائى باشد , مانند : رونده , زننده .
روى اين حساب بين دو اصطلاح مشتق از نظر منطقى نسبت عموم من وجه است يعنى مواردى از الفاظ به هر دو اصطلاح مشتق است , مانند : زننده , نويسنده , خورنده . و مواردى از نظر اصول مشتق است ولى از نظر علم صرف جامد است , مانند لفظ زوج , شوهر , همسر . و مواردى بالعكس از نظر علم صرف مشتق است ولى از ديدگاه اصول فقه مشتق نيست , مانند كليه افعال . زيرا فعل هيچگاه نمى تواند بر شخصى يا چيزى حمل گردد .
يكى از مباحث بسيار مفيد در اين زمينه اين است كه استعمال مشتق در موردى كه مبدأ اشتقاق منقضى شده آيا حقيقت است يا مجاز مى باشد ؟
توضيح مطلب :
براى مشتقات در رابطه با مبدأ اشتقاق و انقضاى زمان يا عدم آن سه حالت متصور است , مثلا اگر پرويز در روز جمعه تقى را مورد ايراد ضرب قرار داده و يا به قتل رسانده است اطلاق لفظهاى ضارب و يا قاتل بر پرويز به اعتبار روزهاى قبل از جمعه و روزهاى بعد از آن سه حالت دارد :
1 - اصوليين در اين جهت ترديدى ندارند كه اطلاق مشتق بر افراد و يا اشياء در حالت تلبس به مبدأ اشتقاق حقيقت است , يعنى اگر در روز جمعه به پرويز بگوئيم ضارب يا قاتل , بدون شك استعمال حقيقى است .
2 - و نيز ترديدى ندارند كه اطلاق مشتق بر افراد و يا اشياء قبل از زمان تلبس به مبدأ , مانند اطلاق لفظ ضارب و قاتل بر پرويز قبل از روز جمعه , مجاز مى باشد . مثلا به كسانيكه در مسابقه ورودى دانشگاه شركت كرده اند ولى هنوز به دانشگاه راه نيافته اند , اگر خطاب شود : دانشجويان , اين استعمال مجازى مى باشد .
3 - حالتى است كه پس از انجام عمل و انقضاء آن مورد بحث است , يعنى روزها و ساعتهاى بعد از عمل ضرب يا قتل , آيا حقيقت است يا مجاز مى باشد ؟ در اين حالت بايستى با قرينه به آن دلالت نمايد . مشهور اصوليين عقيده دارند كه در اين مورد نيز مجاز است . دليل آنان نيز تبادر است , مى گويند متبادر از ضارب و يا قاتل كسانى هستند كه در حين انجام عمل مى باشند نه كسانيكه زمان متمادى از انجام عمل آنان گذشته است .
البته بايد توجه داشت كه زمان تلبس به مبدأ , در الفاظ هميشه يكنواخت نيست . مثلا در مورد كلمه قاضى نمى توان گفت زمان تلبس به مبدأ اشتقاق تنها زمانى است كه وى در دادگاه نشسته و قضاوت مى نمايد و همين كه محكمه خاتمه يافت ديگر زمان تلبس منقضى گشته است . خير , بلكه تا هنگامى كه به اين سمت اشتغال دارد , زمان تلبس وى مى باشد . و شايد در تمام حرف و مشاغل چنين است مثلا نجاز تا زمانى كه بهحرفه نجارى اشتغال دارد و شغل ديگرى براى خويش انتخاب نكرده متلبس به نجارى است , نه آنكه فقط تا زمانى كه تيشه و اره در دست دارد نجار است و هنگامى كه مغازه خود را تعطيل كرده و در منزل استراحت مى نمايد , ديگر به اين صفت متصف نباشد .
ثمره بحث :
بحث فوق ثمرات زيادى در فقه دارد مثلا در آداب اسلامى آمده است كه قطع اشجار مثمره زشت و ناپسند است , لذا اين بحث مطرح مى گردد كه منظور از مثمره چيست ؟ آيا تنها درختانى است كه هم اكنون ميوه دارند يا درختانى كه سابقا ميوه داشته اند نيز شامل مى گردند ؟ پاسخ اين سئوال مبتنى بر بحث ما نحن فيه است .

ادامه نوشته